المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412227
يتصفح الموقع حاليا : 346

البحث

البحث

عرض المادة

صحيح الإمام البخاري

قال الحافظ أبو الحجاج المزي – ت 742هـ:

 

وأما السنة فإن الله وفق لها حفاظاً عارفين وجهابذة عالمين وصيارفة ناقدين، ينفون عنها تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فتنوعوا في تصنيفها وتفننوا في تدوينها على أنحاء كثيرة وضروب عديدة حرصاً على حفظها وخوفاً من إضاعتها، وكان من أحسنها تصنيفاً وأجودها تأليفاً وأكثر صواباً وأقل خطأ وأعمها نفعاً، وأعودها فائدة وأعظمها بركة، وأيسرها مؤونة، وأحسنها قبولاً، عند الموافق والمخالف، وأجلها موضعاً عند الخاصة والعامة: صحيح أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ثم صحيح أبي الحسين مسلم بن حجاج النيسابوري، ثم بعدها كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، ثم كتاب الجامع لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي، ثم كتاب السنن لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ثم كتاب السنن لأبي عبد الله محمد بن يزيد المعروف بابن ماجة القزويني وإن لم يبلغ درجتهم.

 

ولكل واحد من هذه الكتب الستة ميزة يعرفها أهل هذا الشأن، فاشتهرت هذه الكتب بين الأنام وانتشرت في بلاد الإسلام، وعظم الانتفاع بها وحرص طلاب العلم على تحصيلها، وصنفت فيها تصانيف وعلقت عليها تعاليق، بعضها في معرفة ما اشتملت عليه من المتون وبعضها في معرفة ما احتوت عليه من الأسانيد، وبعضها في مجموع ذلك أهـ.

 

أولاً: صحيح الإمام البخاري

 

1- المؤلف:

أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري الجعفي مولاهم شيخ الإسلام وإمام الحفاظ، أمير المؤمنين في الحديث، صاحب التصانيف الكثيرة، كان مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة، مات سنة ست وخمسين ومائتين للهجرة.

 

2- اسم الكتاب:

اشتهر بين العلماء بـ[صحيح البخاري] أما اسمه كما وضعه مؤلفه: فقال الإمام يحيى بن شرف الدين النووي: سماه [الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه].

 

وقال الحافظ ابن حجر: سماه [الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه].

 

3- الباعث على تأليفه:

أ- قال الحافظ ابن حجر:... لما رأى البخاري تلك التصانيف التي ألفت قبل عصره، وجدها بحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف، فلا يقال لغثه سمين، فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه أمين.

 

ب- وقال:... وقوي عزمه ما سمعه من استاذه أمير المؤمنين في الحديث والفقه، وإسحاق ابن راهويه، حيث قال لو جمعتم كتاباً لصحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصحيح.

 

ج- وقال الحافظ أيضاً... وروينا بالإسناد الثابت عن محمد بن سليمان بن فارس قال: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وكأني بين يديه مروحة أذب عنه، فسألت بعض المعبرين، فقال: لي أنت تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الجامع.

4- موضوعه والكشف عن مغزاه فيه:

قال الحافظ: (تقرر أنه التزم الصحة، وأنه لا يورد فيه إلا حديثاً صحيحاً، هذا أصل موضوعه، وهو مستفاد من تسميته إياه [الجامع الصحيح] ومما نقلناه عنه من رواية الأئمة عنه صريحاً، ثم رأى أن لا يخليه من الفوائد الفقهية والنكت الحكيمة، فاستخرج بفهمه من المتون معاني كثيرة فرقها في أبواب الكتاب بحسب تناسبها، واعتنى فيه بآيات الأحكام فانتزع منها الدلالات البديعة، وسلك في الإشارة إلى تفسيرها السبل الوسيعة).

 

وقال محيي الدين النووي: (ليس مقصود البخاري الاقتصار على الأحاديث فقط، بل مراده الاستنباط منها والاستدلال لأبواب أرادها).

 

5- تراجم البخاري في صحيحه:

قال أبو أحمد بن عدي عن عبد القدوس بن همام قال: شهدت عدة مشايخ يقولون: حوَّل البخاري تراجم جامعه – أي بيضها – بين قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنبره، وكان يصلي لكل ترجمة ركعتين.

