المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413158
يتصفح الموقع حاليا : 279

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء تعطيل عمر بن الخطاب لنصوص الشريعة حين رفض تقسيم الأرض المفتوحة على المسلمين الفاتحين

ادعاء تعطيل عمر بن الخطاب لنصوص الشريعة حين رفض تقسيمالأرض المفتوحة على المسلمين الفاتحين (*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المتوهمين أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قد عطل نصوصا شرعية قطعية الثبوت لمصالح شخصية، ويستدلون على ذلك بموقفه - رضي الله عنه - من تقسيم الأرض المفتوحة على الفاتحين؛ حيث منع تقسيمها على الفاتحين، ويتساءلون: ألا يعد ما فعله عمر بن الخطاب من قبيل تعطيل نصوص قطعية الثبوت ومخالفة صريح القرآن والسنة؟!

وجوه إبطال الشبهة:

1) رفض عمر - رضي الله عنه - لتقسيم الأراضي المفتوحة كان اجتهادا صائبا منه، بني على بعد نظر؛ لتكون تلك الأراضي وقفا للأجيال القادمة، يتوارثونها جيلا بعد جيل، ولو لم يفعل لما بقي لمن يأتي بعدهم شيء، وحتى لا يتجمع المال في أيدي فئة من المسلمين دون غيرهم.

2) تشريع تقسيم الأرض المفتوحة بعد القتال كان من الأمور الاجتهادية التي تركها الشرع للناس ليجتهدوا فيها برأيهم؛ فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قد قسم الأرض المفتوحة مرة، ولم يقسمها أخرى، والضابط في ذلك مصلحة المسلمين.

3) عدمتقسيمالأراضيالمفتوحةعنوةعلىالفاتحين: عادعلىالمسلمينبالعديدمنالمصالحالأمنيةداخلياوخارجيا.

التفصيل:

أولا. رفض تقسيم الأراضي المفتوحة كان اجتهادا صائبا من عمر رضي الله عنه:

إن الادعاء القائل بتعطيل عمر بن الخطاب لنص الشريعة من أجل مصلحة شخصية لديه هو محض افتراء، فأي مصلحة شخصية لرجل يلغي نصيبه من الفيء وهو خمس الأراضي لو قسمت، وضحى بهذا من أجل مصلحة جيل قادم، ومن أجل مصلحة الإسلام، فقد ترك نصيبه، وهو جد عظيم، وأراد من المسلمين أن يتركوا ذلك عملا بمصلحة إخوانهم، ولا شك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - راعى عدة اعتبارات لما اتخذ قراره بمنع تقسيم الأراضي المفتوحة ورآها راجحة وتخدم مقصد الشارع الحكيم.

ويوضح لنا د. يوسف القرضاوي هذا الموقف؛ فيقول: من الآراء والاجتهادات العمرية التي استندت إليها فئات التغريب والتبعية الفكرية، من الذين ينادون بتعطل النصوص - وإن كانت قطعية - لتحقيق مصالح يتوهمونها، ويقدمونها على نصوص الكتاب والسنة: موقف عمر - رضي الله عنه - من تقسيم الأرض المفتوحة على الفاتحين المنتصرين من الصحابة، الذين طالبوه بتقسيمها عليهم باعتبارها غنيمة غنموها بسيوفهم، كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - أرض خيبر على المقاتلين الذين فتحوها، وكان منهم عمر - رضي الله عنه - نفسه.

طالبوه بذلك عندما فتح سعد بن أبي وقاص فارس والعراق، وكانت أرضه تسمى "السواد"، من كثافتها وخضرتها، بحيث يراها الرائي من بعيد كأنها كتلة سوداء، وطالبوه بتقسيم الشام عندما فتحت الشام، وطالبوا قائده عمرو بن العاص، عندما فتح مصر أن يقسمها عليهم.

ولكن عمر - رضي الله عنه - أبي عليهم ذلك، ولم يستجب لمطالبتهم هذه، لاعتبارات أخرى رآها أقرب لمقاصد الشرع من التقسيم، الذي يعتبره المطالبون حقا لهم، أثبته لهم كتاب الله عزوجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فقد روى الإمام أبو عبيد في "الأموال" عن إبراهيم التيمي قال: لما فتح المسلمون السواد قالوا لعمر رضي الله عنه: اقسمه بيننا، فإنا افتتحناه عنوة، قال: فأبى، وقال: فما لمن جاء بعدكم من المسلمين؟ وأخاف إن قسمته أن تفاسدوا بينكم في المياه. قال: فأقر أهل السواد في أرضهم، وضرب على رؤوسهم الجزية، وعلى أرضيهم الطسق[1] ولم يقسم بينهم.

وأيضا روى أبو عبيد عن ابن الماجشون قال: قال بلال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، في القرى التي افتتحها عنوة: اقسمها بيننا، وخذ خمسها، فقال عمر رضي الله عنه: لا، هذا عين المال، ولكني أحبسه فيما يجري عليهم وعلى المسلمين، فقال بلال وأصحابه: اقسمها بيننا، فقال عمر رضي الله عنه: اللهم اكفني بلالا وذويه. قال: فما حال الحول ومنهم عين تطرف.

وروى أبو عبيد عن سفيان بن وهب الخولاني يقول: لما افتتحت مصر بغير عهد - يعني عنوة بغير صلح - قام الزبير بن العوام فقال: يا عمرو بن العاص، اقسمنها. فقال عمرو: لا أقسمها. فقال الزبير: لتقسمنها، كما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر، فقال عمرو: لا أقسمها، حتى أكتب إلى أمير المؤمنين، فكتب إلى عمر، فكتب إليه عمر: أن دعها حتى يغزو منها حبل الحبلة.

قال أبو عبيد: أراه أراد: أن تكون فيئا موقوفا للمسلمين ما تناسلوا، يرثه قرن بعد قرن، فتكون قوة لهم على عدوهم.

ومعنى كلام عمر - رضي الله عنه - وتفسير أبي عبيد له: أنه يريد أن يكون وقفا على الأجيال القادمة، يتوارثونه جيلا عن جيل.

قال أبو عبيد: وحدثنا أبو الأسود عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب: أن عمر كتب إلى سعد بن أبي وقاص - يوم افتتح العراق -: "أما بعد، فقد بلغني كتابك: أن الناس قد سألوا أن تقسم بينهم غنائمهم، وما أفاء الله عليهم. فانظر ما أجلبوا عليك في العسكر، من كراع أو مال، فاقسمه بين من حضر من المسلمين، واترك الأرضين والأنهار لعمالها[2]؛ ليكون ذلك في أعطيات المسلمين. فإنا لو قسمناها بين من حضر لم يكن لمن بعدهم شيء".

وحدثنا إسماعيل بن جعفر عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر: أنه أراد أن يقسم السواد بين المسلمين، فأمر أن يحصوا، فوجد الرجل يصيبه ثلاثة من الفلاحين، فشاور في ذلك، فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: دعهم يكونوا مادة للمسلمين، فتركهم وبعث عليهم عثمان بن حنيف.

