المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413851
يتصفح الموقع حاليا : 315

البحث

البحث

عرض المادة

لزوم حفظ بيان القرآن

لقد مر معنا في الطريق الثالث من طرق دلالة القرآن على حجية السنّة الأصول الـمُثبتة لكون السنة مبيّنة للقرآن، وأنه يتعذر العمل ببعض ما أمر الله به في كتابه دون الرجوع إلى سنة نبيه، فلتُراجَع هناك.
وإذا كان أمْر السنة كذلك فإن تمام حفظ القرآن لا يتحقق إلا بحفظ بيانه، لأنه -لولا ذاك- سيظل القرآن في أهم أوامره مجملاً لا يُدرى وجه بيانه ولا يُقدر على امتثاله.
فهَب أن ما ثبت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم من عدد الصلوات ومواقيتها وصفتها وأركانها، وما ثبت فيها من أنصبة الزكاة وتفصيل المال المُزكَّى من غيره، وما ثبت فيها من مواقيت الحج المكانية ورمي الجمار وتفاصيل النسك، ونحو ذلك، هب أن ذلك كله قد ضاع؛ فهل يُمكن أن يُمتثل أمر الله في كتابه؟ أم يكون في الكتاب أوامر أكَّدها الله وثبّت فرضها ثم لا يُعلم وجه امتثالها!
فهذا كله يستلزم أن يحفظ الله البيان ليتم حفظ القرآن مرشداً هادياً، لا أن يُحفَظ نصه فقط دون قدرة على امتثاله!
وقد تقدم معنا قريباً قول من استدل من أهل العلم بقول الله تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) على أن السنة داخلة في الذكر، وأشرتُ إلى أن هذه الآية تدل -كذلك- على حفظ السنة حتى على تقدير ألا تكون داخلة في الذكر بناء على كون تمام حفظ القرآن لا يتحقق إلا بحفظها.
قال المعلّمي: (فأما السنة فقد تكفل الله بحفظها أيضًا؛ لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها؛ لأن محمدًا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع. بل دل على ذلك قوله: "ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ" فحَفِظَ الله السنة في صدور الصحابة والتابعين حتى كُتبت ودُوِّنت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقًا جدًا؛ لأنها تشمل جميع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعناه؛ لأنه كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير، لا جرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالبًا بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويُكمِّل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء، فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغ ما أمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنة بلوغه إلى من يحفظه من الأمة ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودًا بين الأمة، وتكفُّلُ الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنة مئنة[ أي دليلا ]، فتم الحفظ كما أراد الله تعالى، وبهذا التكفل يُدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كتبت فيها الآيات، واحتمال أن يُغيِّر فيها من كانت عنده ونحو ذلك. ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجد والتشمير لحفظ السنة وحياطتها بان له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه - وشأنهم في ذلك عظيم جدًا - أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها)[1]

 

[1]الأنوار الكاشفة، المعلمي، ص (43)، عالم الفوائد

  • الاربعاء AM 01:37
    2020-11-11
  • 1227
Powered by: GateGold