 

قال الحافظ: ولنذكر ضابطاً يشمل على بيان أنواع التراجم فيه: وهي ظاهرة وخفية.

 

أما الظاهرة: فهي أن تكون الترجمة دالة بالمطابقة لما يورد في مضمونها... وقد تكون الترجمة بلفظ المترجم له أو بعضه أو بمعناه، وهذا في الغالب.

 

وأما الخفية: وهي التي لا تدرك مطابقتها لمضمون الباب إلا بالنظر الفاحص والتفكير الدقيق.. وهذا الموضع هو معظم ما يشكل من تراجم هذا الكتاب، ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء (فقه البخاري في تراجمه) وأكثر ما يفعل البخاري ذلك إذا لم يجد حديثاً على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي ترجم به ويستنبط الفقه منه، وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان... وكثيراً ما يفعل هذا حيث يذكر الحديث المفسر لذلك في موضع آخر متقدماً أو متأخراً.

 

6- بيان تقطيعه للحديث وفائدة إعادته:

قال ابن حجر قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي – في جزء له سماه جواب المتعنت – اعلم أن البخاري – رحمه الله – كان يذكر الحديث في كتابه في مواضع ويستدل به في كل باب بإسناد آخر، ويستخرج منه بحسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه، وقلما يورد حديثاً في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وإنما يورده من طريق أخرى لمعان نذكرها، والله أعلم بمراده منها.. ثم سرد ثمانية معان لا يتسع المقام لذكرها هنا.

 

ثم قال... وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة واقتصاره منه على بعضه أخرى فذلك لأنه إن كان المتن قصيراً أو مرتبطاً بعضه ببعض وقد اشتمل على حكمين فصاعدا فإنه يعيده بحسب ذلك مراعياً مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية، كأن يورده عن شيخ سوى الذي أخرجه عنه قبل ذلك، أو يورده في موضع موصولاً وقي موضع معلقاً، ويورده تارة تاماً وتارة مقتصراً على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب فإن كان المتن مشتملاً على جمل متعددة لا تعلق لإحداها بالأخرى فإنه يخرج كل جملة في باب مستقل، فراراً من التطويل وربما نشط فساقه بتمامه.

 

7- شرط الإمام البخاري في صحيحه:

قال الحافظ ابن طاهر: (اعلم أن البخاري ومسلم ومن ذكرنا بعدهم – أهل السنن – لم ينقل عن أحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سير كتبهم، فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم.

 

ثم قال: فاعلم أن شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المتفق على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلاً غير مقطوع،... إلا أن مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم لشبهة وقعت في نفسه، أخرج مسلم أحاديثهم بإزالة الشبهة... مثل حماد بن سلمة وسهيل بن أبي صالح، وداود ابن أبي هند، وأبي الزبير المكي، والعلاء بن عبد الرحمن وغيرهم).

 

وقال الحازمي:... ومذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه العدول، وفيمن روي عنهم وهم ثقات أيضاً، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزم إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصلح إخراجه إلا في الشواهد والمتابعات... ثم ضرب لذلك مثلاً بالإمام الزهري وطبقات الرواة عنه).

 

8- عناية العلماء بصحيح البخاري:

ليس من المبالغة في شيء إذا قلنا إن المسلمين على اختلاف طبقاتهم وتباين مذهبهم لم يعنوا بكتاب بعد كتاب الله عنايتهم بصحيح البخاري، من حيث السماع والرواية، والضبط والكتابة، وشرح أحاديثه وتراجم رجاله، واختصاره وتجريد أسانيده ولا غرابة في ذلك فهو أصح كتاب بعد كتاب الله.

 

قال الحافظ: (ذكر الفربري أنه سمعه منه تسعون ألفاً.. وقال ومن رواة الجامع أيضاً: أبو طلحة منصور بن محمد بن علي بن قريبة البزدوي، وإبراهيم بن معقل النسفي وحماد بن شاكر الفسوي... والرواية التي اتصلت بالسماع في هذه الأعصار وما قبلها هي رواية محمد بن يوسف بن مطر ابن صالح بن بشر الفربري...).