وحدثنا هشام بن عمار الدمشقي عن يحيى بن حمزة قال: حدثني تميم بن عطية العنسي. قال أخبرني عبد الله بن أبي قيس - أو عبد الله بن قيس الهمداني، شك أبو عبيد - قال: قدم عمر الجابية، فأراد قسم الأرض بين المسلمين، فقال له معاذ: والله إذن ليكونن ما تكره، إنك إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون، فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قوم يسدون من الإسلام مسدا، وهم لا يجدون شيئا، فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم. قالوا: فصار عمر إلى قول معاذ.

وهكذا اتفق رأي عمر وعلي ومعاذ ومعهم عثمان وطلحة على عدم التقسيم، لما يترتب عليه من مفاسد، والنظر في أمر يسع أول الناس وآخرهم.

وهذا ما أكدته شتى الروايات عن عمر، فقد روى عنه زيد بن أسلم أنه قال: تريدون أن يأتي آخر الناس، وليس لهم شيء؟! وعنه قال: لولا آخر الناس، ما افتتحت قرية إلا قسمتها.

وروي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: «أما والذي نفسي بيده، لولا أن أترك آخر الناس ببانا[3] ليس لهم شيء؛ ما فتحت علي قرية إلا قسمتها كما قسم النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر، ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها»[4].

وقد استغل بعض المعاصرين - ممن لا يوقرون النصوص الشرعية، ولا يقدرونها حق قدرها - من العلمانيين والمغتربين: هذا الاجتهاد العمري، كما استغلوا أمثاله، ليصلوا من ورائه إلى مقولة خطيرة كل الخطر، وهي: جواز تعطيل النصوص القطعية بسبب المصالح الدنيوية، فإذا تعارض النص القطعي والمصلحة جمد النص، وقدمت المصلحة.

وادعوا أن عمر الفاروق - رضي الله عنه - هو الذي سن للمسلمين هذه السنة، وقد بنوا حجتهم في هذا الادعاء على دليلين:

  1. قول الله عزوجل: )واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال: 41).

فهذه الآية توجب قسمة كل غنائم الحرب بين الغانمين الذين شاركوا في الحرب، سواء كانت عقارا أم منقولا، ولكن عمر ترك هذه الآية عمدا، ولم يعمل بمقتضاها، ولم يقسم الأرض المغنومة.

  1. ما صح في السنة النبوية، وهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين غزا خيبر وافتتحها عنوة، قسمها بين المسلمين الذين شاركوا معه في فتحها، ممن كانوا معه في الحديبية، وإن أشرك معهم بعض من كانوا هاجروا إلى الحبشة.

ولكن عمر - رضي الله عنه - ترك ما نص عليه في كتاب الله عزوجل، وفي سنة رسول صلى الله عليه وسلم، لاعتبارات مصلحية رآها، ولم يقسمها بين المسلمين الذين طالبوه صراحة بقسمتها بينهم، بل ألحوا عليه في ذلك وشددوا، ومنهم بلال على فضله وسابقته، ومعه من معه من الصحابة حتى إن عمر - رضي الله عنه - لجأ إلى الدعاء عليهم قائلا: اللهم اكفني بلالا وأصحابه، فما مر عليهم العام، وفيهم عين تطرف، أي ماتوا جميعا.

ولا نحسب أن عمر - رضي الله عنه - دعا عليهم بالموت، ولكن دعا الله أن يكفيه خصومتهم، فاختار القدر لهم ما اختار، ولا راد لما قضاه الله.

نظرة في فقه عمر رضي الله عنه:

والواجب علينا أن ننظر بعين الفقه فيما صنعه عمر رضي الله عنه: هل خالف فيه - كما يقول هؤلاء - نصا قطعي الثبوت والدلالة في القرآن والسنة؟

نظرة في آية الغنيمة:

أما ما ذكر من قوله عزوجل: )واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال: 41)، ومفهومها: أن الأربعة الأخماس الباقية للغانمين، فهذه الآية من كتاب الله لا شك أنها قطعية الثبوت، شأن كل القرآن، فهو ثابت بالتواتر اليقيني الذي لا ريب فيه، ولكن هل هي قطعية الدلالة على ما يدعون أنها تشمل كل ما غنم من منقول ومن عقار، حتى تشمل الأرضين والجبال والأنهار؟

لا يملك فقيه بصير بالقرآن وباللغة ودلالتها أن يزعم أن الآية الكريمة تدل على ذلك دلالة قطعية؛ لأن حقيقة ما يغنمه الإنسان في الحرب: ما يحوزه بالفعل، ويستولى عليه، وهذا معقول ومشاهد في الكراع والسلاح والثياب والنقود، والأدوات، ونحوها، مما يمكن أخذه وحمله ونقله.

بخلاف الأراضي الشاسعة، والسهول الواسعة، والجبال الشامخة، والأنهار العظيمة، فمن ذا الذي يقول: إنه حازها واستولى عليها إلا بضرب من التجوز والتوسع في الاستعمال اللغوي، وليس على الحقيقة؟

فكأن عمر - رضي الله عنه - قال للصحابة الذين عارضوه، وطلبوا منه قسمتها عليهم: إنكم لم تغنموا هذه الأرض على وجه الحقيقة، فلا دليل لكم في آية الغنيمة؛ لأنها في المنقولات وما أشبهها.

نظرة أخرى في القسمة النبوية لخيبر:

وإذا كان عمر لم يخالف نصا قطعيا بتركه العمل بآية توزيع الغنيمة، فهو من باب أولى، لم يخالف نصا قطعيا؛ إذ لم يأخذ بالتقسيم النبوي لخيبر.

ولكن الذي نريد أن نوضحه هنا هو: دلالة الفعل النبوي، على وجوب قسمة الأرض المفتوحة، ودعوى قطعية هذه الدلالة، وأن ابن الخطاب - رضي الله عنه - خالف هذه القطعية، ويتضح ذلك فيما يأتي:

  1. أن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يدل - بذاته - على الوجوب، بل على مجرد المشروعية، وإن دل على الوجوب، فلا بد أن يكون بقرينة أخرى مصاحبة له، لا بذات الفعل.

ولهذا وسع عمر - رضي الله عنه - ومن وافقه وأشار عليه من فقهاء الصحابة - من أمثال علي ومعاذ - أن يخالفوه ظاهرا، وإن لم يخالفوه حقيقة.

  1. أن كثيرا من هذه التصرفات النبوية التي تدخل في باب السياسة والإدارة والاقتصاد، هي - في الغالب - تصرفات بوصف الإمامة، لا بوصف التبليغ عن الله عزوجل، أي أن هذا قرار من قرارات السلطة السياسية أو الإدارية العليا، اتخذه الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في ضوء المصلحة المرعية في وقته.

