المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413663
يتصفح الموقع حاليا : 243

البحث

البحث

عرض المادة

اتجاه تدوين السنة بعد القرن الخامس إلى نهاية القرن التاسع

في هذا الوقت الممتد عبر أربعة قرون تقريباً، مرت على المسلمين فيه محن وبلايا يشيب لهولها الولدان، ومن هذه المحن:

1- استمرار الانحطاط العلمي والجمود الفكري الذي بدأ – كما أشرت سابقاً – من أوائل القرن الخامس الهجري تقريباً.

 

2- استمرار الحملات الصليبية على ديار المسلمين، إذ بعد هزيمتهم في معركة حطين سنة 583هـ وطردهم من بيت المقدس على يد القائد المظفر صلاح الدين الأيوبي – مؤسس الدولة الأيوبية في مصر والشام – رحمه الله – استمر لهؤلاء الصليبين وجود – أيضا – في بعض مدن الشام قرابة قرن من الزمن بعد هزيمتهم في حطين، حيث كانت آخر معركة مع الصليبين في آخر معقل لفلولهم، معركة عكا سنة 690هـ كما ذكر ذلك الحافظ الذهبي في حوادث تلك السنة من كتابه "تاريخ الإسلام"، وذكر – رحمه الله – أنه حضرها بنفسه وسنه يومئذ سبع عشرة سنة، وأنها كانت على أيدي العلماء من الفقهاء والمحدثين والمطوعة، حيث كانوا يجرون المنجنيق بأيديهم وهو يرتلون آيات الجهاد ويضرعون بالدعاء.

 

3- ومنها تلك المحنة العظيمة والرزية الأليمة التي نزلت بالمسلمين على أيدي التتار الوثنيين حيث بلغت ذروتها بسقوط بغداد على أيديهم سنة 656هـ، واستمرت معاركهم الضاربة ضد المسلمين حتى كسرهم الله على يد المسلمين مرتين الأولى على يد الملك المظفر قطز في معركة عين جالوت سن 658هـ، والثانية على يد شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته في موقعة شقحب قرب مدينة دمشق سنة 702هـ، وبعد هذه الموقعة لم يعد للتتار ذكر – فيما أعلم – حيث تفرقوا ودخل كثير منهم الإسلام.

 

4- ومنها استمرار تسلط أصحاب البدع والأهواء على رقاب المسلمين وتحكمهم فيها، وقد بدأ ذلك من منتصف القرن الرابع الهجري تقريباً بتسلط البويهيين الروافض على الخلافة في بغداد واستيلاء العبيدين الباطنيين على شمال أفريقيا ومصر والشام، وقبل ذلك تسلط على المسلمين القرامطة الملحدون في البحرين وبعض أجزاء من العراق والشام.

 

وانتهى باستحواذ الوزير الرافضي ابن العلقمي وصاحبه نصير الكفر الطوسي على الخليفة العباسي في بغداد، ولم يزل ابن العلقمي يزين للخليفة تسريح أفراد الجيش النظامي الذي كان عدده يزيد على ثلاثمائة ألف فأصبح لا يزيد عن عشرة آلاف شخص عند هجوم التتار على بغداد، ومنها تلك الفتن والقلاقل الداخلية بين بعض ولاة المسلمين وأمرائهم، حيث كان كل أمير مدينة أو ناحية يغير على من حوله من الولايات أو الإمارات الصغيرة وقد كثرت في ديار المسلمين هذه الولايات الصغيرة المتناحرة وخاصة في بلاد الشام وشمال العراق فضلاً عما اشتهر في الأندلس من دويلات الطوائف وما بعدها من الدويلات الصغيرة والمتناحرة هذه من أشهر المحن والرزايا التي ابتلي بها المسلمون خلال هذه القرون المتأخرة، إلا أنه كان مما يخفف من حدتها ظهور تلك المصاولة والمجاولة من فينة لأخرى بين المسلمين وأعدائهم وذلك على أيدي الأئمة والعلماء من أهل السنة والجماعة ومن الأمثلة على ذلك:

 

أولاً: ما قام به العلماء من أهل السنة والجماعة من جهود لمقاومة ذلك الانحطاط العلمي والجمود الفكري، من أمثال: الحافظ أبو بكر البيهقي والخطيب البغدادي ومحمد بن طاهر المعروف بابن القيسراني ومحيي السنة البغوي ثم أبو بكر الحازمي وأبو موسى المديني ومحمد بن طاهر السلفي والحافظ ابن الجوزي وغيرهم من علماء المشرق، ومن أمثال الحافظ: ابن عبد البر وأبو محمد بن حزم وأبو الوليد الباجي وأبو عبد الله الحميدي ثم عبد الحق الأشبيلي وأبو العباس القرطبي والقاضي عياض، ورزين بن معاوية وغيرهم من علماء المغرب.

 

ثم أشرقت أنوار نهضة علمية جديدة مع بدايات القرن السابع الهجري على أيدي علماء السنة من المحدثين والفقهاء من أمثال: الحافظ عبد الغني المقدسي – ت 600هـ - وابن الأثير – 606هـ - والضياء المقدسي – ت 643هـ والحافظ المنذري – 656هـ - وسلطان العلماء العز بن عبد السلام – ت 660هـ - وغيرهم.

