المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409057
يتصفح الموقع حاليا : 383

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن الإسلام يلغي العقل ويخضعه للنصوص الدينية

                          الزعم أن الإسلام يلغي العقل ويخضعه للنصوص الدينية (*)

 

مضمون الشبهة:

 

يزعم بعض المشككين أن الإسلام دين يلغي العقل ويخضعه للنصوص الدينية المدونة في القرآن والسنة، والمفروض في ظنهم أن يحكم العقل في كل شىء حتى في القرآن، وأن ما لا يقبله العقل من الشرع غير مقبول.

 

وجوه إبطال الشبهة:

 

1)  أولى الإسلام العقل عناية فائقة، حتى ساق الكثرة المطلقة من أحكامه، مصحوبة بالحكم التي توخاها الشارع منها.

 

2) لم يلغ الإسلام العقل، وإنما أمر بإعماله، فهو مناط التكليف، وقد حث القرآن على النظر والتفكر، ودعا للتدبر والتعقل، وأنكر على الذين لا يعملون عقولهم قائلا: )أفلا يعقلون (68)( (يس).

 

3) لا تعارض بين صريح المعقول وصحيح المنقول في الإسلام، وتقديم النقل على العقل من مبادئ أهل السنة والجماعة عند التعارض بينهما.

 

4) لفهم النص القرآني أصول وضوابط، وإعمال العقل في القرآن والسنة ليس للحكم على صحتهما، وإنما لتوثيق نسبتهما إلى الله ورسوله، وأيضاح ما فيهما من دقائق المعاني، ورقائق الهدى.

 

التفصيل:

 

أجل الإسلام العقل، وقدر المنطق، فذلك أدعى للامتثال وتمام التسليم، ولكن إعمال العقل في نصوص الشريعة - القرآن والسنة - ليس مطلقا، وإلا أدى ذلك إلى التحزب والتفرق، وهذا ما لم يدع إليه الإسلام.

 

أولا. منزلة العقل وحدوده في تصور الإسلام:

 

القرآن يهدي العقل في عدة أمور:

 

  • في مسائل الإيمان.

 

  • في مسائل الأخلاق.

 

  • في مسائل التشريع.

 

فقد جاء الدين هاديا للعقل في مسائل ما وراء الطبيعة؛ أي: العقائد الخاصة بالله - سبحانه وتعالى - ورسله - صلوات الله عليهم - وباليوم الآخر، وبالغيب الإلهي على وجه العموم.

 

وكذلك جاء هاديا في مسائل الأخلاق؛ أي: الخير والفضيلة، وما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإنساني ليكون الشخص صالحا، فمن الناس من هو عبد للمال أو الجاه أو السلطان، ولدى هؤلاء الرازق هو السلطان، والشافي هو الدواء، والمعطي هو الوزير وهكذا.

 

فخلطوا الوسيلة بالغاية، فقالوا: إن الدواء هو الشافي، والشرع يقول: إن الشافي هو الله، ولا يحصل الشفاء إلا بأمره، وهكذا في كل أمور الدنيا، فالعقل - إذن - ليس هو الأداة الصحيحة لبحث المسائل النفسية؛ لأن النفس تدخل في عالم الغيب الذي لا يخضع لحواس الإنسان، والخطأ والصواب في علم الأخلاق نختلف عليه لو استعملنا عقولنا فقط.

 

وقصة العبد مع سيدنا موسى دليل رائع على القصور البشري في إدراك الخير، والشر، وأن الحواس لا تدرك إلا جزءا يسيرا من الحقيقة، وأن العقل يعجز عن إدراك أطوار لا يدركها إلا القلب، ولذلك نزلت الشرائع والأديان السماوية، بما يدخل في عالم الغيب وما يتصل بالسلوك الذي يعجز عن إدراكه العقل، وهي تدعو إلى التسليم والانقياد والعبودية المطلقة لله جل شأنه.

 

وجاء الإسلام كذلك هاديا في مسائل التشريع الذي ينتظم به المجتمع، وتسعد به الإنسانية مستقلا بنفسه، فإنه لا يصل فيها إلى نتيجة يتفق عليها الجميع، فالمسائل المتعلقة بالعبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج؛ أي: الخصائص المتعلقة بالعبودية قطعا تؤدي إلى التسليم والإذعان.