وهو بهذا يسن للأئمة من بعده أن يتصرفوا بهذه الصفة كما تصرف، وأن يتخذوا من المواقف والقرارات ما يرونه أصلح لزمانهم ومكانهم، وإن خالفوا في بعض الجزئيات بعض المواقف أو الآراء النبوية، فهم بهذا مطبقون للمنهج النبوي في رعاية المصالح، ودرء المفاسد حسب ظروف الزمان والمكان.

  1. أن السنة النبوية ثبت فيها تقسيم الأرض، وترك تقسيم الأرض، وكلاهما سنة متبعة، فقد ثبت في السيرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة عنوة، ولو في جزء منها على الأقل. ومع هذا لم يقسم أرضها ولا دورها، بل تركها في أيدي أهلها، وهذا لا ينازع فيه منازع، وفي هذا متسع لاقتداء عمر - رضي الله عنه - به.

وهذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية أقوى الدعاة إلى اتباع السنة، والاهتداء بهدي السلف في القرون الماضية، يقول في فتوى له: حبس عمر وعثمان - رضي الله عنهما - الأراضين المفتوحة، وترك قسمتها على القائمين، فمن قال: إن هذا لا يجوز؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم خيبر، وقال: إن الإمام إذا حبسها - أي وقفها لمصلحة الأمة كلها - نقض حكمه؛ لأجل مخالفة السنة، فهذا القول خطأ، وجرأة على الخلفاء الراشدين، فإن فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في خيبر، إنما يدل على جواز ما فعله، لا يدل على وجوبه، فلو لم يكن معنا دليل على عدم وجوب ذلك، لكان فعل الخلفاء الراشدين دليلا على عدم الوجوب.

فكيف وقد ثبت أنه فتح مكة عنوة، كما استفاضت به الأحاديث الصحيحة، بل تواتر ذلك عند أهل المغازي والسير؟

ومع هذا فالنبي صلى الله عليه وسلم، لم يقسم أرضها، فعلم جواز الأمرين، فالنتيجة أن قسمة الأرض المفتوحة سنة، وعدم قسمتها سنة أيضا.

كل ما هنالك: أن ما فعله الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم، في كلتا سنتيه، كان هو الأوفق والأحكم، فقد كان المسلمون من صحابته الكرام - في غزوة خيبر - في حاجة إلى ما يشد أزرهم، ويقوي ظهرهم، ويعوضهم عما فاتهم بسبب الجهاد المتواصل، وخصوصا بعد أن بايعوا على الموت في الحديبية، وكانت أرض خيبر، أرض بلدة أو منطقة محدودة، ليست كسواد العراق، أو بلاد الشام أو أرض مصر، وكان أهلها أصلا دخلاء على جزيرة العرب، وطالما أفسدوا فيها، وآن لهم أن يخرجوا منها. كل هذه الاعتبارات رجحت تقسيم أرضهم على المقاتلين المنتصرين.

بخلاف الأراضي التي رفض عمر - رضي الله عنه - تقسيمها، فهي ليست منطقة أو قرية أو مدينة، بل هي أراضي ممالك وأقطار كبيرة مثل مصر والشام والعراق، وملاكها ليسوا دخلاء عليها كاليهود على الجزيرة، وإجلاؤهم عنها غير وارد ولا ممكن، فكان الخير والمصلحة للدنيا وللدين في إبقائها بيد أهلها، يحيونها ويعمرونها ويعملون فيها، ويفرض عليها خراج يعود إلى الدولة بصفة دورية، يكون رصيدا للإنفاق على مصالح الأمة وسد ثغراتها، وتلبية حاجاتها، وخصوصا على حراس الدولة من العسكريين: كالجنود، والمدنيين: كالقضاة والفقهاء والمعلمين.

وهذا ما صرح به المحققون من العلماء، وأشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن قدامة في "المغني"؛ حيث قال - معللا الرواية التي جاءت عن الإمام أحمد بأن الأرض المفتوحة عنوة تصير وقفا للمسلمين بنفس الاستيلاء عليها -: لاتفاق الصحابة عليه. وقسمة النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر، كان في بدء الإسلام وشدة الحاجة، فكانت المصلحة فيه، وقد تعينت المصلحة فيما بعد ذلك في وقف الأرض، فكان ذلك هو الواجب.

  1. يؤكد هذا ما جاءت به بعض الروايات، وهي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم كل أرض خيبر، بل قسم بعضا، وترك بعضا لنوائبه وحاجاته، باعتباره مسئولا عن الأمة.

فقد ذكر ابن قدامة في "المغني": أن كلا الأمرين من القسمة وعدمها قد ثبت فيه حجة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي قسم نصف خيبر، ووقف نصفها لنوائبه، وهو ما رواه أبو عبيد في "الأموال".

  1. استناد عمر - رضي رالله عنه - إلى القرآن: ونضيف إلى ذلك كله: أن عمر احتج لما رآه بآيات في كتاب الله - عزوجل - من سورة الحشر، وجد فيها ضالته التي ينشدها، وهي المتعلقة بتوزيع الفيء، فقد قال أبو يوسف في كتاب "الخراج": لما افتتح السواد شاور عمر الناس فيه، فرأى عامتهم أن يقسمه، وكان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك. وكان رأي عبد الرحمن بن عوف أن يقسمه، وكان رأي عثمان وعلي وطلحة رأي عمر - رضي الله عنهم - أجمعين.

وكان رأي عمر أن يتركه ولا يقسمه، حتى قال عند إلحاحهم عليه: اللهم اكفني بلالا وأصحابه! فمكثوا بذلك أياما، حتى قال عمر - رضي الله عنه - لهم: قد وجدت حجة في تركه، وألا أقسمه: قول الله عزوجل: )للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا( (الحشر: 8)، فتلا عليهم حتى بلغ إلى قوله عزوجل: )والذين جاءوا من بعدهم( (الحشر: 10).

قال: فكيف أقسمه لكم، وأدع من يأتي بغير قسم؟ فأجمع على تركه، وجمع خراجه، وإقراره في أيدي أهله، ووضع الخراج على أيديهم، والجزية على رؤوسهم.

وجاء عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال: «اجتمعوا حتى ننظر لمن هذا المال - حين أتي بالفيء - فلما اجتمعوا قال: إني قرأت آيات من كتاب الله فاكتفيت بها، ثم قرأ قوله عزوجل: )ما أفاء الله على رسوله( (الحشر: 7)، ثم قرأ قوله عزوجل: )والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم( (الحشر: 9)، ثم قال: )والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10)( (الحشر)، ثم قال: ما أحد من المسلمين إلا له في هذا الفيء حق إلا ما ملكت أيمانكم»[5].

تعليق أبي عبيد:

قال أبو عبيد: فقد تواترت الآثار في افتتاح الأرضين عنوة بهذين الحكمين:

أما الأول: فحكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خيبر، وذلك أنه جعلها غنيمة، فخمسها، وقسمها، وبهذا الرأي أشار بلال على عمر - رضي الله عنهما - في بلاد الشام، وأشار الزبير بن العوام على عمرو بن العاص في أرض مصر، وبهذا كان يأخذ مالك بن أنس، وكذلك يروي عنه.

