المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409163
يتصفح الموقع حاليا : 357

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى أن الدين يكبل المشاعر ويكبت النشاط الحيوي في الإنسان

دعوى أن الدين يكبل المشاعر ويكبت النشاط الحيوي في الإنسان(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن الالتزام بتشريعات الإسلام وتعاليمه يقيد الطاقة الخلاقة في الإنسان، ويكبت النشاط الحيوي فيه، ودليلهم على ذلك أن المتدينين ينتابهم الشعور بالإثم، ويظل ينكد عليهم حياتهم، ويخيل إليهم أن كل ما يصنعونه خطايا لا يطهرها إلا الامتناع عن ملذات الحياة.

وجها إبطال الشبهة:

1) مفهوم الكبت لا ينطبق على تعاليم الإسلام، فالكبت: استنكار الإنسان للدوافع ولو مارسها، أما الإسلام فلا يستقذر الدوافع الفطرية، بل يهذبها ويوجهها التوجيه الأمثل.

2) الإسلام يبعث السكنية والراحة في النفوس و القلوب، فأي نكد وأية مطاردة بشبح الخطيئة، وهو الدين الذي يمنح المغفرة قبل أن يذكر العذاب؟!

التفصيل:

أولا. مفهوم الكبت لا ينطبق على تعاليم الإسلام:

إن الدين الإسلامي دين خير ورحمة وبركة، وهو أبعد ما يكون عما ينسب إليه من انتقاصات وعيوب، كيف لا وهو هدية من رب الأرض والسماء إلى الأمة التي اصطفاها بخير شرع وخير كتاب وخير رسول صلى الله عليه وسلم؟!

وإن الويلات التي تعإني منها أوربا وأمريكا الآن منشؤها رغبتهم في التخلص من هذا الكبت، ففتحوا الأمر على مصراعيه، وما كان إلا أن انتشرت فيهم الأمراض، ومسخت الأخلاق، وضاع الحياء والعفة، وسقط بنيان المجتمع وتهدم من داخله، وضاع دور الأسرة، وضاع دور القانون، وأضاعوا دور الدين؛ فلم يبق لهم ضابط يحمون به أنفسهم من شر ما وقعوا فيه، وما استباحوا.

ولعل من أبرز الشواهد على ذلك ما حدث في السويد، ففيها الإباحية بأوضح صورها، وفيها أعلى نصيب للفرد من الراتب، وفيها تقدم علمي وحضاري، لكنها فقدت الدين؛ فكان فيها أعلى نسبة انتحار وجنون واكتئاب في العالم.

فلماذا؟! ألم يخلعوا عنهم رداء الكبت؟ ولماذا لايوجد مثل ذلك في البلاد المسلمة؟! أليست فيها أعلى نسبة كبت؟! وللإجابة عن هذه الأسئلة نعرض لكلام محمد قطب حيث يقول: مفهوم الكبت لاينطبق على تعاليم الإسلام، فهي ليست ضد الدوافع الفطرية، بل تهذبها وتوجهها التوجيه الأمثل وقبل أن نذكر شيئا عن كبت الإسلام للنشاط الحيوي أو عدم كبته له، ينبغي أن نعرف ما الكبت؛ لأن هذه اللفظة كثيرا ما يساء فهمها واستخدامها في كلام المثقفين أنفسهم، فضلا عن العوام والمقلدين.

فليس الكبت هو الامتناع عن العمل الغريزي كما يخيل للكثير، إنما ينشأ الكبت من استقذار الدافع الغريزي في ذاته، وعدم اعتراف الإنسان بينه وبين نفسه أن هذا الدافع يجوز أن يخطر في باله أو يشغل تفكيره، والكبت بهذا المعنى مسألة لا شعورية، وقد لا يعالجها إتيان العمل الغريزي، فالذي يأتي هذا العمل وفي شعوره أنه يرتكب قذارة لا تليق به، شخص يعإني الكبت حتى ولو ارتكب هذا العمل عشرين مرة كل يوم؛ لأن الصراع سيقوم في داخل نفسه كل مرة بين ما عمله وما كان يجب أن يعمله، وهذا الشد في الشعور وفي اللاشعور هو الذي ينشئ العقد والاضطرابات النفسية.