 

فلننظر إلى أداء هذه العبادات؛ فحركات الصلاة - مثلا - ليست عشوائية بهذا الشكل، بل هي مقصودة، كما أن الأمر بغسل أعضاء معينة في أثناء الوضوء لا بد أنه مستند إلى فائدة وحكمة.

 

كما أن أداء الصلاة في الجماعة له دور مهم في تأسيس الحياة الاجتماعية، وفرض الزكاة له دور مهم في تأسيس التوازن بين الأغنياء والفقراء، أما الفوائد الصحية للصوم فهي أكثر من أن تعد، وقد كشف عنها الطب قديمه وحديثه بما فيه الكفاية. حيث إنه لو تم التدقيق من ناحية العقل والمنطق لوصلنا إلى النقطة نفسها وهي الإذعان والتسليم. فالإسلام عقلي ومنطقي من جهة، وإذعان وتسليم من جهة أخرى، فيخضع المسلم لشرعه عن طريق القلب والعقل جميعا.

 

ولا شك أن منازل الناس مختلفة في العقل، وأنصباءهم متفاوتة فيه، ومعنى ذلك أن ما يروق لشخص عقليا ربما لا يروق لغيره؛ فكانت الشريعة بمثابة السفير من الله إلى الخلق عن طريق الوحي، والآيات والمعجزات كذلك.

 

ومن هنا تسقط "لم"، وتبطل "كيف" وتزول "هلا" وتذهب "لو" و"ليت" في الريح، فلو كان العقل يكتفى به لم يكن للوحي فائدة.

 

فمثلا: يقال إن الحكمة من تحريم شرب الخمر إنما هي المفاسد التي تنشأ من الشخص الشارب، فإذا ما أنتفت تلك المفاسد، فلا مانع من شرب الخمر.

 

والتكاليف الدينية إنما جاءت لإصلاح الضمير، فإذا كان الضمير صالحا فلا حاجة إليها.

 

وأعمال العبادة إنما هدفها القرب من الله، فإذا حصل القرب فلا حاجة إليها.

 

وهكذا يخرج الإنسان بأهوائه - كما يصورها له الشيطان منطقا معقولا - عن الدين كما خرج إبليس قديما بأهوائه - عن الدين حينما رفض السجود لآدم - عليه السلام - لزعمه أنه خير منه؛ لأنه خلق من النار، والنار أفضل من الطين.. كفرا وعنادا.

 

والإمام الغزالي - رحمه الله - يمثل لهذا بقصة مؤداها أن رجلا بني لابنه قصرا على رأس جبل، ووضع فيه حشيشا طيب الرائحة، ووصاه بألا يخلي القصر من هذا النبات طوال عمره، فزرع الولد من صنوف الرياحين والعنبر، فغمرت القصر رائحة طيبة، وزعم أنه آن الوقت للاستغناء عن هذا الحشيش، فما وصاه به والده إلا لطيب رائحته، وقد ضاق به المكان.

 

فلما خلا القصر من الحشيش ظهر من بعض ثقوب القصر حية هائلة، وضربته ضربة أشرف بها على الهلاك، حينئذ تنبه إلى فائدة الحشيش وقت لا ينفع التنبه، فقد كان من خاصة هذا الحشيش دفع هذه الحية، فكان الغرض من الوصية شيئين:

 

أحدهما: الانتفاع بالرائحة، وهذا ما أدركه الولد بعقله.

 

وثانيهما: دفع الأذى، وهذا ما قصر عن إدراكه، فاغتر الولد بما عنده من علم، وظن أن لا سر وراء ما يعلم ويعقل.. كما قال تعالى: )ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى (30)( (النجم)، وقال سبحانه وتعالى: )فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون (83)( (غافر).

 

ولا شك أن الإنسان إنما سبيله أن تفيده الملل بالوحي ما شأنه ألا يدركه بعقله، وإلا فلا معنى للوحي.

 

كما أن العقل يفهم محكم القرآن، ولا يناقض متشابهه، وقد جاء في القرآن: )هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (7)( (آل عمران).

 

فقد أراد الإسلام من المسلم أن يستمسك بالمحكمات استمساكا تاما، وأن يعتصم بها اعتصاما كاملا: )ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم (101)( (آل عمران). وأن يسلم الأمر لله في المتشابه[1].

