المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412343
يتصفح الموقع حاليا : 258

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء تناقض الصفات الإلهية في العقيدة الإسلامية

                                        ادعاء تناقض الصفات الإلهية في العقيدة الإسلامية (*)

 

مضمون الشبهة:

 

يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم يتناقض بشأن صفات الله - عز وجل - فكثيرا ما تجد آيات تصفه بأنه رحمن رحيم، أوغفور ودود، في حين تصفه آيات أخرى بأنه جبار متكبر، وأن بطشه شديد!

 

وجها إبطال الشبهة:

 

1)  تعدد الصفات الإلهية أدل على كمال الله سبحانه وتعالى وعلى تنوع آثارها في حياة المؤمن.

 

2) إذا كان الجمع بين الصفتين المتعارضتين جائز في حق البشر بلا خلاف، فكيف يجوز في حق المخلوقين ولا يجوز في حق الخالق؟

 

التفصيل:

 

أولا. اختلاف صفات الله تعالى وتعددها أدل على قدرته وعنايته بالخلق:

 

تنقسم الصفات إلى ثلاثة أقسام:

 

  • صفة كمال مطلق.

 

  • صفة كمال مقيد.

 

  • صفة نقص مطلق.

 

أما صفة الكمال على الإطلاق؛ فهي ثابتة لله - عز وجل - كالعلم، والقدرة، والحياة، ونحو ذلك.

 

وأما صفة الكمال بقيد، فهذه لا يوصف الله بها على الإطلاق إلا مقيدا، مثل: المكر والخداع، والاستهزاء، وما أشبه ذلك؛ فهذه صفات كمال بقيد؛ إذا كانت في مقابلة من يفعلون ذلك فهي كمال، وإن ذكرت مطلقة فلا تصح بالنسبة لله - عز وجل - ولهذا لا يصح إطلاق وصفه بالماكر، أو المستهزئ، أو الخادع، بل تقيد، فنقول: ماكر بالماكرين، ومستهزئ بالمنافقين، خادع لمن يخادعونه، كائد للكافرين، فتقيدها؛ لأنها لم تأت إلا مقيدة.

 

وأما صفة النقص على الإطلاق، فهذه لا يوصف الله بها بأي حال من الأحوال، كالعاجز والخائن، والأعمى، والأصم، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا؛ لأنها نقص على الإطلاق فلا يوصف الله بها، وانظر إلى الفرق بين خادع، وخائن؛ قال الله تعالى: )إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم( (النساء: 142)، فأثبت خداعه لمن خادعه، لكن قال في الخيانة: )وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم( (الأنفال: 71)، ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خداع في مقام الائتمان، والخداع في مقام الائتمان نقص، وليس فيه مدح أبدا، إذا صفات النقص منفية عن الله مطلقا[1].

 

ليس عجيبا أن يتصف الله - سبحانه وتعالى - بالعديد من الصفات كما أثبته هو لنفسه - عز وجل - فاختلاف صفات الله تعالى يدل على كمال قدرته، فهو الملك وحده، والمسيطر وحده، وهو الرحمن الرحيم الغفور، السميع البصير، وهو بعد ذلك كله جبار شديد العقاب والعذاب، وبهذا الصنف من الصفات يطمئن العبد إلى قدرة مولاه ويحتمي به.

 

والتصور الإسلامي ينفرد وحده بهذا التكامل بعد ما أصاب العقائد السماوية عند أهل الكتاب ما أصابه من تبديل وتغيير، فإله التوراة ثائر غضوب يبادر بالبطش والتخريب، ثم يعود فيندم ويبكي، وإله الإنجيل مستضعف مسكين يعيش حياته في ضعف واستكانة، ثم يموت مصلوبا كذلك في ضعف واستكانة، وضم هذين التصورين إلى جوار التصور الإسلامي يظهر ما فيه من شموخ وقوة، ومن عقلانية كذلك وصلاحية لهداية الضمير والوجدان.

