المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412635
يتصفح الموقع حاليا : 338

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء أن الاهتمام بدراسة تعاليم الإسلام في مجتمع المدينة كان محصورا في أضيق نطاق

ادعاء أن الاهتمام بدراسة تعاليم الإسلام في مجتمع المدينة كان محصورا في أضيق نطاق(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الواهمين أن الاهتمام بدراسة تعاليم الإسلام في مجتمع المدينة كان محصورا في أضيق نطاق؛ إذ كان عدد الذين يقومون بذلك ضئيلا للغاية، كما أن نشاطهم لم يتعد حدود المسجد، ويزعمون أنه قد ترتب على هذا أن كثرت حوادث الاغتصاب والزنا، والوقوع في المحرمات. هادفين من وراء ذلك الطعن في صلاح المجتمع الإسلامي في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين.

وجها إبطال الشبهة:

1) كان الاهتمام بدراسة تعاليم الإسلام على نطاق واسع شمل الرجال والنساء، والكبار والصغار، وحرص الصحابة على الاستفتاء في كل شيء حتى الأمور الشخصية.

2) لا دليل على كثرة الفواحش والمحرمات في المجتمع الإسلامي الأول، لا في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا في عصور الخلفاء الراشدين من بعده.

التفصيل:

أولا. كان الاهتمام بدراسة تعاليم الإسلام على نطاق واسع شمل جميع المسلمين:

لقد كان الصحابة أحرص الناس على حفظ كتاب الله - عز وجل - وتحصيل السنة والتفقه فيها، وكانت مجالستهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحب إليهم من كل عزيز عليهم، حتى كان الاثنان منهم يتفقان على أن يتناوبا العمل وصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - فيذهب أحدهما لعمله في يوم، ويبقى الآخر في صحبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يلازمه خلال ذلك اليوم، فإذا جاء الليل التقى الصاحبان، فيحدث من لازم الرسول - صلى الله عليه وسلم - صاحبه بكل ما سمع ورأى من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي اليوم التالي يتبادلان فيلازم الرسول - صلى الله عليه وسلم - من كان في عمله أمس، ويذهب إلى العمل من كان في صحبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهكذا[1].

لقد كان تجاوب نفوس الصحابة مع الوحي هو غاية التأنق وقمة الحق، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يربط أصحابه بالوحي النازل عليه من السماء ربطا موثقا، يقرؤه عليهم ويقرءونه عليه؛ لتكون هذه المدارسة إشعارا بما على الصحاب من حقوق الدعوة بالرسالة، فضلا عن تبعات التدبر والفهم[2]. وكان بعضهم يقيم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتعلم أمور دينه، ويحفظ سنن نبيه - صلى الله عليه وسلم - ليعود إلى قومه فيعلمهم كما تعلم.

وقد تفرغ من الصحابة جماعة لسماع الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتبليغه للناس، مكتفين من الدنيا بما يقيم أودهم، وسمي هؤلاء بـ "أهل الصفة"، وكان من أعلامهم الصحابي الجليل أبو هريرة - رضي الله عنه - وكان يقول عن نفسه معللا إكثاره من الحديث: «إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقولون: ما بال المهاجرين لا يحدثون بمثل حديث أبي هريرة؟ وإن إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق[3] بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا، وكان يشغل إخواني من الأنصار عمل أموالهم، وكنت امرأ مسكينا من مساكين الصفة»[4].

ولم يكن نساء الصحابة أقل حرصا من الرجال على طلب العلم وسماع السنة النبوية، بل شاركن في حفظها وروايتها، فهذه كتب رواة الحديث تضم في صفحاتها عددا كثيرا من الصحابيات اللاتي سمعن الحديث النبوي وروينه، وقد جاء النساء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلبن منه أن يخصص لهن من نفسه يوما يعلمهن مما علمه الله.

وكان لأطفال الصحابة أيضا شرف رواية الحديث، فقد جاء عن سمرة بن جندب أنه قال: «لقد كنت على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غلاما، فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن ههنا رجالا هم أسن مني، وقد صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على امرأة ماتت في نفاسها، فقام عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عند وسطها»[5] [6].

وقد حرص الصحابة - رضي الله عنهم - على سؤال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل صغيرة وكبيرة، فيفتيهم ويجيبهم، مبينا حكم ما سألوا عنه، ومن هذه الحوادث ما يتناول خصوصيات السائل نفسه، ومنها ما يتعلق بغيره، وجميعها من الوقائع التي تعرض للإنسان في حياته، فنرى الصحابة لا يخجلون في ذلك كله، بل يسرعون إلى المعلم الأول؛ ليقفوا على حقيقة تطمئن قلوبهم إليها، وتثلج صدورهم بها.