 

والقرآن لم يستشر الإنسان، بل قام بدور الهادي والمربي، وتعالى الخالق أن يستشير المخلوق، وتعالى الرب عن أن يستشير المربوب، وتعالى العليم الحكيم عن أن يحتكم إلى البشر أو يحكمهم فيما أنزله إليهم هداية وتربية، هذا هو موقف الدين من العقل: وترشدنا إليه آيات كثيرة كقوله سبحانه وتعالى: )وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا (29)( (الكهف).

 

والآية تقرر أن كل شخص يعمل فكره ويتأمل في هذا الحق، فإنه - لا محالة - سينتهي بالاعتراف والإقرار والإيمان، أما من اتبعوا الأسلاف بغير علم، فهم كالأنعام، بل أهم أضل؛ لأنهم يلغون عقولهم؛ ومن هنا اتفق العلماء على أن الإيمان المقبول ما كان عن علم وبرهان لا عن تقليد وإذعان، واختلفوا في إيمان المقلد أيصح منه أم لا؟

 

فكان طبيعيا أن يشن الإسلام حربا شعواء على الخرافات والأباطيل، فهو ينهي أن يتبع الرجل أو يعتقد ما لم يقم عليه برهان قطعي ثابت.

 

وقد بلغ حرص الإسلام على أمر الاتباع في الجانب الذي لا ينبغي للعقل أن يعمل فيه حدا لافتا، حتى لم يجز الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يستبدل أحد صحابته بكلمة قالها كلمة بمعناها، كما روي عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت، فإن مت في ليلتك، فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به قال فرددتها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما بلغت اللهم بكتابك الذي أنزلت قلت: ورسولك الذي أرسلت قال: لا، ونبيك الذي أرسلت»[2].

 

وبالجملة فإن العلم الصحيح الصادق هو في عالم الهداية الإلهية والتربية الربانية، وليس للعقل سبيل إليها وحده، فالإنسان إنسان بالجانب الروحي، وكلما سما الإنسان روحيا كان أعلى في معاني الإنسانية، وتحديد تلك المعاني الروحية موكول بالقرب من الله تعالى، وما دام الأمر كذلك فليس للعقل إلا التسليم والخشوع والخضوع.

 

وقد يحسن أن نختم هذا البحث بلفتة دالة عن ورود مادة "العقل" في القرآن الكريم، فنشير إلى أنها لم ترد في القرآن بصيغة الاسم، وإنما وردت بصيغة الفعل مثل: "تعقل، عقلوه، أو تعقلون، أو يعقلها، أو يعقلون" حوالي 49 مرة، وذلك في الآيات التي تتحدث عن الطبيعة، والخلق، فذلك أدعى إلى الإيمان بالله بارتواء الروح؛ حتى لا يكون في الصدور حرج أو شك مما أنزل، فقد قال تعالى: )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما (65)( (النساء).

 

ثانيا. العقل في الإسلام مناط [3] التكليف، ولذلك نعي على من يعطلون عقولهم:

 

العقل جزء من الشرع، فكما أنه لا عقل كامل بلا شرع، فلا شرع كامل بلا عقل. فما العقل؟ قال السلف: إن العقل عقلان: غريزي، ومكتسب.

 

فالغريزي هو ما نسميه بالمقدرات العقلية من فهم وإدراك وفقه، واتساق في الكلام، وحسن تصرف، وهذا هو مناط التكليف. ودين محمد - صلى الله عليه وسلم - يقوم على دعائم ثلاثة: الإيمان بالله، والنبوة، واليوم الآخر، لذا قال الآمدى: "اتفق العقلاء على أن شرط المكلف أن يكون عاقلا فاهما للتكليف؛ لأن التكليف خطاب، والفهم محال على الجماد والبهيمة مثلا، وكذا المجنون والصبى؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستقيظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل»[4].

 

وإذا كان العقل هو مناط التكليف في الشريعة الإسلامية، فإن حفظه - إذن - ضرورة لا غنى عنها، ولا تستقيم حياة الناس بدون ذلك، ومما يدل على اهتمام الشريعة الإسلامية بحفظ العقل أنها حرمت كل ما من شأنه إفساد العقل، وإدخال الخلل عليه، وهذه المفسدات قسمان:

 

  1. مفسدات حسية: وهي التي تؤدي إلى الإخلال بالعقل، بحيث يصبح الإنسان كالمجنون، الذي لا يعرف صديقا من عدو، ولا خيرا من شر، وهذه المفسدات هي الخمور، والمخدرات، وما شابهها، قال تعالى: )إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90)( (المائدة).

