المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412644
يتصفح الموقع حاليا : 337

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء أن إمهال الله عز وجل العصاة إغراء لهم بالمعصية

                                ادعاء أن إمهال الله عز وجل العصاة إغراء لهم بالمعصية (*)

 

مضمون الشبهة:

 

يفهم بعض المغرضين خطأ أن إمهال الله - عز وجل - للعصاة في الدنيا، وعدم التعجيل بعقابهم إهمال وليس إمهالا. ويتساءلون: أمن الحكمة أن تؤجل عقوبة العاصي والمخطئ لأمد، أم يعجل بها فيتعظ به الآخرون؟!

 

وجوه إبطال الشبهة:

 

1)  الدنيا دار عمل وابتلاء، وليست دار ثواب وعقاب.

 

2)  إمهال الله - عز وجل - للعاصين وليس إهمالهم - سنة من سنن الله تعالى في خلقه، وله في ذلك الحكمة البالغة.

 

3) قد يعجل الله تعالى العقاب والأخذ لبعض العصاة، كما فعل في قوم عاد، وثمود وفرعون؛ ليكون فيهم عبرة وعظة لمن خلفهم.

 

4)  من رحمته تعالى أن جعل هناك موانع تحول دون نزول عذابه وعقابه للخلق، أو ترفع ذلك العذاب إذا نزل.

 

التفصيل:

 

أولا. الدنيا دار عمل وابتلاء، وليست دار ثواب وعقاب:

 

وهي لا تصلح أن تكون دار ثواب وعقاب؛ لأنها مخلوقة، «ملعونة وملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالما أومتعلما» كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم[1].

 

وقد أخذ الله على نفسه عهدا بأن يوم القيامة هو يوم الحساب، ومن أصدق من الله حديثا؟

 

وقد حذرنا الله تعالى من الدنيا وذكر أنها لعب ولهو، فقال تعالى: )إنما الحياة الدنيا لعب ولهو( (محمد: 36)، وقال عز وجل: )اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم( (الحديد: 20)، وفضل الله - عز وجل - الآخرة وجعلها هي الباقية )بل تؤثرون الحياة الدنيا (16) والآخرة خير وأبقى (17)( (الأعلى)، وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر ماذا تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»[2].

 

فالدنيا دار امتحان للعباد، فأما من زكى نفسه وحضها على الطاعة ونهاها عن المعصية فقد فاز بالآخرة، وأما من أتبع نفسه هواها، وأعطاها كل ما تأمر به وتشتهيه فقد خسر خسرانا مبينا.

 

ولقد أرسل الله الرسل للناس ليعلموهم الخير ويأمروهم به، وينهوهم عن الشر ويحذرونهم منه؛ حتى لا يأتي أحد يوم القيامة بحجة يحتج بها، وحتى يظهر الله تعالى عدله أمام الخلق جميعا، ولا يظلم ربك أحدا.

 

ثانيا. إمهال الله للعصاة من سنته في خلقه:

 

ولو شاء الله أن يهدي الناس جميعا لفعل، ولو شاء أن ينزل على كل عاص بمجرد معصيته صاعقة من السماء أو عذابا يهلكه على الفور لفعل، ولكن الله تعالى لا يعجل بعجلة أحد؛ وعليه فقد ترك للإنسان التفكير في أمر نفسه بنفسه بعد أن وفر له كل الوسائل التي تردعه عن المعصية؛ ليعود إلى رشده تاركا المعصية عائدا إلى الطريق القويم باختياره.

 

فقد أعطاه العقل الذي يميز به بين الخير والشر، والنافع والضار، ولو تأمل الإنسان أمر المعاصي وعواقبها لعلم أنها ضارة له في دنياه فضلا عن آخرته، ومع ذلك بعث الله - عز وجل - إليه الرسالات السماوية التي فيها الأمر بالطاعات، وأوضح له عواقب المعاصي في الغابرين كي يعتبر، ووعد بالجزاء ثوابا على الطاعة وعقابا على المعصية، وأظهر له بعض حقائق ونماذج المثابين والمعاقبين ترغيبا وترهيبا.

 

فليس لأحد حجة - بعد ذلك - على الله، ثم هو فتح له باب التوبة، وقرب التائبين إليه، أما لو عاقب الله تعالى كل عاص على معصيته لمنعهم من المعاصي ما ترك على ظهر الأرض من دابة، قال تعالى: )ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا (45)( (فاطر)، وقال عز وجل: )وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا (58)( (الكهف)، وفي سورة العنكبوت يقول تعالى: )ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب( (العنكبوت: 53)، وقال سبحانه وتعالى: )ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار (42)( (إبراهيم).

 

ولقد أنظر الله تعالى إبليس، وهو أشد الخلق معصية لله تعالى ومع ذلك لم يهلكه وهو قادر على أن يلقيه في النار دفعة واحدة.

 

يقول الشيخ الشعراوي - رحمه الله - في قوله: )قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (36)( (الحجر): هنا تضاءل إبليس، ولو كان يملك من الأمر شيئا لتصرف بذاتية قوته، ولكنه اتجه إلى الله يطلب منه أن يبقيه حتى يوم القيامة، إلى أن تقوم الساعة، ثم بعد ذلك يفعل به ما يشاء وفي هذا نرى أن القوة لله جميعا، وأن إبليس لا يستطيع أن يبقي نفسه يوما واحدا على قيد الحياة، أو ينجي نفسه يوما واحدا من العذاب[3].

 

فمن حكمته سبحانه أن أنظر وأمهل إبليس إلى يوم القيامة ابتلاء واختبارا للعباد به، وأنظر العصاة ولم يأخذهم بغتة حتى يشهد عليهم البشر والشجر والحجر، ولا تكون لهم حجة أمام الله تعالى.

