المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412287
يتصفح الموقع حاليا : 368

البحث

البحث

عرض المادة

نقض أصول منكري السنّة

قضايا منهجية في تثبيت حجية السنة ومناقشة منكريها

من الأمور المهمة التي تعين على بناء معرفة صحيحة منضبطة، أن يكون لدى المرء قواعد كُلية يبني عليها تصوراته الأساسية في أبواب المعرفة، ويردّ إليها الجزئيات والـمُشكِلات، كما قال ابن تيمة رحمه الله تعالى: (لابد أن يكون مع الانسان أصول كلية تُردُّإليها الجزئيات ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت؟ وإلا فيبقى في كذب وجَهْل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات؛ فيتولد فساد عظيم)[1]
وتوَلُّدُ الفساد المعرفي العظيم الذي أشار إليه ابن تيمية -عند فقدان الكليات والقواعد المنهجية- أمر ظاهر في سائر الأبواب العلمية والمعرفية، وبالأخص في أبواب الشريعة.
ومن أكثر المواطن التي يظهر فيها هذا الفساد وينكشف: مقامات المناظرة والجدل مع المخالفين، فإنها كاشفة فارقة، تفصل بين ذوي الرؤى المنهجية المؤسسة على القواعد الكلية، وبين المضطربين المتذبذبين، الذين يجمعون بين المتناقضات، وينفون -في مواضع- ما يثبتونه في أخرى.
وقد استبان لي بعد كثير من النقاشات مع منكري السنة أو الشاكين فيها حجم الخلل المنهجي الذي بنوا عليه تصوراتهم، وقَدْر الفوضى المعرفية التي تُشكّل رؤاهم في هذا الباب.
فأردتُ أن أُقدم بهذه القواعد المنهجية، والضوابط العامة، التي تبين رسوخ بناء المحتجين بالسنة، وتُظهر تهافت المشككين فيها، ثم أنتقل بعد ذلك إلى ذكر ركائز حجية السنة ودلائلها بالتفصيل إن شاء الله تعالى.
وهذه القواعد المنهجية، بعضها متوجه إلى تثبيت الحجية، وبعضها متوجه إلى الرد على المخالفين.

 

 

 

 

 

 

أولاً:من الأمور المنهجية في تقرير دلائل حجية السنة عند من ينكرها، ألا نستدل عليه بالسنة نفسها، إلا في حالات، منها:
1- إن أراد الــمُنكِر أن يستدل علينا ببعض الروايات التي يثير بها شبهة فإننا نرد عليه بروايات أخرى ترسم الصورة الكليّة للباب الذي شبّه فيه الـمُشبّه، فنكشف له خطأ الانتقاء غير المنهجي، ونستدل عليه من جنس ما استدل به علينا.
2- إذا كانت الأحاديث المذكورة من أخبار الغيب التي ثبت تحققها، فإن في ذلك قدرا من الاحتجاج زائداً على مجرد كونها خبراً مروياً.
3- أن نُثبِت له "قطعية" الرواية التي أنكرها -إن كانت كذلك- عن طريق عرض طرقها المتعاضدة القاطعة لاحتمالات الوهم والخطأ، وبيان الأحوال الـمُكتنفة لها من جهة أسانيدها، وليُثبِت -هو- خلاف ذلك إن استطاع.
4- أن يكون الـمُخالف ممن يقبل من السُّنة أشياء ويدع أخرى، وليس ممن استقر قوله على إنكار جميعها، فقد يصلح مع بعض هؤلاء الاستدلال بشيء من السنة، فنثبت له صحة الروايات التي نحتج بها، ونطلب منه بيان وجه معارضته لها.

