المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413465
يتصفح الموقع حاليا : 228

البحث

البحث

عرض المادة

تاريخ نشأة الرحلة في طلب العلم

الأصل في ذلك رحلة نبي الله وكليمه موسى عليه الصلاة والسلام إلى الخضر وقد قصها الله علينا في سورة الكهف.

 

وبدأت الرحلة في الإسلام برحلة تلك الوفود من القبائل العربية التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنحاء الجزيرة العربية تبايعه على الإسلام وتتعلم منه ما جاء به من الوحي كتاباً وسنة.

 

ثم اهتم بها الصحابة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما تفرق الصحابة في الأمصار بعد الفتوحات، فرحل جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن أنيس في الشام واستغرق شهراً ليسمع منه حديثاً واحداً لم يبق أحد يحفظه غير ابن أنيس.

 

ورحل أبو أيوب الأنصاري إلى عقبة بن عامر بمصر، فلما لقيه قال: حدثنا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ستر المسلم لم يبق أحد سمعه غيري وغيرك، فلما حدثه ركب أبو أيوب راحلته وانصرف عائداً إلى المدينة ولم يحل رحله.

 

وقد استمرت الرحلة في جيل التابعين حيث تفرق الصحابة في الأمصار بعد الفتوحات يحملون معهم ميراث النبوة، وما كان يتيسر للرجل أن يحيط علماً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دون الرحلة إلى الأمصار وملاحقة الصحابة المتفرقين فيها.

 

قال الإمام سعيد بن المسيب سيد التابعين: إن كنت لأسير في طلب الحديث الواحد مسيرة الليالي والأيام.

 

وقال بسر بن عبد الله الحضرمي: إن كنت لأركب إلى مصر من الأمصار في الحديث الواحد لأسمعه، وقال عامر الشعبي: لم يكن أحد من أصحاب عبدالله بن مسعود أطلب للعلم في أفق من الآفاق من مسروق.

 

وحدث الشعبي رجلاً بحديث ثم قال له: أعطيناكها بغير شيء، قد كان يركب فيما دونها إلى المدينة.

 

وعن أبي العالية الرياحي قال: كنا نسمع الرواية بالبصرة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نرض حتى ركبنا إلى المدينة فسمعناها من أفواههم.

 

أسباب الرحلة:

للرحلة في طلب العلم أسباب كثيرة من أهمها:

1- في جيل الصحابة كانت لسماع حديث لم يسمعه الصحابي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو للتثيت من حديث يحفظه الصحابي وليس في بلده من يحفظه، فيشد الرحال إلى من يحفظه ولو كان على مسيرة شهر.

 

2- أما في التابعين فذلك بسبب تفرق الصحابة في الأمصار وكل منهم يحمل علماً من ميراث النبوة، فاحتيج إلى علمهم فرحل إليهم.

 

3- ظهرت أسباب أخرى فيما بعد هذين الجيلين من تلك الأسباب:

- ظهور الوضع في الحديث حيث كثر أصحاب الأهواء الذين انتحلوا أحاديث تؤيد أهواءهم ونسبوها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فنشط العلماء في الرحلة للتحقيق من تلك الأحاديث ومعرفة مصادرها ومخارجها.

 

- طلب الإسناد العالي فيرحل لأجله كما قال الإمام أحمد: "طلب الإسناد العالي سنة عمن السلف".

 

ومن أمثلة هذين السببين النموذجان التاليان:

الأول: عن المؤمل بن إسماعيل قال حدثني ثقة بفضائل سور القرآن الذي يُروى عن أبي بن كعب فقلت للشيخ من حدثك؟ فقال حدثني رجل بالمدائن وهو حي، فصرت إليه فقلت من حدثك؟ فقال شيخ بواسطة، وهو حي، فصرت إليه فقال: حدثني شيخ بالبصرة فصرت إليه فقال: حدثني شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذ بيدي فأدخلني بيتاً فإذا قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال هذا الشيخ حدثني، فقلت يا شيخ من حدثك، فقال لم يحدثن أحد، ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا وجوههم إلى القرآن.