وأما الحكم الآخر: فحكم عمر - رضي الله عنه - في السواد وغيره، وذلك أنه جعله فيئا موقوفا على المسلمين ما تناسلوا ولم يخمسه، وهو الرأي الذي أشار به عليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل رضي الله عنه.

وبهذا كان يأخذ سفيان بن سعيد - يعني: الثوري - وهو معروف من قوله، إلا أنه كان يقول: الخيار في أرض العنوة إلى الإمام، إن شاء جعلها غنيمة، فخمس وقسم، وإن شاء جعلها فيئا عاما للمسلمين، ولم يخمس ولم يقسم.

قال أبو عبيد: وكلا الحكمين فيه قدوة ومتبع من الغنيمة والفيء، إلا أن الذي أختاره من ذلك: يكون النظر فيه إلى الإمام، كما قال سفيان، وذلك أن الوجهين جميعا داخلان فيه.

وليس فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - براد لفعل عمر رضي الله عنه، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - اتبع آية من كتاب الله - عزوجل - فعمل بها، واتبع عمر آية أخرى فعمل بها، وهما آيتان محكمتان فيما ينال المسلمون من أموال المشركين، فيصير غنيمة أو فيئا. قال الله عزوجل: )واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل( (الأنفال: 41)، فهذه آية الغنيمة، وهي لأهلها دون الناس وبها عمل النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الله عزوجل: )ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7) للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون (8) والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (9) والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم (10)( (الحشر)، فهذه آية الفيء، وبها عمل عمر رضي الله عنه، وإياها تأول حين ذكر الأموال وأصنافها، فقال: فاستوعبت هذه الآية الناس. وإلى هذه الآية ذهب علي، ومعاذ، حين أشارا عليه بما أشارا - فيما نرى - والله أعلم[6].

وإذا أردنا أن نناقش موقف عمر - رضي الله عنه - ونثبت هل حالفه التوفيق فيه أم لا؟ نرى أن التوفيق حالفه بلا شك وهذا ما ذهب إليه الشيخ القرضاوي قائلا: "وأنا أرجح السياسة العمرية التي أيدها فقهاء الصحابة مثل: علي ومعاذ، وأرى أنها كانت توفيقا من الله لعمر كما قال الإمام أبو يوسف، وهي التي تؤدي إلى تحقيق العدل الذي دعا إليه الإسلام.

وملخص هذه السياسة: نقل ملكية رقبة هذه الأرض من الأفراد المالكين إلى مجموع الأمة الإسلامية كلها في سائر الأجيال؛ فليس ملكها لشخص أو أشخاص، بل هي للمسلمين جميعا؛ وذلك لما لملكية الأرض من أهمية اقتصادية وسياسية واجتماعية، ويجب أن نذكر أن توزيع تلك الأراضي في عصور الجاهلية كان في غالبه توزيعا ظالما، تختص فيه الأسر الحاكمة ومن يلوذ بها من الإقطاعيين وأمثالهم بصفوة الأرض، ويعيش الفلاحون فيها رقيقا أو كالرقيق.

وقد عبر الفقهاء عن حكم الإسلام فيها بأنه تصير وقفا للمسلمين، يضرب عليها خراج معلوم يؤخذ منها كل عام، ويقدر حسب طاقة الأرض، يكون أجرة لها، وتقر في أيدي أربابها ما داموا يؤدون خراجها، سواء أكانوا مسلمين أم من أهل الذمة. ولا يسقط خراجها بإسلام أربابها ولا بانتقالها إلى مسلم؛ لأنه بمنزلة أجرتها.

هذا ما صنعه عمر - رضي الله عنه - فيما افتتح في عهده من أرض العراق والشام، ولم يستجب لبلال ومن معه، الذين سألوه أن يقسم الأرض على الفاتحين، كما تقسم بينهم غنيمة العسكر، فأبى عمر ذلك، وتلا عليهم قوله عزوجل: )ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم( (الحشر:7)، إلى آخر الآيات التي ذكرناها من قبل.

قال عمر رضي الله عنه: قد أشرك الله الذين يأتون من بعدكم في هذا الفيء، فلو قسمته لم يبق لمن بعدكم شيء، ولئن بقيت ليبلغن الراعي بصنعاء نصيبه من هذا الفيء ودمه في وجهه.

ومعنى "دمه في وجهه": أن كرامته مصونة؛ إذ يقال لمن يسأل الناس: أراق ماء وجهه.

وقد نبهت الآية الكريمة على حكمة توزيع هذا الفيء على الطبقات الضعيفة المحتاجة بهذه الكلمة الرائعة: )كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم( (الحشر: 7)، فسبقت بهذا المبدأ ما نادى به - بعد قرون طويلة - دعاة العدالة الاجتماعية وأنصار الاشتراكية.

وقررت الآيات توزيع عائد الفيء توزيعا عادلا، لا زال غرة في جبين الإنسانية، فجعلت نصيبا فيه للجيل الحاضر من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم وصودرت ملكياتهم بغير حق إلا أن يقولوا: ربنا الله، ومن الأنصار الذين فتحوا صدورهم ودورهم لإخوانهم المهاجرين فآووا ونصروا، وآثروا على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة.

وأشركت مع هذا الجيل الذي بذل وضحي أجيالا أخرى، عبر عنهم القرآن بقوله: )والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا( (الحشر: 10)، وبهذا علمتنا الآيات الكريمة أن الأمة كلها وحدة متكاملة على اختلاف الأمكنة، وامتداد الأزمنة، وأنها - على مر العصور - حلقات متماسكة، يعمل أولها لخير آخرها، ويغرس سلفها ليجني خلفها، ثم يأتي الآخر فيكمل ما بدأه الأول، ويفخر الأحفاد بما فعله الأجداد، ويستغفر اللاحق للسابق، ولا يلعن آخر الأمة أولها.

وبهذا التوزيع العادل تفادى الإسلام خطأ الرأسمالية التي تؤثر مصلحة الجيل الحاضر ومنفعته، مغفلة - في الغالب - ما وراءه من الأجيال، كما تجنب خطأ الشيوعية التي تتطرف كثيرا إلى حد التضحية بجيل أو أجيال قائمة، في سبيل أجيال لم تطرق بعد أبواب الحياة[7].

وبناء على هذا البيان الذي أتحفنا به د. القرضاوي يظهر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يخطئ في رفض تقسيم الأراضي المفتوحة على المسلمين، ولم يعطل نصا شرعيا كما اعتقد المتوهمون.

