المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413287
يتصفح الموقع حاليا : 328

البحث

البحث

عرض المادة

الحكمةُ من خلود الكفار في عذابِ النّارِ

أوّلاً- الأدبُ مع اللّه.

 

لا شكّ أنّ التّساؤُلَ عن معرفة الحكمةِ من خلود الكفار والمشركين في النّارِ أمْرٌ مشروعٌ، ولكنْ عدمُ إدْراكِها ليس سبباً في نفْي أبَدِيّةِ النّار، وليس حُجةً في الطعن في رحمة أرحم الراحمين!

 

ومن الأدب مع الله قبْل البحث عن الحكمة، أن نتذكّر قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 40].

 

وقال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ} [الأعراف: جزء من الآية 156]

 

قال الآلوسي في تفسيره: "أي: شأني أُصيبُ بعذابي من أشاء تعذيبه، من غير دخْل لغيري فيه."

 

إنّ الاعتراضَ على تخليد الكفار في النّارِ، هو اعتراضٌ على القضاء والقدر، وهو يدلّ على الطغيان وعدم سلامة الإيمان؛ قال الإمامُ الطحاوي في «العقيدة الطحاوية»: "وأصلُ القدرِ سِرُّ الله تعالى في خلقه، لم يَطَّلِعْ على ذلك ملكٌ مُقرّب، ولا نبيٌّ مُرسلٌ، والتعمُّق والنظرُ في ذلك ذريعةُ الخِذْلان وسُلَّم الحِرمان ودرجة الطغيان؛ فالحذرَكلَّالحذرِ من نظَرٍ أو فِكْرٍ، أو وسوسةٍ؛ فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مَرامِه (أي: مَطْلَبِه)."اھ.

 

وقال تعالى لملائكته: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: بعض آية 30].

 

وقال تعالى عن نفسه: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ. فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [البروج: 15-16].

 

وقال -سبحانه- عن نفسه أيضأ: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 23].

 

وقال سبحانه: {إنّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سُئِل النّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن أولاد المشركين؟ فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين." [متفق عليه].

 

وقال الإمام أبو بكر تقي الدين الحصني الشافعي الدمشقي (829 ھ) -عند تفسيره لقَولِه تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِیهِمۡ نَارࣰا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَـٰهُمۡ جُلُودًا غَیۡرَهَا لِیَذُوقُوا۟ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِیزًا حَكِیمࣰا}-: "وقولُه {حكيما} أي: حَكَمَ على الأعداء بِدَوامِ العذاب، كما حَكَمَ للأولياء بدوام النعيم، فلا يعلمُكُنْهَ حقيقةِ حِكمَتِه غيرُه؛ فلا شيءَ من الأشياء إلا وفيه شيءٌ من حكمته على وَفْقِهِ، لِمُناسبته صُنْع الله الذي أتقن كل شيء". [دفْع شُبَهِ مَن شَبَّه وتمَرَّد، ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد، أبو بكر الحصني الدمشقي، المكتبة الأزهرية للتراث - القاهرة، تحقيق: محمد زاهد بن الحسن الكوثري، ص 59].

 

ثانياً: قال تعالى: {مَّا یَفۡعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمۡ إِن شَكَرۡتُمۡ وَءَامَنتُمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِیمࣰا} [النساء: 147].

 

قال النسفي (710 ھ) في «مدارك التنزيل»: "ثُمَّ اسْتَفْهَمَ مُقَرِّرًا أنَّهُ لا يُعَذِّبُ المُؤْمِنَ الشاكِرَ، فَقالَ: {ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكم إنْ شَكَرْتُمْ} لِلَّهِ {وَآمَنتُمْ} بِهِ، فَـ {ما} مَنصُوبَةٌ بِـ {يَفْعَلُ}، أيَّ شَيْءٍ يَفْعَلُ بِعَذابِكُمْ؟ فالإيمانُ: مَعْرِفَةُ المُنْعِمِ، والشُكْرُ: الِاعْتِرافُ بِالنِعْمَةِ. والكَفْرُ بِالمُنْعِمِ والنِعْمَةِ عِنادٌ؛ فَلِذا اسْتَحَقَّ الكافِرُ العَذابَ."

