المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413202
يتصفح الموقع حاليا : 295

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن القرآن مخلوق

                                         الزعم أن القرآن مخلوق (*)

 

مضمون الشبهة:

 

تزعم طائفة من المغالطين أن القرآن الكريم مخلوق خلقه الله - عز وجل - وأن القول بقدمه يفضي إلى القول بتعدد القدماء وهو ما ينافي الوحدانية، وهم بذلك يذهبون إلى ما قال به النصارى في عيسى - عليه السلام - أنه كلمة الله على الوجه الذي يفسرونها به. ويستدلون على ذلك بأن القرآن شىء "والله خالق كل شىء"، وأنه - عز وجل - وصفه بالحدوث في قوله: )ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون (2)( (الأنبياء)، والمحدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن.

 

وجوه إبطال الشبهة:

 

1)  القرآن الكريم نفسه يصرح كثير من آياته أنه كلام الله غير مخلوق.

 

2)  قدم أئمة المسلمين إبان المناظرات القديمة حول هذه المسألة الأدلة العقلية على تهافت القول بخلق القرآن.

 

3) إثبات الصفات لله - عز وجل - لا يعني إثبات قدماء مع الله يشاركونه في ملكه وتدبيره، فإن الله بمجموع صفاته قديم، ولا يعقل إثبات ذات في الخارج مجردة من الصفات.

 

4) لم يحدث القول بخلق القرآن عن تدبر في نصوص الإسلام ذاتها، بل التزمه بعض المسلمين تخلصا من إلزمات النصارى في مجالس الجدل والمناظرة.

 

التفصيل:

 

أولا. دلالة القرآن نفسه على أنه غير مخلوق:

 

 إذ لو كان مخلوقا لفني كما تفني المخلوقات، ولكنه باق بعد فناء كل شىء؛ إذ يقول تعالى حين يفني كل شىء: )لمن الملك اليوم( (غافر: 16)، ويجيب سبحانه: )لله الواحد القهار (16)( (غافر)، وهذا من القرآن، فكيف يكون القرآن مخلوقا؟!!

 

لقد اشتمل القرآن الكريم على براهين تدل على أنه كلام الله وغير مخلوق، قال الشيخ الإمام الحافظ اللالكائى: سأل رجل أبا الهذيل العلاف المعتزلي البصري عن القرآن، فقال: مخلوق، فقال له: مخلوق يموت أو يخلد. قال: لابل يموت. قال: فمتى يموت القرآن؟ قال: إذا مات من يتلوه فهو موته. قال: فقد مات من يتلوه، وقد ذهبت الدنيا وتصرمت، وقال الله عز وجل: )لمن الملك اليوم(، فهذا القرآن، وقد مات الناس. فقال: ما أدرى!

 

كما أن القرآن من أمر الله، وقد قال تعالى: )لله الأمر من قبل ومن بعد( (الروم: 4)، فإذا قيل: قبل مطلقاوبعد مطلقا، كان المراد به الأزل والأبد، والله - سبحانه وتعالى - أطلق القول فيه، فقال: )لله الأمر من قبل ومن بعد( ويقتضي أن يكون الأمر أزليا، ولا يزال وما يوجد أزلا ولا يزال، فهو قديم، وأنه قبل الأشياء كلها وبعد الأشياء كلها، كما قال - سبحانه وتعالى - وما كان قبل الأشياء كلها وبعدها فلا يكون محدثا؛ لأن المحدث ما كان له أول في الابتداء وآخر في الانتهاء"[1]؛ وقال تعالى: )ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين (54)( (الأعراف)، فأخبر أن الأمر غير الخلق[2].

 

 فإن الله - عز وجل - إذا سمى الشيء الواحد باسمين أو ثلاثة فهو مرسل غير منفصل، وإذا سمى شيئين مختلفين لا يدعهما مرسلين حتى يفصل بينهما. من ذلك قوله: )يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا( (يوسف: 78)، فهذا شىء واحد سماه بثلاثة أسماء وهو مرسل، ولم يقل إن له أبا وشيخا وكبيرا، وقال: )عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا (5)( (التحريم)، فلما كان البكر غير الثيب، لم يدعه مرسلا حتى فصل بينهما بالواو العاطفة.