ونحن لا نأتي بهذا التفسير لكلمة الكبت من عندنا، بل هو تفسير فرويد نفسه الذي أنفق حياته العلمية كلها في هذه المباحث، وفي التنديد بالدين الذي يكبت نشاط البشرية، فيقول: يجب أن نفرق تفريقا حاسما بين هذا - الكبت اللاشعوري - وبين عدم الإتيان بالعمل الغريزي، فهذا مجرد تعليق للعمل.

والآن وقد عرفنا أن الكبت هو استقذار الدافع الغريزي وليس تعليق التنفيذ إلى أجل معين، نتحدث عن موقف الإسلام من ذلك.

هل في الإسلام كبت؟

ليس في أديان العالم ونظمه ما هو أشد صراحة من الإسلام في الاعتراف بالدوافع الفطرية، وتنظيف مكانها في الفكر والشعور، يقول القرآن الكريم: )زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب (14)( (آل عمران)، يجمع الله تعالى في هذه الآية شهوات الأرض ويقرر أنها أمر واقع مزين للناس، لا اعتراض عليه في ذاته، ولا إنكار على من يحس بهذه الشهوات.

صحيح أنه لا يبيح للناس أن ينساقوا مع هذه الشهوات إلى المدى الذي يصبحون فيه مستعبدين لها، لايملكون أمرهم منها، فالحياة لا تستقيم بهذا الوضع، والبشرية لا تستطيع أن تحقق طبيعتها التي تهدف إلى التطور الدائم نحو الارتفاع إذا هي ظلت عاكفة على ملذاتها تستنفد فيها كل طاقتها، وتتعود فيها على الهبوط والانتكاس نحو الحيوانية.

نعم لا يبيح الإسلام للناس أن يهبطوا لعالم الحيوان، ولكن هناك فرق هائل بين هذا وبين الكبت اللاشعوري، بمعنى استقذار هذه الشهوات في ذاتها ومحاولة الامتناع عن الإحساس بها رغبة في التطهر والارتفاع.

وطريقة الإسلام في معاملة النفس الإنسانية هي الاعتراف بالدوافع الفطرية كلها من حيث المبدأ وعدم كبتها في اللاشعور، ثم إباحة التنفيذ العملي لها في الحدود التي تعطي قسطا معقولا من المتاع وتمنع وقوع الضرر سواء على فرد بعينه أو على المجموع كله.

والضرر الذي يحدث للفرد من استغراقه في الشهوات هو إفناء طاقته الحيوية قبل موعدها الطبيعي، واستعباد الشهوات له، بحيث تصبح شغله الشاغل وهمه المقعد المقيم، فتصبح بعد فترة عذابا دائما، وجوعة دائمة لا تشبع ولا تستقر.

أما الضرر الذي يحدث للمجتمع فهو استنفاد الطاقة الحيوية التي خلقها الله لأهداف شتى، في هدف واحد قريب، وإهمال الأهداف الأخرى الجديرة بالتحقيق فضلا عن تحطيم كيان الأسرة، وفك روابط المجتمع وتحويله إلى جماعات متفرقة لا يجمعها رابط ولا هدف مشترك: )لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (14)( (الحشر)، مما يسهل على غيرهم غزوهم وتحطيمهم.

ضبط الشهوات ليس كبتا أو تحكما، بل هو توجيه لها في ظل تعاليم الشرع الحنيف:

في هذه الحدود - التي تمنع الضرر - يبيح الإسلام الاستمتاع بطيبات الحياة، بل يدعو إليه دعوة صريحة فيقول مستنكرا: )قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق( (الأعراف: ٣٢)، ويقول: )ولا تنس نصيبك من الدنيا( (القصص: ٧٧)، ويقول: )كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (160)( (الأعراف).