 

ثم توجت هذه النهضة العلمية بصلب عودها وبلوغ ذروتها على يد شيخ الإسلام الحافظ أبي العباس ابن تيمية – ت 728هـ - وتلامذته مثل المزي – ت 742هـ - وابن القيم – ت 751هـ - وعلم الدين البرزالي – ت 739هـ - وشمس الدين الذهبي – ت 748هـ - ثم الحافظ أبو الفداء ابن كثير – 774هـ - والحافظ ابن رجب الحنبلي – ت 795هـ - ثم حمل الراية من بعدهم الحافظ العراقي – ت 806هـ - ومدرسته من أمثال: أبو بكر الهيثمي – ت 807هـ - ثم البوصيري – هـ - والحافظ ابن حجر العسقلاني – ت 852هـ وغيرهم.

 

فقد أحيا هؤلاء الأعلام – كل في عصره وبحسب إمكاناته السنة ونشروا العلم وبصروا الأمة بواقعها الذي تعيشه وجددوا لها ما اندرس من أمر دينها في تلك العصور التي أحكلت فيها الظلمة على الأمة وابتعد كثير من الناس عن نور النبوة، فاحتاجوا إلى من يضيء لهم الطريق وينير السبيل.

 

وقد سلك العلماء بعد هذا القرن الخامس الهجري – في مجال خدمة السنة المطهرة وعلومها – مسالك شتى في مصنفاتهم ويبرز ذلك من خلال الأعمال التالية:-

1- العناية التامة بكتب السلف، رواية ودراسة وشرحاً وترجمة لرجالها...

 

2- العناية بعلوم الحديث تأليفاً وترتيباً وتهذيباً وفي هذا القرن كثرت كتب المصطلح المرتبة المهذبة شرحاً ونظماً.

 

3- الابتكار في التصنيف والعناية بالترتيب، حيث ظهرت أنواع جديدة من المصنفات منها:

أ- إعادة ترتيب كتب السابقين سواء في المتون أو في الرجال ليسهل الانتفاع بها.

ب- كتب اعتنت بجمع أحاديث موضوعات معينة محدودة مثل: كتب الموضوعات وكتب الأحكام وغيرها...

ج- كتب اعتنت بخدمة كتب أخرى أو حوت موضوعات عامة وشاملة مثل: كتب التخريج، وكتب الزوائد وغيرها...

 

ثانياً: ما قام به بعض الولاة والحكام من إحياء السنة وقمع البدعة وإحياء فريضة الجهاد ضد أعداء الله ورسوله من الكفار والمنافقين الباطنين ومن هؤلاء:

 

كمشتكين بن دانشمند – ت 499هـ - ، بطل الانتصارات الأولى على الصلييبين، ثم عماد الدين زنكي ت 540هـ، وابنه نور الدين محمود الشهيد بن زنكي ت 569هـ، وقد كان لنور الدين هذا جهود كبيرة في إحياء السنة ونشر العدل بين الناس وتقريب العلماء وتكريم الصالحين، وكان من آثار جهوده بروز القائد صلاح الدين الأيوبي ت 589هـ، الذي كسر الله على يده شوكة الصليبين في حطين وفتح على يديه بيت المقدس، كما أزال على يديه دولة الباطنيين العبديين ومحا مذهبهم الرافضي الباطني الذي حاولوا نشره بين المسلمين عن طريق الأزهر الذي أسسوا لهذا الغرض بعد دخولهم مصر بعد منتصف القرن الرابع الهجري.

 

وكذلك الملك المظفر قطز بن عبد الله ت 658هـ، الذي قهر التتار في عين جالوت سنة 658هـ، وغيرهم من سلاطين الدولتين الأيوبية والمملوكية.

 

ثالثاً: ما كان بين أهل الحل والعقد من أهل السنة – علماء وأمراء – من تلاحم وتناصح وتواص بالحق والصبر، فقد عرف الأمراء والولاة الذين كانوا ينتهجون منهج أهل السنة في تلك العصور للعلماء حقهم وحفظوا لهم مكانتهم، ومكنوهم من أداء رسالتهم إلى الأمة وتعليمها الهدى والخير.

 

وهذا بعكس ما يفعله الولاة والأمراء من أصحاب الأهواء والبدع من محاربة العلماء والتضييق عليهم ومنعهم من أداء رسالتهم، لأنهم يعلمون أنهم لا يمكن أن ينفذوا مآربهم ومآرب أسيادهم من أعداء المسلمين إلا بنشر الجهل في الأمة وتفشي الأمية في المجتمع وبذلك تنشأ الأمة جاهلة بدينها وبرسالتها في هذه الحياة، وغارقة في شهواتها وطلب معاشها، فتنشغل بذلك عما يدبره لها حكامها وأسيادها.

 

كما عرف العلماء – أيضاً – للولاة والأمراء – برهم وفاجرهم – حقهم من السمع والطاعة والنصيحة لهم، وتبيين الحق لهم، وجمع الكلمة عليهم، وعدم جواز الخروج عليهم ما لم يفعلوا كفراً بواحاً عندهم فيه من الله برهان.

  • السبت AM 02:56
    2020-11-14
  • 1893
Powered by: GateGold