 

 

 

 

 

 

 

ثانـيـاً: ينبغي ألا يغيب عن نظر من يحاور منكري السنة، أن لديه إثباتاً من أقوى الإثباتات القطعية -التي لا يُمكن التشكيك في قطعيتها إلا بنوع من السفسطة والمغالطة-، بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقام أموراً من شعائر الإسلام العظام وتبعه عليها جميع أصحابه دون أن يكون لها ذكر في نص القرآن.
وأعني بها ما نقلته الأمة عن الأمة، والعامة عن العامة، جيلاً بعد جيل من الشعائر التعبدية، مما لم يختص المحدثون وحدهم بروايته، كإقامة خمس صلوات في اليوم والليلة، بقدر ركعاتها المعروف، وكاعتبار المواقيت المكانية للحاج والمعتمر، وكرمي الجمار ونحو ذلك، فإن ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهة التواتر العملي الذي تنقله الكافة عن الكافة أمر لا شك فيه ولا ارتياب.
والمعنى الذي يراد تحقيقه بهذا الدليل ليس إثبات عدد الصلوات ولا مقدار ركعاتها ونحو ذلك -فهذا ظاهر- وإنما هو إسقاط القضية المركزية الكبرى عند منكري السنة، ألا وهي الزعم بأننا لا نحتاج في إقامة ديننا لأي شيء مفصّلٍ لم يذكر في نص القران.
وعادةً ما يُغالِط هؤلاء المنكرون عند هذا الموضع من الاستدلال فيقولون إن هذه العبادات إنما ثبتت بالتواتر العملي وليس بالسنة القولية.
والرد على هذه المغالطة يكون ببيان محل النزاع، ألا وهو:
هل يُقام شيء من الدين لم يُذكر في نص القران؟ أم لا.
بصرف النظر عن طريقة نقله

 

 

 

 

 

 

 

ثالثاً:المحتجون بالسنة يثقُون في منهج المحدثين، ويُثبتون بمئات الأدلة والشواهد أن قوانين علم الحديث تُشكّل منظومة نقدية توثيقية متكاملة، لا تكتفي بظواهر الأسانيد، ولا تغتر بصلاح الرواة ظاهراً، بل ولا تكتفي بصلاحهم الباطن، بل تعتمد منهج المقارنة والعرض والاعتبار والاختبار أساساً في التوثيق والتوهين، كما أنها تُخضع المتون للنقد ولو حَسُنت ظواهر أسانيدها.
ويفخرون بهذا العلم الذي لا مثيل له في تاريخ البشرية، والذي إنما نضج بسبب إدراك علماء الأمة وصالحيها أهميةَ السنة النبوية وضرورة توثيقها وحمايتها من الدَّخَن، ويعتمدون هذا العلم أصلاً في توثيق الأخبار.
وأما منكرو السنة فإنهم يطعنون في هذا المنهج، ويثيرون عليه الإشكالات، ويرسمون صورة ساذجة عنه، غير أن المتتبع لطعوناتهم وإشكالاتهم يجدها -دائماً- قاصرة عن التصور الصحيح لمنهج المحدثين، ويجد كثيرا منها مبنيا على دعاوى منقوضة أو غير مبرهنة، كاتهامهم المحدثين بالتحيز وعدم الموضوعية، ونشرهم لأي افتراء يُختَرع ضد المحدثين دون تحرير، كاتهام الإمام الزهري بوضع الحديث واختراعه لصالح بني أمية، واتهام البخاري بالنصب والميل عن أهل البيت، وغير ذلك من الاتهامات التي تكشف عن ضحالة معرفية وعن تصور ناقص، وتجد أن أهل السنة يجيبونهم عن هذه الدعاوى وأشباهها بعشرات الأمثلة الـمُبطلة لها.
والحاصل أن أهل السنة ينطلقون من قاعدة واضحة في هذا الباب، بُنيت على معرفة تفصيلية شاملة بعلم الحديث ومنهج المحدثين، ولهم على كل جزء من هذا العلم دليل على دقته، وفي كل باب من أبوابه شواهد على صحته.

 

 

 

 

 

 