 

 ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى: )وما يستوي الأعمى والبصير( (فاطر: 19)، فلما كان البصير غير الأعمى فصل بينهما، ثم قال: )ولا الظلمات ولا النور (20) ولا الظل ولا الحرور (21)( (فاطر)، فلما كان كل واحد من هذا الشيء غير الشيء الآخر فصل بينهما. ثم قال: )هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون (23) هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم (24)( (الحشر)، فهذا كله شىء واحد، فهو مرسل ليس بمنفصل. ومن ذلك قوله تعالى: )ألا له الخلق والأمر( (الأعراف: 54)؛ لأن الخلق غير الأمر فهو منفصل[3]. من هذا يثبت أن القرآن غير مخلوق.

 

ثانيا. الدلالة العقلية على أن القرآن غير مخلوق:

 

 ولو افترضنا جدلا أنه غير الله - كما يزعمون - أي: خلقه الله قائما بذاته ونفسه - فهذا محال؛ إذ لا يكون الكلام إلا من متكلم، كما لا تكون الإرادة إلا من مريد، ولا العلم إلا من عالم، ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته.

 

فإذا علمنا بطلان زعمهم أن القرآن "غير الله" علمنا أنه لا يمكن أن يكون مخلوقا، وإنما هو صفة من صفاته جل في علاه.

 

ولقد ألزم الإمام عبد العزيز المكي بشرا المريسي بين يدي المأمون بعد أن تكلم معه ملتزما ألا يخرج عن نص التنزيل الحجة، فقال بشر: يا أمير المؤمنين، ليدع مطالبتي بنص التنزيل، ويناظرني بغيره، فإن لم يدع قوله، ويرجع عنه ويقر بخلق القرآن الساعة، وإلا فدمي حلال.

 

قال عبد العزيز: تسألني أم أسألك؟

 

فقال بشر: اسأل أنت.

 

فقلت له: يلزمك واحدة من ثلاث لا بد منها: إما أن تقول: إن الله خلق القرآن - وهو عندي أنا كلامه - في نفسه، أو خلقه قائما بذاته ونفسه، أو خلقه في غيره؟

 

قال: أقول خلقه كما خلق الأشياء كلها، وحاد عن الجواب.

 

فقال المأمون: اشرح أنت هذه المسألة، ودع بشرا فقد انقطع.

 

فقال عبد العزيز: إن قال خلق كلامه في نفسه فهذا محال؛ لأن الله لا يكون محلا للحوادث المخلوقة، لا يكون منه شىء مخلوقا.

 

وإن قال: خلقه في غيره، فيلزم في النظر والقياس، أن كل كلام خلقه الله في غيره، فهو كلامه، فهو محال أيضا؛ لأنه يلزم قائله أن يجعل كل كلام خلقه الله في غيره هو كلام الله.

 

وإن قال: قائما بنفسه وذاته، فهذا محال؛ فلا يكون الكلام إلا من متكلم - كما لا تكون الإرادة إلا من مريد، ولا العلم إلا من عالم، ولا يعقل كلام قائم بنفسه يتكلم بذاته، فلما استحال من هذه الجهات أن يكون مخلوقا. علم أنه صفة لله.

 

والحق أن القرآن الكريم ينظر إليه من زاويتين:

 

إحداهما: من حيث مصدره، وهو أن الله تعالى متصف بالكلام سبحانه وتعالى.

 

ثانيهما: من حيث هذه الحروف المصورة بالمداد في المصاحف والنطق بها، فهذا محدث لأنه عمل من أعمال القارئ، وأعماله محدثة بلا شك.

 

ولقد رأينا مثيري هذه الشبهة ينكرون أن يتصف الله بالكلام لما علموا أن هذا يؤدي بهم إلى كون القرآن غير مخلوق، فراحوا يعللون ما أسند إليه سبحانه أنه تكلم به بأنه - سبحانه وتعالى - خلق الكلام في الموضع الذي صدر عنه الكلام، فكلامه لموسى بخلقه الكلام في الشجرة[4]. وقلنا إن هذا باطل؛ إذ لو أن كلامه عز وجل يخلقه في غيره، لكان كل كلام في الدنيا كلامه سبحانه؛ لأن الله خلق كلام زيد في زيد، وخلق كلام عمرو في عمرو، وخلق كلام بكر في بكر، وكل إنسان يتكلم فإن الله هو الذي خلق كلامه فيه!! فإذا كان كلام الله هو ما خلقه في غيره فكل متكلم إنما يتكلم بكلام الله!! ولا فرق حينئذ بين القرآن وبين أي هذيان.