فقد جاء «عن عمر بن أبي سلمة أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيقبل الصائم؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "سل هذه" - يعني أم سلمة -، فأخبرته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصنع ذلك، فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له»[7].

وقد يخجل الصحابي من الرسول - صلى الله عليه وسلم - فيكلف غيره عبء السؤال، من ذلك ما يرويه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - «قال: كنت رجلا مذاء،[8] فكنت أستحيي أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمكان ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: "يغسل ذكره ويتوضأ»[9] [10]

وبهذا يتبين لنا أن الاهتمام بدراسة تعاليم الإسلام في المجتمع الإسلامي الأول لم يكن محصورا في نطاق عدد ضئيل كما يزعمون؛ إذ قد عم هذا الاهتمام الرجال والنساء، والشيوخ والصبيان، حرصا منهم على تلمس السبيل الصائبة، بل كان بعض الصحابة يقطعون المسافات الواسعة ليسألوا عن حكم شرعي ثم يرجع لا يلوي على شيء، فقد أخرج البخاري عن عقبة بن الحارث - أنه أخبرته امرأة بأنها أرضعته هو وزوجه، فركب من فوره - وكان بمكة - قاصدا المدينة حتى بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسأله عن حكم الله فيمن تزوج امرأة لا يعلم أنها أخته من الرضاع، ثم أخبرته بذلك من أرضعتهما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف وقد قيل"؟ ففارق زوجته لوقته وتزوجت بغيره.

كما كانت النساء تذهب إلى زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - فأحيانا يسألن رسول الله ما يشأن السؤال عنه من أمورهن، فإذا كان هنالك ما يمنع من التصريح للمرأة بالحكم الشرعي، أمر إحدى زوجاته أن تفهمها إياه، كما جاء في حديث المرأة التي كانت تسأل عن كيفية تطهرها من الحيض، فأجابها الرسول ولم تفهم، فأشار إلى عائشة - رضي الله عنها - فأفهمتها جواب النبي صلى الله عليه وسلم[11].

لقد أحدث الإسلام انقلابات حقيقية، وكيف لا وهو الذي أشاد بذكر العلم حتى جعله مناط السعادة )وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون (43)( (العنكبوت). وقال: )وما أوتيتم من العلم إلا قليلا (85)( (الإسراء: 85) وقال: )وقل رب زدني علما (114)( (طه).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم».[12] وقال: «من سئل عن علم فكتمه، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة».[13] فهل من عجيب بعد هذا، إذ اندفع المسلمون وراء تحصيل العلم اندفاعا لا يوجد في تاريخ الجماعات ما يشبهه، حتى أصبحت عواصمهم بعد ردح من الزمان عواصم للعلوم والفنون، ورجالهم أئمة للآراء والمذاهب[14].

ثم ماذا تنتظر من دين جعل فداء الأسير في بدر تعليمه لعشرة من غلمان المدينة القراءة والكتابة؟! فكان أول من وضع حجر الأساس لإزالة الأمية وإشاعة القراءة والكتابة، ثم ماذا نسمي تفريق النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة في الأمصار لتعليم الناس، وكان أولهم مصعب بن عمير حين بعثه إلى المدينة قبل الهجرة لتعليم أهلها؟!

ثانيا. المجتمع الإسلامي الأول أطهر مجتمع عرفه التاريخ:

إن الزعم بكثرة حوادث الاغتصاب والزنا، والوقوع في المحرمات في المجتمع الإسلامي الأول - زعم باطل لا دليل عليه؛ بل إن هذا المجتمع في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين كان أطهر مجتمع عرفه التاريخ، فقد أحدثت دعوة محمد - صلى الله عليه وسلم - تغييرات مذهلة في هذا المجتمع، تشهد بهذا الأخلاق العظيمة التي ارتفع - صلى الله عليه وسلم - بأتباعه إلى أوجها، وجعل منهم خير أمة أخرجت للناس، ولو لم يكونوا كذلك لما استطاعوا بهذا الدين الجديد - دين التوحيد والطهارة والعفة والاستقامة - أن يفتحوا قلوب العرب والفرس وأهل الشام والمصريين والأفارقة وغيرهم، ويقيموا بعد ذلك هذه الحضارة العجيبة.

ونعود فنقول: إن المجتمع الذي لا يقع أفراده في أي خطأ - هو مجتمع لا وجود له في دنيا البشر، ولكن المجتمعات رغم ذلك درجات[15].