رابعاً: يتعامل المشككون في السنة باضطراب مع الأحاديث والأخبار، فتارة تجدهم يستدلون بها لتقوية موقفهم السلبي من السنة وتأكيده، -مع أنهم قد أبطلوا حجية ما استدلوا به في مواطن أخرى-، وتارة يوهنون الأخبار الصحيحة ويبطلونها إذا كانت مخالفة لموقفهم. وهذا شائع جداً فيهم، وربما سَلِم منه بعضهم.
مثال:
صنّف السيوطي رسالة مختصرة، بعنوان "مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة" كتبها رداً على من أنكر حجية السنّة وقال إنه لاحجة إلا في القرآن.
وذكر في مقدمتها: (أَن قَائِلا رَافِضِيًّا زنديقا أَكثر فِي كَلَامه أَن السّنة النَّبَوِيَّة وَالْأَحَادِيث المروية - زَادهَا الله علوا وشرفا - لَا يحْتَج بهَا، وَأَن الْحجَّة فِي الْقُرْآن خَاصَّة، وَأورد على ذَلِك حَدِيث: "مَا جَاءَكُم عَنى من حَدِيث فاعرضوه على الْقُرْآن، فَإِن وجدْتُم لَهُ أصلا فَخُذُوا بِهِ وَإِلَّا فَردُّوهُ")[2] فكيف صار هذا الحديث من بين سائر الأحاديث حُجّةً عند هذا الرافضي وغيره ممن يعمل عمله؟!
والمصيبة أن الحديث لا يصح من جهة الإسناد أصلاً! وقد نقل السيوطي عن البيهقي إبطاله، فقال: (قَالَ الْبَيْهَقِيّ: والْحَدِيث الَّذِي روى فِي عرض الحَدِيث على الْقُرْآن بَاطِل لَا يَصح، وَهُوَ ينعكس على نَفسه بِالْبُطْلَانِ، فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن دلَالَة على عرض الحَدِيث على الْقُرْآن، انْتهى كَلَام الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل الصَّغِير)[3].


مثال آخر:

ذكر محمود أبو ريّة -وهو من رؤوس المشككين في السنة- في كتابه "أضواء على السنة المحمدية" ما يلي:
(وقد جاءت أحاديث صحيحة وآثار ثابتة تنهى كلها عن كتابة أحاديثه صلى الله عليه وسلم نجتزئ هنا بذكر بعضها : روى أحمد ومسلم والدارمى ، والترمذي والنسائي، عن أبى سعيد الخدري قال: قال رسول الله : "لا تكتبوا عنى شيئا سوى القرآن فمن كتب عني غير القرآن فليمحه")[4]
والذي يقرأ كتابه ويرى مقدار التشكيك في الأحاديث الصحيحة الواقع فيه، يتعجب من سلاسة حكمه على هذا الحديث بأنه "صحيح" خاصة وأنه من الأحاديث القولية التي يشدد أبو رية كلامه فيها.


وقد يستدل بعض أذكيائهم بمثل هذه الأخبار لإلزام الخصم بها، فيقول -مثلاً- إذا كنتم تصححون حديث النهي عن الكتابة فأنا أُلزمكم بدلالته على عدم الحجية مع أني لا آخذ به.
وهذا استدلال فاسد، وسيأتي وجه فساده في البحث إن شاء الله تعالى.
على أننا نرد على من يحاول إلزامنا بما نصححه من السنة بأننا نؤمن بمجموع الأحاديث في الباب، لا بحديث واحد يجعله -المخالف- أصلا فيعارض به غيره مما هو أصح منه، أو مما يكون ناسخا له، ونحو ذلك؛ فإذا أراد المجادلة فليجادلنا بمجموع الأخبار الواردة لا بخبر واحد منها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خامساً: عند مجادلة من ينكر السنة، نسأله -ابتداءً-:
هل الإشكال عندك في أصل لزوم اتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يُذكر -هذا الأمر- في نص القرآن؟ أم أن منازعتك في طريقة نقله؟
 فإن سلّم بلزوم اتباعه-صلى الله عليه وسلم- ولكنه نازع في طريقة النقل، فلا وجه للنقاش معه في دلالة آيات القرآن على طاعة الرسول ﷺ ؛ لأنه يُقر بذلك،ومنازعته -على حد قوله- إنما هي في طريقة نقل قول النبي وأمره ونهيه وليس في أصل لزوم الاتباع، وهذا يختصر كثيرا من موارد الجدال مع هؤلاء المنكرين؛ لأنك تجد أكثرهم يجادلون في دلالة آيات القرآن على لزوم اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، ويتكلفون تأويلها بما لا تحتمله اللغة ولا السياق، كقولهم إن المراد بالرسول: الرسالة، وليس الشخص الـمُرسَل، ونحو ذلك من التأويلات البعيدة. وهذا كله لا وجه لإيراده في النقاش إذا كان الخلاف في طريقة النقل لا في أصل الاتباع.