 

وقد نسى أصحاب هذا الادعاء أن رحمة الله - عز وجل - تتعلق بالمؤمنين، وأنه - سبحانه وتعالى - شديد العقاب لمن كابر على ذنبه، ولم يرجع عنه، قال تعالى: )والذين عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (153)( (الأعراف). وقال عز من قائل: )كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب (11)( (آل عمران).

 

فليفهم هؤلاء ما يرمي إليه القرآن الكريم من معان واضحة لألفاظه.

 

ثانيا. استعمال الصفات المختلفة في الأحوال المختلفة أمر يعهده البشر:

 

إن الصفات الإلهية متعددة؛ نتيجة لتعدد الأحوال الإلهية قال تعالى: )كل يوم هو في شأن (29)( (الرحمن)، فالله جبار شديد العقاب ليطمئن المستضعفون من عباده إلى قوته، وهو التواب الغفور ليطمئن المسرفون على أنفسهم من عباده إلى سعة رحمته وشمولها لمن ينيب إليه ويرجع نادما إلى حضرته، وهو ودود قريب يستميل عباده إليه بمحبته، لكنه - مع ذلك - حق عدل لا يطمع مقصر في عفوه إلا بالتوبة إليه والبكاء بين يديه.

 

والذي يقرأ هذه الصفات الإلهية، ثم يخرج فيقول للناس: إن صفات الله عند المسلمين متناقضة، فقد شهد على نفسه بضعف العقل والتمييز.

 

ذلك أنه لا يمكن أن يثبت عقل أن هناك تناقضا بين صفات الله في القرآن، إلا إذا كان هذا العقل عقلا مريضا، فإن البشر أنفسهم اعتادوا أن يكون الإنسان - وهو خلق الله - رحيما وفي ذات الوقت يمكن أن يكون شديدا جبارا، فقد يكون الإنسان - وهو خلق ضعيف لله رب العالمين في الأرض - يجمع بين هاتين الصفتين المتعارضتين (الرحمة والشدة).

 

ولا تناقض مع ذلك؛ لأنه يستعمل الشدة في أمر، ويستعمل الرحمة في آخر، إذن فمن الأولى أن يكون من أوجد الإنسان رحيما وجبارا في الوقت ذاته، فهذه صفات تتكامل ولا تتناقض، وبتعددها تتعدد آثارها في الكون وفي أنفس الخلق على السواء.

 

الخلاصة:

 

  • إثبات الصفات المختلفة لله - عز وجل - كما أثبتها هو لنفسه لا تحتمل تناقضا ولا نقصا، بل هي أدل على قدرته - عز وجل - وعنايته بخلقه على اختلاف طرقها، فكيف يكون هناك تناقض بين صفتين تكمل إحداهما الأخرى، ليس من المنطق أن يكون إلها جبارا فقط كما أرادته اليهود، أو رحيما فقط كما أرادته النصارى حتى مع من لا يستحقون الرحمة ولا يردعهم سوى القوة والبطش، تعالى الله سبحانه عن ذلك فهو الملك وحده، والمسيطر وحده، وهو الرحمن الرحيم.

 

  • إذا كان استعمال الصفات المختلفة في أحوال الحياة المختلفة أمر يعهده البشر فكيف برب البشر، ومصرف الأمور، ومدبر الكون، له أن يستعمل الشدة سبحانه مع من يستحقها، والرحمة واللين في مقام آخر، وذلك مشاهد من آثار صفاته - عز وجل - في الكون.

 

 

 

 

(*) الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، دار الفكر، دمشق، ط6، 1425هـ/ 2004م.

 

[1]. انظر: شرح العقيدة الواسطية، محمد صالح العثيمين، دار ابن الجوزي، الرياض، ط3، 1416هـ.

  • الاحد PM 10:05
    2020-11-22
  • 1283
Powered by: GateGold