 

وأنظر بعض خلقه وأمهلهم حتى يتوبوا إليه ويرجعوا عما هم عليه من الطغيان، وكم رأينا من هذا الصنف في زماننا، ولله الحمد والمنة.

 

ثالثا. تعجيل الله تعالى العذاب لبعض الأمم:

 

 قد يعجل الله - عز وجل - العقاب والأخذ لبعض العصاة، كما فعل في قوم عاد وثمود وفرعون؛ ليكون فيهم عبرة وعظة لمن خلفهم، وهذا من سنن الله تعالى: )لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه( (يوسف: 111). )وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد (102)( (هود).

 

ولقد أنزل الله تعالى بأسه بقوم فرعون لما طغوا وتجبروا، وكذبوا الرسل: )وفرعون ذي الأوتاد (10) الذين طغوا في البلاد (11) فأكثروا فيهـا الفسـاد (12) فصـب عليهـم ربـك ســوط عـــذاب (13)( (الفجر).

 

وقال تبارك وتعالى في شأن قوم ثمود وعاد: )كذبت ثمود وعاد بالقارعة (4) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية (5) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية (6) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيـام حسومـا فترى القـوم فيهـا صرعـى كأنهـم أعجـاز نخــل خاويــة (7) فهل ترى لهم من باقية (8)( (الحاقة).

 

ولقد حضنا الله - عز وجل - على التفكر والتدبر في مصير الأمم الهالكة سلفا، حتى لا نقع فيما وقعوا فيه، فيحل بنا ما حل بهم، قال تعالى: )ولقد تركناها آية فهل من مدكر (15) فكيف كان عذابي ونذر (16)( (القمر). وقال: )كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر (18) إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر (19) تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر (20) فكيف كان عذابي ونذر (21)( (القمر)، وقال عز وجل: )وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا (55)( (الكهف).

 

فكل الأمم الهالكة، التي قصها علينا القرآن الكريم، إنما أراد الله تعالى أن ينبهنا إلى شؤم المعاصي والتكذيب؛ رحمة منه بنا وحماية لنا من الهلاك، وهذا من تمام كرمه وفضله ورحمته بأمة الإسلام.

 

رابعا. ما يرفع عقابه - عز وجل - أو يمنعه:

 

 ومن رحمة الله - عز وجل - أن جعل هناك موانع تحول دون نزول العذاب والعقاب على الخلق.

 

فقد يرفع الله تعالى العقاب النازل على العباد بفضل دعاء عبد من عباده، وفي الأثر: «إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل - أي من العقوبات - فعليكم عباد الله بالدعاء»[4]. وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر»[5].

 

ومن رحمته - أيضا - أن شرع لنا صلاة الاستسقاء، حتى إذا أجدبت الأرض، وأوشكت الأنعام والحرث على الهلاك، خرج الناس إلى الخلاء متضرعين إلى الله تعالى أن يرفع هذا البلاء فينزل المطر بإذن الله، بفضل دعاء الناس، والتوبة والرجوع إليه سبحانه، والوعد المطلق بالإجابة في دعاء المؤمنين، ودعاؤهم لا يرد، فإما أن يعطوا ما سألوا، أو يدخر لهم خيرا منه، أو يدفع عنهم من السوء بقدره[6].

 

الخلاصة:

 

  • إن إمهال الله - عز و جل - لعباده وعدم تعجيل العقوبة لهم إنما هو لحكمة إلهية بالغة، ففي الإمهال أمل في رجوع الظالم عن ظلمه، والطاغية عن طغيانه، وفيه أيضا أنه سبحانه يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، وفيه استدراج للعصاة والمتجبرين وإقامة للحجة عليهم أمام الناس، حتى لا يكون لهم حجة عند الله يوم القيامة.

 

  • الدنيا دار عمل لا دار جزاء، وقد عجل الله تعالى لبعض عباده العقوبة في الدنيا، كقوم عاد وثمود وفرعون وغيرهم، والنار تنتظرهم في الآخرةحيث دار الجزاء، وجعل في إهلاكهم عبرة لمن يأتي بعدهم، حتى يرجع الضال إلى صوابه، ويتنبه الغافل من غفلته، فجعل في قصصهم عبرة لأولي الألباب.

 

  • ومع كل ذلك فقد جعل تبارك وتعالى، موانع تحول بين البلاء أو العذاب وبين نزوله على العباد، وبين ما يرده وما يجلب رحمته تعالى، فقال: )ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض( (الأعراف: ٩٦)، وذلك كالدعاء الذي يرفع به القضاء والعذاب )وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان( (البقرة: 186). وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يرد القضاء إلا الدعاء»

 

 

 

 

(*) بين الدين والحياة في رحلة قطار، د. عبد الحليم حفني، الهيئة العامة للكتاب، مصر، 1994م.

 

[1]. حسن: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب مثل الدنيا (4112)، والترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب هوان الدنيا على الله عز وجل (2322)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (74).

 

[2]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الرقاق، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء (7124).

 

[3]. دائرة معارف الفقه والعلوم الإسلامية، محمد متولي الشعراوي، دار أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2001م، ج10، ص513.

 

[4]. حسن: أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم (3548)، والحاكم في مستدركه، كتاب الدعاء والتكبير والتهليل (1815)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1634).

 

[5]. حســن: أخرجــه الترمـذي في سننــه، كتــاب القـدر، بـاب لا يـرد القـدر إلا الدعــاء (2139)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 36) برقم (832)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (154).

 

[6]. أضواء البيان، محمد الأمين الشنقيطي، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 1408هـ/ 1988م، ج1، ص104.

  • الاحد PM 10:14
    2020-11-22
  • 1456
Powered by: GateGold