 

الثاني: أخرج الحافظ ابن حبان بإسناده إلى أبي نصر بن حماد الوراق البجلي قال: كنا بباب شعب بن الحجاج ومعي جماعة نتذاكر السنة فقلت: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبدالله بن عطاء عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَن تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ دَخَلَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شَاءَ.

 

فخرج شعبة وأنا أحدث بهذا الحديث، فصفعني ثم قال، يا مجنون، سمعت أبا إسحاق يحدث عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر فقلت: يا أبا إسحاق سمعت عبد الله بن عطاء يحدث عن عقبة بن عامر؟ قال: سمعت عبد الله بن عطاء، قلت: عبد الله بن عطاء سمع عقبة بن عامر؟ فقال: اسكت، فقلت لا أسكت، فالتفت إليَّ مسعر بن كدام فقال: يا شعبة عبد الله بن عطاء حي بمكة، فخرجت إلى مكة فلقيت عبد الله بن عطاء، فقلت حديث الوضوء فقال: عقبة بن عامر فقلت: يرحمك الله سمعت منه؟ قال: لا؛ حدثني سعد ن إبراهيم، فأتيت أنس بن مالك – وهو حاج – فسألته عن سعد بن إبراهيم، فقال لي: ما حج العام، فلما قضيت نسكي مضيت إلى المدين فلقيت سعد بن إبراهيم فقلت: حديث الوضوء، فقال: من عندكم خرج، حدثني زياد بن مخراق، فانحدرت إلى البصرة؛ فلقيت زياد بن مخراق وأنا شاحب اللون وسخ الثياب كثير الشعر فقال من أين؟ فحدثته الحديث، فقال: ليس هو من حاجتك، قلت فمابد، قال: لا؛ حتى تذهب تدخل الحمام وتغسل ثيابك ثم تجيء فأحدثك به، قال: فدخلت الحمام وغسلت ثيابي، ثم أتيته، فقال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة فقلت: هذا حديث صعد ثم نزل، دمروا عليه ليس له أصل.

 

أهمية هذه الرحلة وأهدافها:

كان للرحلة أثر في شيوع الأحاديث وتكثير طرقها، كما كان لها أثر في معرفة الرجال بصورة دقيقة، لأن المحدث يذهب إلى البلدة فيتعرف على علمائها ويخاطبهم ويسألهم، ولذلك اتسع نطاق الرحلة في طلب العلم في القرنين الثاني والثالث.

 

وقد ذكر الحافظ الرمهرمزي في المحدث الفاضل قائمة بأسماء المحدثين الذين رحلوا في الأقطار ورتبهم على طبقات، فذكر أولاً من رحلوا إلى عدة أقطار ثم ذكر من رحل إلى ناحية واحدة للقاء من بها من العلماء.

 

ومن أهم الأقطار التي كان يرحل إليها طلاب العلم: [المدينة ومكة والكوفة والبصرة والجزيرة والشام واليمامة ومصر ومرو والري وبخاري] وذلك لأنها مراكز العلم ويكثر فيها العلماء.

 

سئل الإمام أحمد عن طالب العلم هل يلزم رجلاً عنده علم فيكتب عنه أو يرحل إلى المواضع التي فيها العلم فيسمع منهم؟ فقال يرحل ويكتب عن الكوفيين والبصريين وأهل المدينة ومكة ويشام الناس ويسمع منهم.

 

وقد تقدم قول إبراهيم بن أدهم: "إن الله يدفع البلاء عن هذه الأمة برحلة أصحاب الحديث"، وقال الخطيب البغدادي: المقصود بالرحلة في الحديث أمران:

 

أحدهما: تحصيل علو الإسناد وقدم السماع.

والثاني: لقاء الحفاظ والمذاكرة لهم والاستفادة منهم.

 

فإذا كان الأمران موجودين في بلد الطالب ومعدومين في غيره، فلا فائدة في الرحلة، فاقتصاره على ما في البلد أولى.

  • السبت AM 02:12
    2020-11-14
  • 3055
Powered by: GateGold