ولا شك أن جريمة الزنا من أقذر الجرائم حتى أنكرها كل دين، بل أنكرها العقلاء والراشدون من الناس، كما أنكرها أصحاب المدنية الغربية جهرا وإن قبلوها سرا، وذلك لما فيها من عدوان على حقوق الأزواج، ومن اختلاط للأنساب، وحل لروابط الأسرة، وقتل لما في قلوب الآباء من عطف وحنان على الأبناء، ورعاية وبذل سخي لهم بما يبلغ حد التضحية بالراحة والنفس، الأمر الذي لا يكون إلا إذا ملأت عاطفة الأبوة قلوب الآباء، وذلك لا يكون إلا إذا وقعت في قلوب الآباء وقوعا محققا أن هؤلاء الأبناء من أصلابهم.

ثم لعلك لا تعجب لما تقرأ عن قتل أحد من الآباء - في أمريكا وأوربا - لأسرته وأبنائه شفاء لما في نفسه من شكوك في صحة نسب هؤلاء الأبناء إليه، وهيهات أن يخلو شعور أوربي من الشك في نسبة أبنائه إليه مع هذه الإباحية المطلقة للجمع بين النساء والرجال في أي مكان وأي زمان[16].

ولقد حرم الإسلام الزنا وجعله في عداد الجرائم الكبرى، بل إن القرآن الكريم قرنه بالشرك بالله فقال: )والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68)( (الفرقان) وقد جعل الله التعفف عنه من صفات المؤمنين: )والذين هم لفروجهم حافظون (5)( (المؤمنون).

وفي حديث السبعة الذين يظلهم الله يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله».[17] وقد وضع الإسلام للزنا أشد الحدود، وهو الرجم حتى الموت للمحصن، وجلد مائة وتغريب عام لغير المحصن[18].

وإذا كان الثابت - كما بينا - سعي الصحابة - رضي الله عنهم - إلى التعلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - الأحكام والحدود؛ فإنهم قد علموا حد الزنا، وإذا علمنا سرعة استجابتهم لما يتعلمون، ولما يكون من أوامر فكيف يقال بعد بوقوعهم في أشد جريمة توجب الحد وهي الزنا؟! ومن أين أتى المدعي بهذه الادعاءات؟! ثم إن هذا المغالط يربطها بعدم اهتمامهم بالتعليم وحصره في أضيق نطاق، وقد أثبتنا خطأ زعمهم هذا وتهافته، فضلا عن انشغالهم بالفتوحات، ونشر الإسلام والعلم أيضا، أيصور مثل هؤلاء بأنهم لا هم لهم سوى الزنا والاغتصاب للنساء، فماذا نسمي مجتمع الغرب إذن؟!

إن الحدود التي وضعها الإسلام لهي دعوة صريحة للتخلق بالأخلاق الحسنة التي هي من مقاصد الدين، وهي أيضا طريق التوبة إلى الله، ويكفي ارتداع المسلم عن الجريمة ودخوله في رحمة ربه - معرفته بأن ربه هو الذي شرع له هذا الحكم[19].

ومن صور الضمائر الحية ما جاء عن الرجل يقدر على الفاحشة، ولكنه يدوس مغرياتها، ويستبقي نفسه طاهرا وصلته بالله زكية[20].

لقد ربط الإسلام الناس بمثلهم العالية والضمير الإنساني اليقظ الحي؛ ولهذا لم تقع خطايا الزنا في المجتمع في العهد النبوي كله إلا في القليل النادر الذي لا يسوغ أن يؤسس عليه حكم عام، وربما كانت الحكمة من وقوعها أن الله - عز وجل - شاء أن تقع وأن يقام فيها الحد الشرعي؛ ليسترشد بها المجتمع في مستقبل الأيام كتشريع تم تطبيقه في حالات محددة يكون هاديا ودليلا في القضاء والحكم[21].

وجدير بالذكر أن ما ورد من حوادث في هذا الصدد نادرة جدا، ثم إنه بمجرد حدوثها يستيقظ الضمير فورا ويصحو، وفي مثال ماعز الأسلمي والمرأة الغامدية وإقرارهما للرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك لإقامة الحد - خير دليل على هذا.

لقد كانت هذه حوادث نادرة، ومن ادعى غير ذلك فليأتنا بالدليل، ونعود إلى ما قلناه سابقا - من أن المجتمع الذي لا يقع أفراده في أي خطأ لا وجود له في دنيا البشر. حدثت حالات زنا، ولكنها تعد على أصابع اليد الواحدة، أما أن يعد المجتمع بتلك الندرة مجتمعا شهوانيا ومجتمع زنا ووقوع في المحرمات، فهذا مما لا يقول به منصف، ولا يقبله عقل، ولا يتسق مع البحث المنهجي والنظرة العادلة المنصفة.