 

قال سيد قطب: إن غيبوبة السكر - بأي مسكر - تنافي اليقظة الدائمة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم؛ ليكون موصلا بالله في كل لحظة مراقبا لله في كل خطوة، ثم ليكون بهذه اليقظة عاملا إيجابيا في نماء الحياة وتجددها، حافظا لتكاليف ربه، حام لماله وعرضه، فما كان المسلم عبدا لشهوة أو لذة، بل يجب أن يسيطر دائما على رغباته، وغيبوبة السكر تتنافى مع هذا فلا يرى الحق حقا.

 

  1. مفسدات معنوية: وهي ما يطرأ على العقول من تصورات فاسدة في الدين، أو الاجتماع، أو السياسة، أو غيرها، فتعطيل العقل عن التفكير السليم مفسدة له، لذا نعي الله عز وجل في كتابه على الكفار؛ حيث عطلوا عقولهم عن التفكير، في آيات الله القرآنية والكونية، قال تعالى: )أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا (44)( (الفرقان).

 

قال ابن سعدى: "سجل - عز وجل - عليهم ضلالهم البليغ بأن سلبهم العقول والأسماع، وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة التي لا تسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون، بل هم أضل من الأنعام".

 

 دعوة الإسلام إلى التفكر والنظر:

 

إن الإسلام يحرر العقل من عقاله، ومن أروع ما يؤثر في هذا الباب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الشمس كسفت يوم مات ولده إبراهيم، فظن الناس أنها كسفت من أجله، فأنكر ذلك حتى لا يقع الناس في رق الخرافات والأوهام.

 

فالإنسان قد ينزل بحسه وعقله إلى المستوى الحيواني، ويصير من طائفة من يقال فيهم: "كالأنعام"، وقد يرتفع بروحه الشفافة وبصيرته المضيئة وقلبه الطاهر إلى أن يكون أقرب إلى الملائكة؛ لأن صفاء الروح وكشف الران[5] عن القلب الذي كان يحجبه عن تلقي الأنوار الربانية يجعله محلا للإلهام، والمعرفة المستنيرة.

 

وفريضة التفكير في القرآن الكريم تشمل العقل الإنساني بكل ما احتواه من وظائف؛ فهو يخاطب العقل الوازع، والعقل المدرك، والعقل الحكيم، والعقل الرشيد.

 

فمن خطابه إلى العقل، قوله تعالى: )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون (164)( (البقرة)، وقوله تعالى: )وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (27)( (الروم)، وقوله تعالى: )وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (43)( (العنكبوت).

 

ومنه ما يخاطب العقل الوازع، في قوله تعالى: )وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير (10)( (الملك)، )ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون (151)( (الأنعام)، )وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون (109)( (يوسف)،)تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (14)( (الحشر).

 

إلى جانب الآيات التي تبتدئ بالزجر، وتنتهي إلى التذكير بالعقل؛ لأنه خير مرجع للهداية في ضمير الإنسان، كقوله تعالى: )أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44)( (البقرة)، )وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (58)( (المائدة)، )وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (32)( (الأنعام)، )أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون (67)( (الأنبياء).

 

وهذا خطاب العقل المدرك، وهو يقوم على الفهم والوعى؛ لأنه موطن الإدراك والفهم في ذهن الإنسان، قال تعالى: )والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (7)( (آل عمران)، )قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون (100)( (المائدة)، )لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب( (يوسف:111).

 

كما يدعو إلى الفكر والنظر، والتدبر والاعتبار، وسائر هذه الملكات الذهنية، ونلمح ذلك في قوله: )الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191)( (آل عمران)، )قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون (50)( (الأنعام). )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17)( (الغاشية)، )انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون (65)( (الأنعام)، )أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون (27)( (السجدة)، )أو يذكر فتنفعه الذكرى (4)( (عبس). )قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون( (الزمر)، )قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا (66)( (الكهف).

 

والأمثلة على ذلك كثيرة، ويتبين منها أن العقل الذي يخاطبه الإسلام، هو الذي يعصم الضمير، ويدرك الحقائق، ويميز الأمور، ويوازن بين الأضداد، ويتبصر ويتدبر، وهو العقل الذي يقابله الجمود والعنت والضلال. وهنا يبرز فضل الحكمة والرشد على مجرد التعقل والفهم، كما قال تعالى: )يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب (269)( (البقرة).

