المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413275
يتصفح الموقع حاليا : 328

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء أن طلب العلم مقدم على الجهاد في شريعة الإسلام

                                    ادعاء أن طلب العلم مقدم على الجهاد في شريعة الإسلام(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتقولين أن طلب العلم في الإسلام مقدم على الجهاد، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: )وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122)( (التوبة). ويتساءلون: إذا كان كذلك فلماذا يقدم المسلمون الجهاد على طلب العلم؟!!

وجوه إبطال الشبهة:

1) الفهم الصحيح لتفسير الآية الكريمة يفند دعواهم الكاذبة؛ لأن معنى الآية: ما كان المؤمنون لينفروا كافة والنبي - صلى الله عليه وسلم - مقيم لا ينفر، فيتركوه وحده، وتبقى معه بقية ليحملوا عنه الدين ويتفقهوا فيه.

2)  فضل الجهاد عظيم في الإسلام، ولا يعدله شيء.

3)  فضل طلب العلم كبير، ولكنه لا يفضل الجهاد في سبيل الله.

التفصيل:

أولا. الفهم الصحيح للآية الكريمة يفند هذه الدعوى ويصوب الخطأ:

إن قوله تعالى: )وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122)( (التوبة) مفاده أن الجهاد ليس على الأعيان، وأنما هو فرض كفاية؛ إذ لو نفر الكل، لضاع من وراءهم من العيال، فليخرج فريق منهم للجهاد، وليقم فريق بالتفقه في الدين وحفظ الحريم، حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع، وما تجدد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم ([1]).

وهذه الآية تدل على وجوب طلب العلم؛ لأن المعنى: وما كان المؤمنون لينفروا كافة والنبي - صلى الله عليه وسلم - مقيم لا ينفر، فيتركوه وحده، بل ينبغي أن تبقى معه بقية ليتحملوا عنه الدين ويتفقهوا فيه، وفي هذا إيجاب التفقه في الكتاب والسنة.

وذكر الآلوسي في تفسيره عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه تعالى لما شدد على المتخلفين قالوا: لا يتخلف منا أحد عن جيش أو سرية أبدا، ففعلوا ذلك وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحده، فنزل قوله تعالى: )وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122)( (التوبة).

قال الآلوسي في " روح المعاني": و" لولا " هنا تحضيضية، وذهب كثير من الناس إلى أن المراد من النفر الخروج لطلب العلم، فالآية ليست متعلقة بما قبلها من أمر الجهاد، بل لما بين - عز وجل - وجوب الهجرة والجهاد وكل منهما سفر لعبادة، فبعد ما فضل الجهاد ذكر السفر الآخر، وهو الهجرة لطلب العلم، فالضمير في " يتفقهوا " و" ينذروا " للطائفة المذكورة، وهي النافرة.

فلو طلب العلم، وترك الجهاد حتى يتعلم الناس؛ لداهم العدو البلاد والعباد، وما ترك فرصة لطلب العلم ولا لغيره، فكان الجهاد أولى وأعظم من طلب العلم؛ لأن به يحمى العلم وأهله.

ثانيا. فضل الجهاد في سبيل الله لا يعدله شيء إذ هو أفضل من تطوع الحج والعمرة، ومن تطوع الصلاة والصوم:

  • عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «قيل يا رسول الله: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل؟ قال: لا تستطيعونه فأعاد عليه مرتين أو ثلاثا، كل ذلك يقوللا تستطيعونه. وقال في الثالثة: "مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم، القانت بآيات الله، لا يفتر من صلاة ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله»([2]).
  • وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكلم أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يكلم في سبيل الله، إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم، والريح ريح المسك»([3]).
  • وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: لا أجده، هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟ قال أبو هريرة: إن فرس المجاهد ليستن في طوله، فيكتب له حسنات»([4]).
  • وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ألا أخبركم بخير الناس؟ رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله»([5]).
  • و«سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله»([6]) ([7]).
  • وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله»([8]).

فكل هذه الأحاديث تدل على أن عبادة الجهاد من أفضل العبادات في الإسلام.