ثانيا. الحكم التشريعي للأرض المفتوحة بعد القتال كان مما أحيل إلى الناس ليجتهدوا فيه برأيهم لتحقيق المصلحة العامة للمسلمين:

وعن الأحكام التي تتعلق بهذه الأراضي وما يمسها يبين لنا د. محمد بلتاجي هذا؛ فيقول: إن قلنا: إن الأرض التي تفتح بعد قتال يطبق عليها حكم الغنيمة في سورة الأنفال، ويقسم أربعة أخماسها على المقاتلين، فسوف يكون ما حدث بعد فتح مكة مخالفا لهذا الحكم، ولا يمكن أن يخالف الرسول - صلى الله عليه وسلم - حكما مقررا في القرآن، كما أننا لا نستطيع أن نبرر هذا بأن لمكة وضعا خاصا بحيث تستثنى من حكم الغنيمة، باعتبارها موطن البيت الحرام ومولد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن استثناءها من حكم مقرر في القرآن يجب أن يكون بنص صريح، ولا نجد مثل هذا النص، بل إننا لا نجد أية إشارة - ولو تلميحا - من كلام الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو أحد صحابته، تدل على مثل هذا الاستثناء، وكل ما نجده هو الحوار الذي دار بين الرسول وأهل مكة بعد فتحها، إذ قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم «)لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين (92)( (يوسف)» [8]. ثم لم يغنم شيئا من أموالهم أو أرضهم، بالرغم من أنه أمر بقتل بعض المشركين، ولو كانوا متعلقين بستور الكعبة.

وإلى جانب اعتبار حرمة مكة، فهناك اعتبار آخر يقابله، هو أن كثيرا من المهاجرين تركوا أموالهم أو ما يقابلها إليهم - لكن الرسول لم يقسم أرض مكة.

ونضيف إلى هذا أمرين مهمين، نلاحظهما عند إثارة تقسيم الأرض المفتوحة في خلافة عمر رضي الله عنه، وهما:

  1. أن قادة الجيوش الإسلامية التي فتحت أرض العراق والشام ومصر، رفضوا تقسيمها بعد القتال، حتى يستشيروا الخليفة بالمدينة، وهذا يدلنا بوضوح على أن تطبيق حكم الغنيمة كما في سورة الأنفال على الأرض المفتوحة بالذات، لم يكن أمرا مقررا أو تشريعا ثابتا من أيام الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنص القرآن وسنته العملية؛ إذ كيف يتصور أن أبا عبيدة بن الجراح، ذلك المسلم الزاهد الذي سماه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمين هذه الأمة، يتردد لحظة واحدة في أن يطبق حكما مقررا، شرعه القرآن ونفذه الرسول في حياته؟

لقد كان قواد الجيوش يقسمون الأموال والمنقولات التي يغنمونها في القتال، دون أن يحتاجوا في ذلك إلى أمر خاص من الخليفة، أو مستشاريه في المدينة، لكنهم توقفوا في الأرض المفتوحة بالذات، وكتبوا إلى الخليفة - وقد كانوا من كبار الصحابة وأعلم الناس بتصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم - فدل هذا على أن دخول الأرض المفتوحة بعد قتال في مفهوم "الغنيمة"، كما هو في سورة الأنفال، لم يكن أمرا مقررا أو تشريعا ثابتا لا يتردد أحد في تنفيذه، ولا يسأل الناس آراءهم فيه، وحين طبق القادة ومعهم المسلمون حكم الغنيمة على الأموال المنقولة من ذهب وفضة وجوهر ومتاع وسلاح، دون أن يراجعوا أحدا في ذلك؛ فإنما حدث ذلك لأن هذه الأموال كانت داخلة في مفهوم "الغنيمة"، وكان هذا أمرا واضحا ومقررا من أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن تصرفاته في الأموال التي نالها المسلمون بعد قتال، أما الأرض المفتوحة فلم يكن الأمر فيها بمثل هذا الوضوح، بل كان أمرا يكتنفه كثير من الإبهام والغموض؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قسم أرض بني قريظة، وترك أرض مكة، وأقر أهل خيبر وأهل وادي القرى على أن لهم نصف الثمار، وذلك بعد أن نقل أصل ملكيتها إلى المحاربين. وكلها فتحت بعد قتال. ومن هنا لم يكن أمام قادة الجيش إلا أن يتوقفوا لسؤال الخليفة ومستشاريه من كبار الصحابة.

  1. أن حكم الأرض المفتوحة لم يكن أمام كبار الصحابة في المدينة بأكثر وضوحا مما كان عليه عند قواد الجيوش، لأننا لا نتصور أن المدينة وقد كان فيها عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وكبار المهاجرين والأنصار - رضي الله عنهم - تختلف على نفسها في حكم شرعه القرآن وطبقه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأن حكم القرآن وعمل الرسول - صل الله عليه وسلم - يكفيان لقطع كل نزاع أو رأي.

ومن هنا نقول: إن دخول الأرض المفتوحة في مفهوم الغنيمة كما شرعت في سورة الأنفال، لم يكن أمرا مقررا، أو تشريعا ثابتا، حتى زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وإلا ما اختلف فيه أحد، أو سمعت فيه كلمة لأحد بعد كلمة القرآن وكلمة الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن الأمر حدث فيه نزاع وخلاف ومناقشات طويلة وانقسام في الرأي، فعبد الرحمن بن عوف ومن تابعه من المسلمين - مثل الزبير وبلال - كانوا يرون قسمة الأرض، وعثمان وعلي وطلحة وابن عمر ومن تابعهم كانوا يرون ألا تقسم بين الفاتحين، ودارت المناقشات الطويلة التي سجلتها كتب الأموال والتاريخ، والتي أخذنا صورة منها، فهل يمكن أن نتصور - بعد كل هذا الخلاف بين المحاربين وقوادهم، ثم بين كبار الصحابة في المدينة - أن الأرض المفتوحة كان فيها تشريع معين جاء به القرآن والتزم به الرسول صلى الله عليه وسلم؟

هل يمكن أن نتصور أن أحدا يخالف في وجوب الزكاة، أو مقدارها، أو ينكر آية من القرآن، أو حكما من أحكامه، أو حكما أمضاه النبي - صلى الله عليه وسلم - والتزم به في حياته، ثم تسمع لهذا المخالف كلمة؟ إن النظرة البديهية تنكر أن يقع مثل هذا في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنهم. أما وقد وقع الخلاف الطويل في الأرض المفتوحة عنوة، فليس في استطاعتنا أن نسلم بأن دخولها تحت مفهوم الغنيمة - بتقسيم أربعة أخماسها بين الفاتحين - كان أمرا مقررا أو تشريعا ثابتا لا يجادل فيه أحد.