 

ويدل على ذلك أن الأنبياء يطلبون الرشد والعلم من بعض عباد الله الصالحين، كماجاء في قصة موسى والعبد الصالح عليهما السلام فالدين الإسلامي دين لا يعرف الكهانة[6] ولا يتوسط فيه السدنة[7] والأحبار بين المخلوق والخالق، وهذا هو المنتظر من دين يلزم كل إنسان طائره في عنقه، ويحاسبه بعمله، )وأن ليـس للإنسـان إلا مـا سعـى (39) وأن سعيــه سـوف يـرى (40)( (النجم) [8].

 

ثالثا. لا تعارض بين المعقول والمنقول، وتقديم النقل أوجب عند التعارض:

 

لا تعارض بين العقل والنقل:

 

لا شك أن الصحابة الكرام كانوا يدركون أن النقل - القرآن الكريم، والسنة النبوية - هو القائد الذي لا بد من تسليمه زمام حياتهم، لكن هذا التسليم لا ينطلق في إطار"اعتقد وأنت أعمى"، فقد قال القرآن: )فاعلم أنه لا إله إلا الله( (محمد: 19)، والآيات التي تحث على التفكر والنظر تأتي في مئات المواضع في القرآن الكريم، لذا فهم السلف أن العقل هو الآنية التي يملؤها النقل.

 

وقد ظهرت بوادر الاختلال عندما جمدت عقول المسلمين عن الإبداع بحجة الاتباع، بينما جنح آخرون نحو الغلو في تقدير العقل حتى خاضوا في كثير من مسائل "عالم الغيب"، ووصلوا إلى الابتداع تحت راية الإبداع، وليس هذا بصحيح، بل ما جاء من عند الله فهو ثابت، وكل ما أدت إليه الاجتهادات البشرية فهو خاضع للتغير.

 

فلا يصح أن كل ما هو تراث يجب أن يهال عليه التراب دون تفريق بين أصول إلهية معصومة وفروع بشرية غير معصومة، كما لا يصح أن ننظر إلى الماضي كإناء احتوى حضارة عظمى دون تفريق بين النقل المعصوم، والعقل الذي فكر وقدر، وجرب فأخطأ وأصاب.

 

وإن من يتنكرون للتراث ومن يجمدون عليه معا يساهمون بدون وعي في إضعاف فاعلية الأمة، والمخرج أن يتم إعمال العقل في فهم النقل، وحينها سيتم الاحتفاظ بالتراث المنسجم من مقاصد الشرع واستقبال الجديد من وقائع العصر، واختيار الأصلح منها؛ لنقوم بمزج ذلك كله في عقل المسلم، كما تمزج النحلة رحيق الأزهار ثم تخرجه عسلا مصفى شافيا، فكل عقل لا يبدأ إلا بالنقل، وكل نقل لا يكون إلا بالعقل، إذ إن كليهما ضروريان، سواء في الرؤية الإسلامية أو في الواقع العملي لنهوض الأمة؛ فهي إلى هلاك بدونهما.

 

وجوب تقديم النقل عند التعارض:

 

يقول ابن تيمية رحمه الله: إذا تعارض العقل والنقل، وجب تقديم النقل؛ لأن الجمع بين المدلولين جمع بين نقيضين، ورفعهما رفع للنقيضين، وتقديم العقل ممتنع؛ لأن العقل دل على صحة السمع، ووجوب قبول ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فلو أبطلنا النقل لكنا أبطلنا دلالة العقل، فلم يصح أن يكون معارضا للنقل، فكان تقديم العقل موجبا عدم تقديمه، فلا يجوز تقدمه.

 

فإذا تعارض العقل والشرع وجب تقديم الشرع؛ لأن العقل مصدق للشرع في كل ما أخبر به، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به، ولا العلم بصدقه موقوف على كل ما يخبر به العقل، قال بعضهم: يكفيك من العقل أن يعلمك صدق الرسول صلى الله عليه وسلم ومعاني كلامه.

 

وإن تقديم المعقول على الدلالة الشرعية ممتنع متناقض، وأما تقديم الأدلة الشرعية فهو ممكن مؤتلف، فقد اتفق أهل الإسلام على ثوابته، فمثلا نقل حروف القرآن، والصلوات الخمس، والقبلة بالتواتر، ومعلوم أن النقل المتواتر يفيد العلم اليقيني.