ثالثا. فضل العلم في القرآن والسنة عظيم، ولكنه لا يفضل الجهاد في سبيل الله:

في قوله عز وجل: )شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط( (آل عمران:18) قرن الله شهادته بشهادة الملائكة وأولي العلم!! وناهيك بهذا شرفا وفضلا ونبلا، وفي قوله عز وجل: )يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات( (المجادلة:11). قال ابن عباس رضي الله عنهما: «يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا بدرجات».([9])

وقال صلى الله عليه وسلم:«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، إن الله - عز وجل - وملائكته، وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير». ([10]) وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر».([11]) وقوله: «من علم علما فله أجر من عمل به، لا ينقص من أجر العامل»([12]).

وبهذا البيان يتضح أن لكل من طلب العلم ولكل من جاهد في سبيل الله فضلا عظيما، على أن الجهاد بالنفس والمال في سبيل الله لا يعدله شيء؛ لأنه ذروة سنام الإسلام، كما أخبرنا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

الخلاصة:

  • الفهم الصحيح للآية الكريمة: )وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122)( (التوبة): أن الجهاد فرض كفاية؛ لأنه لو نفر الكل، لضاع من ورائهم من العيال والنساء، ولكن فليخرج فريق منهم للجهاد، وليقم فريق ليتفقهوا في الدين، وحتى لا يبقى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وحده، ولتبقى معه طائفة؛ لتتعلم وتتفقه على يديه الكتاب والسنة، وإذا عادت الطائفة المجاهدة يعلمونهم ما نزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - من الوحي، وحتى إذا خرجوا للجهاد، كانوا على علم وفقه يعلمون أهل البلاد التي فتحت الإسلام وأحكام الشرع من الكتاب والسنة.
  • الجهاد لا يعدله شيء؛ لأنه تضحية بالنفس والمال في سبيل الله؛ ولأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - عندما سئل عما يعدل الجهاد قال: «لا تستطيعونه وقال: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله»([13]).
  • للعلم فضل عظيم في الإسلام، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع»([14]).

 

 

 

(*) ردود على أباطيل وشبهات حول الجهاد، عبد الملك البراك، النور للإعلام الإسلامي، عمان، 1418هـ / 1997م.

[1]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج8، ص294،293 بتصرف.

[2]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير (2633) بلفظ: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: " لا أجده"، مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى (4977).

[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من يجرح في سبيل الله رضي الله عنه (2649).

[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير (2633)، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى (4977) بلفظ: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل، قال: " لا تطيعونه".

[5]. صحيح: أخرجه مالك في الموطأ، كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد، (1619)، والترمذي في سننه، كتاب فضائل الجهاد، باب أي الناس خير (1652)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (1652).

[6]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب أفضل الناس مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله (2634)، وفي موضع آخر بنحوه، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط (4995).

[7]. فقه السنة، السيد سابق، دار الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1999م، ج3، ص373:370.

[8]. صحيح: أخرجه عبد الرزاق في المصنف، كتاب الجامع للإمام معمر بن راشد الأزدي رواية الإمام عبد الرزاق، باب المفروض من الأعمال والنوافل (20303)، والترمذي في سننه، كتاب الإيمان، باب حرمة الصلاة (2616)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2616).

[9]. صحيح: أخرجه الدارمي في سننه، المقدمة، باب في فضل العلم والعالم (353)، وصححه الحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة المجادلة (3793)، ووافقه الذهبي في التلخيص.

[10]. صحيح: أخرجه الدارمي في سننه، المقدمة، باب من قال: العلم الخشية وتقوى الله (289) بنحوه، والترمذي في سننه، كتاب العلم، فضل الفقه على العبادة (2685)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي (2685).

[11]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند الأنصار، باقي حديث أبي الدراداء رضي الله عنه (21763)، وابن ماجه في سننه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم (223)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (223).

[12]. حسن: أخرجه ابن ماجه في سننه، افتتاح الكتاب في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم، باب ثواب معلم الناس الخير (240)، والطبراني في المعجم الكبير، باب الميم، معاذ بن أنس الجهني (446)، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه (240).

[13]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير (2633)، بلفظ: دلني على عمل يعدل الجهاد، قال: " لا أجده"، ومسلم في صحيحه، كتاب الأمارة، باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى (4977).

[14]. صحيح: أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، كتاب الزهد، باب ما قالوا في البكاء من خشية الله (35600)، والطبراني في الأوسط، باب العين، من اسمه علي (3960)، وصححه الألباني في الجامع الصغير وزيادته (7663).

 

  • الاحد AM 02:16
    2020-11-22
  • 866
Powered by: GateGold