لكننا - من ناحية أخرى - لن نستطيع أن نسلم بعكس هذا فنقول: إن عدم دخول الأرض المفتوحة في مفهوم الغنيمة كان أمرا مقررا، وإلا لما حدث خلاف عليها، ولما طالب المقاتلون بتقسيم أربعة أخماسها عليهم، ولما وجدوا بعد ذلك من يؤيدهم في مطلبهم من كبار الصحابة. فما مصدر هذا الغموض والإبهام؟

إن الأموال المنقولة والأمتعة التي غنمها المسلمون بعد قتال، لم يكن في تطبيق حكم الغنيمة عليها خلاف؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقسم أربعة أخماسها على المقاتلين ويصرف الخمس الباقي لنفقته ولذوي قرباه ولليتامي والمساكين وابن السبيل، كما نصت عليه آية سورة الأنفال، فعل ذلك في أموال بني قريظة وأموال خيبر وأموال وادي القرى، وفي كل الأموال التي كان الجيش الإسلامي يغنمها بعد قتال، ومن هنا كان تقسيم الأموال والمنقولات والأمتعة أمرا مقررا وتشريعا ثابتا لا يحتاج أحد إلى أن يسأل عنه أو يختلف فيه، أما الأرض فإن توقف قادة الجيوش فيها، ثم اختلاف كبار الصحابة الذين عاصروا الرسولـ صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بالإضافة إلى تقسيم الرسول - صلى الله عليه وسلم - لبعض الأرض المفتوحة في عهده، وتوقفه عن تقسيم مكة - وكلها فتحت بعد قتال - كل هذا يدلنا بوضوح على أن أمرها لم يكن فيه تشريع موحد ثابت جاء به القرآن والتزم الرسول - صلى الله عليه وسلم - به.

وإذا سلمنا بأن السنة - وبخاصة العملية - هي التفسير الصادق لآيات القرآن وأحكامه، فإننا نستطيع أن نقول - ونحن مطمئنون -: إن مفهوم الغنيمة في سورة الأنفال: هو كل ما يغنم من أموال الذهب والفضة والجواهر والملابس، والمنقولات، وليس منه الأرض المفتوحة.

لكن ما هو حكم الأرض المفتوحة إذن؟ وهل تركها الإسلام بدون تشريع؟

وهل يمكن أن نتصور أن الإسلام يضع تشريعا للأموال والمنقولات ويترك الأرض المفتوحة دون أن يضع لها تشريعا؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تكمن في طبيعة التشريع الإسلامي؛ لأننا نستطيع أن نلمح فيه، بصفة عامة - اتجاهين رئيسيين هما:

  • أنهيضعتشريعاتمفصلةمنصوصاعليها بخصوصها، وهنا يجب الالتزام بهذه النصوص الخاصة ومن هذا النوع "الغنيمة"، بمعنى الأموال والمنقولات.
  • أنهلايشرعلبعضالأمورعنطريقالنصالمفصلالخاص،وإنمايتركهاللمسلمينأنفسهم،ليضعوالهاالتشريعاتالمناسبةلهابحسباجتهادهم،وتحريهمالحقوالصالحالعام، كل في عصره، مع التزامهم في كل ذلك بالنصوص العامة التي قررت أسسا ومبادئ ومقولات، والتزامهم إلى جانب ذلك بالقياس على النمط العقلي المستنبط من النصوص الخاصة، كما يقول ابن نجيم: إذا كان فعل الإمام مبنيا على المصلحة - أي: فيما ليس فيه نص خاص - فيما يتعلق بالأمور العامة، لم ينفذ أمره شرعا إلا إذا وافقه، أي: وافق الشرع، فإذا خالفه لم ينفذ. أي إذا خالف مقرراته وأسسه العامة؛ لأنه يتحرى المصلحة فيما ليس فيه نص خاص، فالاتجاه الثاني وإن لم يكن فيه نصوص مفصلة خاصة، إلا أن فيه نوعا من الالتزام التشريعي، يضمن عدم مخالفة الاجتهاد - الفردي أو الجماعي - لأسس التشريع ومقاصده العامة.

والاتجاه الأول يشمل الأشياء الثابتة، التي لا تتغير فيها مصالح الناس والاتجاه الثاني يشمل ما تختلف فيه المصلحة باختلاف الظروف والعصور، مما ترك للناس أنفسهم في كل عصر، ليواجهوا مشكلات عصرهم ويجتهدوا فيها محاولين الاهتداء إلى الصالح العام، وفي إحالة هذه الأمور إلى الناس تشريع لها، فلم تترك إذن بغير تشريع، وبخاصة أن هذه الإحالة مقيدة بالالتزام التشريعي السابق، فإذا خالف ولي الأمر هذا الالتزام فلا حق على الناس في الطاعة، كما قال ابن نجيم.

ولهذه الإحالة الملتزمة استحق التشريع الإسلامي وصف "الملائم لكل زمان ومكان وظروف"، ومن هنا يبدو واضحا أن مفهوم التشريع الإسلامي أشمل من أن يقتصر على ما نص على حكمه صراحة فحسب، فإنه يشمل أيضا ما أحيل الحكم فيه إلى الناس وقد كان واضحا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث معاذ المشهور، الذي أوضح فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في عصر الرسالة - الذي كان الوحي يتوالى فيه - أنه سوف تبقى أشياء تركت بدون نص صريح لاجتهاد الناس، وإذا كانت هذه الأشياء قد وجدت في عصر الرسالة والوحي، فما أكثرها بعد ذلك، لتغير ظروف الحياة والزمان والمكان، وتغير مصالح الناس وطبائعهم، تبعا لكل هذا.

نريد أن نخلص من هذا كله إلى أن تشريع الأرض المفتوحة بعد قتال كان مما أحيل إلى الناس ليجتهدوا فيه برأيهم وعلى هذا تستقيم وقائع التاريخ، مما حدث في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، من تقسيمه الأرض المفتوحة مرة، وعدم تقسيمها مرة أخرى؟ وتركها في أيدي اليهود ليزرعوها على نصف الثمار، بعد نقل أصل ملكياتها إلى المحاربين، وقد تحرى الرسول - صلى الله عليه وسلم - في كل حادثة منها مصلحة المسلمين، وعلى ضوء هذا نستطيع أن نفهم توقف قواد الجيوش الإسلامية في تقسيم الأرض بين المقاتلين، حتى يستشيروا الخليفة ومستشاريه في المدينة، ونفهم أيضا الخلاف الكبير الذي وقع بين المسلمين - وفيهم كبار الصحابة حينذاك - الذي كان مداره الأرض، هل تقسم أم لا؟!

كان أمر الأرض المفتوحة عنوة إذن مما أحيل إلى المسلمين، ليتفقوا فيه على رأي يحقق المصلحة العامة، ومن هنا ناقشهم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حتى اتفقوا على أن المصلحة العامة إنما يحققها العمل برأيه[9].