 

فهؤلاء أغفلوا الزاوية التي ينظر منها إلى مصدر القرآن، وأن الله متصف بالكلام، وأخذوا يلبسون على الناس من الزاوية الأخرى "من حيث الحروف المصورة بالمداد في المصاحف والنطق بها"، وقد انكشف مكرهم وبطل افتراؤهم عن مصدر القرآن، وأن الله متصف بالكلام بكون القرآن غير مخلوق، ولم ننكر عليهم أن الحروف المصورة بالمداد والنطق بها محدثة فهذا بالطبع من عمل القارئ وأعماله محدثة بلا شك.

 

ثالثا. قدم صفاته - عز وجل - لا يعني إثبات قدماء مع الله:

 

وقدم صفات الله لا يعني تعدد القدماء؛ إذ لا انفصام بين الشيء وصفاته؛ فإذا قلنا إن صفات الله قديمة، فهذا أمر طبيعى؛ إذ كان الله بصفاته ولا شىء معه، وهذا لا يؤدي إلى تعدد القدماء - كما يتوهم البعض - إذ لا يمكن لعاقل أن ينظر إلى صفات شخص ما على أنها أشخاص آخرون يشاركونه فيما يملك، ويكون لها من القدرة ماله فتعمل كما يعمل وكأنها أشخاص مستقلة عنه، ولله المثل الأعلى فلا يمكن لعاقل كذلك أن ينظر إلى صفات الله على أنها آلهة أخرى مستقلة عنه تشاركه في ملكه. فالشيء وصفاته شىء واحد ولا انفصام بينهما.

 

ولعلك تدرك هذا حينما تقرأ قول الله تعالى: )إن له أبا شيخا كبيرا( (يوسف: 78)، فهذا شىء واحد سماه ثلاثة أسماء، لذا لم يفصل بينها، بعكس لو كان كل اسم أو صفة تطلق على شىء مختلف عن الآخر، فإنه يفصل بينها كما في قوله تعالى: )ثيبات وأبكارا( (التحريم: 50)، وقد تقدم ذلك قريبا.

 

ولما كانت أسماء الله وصفاته تطلق على واحد لا إله غيره لم يفصل بينها، فقال سبحانه: )السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر( (الحشر: 24).

 

وبدا بذلك أن كون القرآن غير مخلوق لا يؤدي إلى وجود قديم غير الله، ولا يؤدي إلى تعدد القدماء؛ إذا ليس في قدرة العقل أن يتصور ذاتا مجردة عن صفاتها في الخارج، ومن أنكر ذلك فقد كابر وأحال.

 

وإن الله تعالى في القرآن لم يسم كلامه شيئا، إنما الذي سمي شيئا الذي كان بقوله، ألم تسمع قوله تبارك وتعالى: )إنما قولنا لشيء( (النحل: 40)، فالشيء ليس قوله، إنما الشيء الذي كان بقوله، وفى آية أخرى: )إنما أمره إذا أراد شيئا( (يس: 82)، فالشيء ليس هو أمره، إنما الشيء الذي كان بأمره.

 

ومن الأعلام والدلالات أنه لا يعني كلامه مع الأشياء المخلوقة، قال الله للريح التي أرسلها على عاد: )تدمر كل شيء بأمر ربها( (الأحقاق: 25)، وقد أتت تلك الريح على أشياء لم تدمرها، منازلهم ومساكنهم والجبال، التي بحضرتهم، فأتت عليها تلك الريح ولم تدمرها، وقال: )تدمر كل شيء(.

 

فكذلك إذا قال: )خالق كل شيء( (الرعد: ١٦) لا يعني نفسه ولا عمله ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة، وقال لملكة سبأ: )إني وجدت امـرأة تملكهـم وأوتيـت مـن كــل شيء ولهــا عـرش عظيــم (23)( (النمل)، وقد كان ملك سليمان شيئا، ولم تؤته، وقال الله لموسى: )واصطنعتك لنفسي (41)( (طه)، )ويحذركم الله نفسه( (آل عمران: 28)، )كتب ربكم على نفسه الرحمة( (الأنعام: 54)، )تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك( (المائدة: 116).

