المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413983
يتصفح الموقع حاليا : 279

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء أن الإسلام لم يأت بجديد في عقيدة التوحيد

                        ادعاء أن الإسلام لم يأت بجديد في عقيدة التوحيد (*)

 

مضمون الشبهة:

 

يدعي بعض المشككين أن العرب قبل الإسلام كانوا يعرفون التوحيد، ولم يأت به الإسلام كما يدعي المسلمون، ويستدلون على ذلك بجمع الآلهة في الكعبة؛ مما يدل على تطلع العرب إلى عبادة إله واحد، وبهذا لا يكون للإسلام فضل في الدعوة إلى عبادة إله واحد.

 

وجها إبطال الشبهة:

 

1) الواقع يخالف دعوى تطلع العرب إلى التوحيد في تلك الجاهلية، والدليل على ذلك احتفاظ العرب لكل إله منها باسمه الخاص وصورته الخاصة.

 

2) عدم مبادرة قريش إلى الإيمان بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر دليل على كذب تلك الدعوى، بل على العكس من ذلك عارضوا تلك الدعوة ووقفوا لها بالمرصاد.

 

التفصيل:

 

أولا. جمع الآلهة في مكان واحد ليس دليل توحيد:

 

الواقع يخالف دعوى تطلع العرب إلى التوحيد في تلك الفترة فيما يتعلق بجمع الآلهة في الكعبة كدليل على ميلهم للتوحيد، فذلك مما يخالفه الواقع الملموس في تلك الفترة التاريخية، أفيمكن أن يغفل المؤرخون عن شىء كهذا، ولا سيما إبان الدعوة الإسلامية؟! لعل العكس - في ذلك - هو الصحيح، فلم يؤثر عنهم إلا أن أصنام العرب كانت معظمة لدى العرب كافة، ولو كان العرب حقا يتطلعون إلى توحيد الآلهة ألا يوقع ذلك بينهم التنازع والشقاق في أمر من يبعدونه من هذه الألهة؟! فهل سمع أحد عن هذا التنازع وذاك الشقاق؟!

 

ثم هناك حجة أخرى: أليس احتفاظ العرب لكل إله منها باسمه الخاص وصورته الخاصة دليلا محسوسا على أن فكرة إلغاء عبادتها والانصراف إلى عبادة الله وحده قول متهافت وضعيف؟! إن الأمر على خلاف ذلك، فإن الكفار على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - كانوا يتعجبون من جعل الآلهة إلها واحدا وما ذلك إلا لغرابته على عقولهم وبعده عنها، بل إن أحدا في هذا الزمان لم يكن يقول بتوحيد الآلهة، وقد كشف القرآن عن حرص هؤلاء على عبادة آلهتهم: )وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب (5) وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد (6) ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق (7)( (ص).

 

ثانيا. معاندة قريش ودلالته على موقفهم من التوحيد:

 

إن البيت الحرام عند العرب الجاهلية كان مجتمعا لهم يفد إليه جميع ما تفرق من قبائلهم في صحراء الجزيرة؛ فلذلك نصبوا حول الكعبة جملة ما تقدسه القبائل، ثم صنوف التماثيل والأوثان، فذلك كأنه آكد على ميلهم إلى إرضاء نزعة التعدد، لا على أنهم شرعوا ينزعون إلى ما يشبه للتوحيد على الوجه الذي جاء به الإسلام.

 

على أن الإسلام صريح في أن دعوة التوحيد هي فحوى ما بعث به الأنبياء جميعا، فهي دعوة أصلية في الأمم التي سبقت إليهما دعوة الأنبياء، فمعرفة العرب لأصل قضية التوحيد في جانب الألوهية - على تقدير وجود هذه المعرفة - لا يقدح في الإسلام من أي وجه، لا سيما وهؤلاء العرب قد بقيت فيهم بقية من دين إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام -.

 

وعدم مبادرة قريش إلى الإيمان بدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - أكبر دليل على كذب تلك الدعوى، وإذا كان الأمر كما يقولون، فلماذا لم يكونوا أسرع الناس إليه؟! إذ إن ذلك - في موافقته لما كانوا يتطلعون إليه - كان بمقدروه أن يطمئنهم إلى صاحب الدين الجديد الذي جاء ليحقق حلما كانوا يتطلعون إليه على حد زعمهم؟!