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

سادساً: إذا قال مُنكر السنة إنه لا يثق بطريقة نقلها، نقول له: على ماذا بنيت عدم ثقتك هذه؟ هل بنيتها على علم تفصيلي بها؟ فإن قال نعم، ناظرناه في ذلك وأثبتنا له دقة منهج المحدثين وكفايته في تأمين نقل السنة.
وإن قال لا، يكون قد أبان عن جهله وعجلته في الحكم على علم من أكبر العلوم وأوسعها دون أن يعرف تفصيلاته.
فإن قال: إنما حكمت بعدم كفايتها لأني أستنكر بعض الأحاديث التي رُويت بهذه الطريقة التي تدّعون انضباطها وإن لم أعرف قوانين هذا العلم.
قلنا له: كم عدد هذه الأحاديث التي تستنكرها؟ وما وجه استنكارك له؟ بين لنا ذلك.
وفي العادة لا يستطيع هؤلاء سرد عشرين حديثاً مما يدّعون نكارته، وأكثرهم لا يبلغ العشرة مما يستنكر. فنقول لهم: إن آلاف الأحاديث قد نُقلت بهذه الطريقة، وبنى المسلمون دينهم عليها، واستلهموا محاسن أخلاقهم منها، ولم تستنكروها أنتم ولا غيركم، ولا نسبة للعدد الذي استنكرتموه أمام أضعافه -عشرات المرات- من العدد المقبول؛ فهل تنقضون أصل الطريقة كلها بسبب هذه النسبة النادرة؟
وهل تنقضون العلوم الأخرى التي يقع فيها الخطأ بهذه النسبة؟

كما أن كثيراً مما يُستنكَر من الأحاديث إنما يكون بسبب إساءة فهمها، أو عدم ضم أحاديث الباب الأخرى إليها، أو بسبب الظن الخاطئ بأنها تخالف أمراً ضروريا لا تثبت ضرورته عند تحقيق النظر، وغير ذلك من وجوه الاستنكار غير المحررة.
ثم إن بعض ما يُستَنكَر من الأحاديث مما يكرر المشككون  ذكره كثيرا، لا يثبت من جهة الإسناد عند التحقيق، كحديث أكل الداجن لآية الرجم، وحديث أن البرق سوط الملك والرعد صوته، وحديث محاولة النبي صلى الله عليه وسلم الانتحار حين فتر عنه الوحي، وغيرها.
وإذا كان غير ثابت من جهة الإسناد فلا وجه لقولكم إننا لا نثق بالطريقة التي نقلته؛ لأن معرفتنا بضعفه إنما نشأت من قوانين طريقة نقل السنة نفسها -أعني قوانين علم الحديث- وفي ذلك تقوية لهذه القوانين لا توهين لها.

 


سابعاً: كثير من الأحاديث الصحيحة التي يستنكرها المشككون في السنة يكون لها نظائر في القرآن من جهة المعنى، وهم يؤمنون بالقرآن وكماله. فنسألهم عن هذه النظائر القرآنية، ما توجيههم لها؟ وكيف تعاملهم معها؟
مثال ذلك:
قول من ينكرعقوبة الرجم الثابتة في السنة،لأنها مما تستعظمه النفس.
فنقول له: وما قولك في قطع اليد والرجل من خلاف -الوارد في سورة المائدة- ؟
فإن قال: هذا حكم قرآني قطعي الثبوت وهو بسبب الاعتداء وقطع الطريق.
قلنا له: حديثنا معك ليس عن درجة الثبوت، ولا عن سبب العقوبة، وإنما عن كيفية العقوبة.
وقد استنكرتَ الرجم من جهة نفسية؛ فنحن نقول لك: ليست عقوبة قطع اليد والرجل خاليةً من جنس المعنى الذي استنكرته في الرجم -وقد تحصل المنازعة في الدرجة لا في الجنس-، غير أن ما هوّن عقوبة القطع عندك أمران:
الأول: أنها حكم الله سبحانه.
الثاني: سببها وهو قطع الطريق إذْ فيه اعتداء على الناس.
ونحن نقول كذلك في الرجم؛ فإنه حكم الله وقضاؤه، وقد ثبت ذلك بالتواتر على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
كما أن سبب الرجم تعدي حدود الله وانتهاك محارمه ممن قد أُحْصِن وأُعذِر؛ وليس الاعتداء على الناس بأولى أن يعاقَب عليه المعتدي من انتهاك محارم الله وحدوده.
على أن ثمة فارقا بين العقوبتين وهو أن تنفيذ الرجم قد أُحيط بسياج من التثبت والتحوط وشهادة الشهود بصفة معينة يصعب تحققها في حالة من حالات الزنا المستترة، بخلاف عقوبة قطع الطريق.