 

فقد عرف من عقل عن الله أنه لا يعني نفسه مع الأنفس التي تذوق الموت، وقد ذكر الله - عز وجل - كل نفس، فكذلك إذا قال: )خالق كل شيء( لا يعني نفسه ولا علمه ولا كلامه مع الأشياء المخلوقة. وقد ذكر الله كلامه في غير موضع من القرآن، فسماه كلاما، ولم يسمه خلقا، كقوله: )فتلقى آدم من ربه كلمات( (البقرة: 37)، )وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله( (البقرة: 75)، )ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه( (الأعراف: 143)، )إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي( (الأعراف: 144)، )وكلم الله موسى تكليما (164)( (النساء) [5].

 

واعلم أن الشيئين إذا اجتمعا في اسم يجمعهما وكان أحدهما أعلى من الآخر، ثم جرى عليه اسم مدح، كان أعلاهما أولى بالمدح وأغلب عليه، وإن جرى عليه اسم ذم، فأدناهما أولى به، ومن ذلك قول الله تعالى: )إن الله بالناس لرءوف رحيم (143)( (البقرة)، )عينا يشرب بها عباد الله( (الإنسان: 6)، يعني الأبرار دون الفجار، فإذا اجتمعوا في اسم الإنسان واسم العباد فالمعنى به في قول الله تعالى: )عينا يشرب بها عباد الله( (الإنسان: 6)، يعني الأبرار دون الفجار، لقوله إذا انفرد الأبرار )إن الأبرار لفي نعيم (13)( (الإنفطار)، وإذا انفرد الفجار: )وإن الفجار لفي جحيم (14)( (الإنفطـار). وقولــه: )إن الله بالنــاس لــــرءوف رحيــم (143)( (البقرة)، فالمؤمن أولى به وإن اجتمعا في اسم الناس؛ لأن المؤمن إذا انفرد أعطى الرحمة لقوله )إن الله بالناس لرءوف رحيم (143)(، )وكان بالمؤمنين رحيما (43)( (الأحزاب)، فلما قال الله تعالى: )ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث( (الأنبياء: 2)، فجمع بين ذكرين ذكر الله وذكر نبيه، فأما ذكر الله إذا انفرد لم يجر عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: )ولذكر الله أكبر( (العنكبوت:45)، )وهذا ذكر مبارك( (الأنبياء: 50).

 

وإذا انفرد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه جرى عليه اسم الحدث، ألم تسمع إلى قوله: )والله خلقكم وما تعملون (96)( (الصافات). فذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - له عمل، والله له خالق محدث، والدلالة على أنه جمع بين ذكرين لقوله: )ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون (2)( (الأنبياء)، فأوقع عليه الحدث عند إتيانه إيانا، وأنت تعلم أنه لا يأتينا إلا بالإنباء، مبلغا ومذكرا، وقال الله: )وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين (55)( (الذاريات)، )فذكر إن نفعت الذكرى (9)( (الأعلى)، )فذكر إنما أنت مذكر (21)( (الغاشية).

 

فلما اجتمعا في اسم الذكر جرى عليهما اسم الحدث، وذكر النبي إذا انفرد وقع عليه اسم الخلق وكان أولى بالحدث من ذكر الله الذي إذا انفرد لم يقع عليه اسم خلق ولا حدث، فوجدنا دلالة من قول الله: )ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث( (الأنبياء: 2) إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يعلم فعلمه الله، فلما علمه الله كان ذلك محدثا إلى النبي صلى الله عليه وسلم[6].

 

رابعا. منشأ القول بخلق القرآن:

 

إن قضية خلق القرآن لم تنبع عن اعتقاد صحيح موحى به من عند الله، وإنما كانت ردا على النصارى الذين أرادوا أن يفسدوا على المسلمين عقيدتهم، ولكن كان الرد عليهم متسرعا، فلم يستوعب معنى "كلمة الله" و"روح منه" الوارد ذكرهما في الآية التي اتخذها اليهود والنصارى ذريعة للتشكيك في كتاب الله.