 

فلو قيل بتقديم العقل على الشرع - وليست العقول شيئا واحدا - لاختلفت آراء الناس باختلاف عقولهم في كل مكان وزمان، بل في البيئة الواحدة. أما الشرع فهو في نفسه قول الصادق. وهذه صفة لازمة له لا تنفك عنه، ولا تختلف باختلاف الناس.

 

رابعا. ترشيد القرآن للنظر العقلى:

 

كان الإسلام - وما زال - دين العقل والبرهان الصادق )قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111)( (البقرة)، وعلى هذا الأساس، فقد حفل القرآن الكريم بالآيات التي تحث على الحكمة: )يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب (269)( (البقرة)، وتدعو إلى التعقل، قال تعالى: )كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون (242)( (البقرة)، وإلى التفكــر: )فاقصــص القصـــص لعلهـم يتفكـــرون (176)( (الأعراف)، والابتعاد عن الظن: )وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا( (يونس: 36)، وعن الهوى: )ومن أضل ممن اتبع هواه( (القصص: 50)، وتدعو إلى العلم: )يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات( (المجادلة: 11)، وقال أيضا: )هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون( (الزمر: 9).

 

وقد اتخذ الإسلام في منهجه العقلي خطوات متتالية، ترقى بالعقل درجة درجة حتى تفضي به إلى اليقين الدينى:

 

  1. محاربة الجمود والتقليد: لأن البناء على أساس عقلي متين يقتضي تنقية الرواسب التي خلفتها القرون الماضية التي هيمنت على العقول، وحجبتها عن البحث والتأمل، لذلك أثبت القرآن صفة هؤلاء، قال تعالى: )وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون (170) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون (171)( (البقرة).

 

  1. مكافحة المكابرة والعناد: والمعاندون هم الذين يرون الحقائق ماثلة أمام أعينهم، ولكنهم يكابرون ويختلقون الأكاذيب لطمسها، وصرف العقول عنها، وإذا وضع الحق ماثلا أمامهم - لا سبيل إلى نكرانه - كابروا )وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقـر ومن بيننا وبينـك حجـاب فاعمـل إننـا عاملــون (5)( (فصلت)، )وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا (90) أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا (91)( (الإسراء)، وفي هؤلاء قال تعالى: )ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون (14) لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (15)( (الحجر)، وأمثال هؤلاء وجب فضحهم حتى لا يفتنوا غيرهم بما يلفقونه من سفسطة [9] ومهاترات[10].

 

  1. التأمل والاستنباط: بعد تحرير العقول من المعتقدات الفاسدة، وكشف أباطيل المعاندين، وقد ناشد الإسلام أهله أن يتدبروا ويتأملوا في ملكوت السماوات والأرض )إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب (190) الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار (191)( (آل عمران)، وقال تعالى: )أفلا ينظرون إلى الإبـل كيـف خلقـت (17) وإلى السمـاء كيـف رفعــت (18) وإلى الجبال كيف نصبت (19)( (الغاشية)، بل يحفز إلى التأمل الذاتي في تكويـن الجسـد والعقـل: )فلينظـر الإنسـان مـم خلــق (5) خلق من ماء دافق (6)( (الطارق)، )وفي أنفسكم أفلا تبصرون (21)( (الذاريات)، )كـذلك نفصــل الآيــات لقـوم يعقلــون (28)( (الروم).

 

  1. النتائج العلمية مؤيدة بالبراهين: بعد مرحلة التدبر يعين الإسلام على الوصول إلى النتائج العلمية مؤيدة بالدليل المنطقي الملموس، قال تعالى: )لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا( (الأنبياء: 22)، وقال أيضا: )ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون (91)( (المؤمنون).

 

وهكذا نجد الحقيقة الكبرى مقررة بالبرهان العقلي حتى لا يعتري الناس شك أو إيهام، كتقريره - مثلا - لموضوع الوحدانية، قال تعالى: )أمن خلق السماوات والأرض وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون (60) أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61) أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلا ما تذكرون (62) أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر ومن يرسل الرياح بشرا بيـن يـدي رحمتـه أإله مع الله تعالى الله عمـا يشركــون (63) أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (64)( (النمل)، وفي التدليل على البعـث والنشـور قـال تعالى: )أفرأيتـم مـا تمنئــون (58) أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون (59) نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين (60)( (الواقعة).