بل يصل في صراحته في الاعتراف بالإحساس الجنسي خاصة - وهو مدار الحديث عن الكبت في الأديان - أن يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»[1]. فيرفع الإحساس الجنسي إلى درجة الطيب أزكى رائحة في الأرض، ويقرنها إلى الصلاة أزكى ما يتقرب به الإنسان لله، ويقول - صلى الله عليه وسلم - في صراحة كذلك: «وفي بضع أحدكم صدقة، فقال المسلمون متعجبين: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال صلى الله عليه وسلم: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر»[2].

ومن هنا لا ينشأ الكبت إطلاقا في ظل الإسلام، فإذا أحس الشباب بالرغبة الجنسية الدافقة فليس في ذلك منكر، ولا يوجد داع لاستقذار هذا الإحساس والنفور منه، وإنما يطلب الإسلام من هذا الشباب أن يضبط هذه الشهوات فقط دون أن يكبتها، يضبطها في وعيه وبإرادته، وليس في لاشعوره، أي: يعلق تنفيذها إلى الوقت المناسب، وليس تعليق التنفيذ كبتا باعتراف فرويد، وليس فيه من إرهاق الأعصاب ما في الكبت وليس يؤدي مثله إلى العقد والاضطرابات النفسية.

وليست هذه الدعوة إلى ضبط الشهوات تحكما يقصد به الإسلام حرمان الناس من المتاع، فهذا هو التاريخ في الإسلام وفي غير الإسلام، يقرر أنه ما من أمة استطاعت أن تحافظ على كيانها وهي عاجزة عن ضبط شهواتها، والامتناع بإرادتها عن بعض المتاع المباح.

كما يقرر من الجانب الآخر أنه ما من أمة ثبتت في الصراع الدولي إلا كان أهلها مدربين على احتمال المشقات، قادرين على إرجاء ملذاتهم - أو تعليقها - متى تقتضي الضرورة ساعات أو أياما أو سنوات، ومن هنا كانت كلمة الصوم في الإسلام.

والمتحللون اليوم من التقدميين والتقدميات يحسبون أنفسهم قد اكتشفوا حقيقة هائلة حين يقولون: ما هذا السخف الذي يدعو إلى تعذيب الأبدان بالجوع والعطش، وحرمان النفس مما نتوق إليه من طعام وشراب ومتاع.. في سبيل لا شيء وإطاعة لأوامر تحكمية لاحكمة لها ولا غاية، ولكن ما الإنسان بلا ضوابط؟ وكيف يصبح إنسانا وهو لايطيق الامتناع سويعات عما يريد؟ وكيف يصبر على جهاد الشر في الأرض، وهذا الجهاد يتطلب منه حرمان نفسه من كثير؟

وهل كان الشيوعيون الذين يسخر دعاتهم في الشرق الإسلامي من الصيام وغيره من الضوابط التي تدرب النفوس - هل كانوا يستطيعون الصمود كما صمدوا في ستالنجراد لو أنهم لم يدربوا على احتمال المشقات العنيفة التي تعذب الأبدان والنفوس، أم أنهم )يحلونه عاما ويحرمونه عاما( (التوبة: ٣٧)، يحلونه حين يصدر الأمر به من الدولة؛ لأنها سلطة مرئية تملك العقاب السريع، ويحرمونه - هو ذاته - حين يصدر الأمر به من الله خالق الدول والأحياء.

وماذا في الإسلام من العبادات غير الصيام والصلاة؟ كم تستغرق من وقت المسلم التقي؟ هل تستغرق في الأسبوع كله أكثر مما تستغرق زيارة واحدة للسينما في كل أسبوع؟ وهل يضحي الإنسان بهذه الفرصة المتاحة للاتصال بالله، وتلقي المعونة منه والاطمئنان إليه إلا وفي قلبه مرض وفي نفسه انحراف.