 

هذا بالنسبة لروايته وسماعه، وأما شروحه والتعليق عليه ونحوه، فقد قام به العلماء – قديماً وحديثاً حق القيام بحيث لم يدعوا أمراً يرتبط به إلا بحثوه وتعرضوا له، ولا مشكلاً من ألفاظه وأسمائه وتراجمه إلا بينوه واذهبوا الشبه عنه.

 

وقد بلغت شروحه المخطوطة والمطبوعة: إحدى وسبعين شرحاً حسب إحصاء الأستاذ عبد الغني بن عبد الخالق – رحمه الله تعالى – وحسب إحصائه أيضاً بلغت التعليقات والمختصرات وما جرى مجراها: أربعة وأربعين تعليقاً ومختصراً، ما بين مخطوط ومطبوع.

 

ومن أهم شروح البخاري المطبوعة:

  • أعلام السنن للخطابي أبي سليمان حمد بن محمد البستي المتوفي سنة 388هـ.

 

2- الكوكب الدراري في شرح صحيح البخاري للحافظ شمس الدين محمد بن يوسف المعروف بالكرماني المتوفي 786هـ.

 

3- فتح الباري للحافظ ابن حجر المتوفي سنة 852هـ، وهو أهم شروحه وأجودها، وصدق فيه قول الشيخ الشوكاني: (لا هجرة بعد الفتح).

 

4- عمدة القاري للحافظ بدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد الحنفي الشهير بالعيني المتوفي سنة 855هـ.

 

5- إرشاد الساري لشهاب الدين أحمد بن محمد المعروف بالقسطلاني المتوفي سنة 923هـ.

 

6- فيض الباري للشيخ محمد أنور الكشميري الحنفي المتوفي سنة 1352هـ

 

7- لامع الدراري للحاج رشيد أحمد الكنكوهي، وغير ذلك من الشروح.

 

أما العناية برجاله فقد بدأ ذلك مبكراً، حيث ألف الحافظ أبو أحمد عبد الله بن عدي – ت 365هـ - كتاباً سماه [من روى عنه البخاري] ثم تتابع التأليف في ذلك، ومن أهم تلك الكتب ما يلي:

 

  • الهداية والإرشاد: لأبي نصر أحمد بن محمد الكلاباذي ت 398هـ.
  • التعديل والتجريح لمن أخرج له البخاري في الصحيح: لأبي الوليد سليمان بن خلف الباجي ت 474هـ.

3- الجمع بين رجال الصحيحين لأبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي ت 507هـ.

 

ثم ظهرت بعد ذلك الكتب التي تعني برجال الأئمة الستة جميعاً ومنها:

  • الكمال في أسماء الرجال: للحافظ عبد الغني المقدسي.
  • تهذيب الكمال للحافظ المزي ت 742هـ ثم ما تفرع منه..

 

9- عدد أحاديث صحيح البخاري:

قال الحافظ أبو عمرو عثمان بن الصلاح: وجملة ما في صحيح البخاري سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً، بالأحاديث المكررة، وقد قيل أنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث، إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين، وربما عَدَّ الحديث الواحد المروي بلإسنادين حديثين..أهـ.

 

وقال الحافظ أبو الفضل شهاب الدين بن حجر: فجميع ما في صحيح البخاري من المتون الموصولة بلا تكرير على التحير [ألفا حديث وستمائة حدي وحديثان].

 

ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر من الجامع [مائة وتسعون وخمسون حديثاً] فجميع ذلك [ألفا حديث وسبعمائة وواحد وستون حديثاً] وبين هذا العدد الذي حررته والعدد الذي ذكره ابن الصلاح وغيره تفاوت كثير وما عرفت من أين أتى الوهم في ذلك، ثم تأويله عل أنه يحتمل أن يكون العاد الأول قلدوه في ذلك كان إذا رأى الحديث مطولاً في موضع ومختصراً في موضع آخر يظن أن المختصر غير المطول، إما لبعد العهد به أو لقلة المعرفة بالصناعة، ففي الكتاب من هذا النمط شيء كثير، وحينئذ ينبين السبب في تفاوت ما بين العددين، والله الموفق أهـ.

  • السبت AM 02:31
    2020-11-14
  • 2066
Powered by: GateGold