 

وهكذا يظل القرآن يوالي الحقائق مشفوعة بالدليل القاطع والبرهان المبين[11].

 

الخلاصة:

 

  • أجل الإسلام العقل، وقدر المنطق، فذلك أدعى للامتثال، وتمام التسليم، فالعقل مناط التكليف، وبذلك دعا القرآن إلى التفكر والنظر، ولكن إعمال العقل في نصوص الشريعة - القرآن والسنة - ليس مطلقا، وإلا أدى ذلك إلى التحزب والتفرق؛ إذ ليس هناك حقيقة واحدة ثابتة على ذلك لاختلاف العقول وبالتالي اختلاف الآراء، وهذا ما لم يدع إليه الإسلام.

 

  • لم يلغ الإسلام العقل ولا أمر بتعطيله، بل حث على إعمال العقل، وأنكـر على الذيـن لـم يعملـوا عقولهـم: )أفلا يعقلون (68)( (يس).

 

  • وصف القرآن المعطلين لعقولهم بالأنعام بل هم أضل، ومن ثم كانت حرية الاعتقاد: )فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( (الكهف: 29)، فالحق واضح لأولي الألباب، واستعمال العقل يعمق الإيمان بالله؛ لأنه مخلوق على الفطرة التي فطره الله عليها، ولكن الكفر والعناد والاستكبار يطمس البصائر ويعمي الأفئدة.

 

  • استعمال العقل في نصوص الشريعة ليس مطلقا، فالعقل والنقل بينهما تكامل، وكل منهما يقوي الآخر؛ إذ إن كل عقل لا يبدأ إلا بالنقل وكل نقل لا يكون إلا بالعقل، وكلام القائلين بتعارض العقل والنقل، ينقصه الدليل.

 

  • أما عند توهم التعارض بينهما - لقصور العقل - فيجب تقديم النقل على العقل عند أهل السنة والجماعة؛ ذلك لأن العقل مخلوق أما نصوص الشريعة فقد قالها الحق - سبحانه وتعالى - وهو أعلم بخلقه.

 

  • وإعمال العقل في القرآن والسنة ليس للحكم على صحتهما، وإنما لتوثيق نسبتهما إلى الله ورسوله، واطمئنان القلب إلى ذلك، ولأيضاح ما فيهما من دقائق المعاني ورقائق الهدى.

 

 

 

 

(*) أسئلة العصر المحيرة، محمد فتح الله كولن، ترجمة: أورخان محمد علي، دار النيل، القاهرة، ط1، 1422هـ/ 2002م. القرآن والرسول ومقولات ظالمة، د. عبد الصبور مرزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1425هـ/ 2004م.

 

[1]. المتشابه: نص قرآني يحتمل عدة معان، عكسه المحكم.

 

[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء، باب فضل من بات على الوضوء (244)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (7057).

 

[3]. المناط: العلة.

 

[4]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا (4405)، والترمذي في سننه، كتاب الحدود، باب فيمن لا يجب عليه الحد (1423)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (297).

 

[5]. الران: الحجاب.

 

[6]. الكهانة: ادعاء معرفة الأسرار أو أحوال الغيب.

 

[7]. السدنة: جمع سادن، وهو الحاجب.

 

[8]. التفكير فريضة إسلامية، عباس محمود العقاد، دار القلم، القاهرة، ط1، ص8: 20 بتصرف.

 

[9]. السفسطة: الجدل والتضليل.

 

[10]. المهاترات: جمع مهاترة، أي: قول ينقض بعضه بعضا.

 

[11]. انظر: الإسلام والعقل، د. عبد الحليم محمود، دار المعارف، القاهرة، ط3، 1988م. تغييب الإسلام الحق، د. محمود توفيق محمد، مكتبة وهبة، القاهرة، 1416هـ/ 1996م. منهج السلف بين العقل والتقليد، د. محمد السيد الجليند، مكتبة العمرانية، القاهرة، 1994م. أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي، طارق منينة، دار الدعوة، القاهرة، 2000م.

  • الاثنين AM 03:46
    2020-11-23
  • 1298
Powered by: GateGold