ثانيا. الإسلام يبعث السكينة والسعادة في القلوب دائما وباب التوبة مفتوح، فلا تنكيد فيه، ولا مطاردة بشبح الخطيئة:

إن الخطيئة في الإسلام ليست غولا يطارد الناس ولا ظلاما دائما لا ينقشع، ولا يوجد في الإسلام ما يسمى خطيئة آدم الكبرى؛ فليست سيفا مسلطا على كل البشر ولا تحتاج إلى نداء ولا تطهير قال عزوجل: )فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (37)( (البقرة)، هكذا في بساطة ودون أية إجراءات.

وأبناء آدم كأبيهم ليسوا خارجين من رحمة الله حين يخطئون فالله يعلم طبيعتهم فلا يكلفهم إلا وسعهم ولا يحاسبهم إلا في حدود طاقتهم، قال سبحانه وتعالى: )لا يكلف الله نفسا إلا وسعها( (البقرة: ٢٨٦)، وقال صلى الله عليه وسلم:«كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»[3].

وآيات الرحمة والمغفرة والتوبة على العباد كثيرة في القرآن، ولكنا نختار منها هذه الآيات؛ لعمق دلالتها على رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شيء، قال سبحانه وتعالى: )وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين (133) الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين (134) والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون (135) أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين (136)( (آل عمران)، ما أعظم رحمة الله - عزوجل - بعباده! فهل بعد ذلك شك في عفو الله - عزوجل - ومغفرته؟ أين يطارد العذاب نفوس الناس، والله يلقاهم بهذا العطف والترحيب بكلمة واحدة صادقة يقولونها: التوبة؟

وزيادة في تأكيد هذا المعنى الواضح نذكر هذا الحديث من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: «والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم»[4].

إنها إذن إرادة دائمة لله، أن يغفر للناس ويتجاوز عن سيئاتهم كما يقول عزوجل: )ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما (147)( (النساء)، نعم ما يفعل الله بتعذيب الناس، وهو الذي يحب أن يمنحهم الرحمة والغفران[5]؟!

الخلاصة:

  • الكبتليسهوالامتناععنالعملالغريزي،بلهو: استقذارالدافعالغريزيفيذاته،وهذاالتعريفلاينطبقعلىالإسلام؛ فالإسلام اعترف بالدوافع الفطرية ولكنه نظف مكانها في الفكر والشعور، وذلك لأنه يبيح التنفيذ العملي لهذه الدوافع، لكن في الحدود التي تعطي قسطا معقولا من المتاع، وتمنع وقوع الضرر سواء على فرد بعينه أو على المجموع كله.
  • الإسلاميبيحالاستمتاعبطيباتالحياة بل يدعو إليها، ويصل في صراحته إلى الاعتراف بالإحساس الجنسي خاصة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«حبب إلي من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة»[6]، ولكن كل ذلك في حدود "لاضرر ولا ضرار".
  • الإسلاميبعثالسكينةفيالنفوسوالسعادةفيالقلوب والراحة في الصدور، فدائما باب التوبة والمغفرة مفتوح، فلا نكد فيه، ولا مطاردة بشبح الخطيئة.

 

(*) شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ/ 2001م.

[1]. حسن: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصيام، باب المرأة تصلي وليس في رقبتها قلادة وتطيب الرجال (7939)، وأحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (14069)، وحسنه الألباني في المشكاة (5261).

[2]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف (2376).

[3]. حسن: أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب ذكر رحمة الله، باب ما ذكر في سعة رحمة الله تعالى (34216)، وابن ماجه في سننه، كتاب الزهد، باب ذكر التوبة (4251)، وحسنه الألبان في صحيح ابن ماجه (3428).

[4]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب بالاستغفار توبة (7141).

[5]. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ/ 2001م، ص171 وما بعدها.

[6]. حسن: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب الصيام، باب المرأة تصلي وليس في رقبتها قلادة وتطيب الرجال (7939)، وأحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أنس بن مالك رضي الله عنه (14069)، وحسنه الألباني في المشكاة (5261).

  • الاثنين AM 04:45
    2020-11-16
  • 1330
Powered by: GateGold