 والــمُحَصَّل أنَّ من يتأمل هذا المعنى سيجد له أمثلة متعددة في القرآن يحسن ذكرها في عرض الحوار مع من يستنكر الأحاديث الصحيحة من جهة معناها ومضمونها، كأحاديث القتال في سبيل الله،والأحاديث المعارضةلِقِيَم الحرية الغربية والحداثةونحو ذلك.

 

ثامناً: من أهم المنطلقات التي يدعي منكرو السنة تأسيس موقفهم عليها، قولهم: إن السنة مليئة بالروايات المتعارضة، والنصوص الـمُشكلة، ويبنون على ذلك إسقاط حجية السنة وردها.
ويَصِفُون تعامل علماء السنة مع الروايات الـتي قد يظهر فيها التعارض -من الاجتهاد في الجمع بينها على وجوه الجمع الممكنة، ونحوه-، بأن اجتهادهم ذلك إنما هو محاولة فاشلة لسد الخلل، ورقع الخرق، ورتق الفتق.
بينما يقوم هؤلاء المنكرون بالتعامل مع الآيات القرآنية التي يكون بينها تعارض في الظاهر، أو يُثار حولها إشكال من الملاحدة وغيرهم، بقَدر من التأويل أو التحريف غير المقبول، والذي هو أشد مما استنكروه على علماء السنة من الاجتهاد في الجمع بين النصوص، فيجيزون لأنفسهم ما يستنكرونه على غيرهم، ولو أنهم نظروا إلى النصوص القرآنية التي أثير عليها إشكال، بنفس نظرهم -القاصر- إلى نصوص السنّة واطردوا في ذلك لأنكروا القرآن واسقطوا حجيته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تاسعاً: من المعاني المهمة التي يؤدي حضورها في النفس إلى تعظيم السنة، ومعرفة قدرها ومكانتها وأهميتها في الإسلام، كما يؤدي غيابها إلى هوان منزلتها وسهولة التأثر بالشبهات المثارة ضدها:
ما تتضمنه السنة من المعاني السلوكية والأخلاقية العظيمة، التي تَرقى بالبشرية إلى الدرجات العلا من الكمال الإنساني، وما تحويه من إرشادات مهمة تحقق توازن الإنسان مع نفسه ومع أهله وجاره ورحمه وصديقه، وتجمع له بين الإحسان في عبادة ربه وبين الإحسان إلى نفسه وإلى الناس، ونحو ذلك من النصوص في هذا المعنى وما يشبهه.
فإن الذي يكون عارفاً بجمال السنة وأهميتها للتعامل والسلوك في مختلف جوانب الحياة، يدرك قدرها وسموّ مصدرها، ويكون لها في نفسه عظمة ومهابة، بخلاف من هو جاهل بها، بعيد عنها، ثم يتلقى الشبهات حول بعض نصوصها، فإنه لا تكون لديه الوقاية النفسية من جحودها وإنكارها.
وبهذا يظهر الارتباط بين محتوى السنة السلوكي الأخلاقي، وبين تثبيت حجيتها -وإن كان ذلك بطريق غير مباشرة إلا أنها في غاية الأهمية- فلا ينبغي الفصل بينهما فإن كلا الأمرين مكمل للآخر مثبت له، معزز لمكانته.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عاشراً:كما أن المنكرين للسنة يثيرون تساؤلات على مثبتيها، فإن لدينا –نحن المثبتين- أسئلةً أكثر منها موجهة إليهم، يجب عليهم أن يجيبوا عنها، فنحن لا نكتفي باستقبال الاعتراضات والشبهات فنظل في دور المدافِع، بل نثير عليهم أضعاف ما يثيرون، ونستشكل عليهم أكثر مما يستشكلون.