ثالثا. المصالح والمنافع العائدة على المسلمين وغير المسلمين في عدم تقسيم أراضي الخراج:

لبيان هذه المصالح العامة للمسلمين وغيرالمسلمين من أصحاب هذه الأراضي المفتوحة نعرض لرأي د. علي محمد محمد الصلابي في هذا الصنيع، حيث يقول: "هناك جملة من المصالح الأمنية التي استند إليها الخليفة - والذين وافقوه على رأيه - في اتخاذ هذا القرار يمكنني تصنيفها إلى صنفين:

  • المصالحالداخلية: وأهمهاسدالطرق على الخلاف والقتال بين المسلمين، وضمان توافر مصادر ثابتة لمعايش البلاد والعباد، وتوفير الحاجات المادية اللازمة للأجيال اللاحقة من المسلمين.
  • المصالحالخارجية: والتييتمثلأهمهافيتوفيرمايسدثغورالمسلمين،ويسدحاجتهامنالرجالوالمؤن،والقدرةعلىتجهيزالجيوش،بمايستلزمهذلكمنكفالةالرواتب،وإدرارالعطاء،وتمويلالإنفاقعلىالعتادوالسلاح،وتركبعضالأطراف؛لتتولىمهامالدفاععنحدود الدولة وأراضيها اعتمادا على ما لديها من خراج.

والذي يجب ملاحظته في هذه المصالح أن الخليفة أراد أن يضع بقراره دعائم ثابتة لأمن المجتمع السياسي ليس في عصره فقط، بل وفيما يليه من عصور بعده، وعباراته من مثل: "فكيف بمن يأتي من المسلمين"، و"كرهت أن يترك المسلمون"، التي توحي بنظرته المستقبلية لهذا الأمن الشامل تشهد على ذلك، وقد أثبت تطور الأحداث السياسية في عصر الخليفة الثاني صواب ما قرره وصدقه.

إن تعدد أطوار اتخاذ القرار بعدم تقسيم الأراضي قد أكد أمرين:

أولهما: أن بعض القرارات المهمة التي تمس المصالح الجوهرية للمسلمين قد تأخذ من الجهد والوقت الكثير، كما أنها قد تتطلب قدرا من الأناة في تبادل الحجج والبراهين، دون أن يتيح ذلك مجالا للخلاف وتعميق هوة الانقسام أحيانا، أو يفوت بابا من أبواب تحقيق بعض المصالح الخاصة بأمن الأمة في حاضرها ومستقبلها.

والأمر الثاني: أن بعض القرارات المهمة التي قد تخرج بعد عسر النقاش والحوار، والبداية المتعثرة لها، يفرض على الحاكم الشرعي أن يكون أول المسلمين وآخرهم جهدا في السعي إلى تضييق هوة الخلاف، والتقريب بين وجهات النظر المتعارضة لكي يصل بالمسلمين إلى الحكم الشرعي فيما هو متنازع بشأنه.

إن تبادل الرأي والاجتهاد بين الخليفة والصحابة الذين لم يوافقوه على رأيه، واستناد الكل في ذلك إلى النصوص المنزلة في الاجتهاد يثبت أن الفيصل في إبداء الآراء في القرارات السياسية عامة والتي تمس مصالح المسلمين بصفة مباشرة خاصة، هو أن تجيء هذه الآراء مستندة إلى النصوص المنزلة، أو ما ينبغي أن يتفرع عنها من مصادر أخرى لا تخرج عن أحكامها في محتواها ومبرراتها.

إن لجوء الخليفة إلى استشارة أهل السابقة من كبار الصحابة العلماء في فقه الأحكام ومصادر الشرع، واستجابتهم بإخلاص النصح له، ليؤكد أن أهل الشورى لهم مواصفات خاصة تميزهم، فالذين يستشارون هم أهل الفقه والفهم والورع والدراية، الواعون لدورهم، إنهم بعبارة أدق الذين لا إمعية في آرائهم، ومن دأبهم توطين أنفسهم على قول الحق وفعله، غير خائفين في ذلك لومة لائم من حاكم أو غيره.

ثم يبقى القول أن ما حدث بصدور قرار عدم تقسيم الأراضي، يظل نموذجا عاليا سار عليه الصحابة في كيفية التعامل وفق آداب الحوار وأخلاقيات مناقشة القضايا، وتقليب أوجهها المختلفة، ابتداء بمرحلة التفكير في اتخاذ القرار بعدم تقسيم الأراضي - بصفة مباشرة، أو غير مباشرة - وعلى رأسهم الخليفة الذي لم يخرج عن هذه الآداب، رغم اختلاف اجتهاداتهم بشأنه؛ بل إن الفاروق - رضي الله عنه - بين بأن الحاكم مجرد فرد في هيئة الشورى، وأعلن الثقة في مجلس شورى الأمة، خالفته أو وافقته والرد إلى كتاب الله، فقد قال رضي الله عنه: إني واحد منكم كأحدكم، وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني، ووافقني من وافقني، ومعكم من الله كتاب ينطق بالحق.

أهم الآثار الدعوية لهذا القرار:

  1. القضاءنهائياعلىنظامالإقطاع:

فقد ألغى عمر - رضي الله عنه - كل الأوضاع الإقطاعية الظالمة التي احتكرت كل الأرض لصالحها واستعبدت الفلاحين لزراعتها مجانا، فقد ترك عمر - رضي الله عنه - أرض السواد في أيدي فلاحيها يزرعونها مقابل خراج عادل يطيقونه يدفعونه كل عام، وقد اغتبط الفلاحون بقرار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بتمليكهم الأرض ال زراعية يزرعونها مقابل دفع الخراج الذي يستطيعونه مما جعلهم يشعرون لأول مرة في حياتهم أنهم أصحاب الأرض الزراعية، وليسوا ملكا للإقطاعيين من الطبقة الحاكمة، وكان الفلاحون مجرد أجراء يزرعونها بدون مقابل، وكان تعبهم وكدهم يذهب إلى جيوب الطبقة الإقطاعية طبقة ملاك الأرض ولا يتركون لهم إلا الفتات.

  1. قطعالطريقعلىدعوةجيوشالروموالفرسبعدطردهم:

لقد أدت سياسة عمر - رضي الله عنه - في تمليك الأرض المفتوحة عنوة لفلاحي الأمصار إلى شعورهم بالرضا التام، وهذا مما جعلهم يبغضون حكامهم من الفرس والروم، ولا يقدمون لهم أية مساعدات؛ بل كانوا على العكس من ذلك يقدمون المساعدات للمسلمين ضدهم، حتى إن رستم القائد الفارسي دعا أهل الحيرة فقال: يا أعداء الله، فرحتم بدخول العرب علينا بلادنا، وكنتم عيونا لهم علينا وقويتموهم بالأموال!

  1. مسارعةأهلالأمصارالمفتوحةإلىالدخولفيالإسلام:

فقد ترتب على ما تقدم من تمليك الأرض للفلاحين أن سارعوا إلى الدخول في الإسلام، الذي انتشر بينهم بسرعة مدهشة لم يسبق لها مثيل، فقد لمسوا العدل وتبين لهم الحق، وأحسوا بكرامتهم الإنسانية من معاملة المسلمين لهم.

  1. تدبيرالأمواللحمايةالثغور:

فقد امتدت الدولة الإسلامية صوب جهاتها الأربع وانتقلت أسماء الثغور إلى ما وراء حدود الدولة في عصورها الأولى ومن أهم هذه الثغور، ما كان يعرف بالثغور الفراتية والتي تمتد على طول خط استراتيجي يفصل ما بين الدولة الإسلامية والإمبراطورية البيزنطية.