 

فالنصارى تعلم أن المسلمين لا يقولون إن "كلمة الله" مخلوقة فيوصف القرآن بالتالي أنه مخلوق، لكنهم - على ذلك - كانوا يوجهون سؤلا لبعض المسلمين مستغلين عدم وقوفهم على معنى الآية: ماذا تقولون في عيسى عليه السلام؟ فيجيب المسلمون بنص القرآن "كلمة الله" و"روح منه" فيوجهون سؤالا آخر: "كلمة الله" مخلوقة أم غير مخلوقة؟ فإن قالوا: مخلوقة، قالوا: إن القرآن مخلوق، وإن قالوا: غير مخلوقة، قالوا: إذن عيسى - عليه السلام - قديم وإله وبذلك يبررون عبادتهم له.

 

فلكي تخرج هذه الطائفة من المسلمين[7] من هذا المأزق قالوا: إن القرآن مخلوق وهم بهذا الجواب ضلوا الطريق المستقيم، وكان أولى بهم أن يبينوا أن "كلمة الله" في هذا المقام تعني أن الله خلق عيسى - عليه السلام - بمجرد كلمة "كن" فكان، أي أنه لم يخلق على مقتضى العادة في تكوين الأحياء ولله در الحافظ ابن كثير حين قال: ليست الكلمة صارت عيسى وإنما بالكلمة صار عيسى، كما أن معنى "روح منه" أي أن الله - عز وجل - أنشأ روح عيسى بأمر منه لا بالأسباب التي تجري في خلق الأحياء، على أن "من" في مثل هذا لا تفيد التبعيض، بل كل شىء هو من الله خلقا وإيجادا كما قال عز وجل: )وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه( (الجاثية: 13) [8].

 

وعلى ما سبق يتضح لنا أن هذه الشبهة قضية خلق القرآن لم تنبع عن اعتقاد صحيح موحى به من عند الله، وإنما كانت نتيجة لجدال أهل الباطل، وقد وقف أهل الهدى في وجهها حتى أبطلوها، وبينوا وجه الصواب فيها.

 

الخلاصة:

 

القرآن كلام الله غير مخلوق بلا شك؛ لأدلة عقلية ونقلية واضحة منها:

 

  • كل مخلوق يفنى، ويموت، والقرآن لا يفني ولا يموت.

 

  • القرآن من أمر الله، وقد بين الله أن الأمر غير الخلق.

 

  • كلام الله صفة من صفاته، وليس كما يزعمون أنه "غير الله".

 

  • القرآن كلام الله من حيث مصدره واتصاف الله به ليس محدثا ولا مخلوقا، أما من حيث الحروف المصورة بالمداد والنطق بها فهي محدثة.

 

  • قدم صفات الله لا يعني تعدد القدماء إذ لا انفصام بين الشيء وصفاته، ولا أحد يعقل وجود ذات مجردة عن صفاتها.

 

  • إن الله في القرآن لم يسم كلامه شيئا، وإنما سمي شيئا الذي كان بقوله، كما أنه - سبحانه وتعالى - لا يعني كلامه مع الأشياء المخلوقة بدلالة كثير من آيات القرآن.

 

  • قضية خلق القرآن لا أساس لها؛ إذ لم تنبع عن اعتقاد صحيح موحى به من عند الله - سبحانه وتعالى - بل ظهرت لملابسات تاريخية خاصة، وسرعان ما تبين وجه الحق فيها.

 

 

 

 

 

(*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات.

 

[1]. الرد على الجهمية والزنادقة: الإباضية، عامر النجار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2004م، ص106.

 

[2]. تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996م، ص487.

 

[3]. الرد على الجهمية والزنادقة، الإمام أحمد بن حنبل، تحقيق وتعليق: عبد الرحمن عميرة، دار اللواء للنشر والتوزيع، القاهرة، 1982م، ص113.

 

[4]. تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996م ، ص157.

 

[5]. الرد على الجهمية والزنادقة: الإباضية، عامر النجار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2004م ، ص115: 117.

 

[6]. الرد على الجهمية والزنادقة: الإباضية، عامر النجار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، 2004م ، ص120: 123.

 

[7]. المقصود بهذه الطائفة المعتزلة ومن تابعهم في القول بخلق القرآن.

 

[8]. انظر: تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1996م ، ص151 وما بعدها.

  • الاحد PM 10:18
    2020-11-22
  • 1288
Powered by: GateGold