وقد ظل المجتمع الإسلامي نقيا طاهرا في عهد الخلفاء الراشدين، وظل الضمير الحي متربعا في قلوب المؤمنين. ويكفينا أن ندلل على هذا بهذا النموذج من هذا المجتمع في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، وهو نموذج يبين مدى حرص القيادة الإسلامية على نقاء هذا المجتمع وطهارته من الأدناس.

خرج عمر - رضي الله عنه - ذات ليلة يطوف في المدينة، فسمع امرأة تقول في ضيق شديد:

تطاول هذا الليل تسري كواكبه

وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه

ألاعبه طورا وطورا كأنما

بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه

يسر به من كان يلهو بقربه

لطيف الحشا لا تجتويه أقاربه

فوالله لولا الله لا شيء غيره

لنقض من هذا السرير جوانبه

ولكنني أخشى رقيبا موكلا

بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه

فقال عمر: يرحمك الله. ثم أرسل إليها بكسوة ونفقة، وكتب في أن يقدم عليها زوجها. وجاء في رواية: ثم خرج فضرب الباب على حفصة ابنته - رضي الله عنها - فقالت: يا أمير المؤمنين، ما جاء بك في هذه الساعة؟ فقال: أي بنية، كم تصبر المرأة على زوجها؟ قالت: تصبر الشهر والشهرين والثلاثة، وفي أربعة ينفد الصبر، فكتب عمر ألا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر[22].

ليست الأمة الإسلامية جماعة من الناس همها أن تعيش بأي أسلوب، أو تخط طريقها في الحياة إلى أي وجهة، وما دامت تجد القوت واللذة فقد أراحت واستراحت، كلا، فالمسلمون أصحاب عقيدة تحدد صلتهم بالله، وتوضح نظرتهم إلى الحياة، وتنظم شئونهم في الداخل على أنحاء خاصة، وتسوق صلاتهم بالخارج إلى غايات معينة، والمهاجرون إلى المدينة لم يتحولوا عن بلدهم ابتغاء ثراء أو استعلاء أو قضاء شهوات، والأنصار الذين استقبلوهم وناصبوا قومهم العداء لم يفعلوا ذلك ليعيشوا كيفما اتفق... إنهم جميعا يستضيئون بالوحي، ويريدون أن يحصلوا على رضوان الله، وأن يحققوا الحكمة العليا التي من أجلها خلق الناس وقامت الحياة.

وهل الإنسان إذا جحد ربه وتبع هواه إلا حيوان ذميم أو شيطان رجيم[23].

آخر ما نقول في هذا الصدد سؤال نوجهه لكل من زعم شهوانية الصحابة ووصفهم بالزناة؛ إذا كان الصحابة يريدون الزنا وفعل المنكرات، لماذا اتبعوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - وتحملوا مشاق الدعوة وعبء تبليغها، مع أن المجتمع الجاهلي يبيح ذلك ولا ينكره؟!

الواقع إذن أن مجتمع المدينة في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الأربعة هو أشرف وأطهر وأفضل مجتمع، وإن وجدت حالات فردية قليلة جدا لا تمثل نسبة تذكر بالقياس إلى عدد الناس في ذلك الوقت، فالزعم أن المجتمع مجتمع زنا ووقوع في المحرمات زعم باطل لا يتفق مع عقل أو منطق، ولا تؤيده أي حقيقة تاريخية موثقة.

 الخلاصة:

  • لقد اهتم الإسلام بالعلم اهتماما عظيما، فكان أول ما جاء في دستوره "اقرأ" وقد أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يسأل ربه أن يزيده علما، وجعل الرسول طلب العلم فريضة على كل مسلم، وقد كان الرسول أول من وضع حجر الأساس لإزالة الأمية والجهل من المجتمع حين جعل فداء الأسير في بدر تعليمه عشرة غلمان من المسلمين.
  • انطلاقا مما سبق كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقرأ الوحي على الصحابة ويقرءونه عليه، ومن هنا فرق الرسول الصحابة في الأمصار لتعليم الناس القرآن والسنة والأحكام والفقه.
  • المطالع لتاريخ الصحابة وحياتهم يجد اهتماما كبيرا منهم بالعلم، فقد كانوا يتناوبون حضور مجالس الرسول، وكانوا يقطعون إليه المسافات للتعلم، وقد شمل التعليم النساء، فقد سألن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل لهن يوما يعلمهن فيه، وكانوا يذهبون للنبي - صلى الله عليه وسلم - يسألونه ويجيبهن، وإذا لم يفهمن جوابه، جعل الرسول زوجاته يفهمنهن، وقد كانت الصحابيات يسألن أزواج الرسول ويتعلمن منهن.
  • كان المجتمع الإسلامي الأول أطهر مجتمع عرفته البشرية، ولقد حد الإسلام له حدودا فما تعداها، وإلا لما اتبع أبناء هذا المجتمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولظلوا في مجتمع الجاهلية الذي لا يجعل الزنا محرما محظورا، فلو كانوا أصحاب شهوات ما تركوا بلادهم، وعادى الأنصار قومهم، وتحملوا عبء الدعوة والرسالة.
  • لا شك أن وجود مجتمع بلا أخطاء لا وجود له في حياة البشر، ومن هنا وجدت حالات زنا في مجتمع المسلمين، بيد أنها لم تتعد أصابع اليد الواحدة، وكلها استيقظ فيها الضمير الإنساني الذي رباه الإسلام في أتباعه، فهل نحكم من خلال هذه الندرة النادرة من الحالات بأن المجتمع مجتمع زنا واغتصاب، إذن فماذا نسمي مجتمع الغرب؟ لا شك أن هذا لا يتوافق مع منهجية البحث العلمي.

 

 

(*) اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1420هـ/ 2000م.

[1]. السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله الصعيدي ، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، 2007م، ص85.

[2]. فقه السيرة، محمد الغزالي، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، 1983م، ص206 بتصرف.

[3]. الصفق: الضرب الذي يسمع له صوت، والتصفيق باليد: التصويت بها، وصفقت له بالبيع والبيعة صفقا:أي ضربت يدي على يده. ويقال: ربحت صفقتك للشراء، وصفقة رابحة وصفقة خاسرة. وتصافق القوم عند البيعة.

[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب البيوع، باب ما جاء في قول الله تعالى: )فإذا قضيت الصلاة( (الجمعة: ١٠) (1906)، وفي مواضع أخرى بنحوه، ومسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي هريرة الدوسي (6555) بنحوه.

[5]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها (1266) مختصرا، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الجنائز، باب أين يقوم الإمام من الميت للصلاة عليه (2281) واللفظ له.

[6]. السنة النبوية بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء، حمدي عبد الله الصعيدي ، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، 2007م، ص72: 76 بتصرف.

[7]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الصيام، باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك (2644).

[8]. المذي : ما يخرج عند الملاعبة والتقبيل، وفيه الوضوء ورجل مذاء:أي كثير المذي .

[9]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب العلم، باب من استحيا غيره بالسؤال (132) بنحوه، ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، باب المذي (721) واللفظ له.

[10]. السنة قبل التدوين، د. محمد عجاج الخطيب، مكتبة وهبة، القاهرة، ط4، 1425هـ/ 2004م، ص60، 61 بتصرف.

[11]. السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، د. مصطفى السباعي ، دار السلام، القاهرة، ط3، 1427هـ/ 2006م، ص65 بتصرف.

[12]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم (224)، وأبو يعلى في مسنده، محمد بن سيرين عن أنس (2837)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (72).

[13]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8514)، وأبو داود في سننه، كتاب العلم، باب كراهية منع العلم (3660) بنحوه، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (223).

[14]. الإسلام دين الهداية والإصلاح، محمد فريد وجدي، دار الجيل، بيروت، ط1، 1411هـ/ 1991م، ص188، 189 بتصرف.

[15]. اليسار الإسلامي وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة، د. إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، القاهرة، 1420هـ/ 2000م، ص87، 88.

[16]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص548 بتصرف.

[17]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب الصدقة باليمين (1357)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة (2427).

[18]. لمزيد من التفصيل انظر: أدلة الحجاب، د. محمد أحمد إسماعيل المقدم، دار الإيمان، مصر، ط3، 1425هـ/ 2005م، الفصل الثاني من الباب الأول.

[19]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص542.

[20]. مائة سؤال عن الإسلام، الشيخ محمد الغزالي، دار نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص120.

[21]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م، ص348.

[22]. فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، د. علي محمد محمد الصلابي ، دار الإيمان، الإسكندرية، 2002م، ص227، 228 بتصرف.

[23]. فقه السيرة، محمد الغزالي، دار الكتب الإسلامية، القاهرة، 1983م، ص190 بتصرف.

  • الاحد AM 02:40
    2020-11-22
  • 948
Powered by: GateGold