وقد اتخذ عمر - رضي الله عنه - في كل مصر - على قدره - خيولا، وقد وصلت قوات الفرسان المرابطين في الأمصار إلى أكثر من ثلاثين ألف فارس، وهذا بخلاف قوات المشاة وأي قوات أخرى كالجمالة وخلافه وهذه خصصها عمر - رضي الله عنه - كجيش منظم لحماية ثغور المسلمين، وكفل أرزاقهم وصرفهم عن الاشتغال بأي شيء إلا بالجهاد في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، فكان الخراج من الأسباب التي ساقها المولى - عزوجل - لتجهيز هذه القوات وكفالة أرزاق أجنادها.

إن الفاروق - رضي الله عنه - وضع قواعد نظام الخراج باعتباره موردا من الموارد المالية الهامة لخزينة الدولة، وكان يهدف من ورائه إلى أن يكون بيت المال قائما بما يجب عليه من تحقيق المصالح العامة للأمة وحفظ ثغورها وتأمين طرقها، ولا يتأتى ذلك إلا بإبقاء أصحاب الأرض التي تملكها المسلمون عنوة لقاء نسبة معينة مما تنتجه الأرض، وهذا أمر من شأنه أن يزيدهم حماسا في العمل ورغبة في الاستغلال والاستثمار، ومقارنة ذلك بما كانوا يرهقون به من الضرائب من طرف أولياء أمورهم قبل وصول المسلمين[10].

مما سبق يتضح أن المصالح التي راعاها أمير المؤمنين - رضي الله عنه - مست المصالح الأمنية والمصالح الاقتصادية، وسعت إلى استقرار المسلمين في البلاد المفتوحة، وإقرار أعين أهل البلاد المفتوحة بأرضهم ووضع حد لنظام الإقطاع الرومي، وعمر - رضي الله عنه - في قراره هذا لم يخالف أبدا تشريع الإسلام.

الخلاصة:

  • رفضعمر - رضياللهعنه - ومنمعهمنمجلسشورىالمسلمينتقسيمالأراضيالمفتوحةعلىالمسلمينوموافقتهمتمليكهالأهلهامعدفعالخراج،كانلمنعالفساد،ولعدمحرمانالأجيالالقادمةحقهافيها.
  • استغلالعلمانيون رفض عمر - رضي الله عنه - تقسيم الأرض المفتوحة للطعن إما في رمز من رموز الإسلام كعمر رضي الله عنه، وإما اتخاذها حجة لتعطيل النصوص وهذا فهم خاطئ، والصواب أن قسمة الأراضي المفتوحة سنة وعدم قسمتها سنة أيضا والأمر لا يوجد فيه نص واجب، وهو موكول إلى الإمام يستشير فيه المسلمين ويصير إلى ما فيه المصلحة.
  • وبهذاالتوزيعالعادلنرىأنالأمةكلهاوحدةمتكاملةعلىاختلافالأمكنةوامتدادالأزمنة،يعملأولهالخيرآخرها،ويغرسسلفهاليجنيخلفها.
  • تشريعالأرضالمفتوحةبعدقتالكانمماأحيلإلىالناسليجتهدوافيه برأيهم، وعلى هذا فقط تستقيم وقائع التاريخ، كما حدث في عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تقسيمه الأرض المفتوحة مرة، وعدم تقسيمها مرة أخرى وتركها في أيدي أصحابها مراعيا في كل حالة منها مصلحة المسلمين.
  • وعلىضوءهذانستطيعأننفهمتوقفقوادالجيوشالإسلامية في تقسيم الأرض بين المقاتلين حتى يستشيروا الخليفة ومستشاريه في المدينة، ونفهم أن أمر الأرض المفتوحة عنوة - إذن - مما أحيل إلى المسلمين ليتفقوا فيه على رأي يحقق المصلحة العامة؛ ومن هنا ناقشهم عمر - رضي الله عنه - حتى اتفقوا على أن المصلحة العامة، إنما يحققها العمل برأيه.
  • لميخالفعمرـرضياللهعنه - النبيصلىاللهعليهوسلم؛لأنالنبيقسمأرضخيبر - المأخوذةعنوة - علىالمسلمينوفتحمكةعنوةولميقسمها؛فعلمجوازالأمرين،وبذلكلميكنالفاروقمخالفاللهديالنبويفيعدمتقسيمهللأراضيالمفتوحةوكان سنده فيما فعل:
  1. آيةالفيءفيسورةالحشر.
  2. عملالنبي - صلىاللهعليهوسلم - حينمافتحمكةعنوة،فتركهالأهلهاولميضععليهاخراجا.
  3. قرار مجلس الشورى الذي عقده عمر - رضي الله عنه - لهذه المسألة - بعد الحوار والمجادلة - والذي أصبح سنة متبعة في كل أرض يفتحها المسلمون حيث يقرون أهلها عليها.
  • عدمتقسيمالأراضيالمفتوحةعلىالمسلمين،وتمليكهالأصحابهاالأصليينأدىإلىمسارعةأصحابهاللدخول في الإسلام، والاقتناع بعدل الفاتحين، وقد عاد ذلك على المسلمين بالعديد من الفوائد والمصالح الداخلية والخارجية، وذلك إلى جانب تحقيق الأمن والسلام للمسلمين في هذه الأراضي المفتوحة.

 

 

(*) منهج عمر في التشريع الإسلامي، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ/ 2003م. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1426 هـ/ 2005م. فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، ط1، 2002م.

[1]. الطسق: الخراج.

[2]. العمال: أهلها العاملين بها.

[3]. الببان: المعدم الذي لا شيء له.

[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر (3994)، وفي مواضع أخرى.

[5]. أخرجه البيهقي في سننه الكبرى، كتاب قسم الفيء والغنيمة، باب ما جاء في قول أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه : ما من أحد من المسلمين إلا وله حق في هذا المال (13385) بنحوه، وأورده يحيى بن آدم في خراجه (104).

[6]. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1426 هـ/ 2005م، ص189 وما بعدها.

[7]. السياسة الشرعية في ضوء نصوص الشريعة ومقاصدها، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1426 هـ/ 2005م، ص199 وما بعدها.

[8]. حسن: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب التفسير، باب سورة الإسراء (11298)، والبيهقي في سننه الكبرى، كتاب السيرة، باب فتح مكة حرسها الله تعالى (18054)، وحسنه الألباني في فقه السيرة (1/ 376).

[9]. منهج عمر في التشريع الإسلامي، د. محمد بلتاجي، دار السلام، القاهرة، ط2، 1424هـ/ 2003م، ص121: 126.

[10]. فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، د. علي محمد محمد الصلابي، دار الإيمان، الإسكندرية، ط1، 2002م، ص341.

 

  • الاحد PM 10:19
    2020-11-15
  • 960
Powered by: GateGold