 

لقد أحاط كفار مكة الكعبة المشرفة بالعشرات من أصنامهم وأوثانهم المختلفة حتى وصل عدد تلك الأصنام والأوثان إلى أكثر من ثلاثمائة وستين صنما ووثنا، ومنها الأصنام الكبيرة؛ كهبل واللات والعزى ومناة وود ومناف وسعد وقزح ونسر وقيس وإساف ونائلة.. فضلا عن غيرها من الأصنام والأوثان المعبودة في خارج مكة، كما هو الحال في الطائف ويثرب؛ فنجد نخلة وقضاعة وسعد ودومة الجندل وغيرها، ومن ثم كان غالبية سكان الجزيرة يؤمنون بآلهة كثيرة، ويتوجهون إليها بالتضرع والعبادة والطلب والدعاء، وذلك على الرغم من إيمانهم بالله ربا وخالقا، زاعمين أن الطريق إلى الله لن يكون موصلا إلا من طريق تلك الأصنام التي دعوها آلهة مع الله أو بنات الله: )ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون (57)( (النحل)، فهم يعبدون الأصنام تقربا إلى الله: )ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار (3)( (الزمر)، ويرونهم شفعاءهم عند الله: )ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون (18)( (يونس).

 

وعلى الرغم من أن دعوة الإسلام إلى التوحيد جاءت متوافقة مع البقية الباقية من دعوة الخليل إبراهيم إلى عبادة الله الواحد الأحد، التي تمثلت في قلة من الحنفاء الذين نبذوا عبادة الأصنام؛ كأمية بن أبي الصلت، وزهير بن أبي سلمى، وقس بن ساعدة، وأكثم بن صيفي، وزيد بن عمرو بن نفيل الذي ما برح يكرر بين أهل مكة: "إلهي هو إله إبراهيم، وديني هو دين إبراهيم"، وذلك فضلا عن اتفاق تلك الدعوة الإسلامية إلى التوحيد مع أصل الديانة اليهودية والمسيحية إلى عبادة الله الواحد الأحد - على رغم ذلك كله فإن تلك الدعوة لقيت صدودا كبيرا من عبدة الأصنام الذين قامت حياتهم وتجارتهم على هذا النمط من الحياة الدينية والاجتماعية.

 

لقد سجل القرآن في كثيرمن آياته المواقف الحادة التي اتخذها المشركون من عقيدة التوحيد والدعوة إليها، فهي في رأيهم عقيدة تستحق التعجب والاستنكار؛ فكيف تصبح الآلهة الكثيرة إلها واحدا: )وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب (4) أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب (5)( (ص)، ومن ثم قابلوها بالاستكبار: )إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون (35)( (الصافات)، فضلا عن الاشمئزاز والإعراض والعناد والإصرار على الشرك وعبادة الأصنام، قال تعالى: )وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون (45)( (الزمر)، وقوله تعالى: )ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون (6)( (الزمر)، )وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد (6)( (ص).

 

ومن خلال تلك الصورة التي رسمتها نصوص القرآن وكذلك الواقع الديني والاعتقادي لعبدة الأصنام في جزيرة العرب في عصر النبوة ونزول الوحي يتضح استحالة القول بأن العرب كانوا يميلون من خلال جمع الأصنام في الكعبة نحو فكرة التوحيد ويتطلعون بذلك إلى عبادة الله وحده.

 

الخلاصة:

 

  • الأمر الواقع في زمن البعثة النبوية أن العرب كانوا آخذين بفكر التعدد في جانب الألوهية، وكانوا يصرفون إلى هذه الآلهة العديدة صنوف العبادات والمناسك، وألوانا من التقديس والتعظيم، وهذا هو قلب العبودية وجوهرها؛ ومن ثم لم تنفعهم دعواهم أنهم إنما يعبدونها لتقربهم إلى الله زلفى[1]، فذلك القول المتناقض الذي يصل إلى توحيد الله باتخاذ شركاء له في ملكه.

 

  • موقف عرب الجاهلية من دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى التوحيد يحدد - في وضوح، أن الكثرة المطلقة منهم كانت بمعزل عن الوحدانية والنزوع إليها أو التفكير فيها، وإذن لم تلق الدعوة الإسلامية ما لاقته من عنت وصدود.

 

 

 

 

(*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات.

 

[1]. الزلفى: القربى أو المنزلة أو المكانة.

  • الاثنين AM 04:02
    2020-11-23
  • 1236
Powered by: GateGold