ولمعرفة قدرالأسئلة والاستشكالات التي تواجه منكري السنةيكفي أن تستعرض العبادات التي يقوم بها المسلمون في اليوم، والأسبوع، والشهر، والعام، ثم ترى مدى إمكانية إقامة المفروضات الواجبات منها على فرض عدم وجود نصوص السنة،لتدرك خطورة القول بإنكار هذه النصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وسأذكر شيئا يسيرا من هذه الاسئلة التي تُوجّه إلى منكري السنة أو المشككين فيها، ليجيبوا عنها دون الاستفادة من نصوص السنة الصحيحة:

كم أركان الإسلام؟ وما الدليل؟

وما هي الصلوات المفروضة؟
وكم عدد ركعاتها؟
وما الدليل على وجود صلاة تسمى الظهر؟ ومتى ينتهي وقتها؟
وما الدليل على صحة ما يعمله المسلمون في مساجدهم من أداء خمس صلوات في الأوقات المعلومة؟
فإن قال المعترض: الدليل هو التواتر العملي المنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيُصاغ السؤال كالتالي: على ماذا اعتمد النبي صلى الله عليه وسلم في أداء الصلوات بهذه الطريقة؟ هل اعتمد على النص القرآني أم على وحي من الله تعالى –خارج النص القرآني- عيّن فيه هذه الكيفيات؟
وهل  التشهد في الصلاة مشروع؟
وماذا يفعل المصلي إذا سهى فشك في صلاته أو زاد فيها ونقص؟ هل يسجد للسهو؟ ما الدليل؟
وما صفة الأذان للصلاة؟

وأيضاً:
هل كُلّ من ملك شيئا من المال تجب عليه الزكاة؟ أم أن هناك نصاباً معينا إذا بلغه المال تجب زكاته؟ فالذي يملك خمس غرامات من الذهب هل تجب عليه زكاته؛ لئلا يدخل في الوعيد الوارد في القرآن على الذين يكنزون الذهب والفضة؟
وما القدر الذي إذا أخرجه المرء من ماله تكون قد برئت ذمته وامتثل الأوامر القرآنية بإيتاء الزكاة؟

فالذي يملك مليار ريال مثلاً، وزكى منها مائة ريال فقط، هل تبرأ ذمته؟

وما المقدار الذي يجب إخراجه في زكاة الحبوب والثمار ليكون المسلم ممتثلا لقول الله تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده)؟ وهل هناك فرق بينما سُقي بالنضح وبينما سقته السماء؟

وأيضاً: هل على الحائض صوم؟ وما الدليل من نص القران؟
وهل تقضي الحائض ما فاتها من الصلوات؟ أم تقضي فوات الصيام فقط؟ نريد دليلا واضحا من نص القرآن.
وهل على من جامع أهله في رمضان كفارة؟ ما الدليل؟
وهل تشرع صدقة الفطر في نهاية شهر رمضان؟ ما الدليل؟ وما مقدارها؟

وأيضاً: هل هناك مواقيت مكانية لا يتجاوزها الحاج إلا بإحرام؟ سَـمُّوا لنا هذه المواقيت، ومن الذي وقّتها؟
وهل ما يعمله المسلمون اليوم من جمع الصلاتين في عرفة صحيح؟

وما الدليل من القران على رمي الجمرات؟

وهل هناك طواف للوداع؟

 

والأسئلة أكثر من ذلك في العبادات والمعاملات، بل إن كل دليل يُستدل به على حجية السنة فهو سؤال يُعترض به على المنكرين.

فهل يستقيم بعد ذلك قول من قال: السنة إنما هي ركام من المرويات، واﻵخذون بها عابدون للأسانيد!؟

 

[1]مجموع الفتاوى (19/203)

[2]مفتاح الجنة، ص (5) ، الجامعة الإسلامية

[3]المرجع السابق ، ص (10)

[4]أضواء على السنّة المحمدية، ص (19) ، المعارف ط:6

  • الاربعاء AM 01:42
    2020-11-11
  • 2736
Powered by: GateGold