 

وقال أبو السعود (982 ھ) في تفسيره «إرشاد العقل السليم»: "{ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكم إنْ شَكَرْتُمْ وآمَنتُمْ} اسْتِئْنافٌ مَسُوقٌ لِبَيانِ أنَّ مَدارَ تَعْذِيبِهِمْ وُجُوداًوعَدَماً إنَّما هو كُفْرُهم، لا شَيْءٌ آخَر؛ فَيَكُونُ مُقَرِّرًا لِما قَبْلَهُ، مِن إثابَتِهِمْ عَنْ تَوْبَتِهِمْ و{ما} اسْتِفْهامِيَّةٌ مُفِيدَةٌ لِلنَّفْىِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ وآكَدِهِ، أيْ: أىُّ شَيْءٍ يَفْعَلُ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِتَعْذِيبِكم؟ أيَتَشَفّى بِهِ مِنَ الغَيْظِ، أمْ يُدْرِكُ بِهِ الثَّأْرَ، أمْ يَسْتَجْلِبُ بِهِ نَفْعًا، أمْ يَسْتَدْفِعُ بِهِ ضَرَرًا كَما هو شَأْنُ المُلُوكِ، وهو الغَنِيُّ المُتَعالِي عَنْ أمْثالِ ذَلِكَ، وإنَّما هو أمْرٌ يَقْتَضِيهِ كُفْرُكم؛ فَإذا زالَ ذَلِكَ بِالإيمانِ والشُّكْرِ انْتَفى التَّعْذِيبُ لامَحالَةَ."

 

ثالثاً- الحِكْمةُ من أبَدِيّةِ عذابِ الكُفّار في النّارِ .

 

هذا، ويمكن أن نستخرج الحكمة من أبَدِيّةِ النّارِ من بعض نصوص القرآن العظيم، منها:

 

  • قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ. وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} [الحجر: 12-15].

 

قال ابن كثير في تفسيره: "يُخبِر تعالى عن قوّة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق، أنه لو فتح لهم بابًا من السماء، فجعلوا يصعدون فيه، لما صدّقوا بذلك، بل قالوا : {سُكِّرَت أبصارُنا}."

 

وقال العلاّمةُ الطاهر بن عاشور (1393 ھ) في تفسيره «التحرير والتنوير»: "والكَلامُ الجامِعُ لِإبْطالِ مَعاذِيرِهِمْ: أنَّهم لَوْ فَتَحَ اللَّهُ بابًا مِنَ السَّماءِ حِينَ سَألُوا آيَةً عَلى صِدْقِ الرَّسُولِصلّى اللّهُ عليه وسلّم -أيْ: بِطَلَبٍ مِنَ الرَّسُولِ- فاتَّصَلُوا بِعالمِ القُدُسِ والنُّفُوسِ المَلَكِيَّةِ، ورَأوْا ذَلِكَ رَأْيَ العَيْنِ، لاعْتَذَرُوا بِأنَّها تَخَيُّلاتٌ وأنَّهم سُحِرُوا فَرَأوْا ما لَيْسَ بِشَيْءٍ شَيْئًا."

 

إنّ قلوبَ الكُفّارِ مطبُوعةٌ على العِناد والكفر، وعنادُهم هذا دائمٌ أبَدَ الآبدين، ودليلُ ذلك قولُه تعالى: {وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. بلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 27-28].

 

قال الطبري في تفسيره: "{لعادوا لما نهوا عنه} يقول: لرجعوا إلى مثل العمل الذي كانوا يعملونه في الدنيا قبل ذلك، من جحود آيات الله، والكفر به، والعمل بما يُسخِطُ عليهم ربَّهم {إنهم لكاذبون} في قِيلِهِم: "لو رُدِدْنا لم نُكَذِّبْ بآيات ربِّنا وكنا من المؤمنين"؛ لأنهم قالوه حين قالوه خَشْيةَ العذاب، لا إيماناً بالله."

 

وقال العلاّمةُ الشنقيطي في تفسيره: "قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} هذه الآية الكريمة تدل على أن الله -جل وعلا- الذي أحاطَ عِلمُه بكل موجودٍ ومعدومٍ، يعلمُ المعدوم الذي سبق في الأزل أنّه لا يكون لوْ وُجِد كيف يكون؛ لأنه يعلم أن ردَّ الكفار يومَ القيامة إلى الدنيا مرة أخرى لا يكون، ويعلم هذا الردَّ الذي لا يكون لوْ وقع كيف يكون، كما صرح به بقوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} [أضواء البيان،(6/28)]".

 

فلمّا علم الله تعالى أنّ عِنادَ الكافرين دائمٌ، وأنّهم كُلّما رُدّوا إلى الدنيا رجعوا إلى الكفر، كان جزاؤُهم عقابٌ دائمٌ؛ ولذلك قال الحسن البصري: "أَخْلَدَ الجنةَ والنارَ النِّياتُ"؛ قال ابنُ عماد الأقفهسي: "ومعنى قوله -والله أعلم-: المؤمنُ لمّا كانت نيَّتُه في الدنيا أنْ يعْبُدَ الله أبداً ما عاش، خُلّدَ في الجنة أبداً؛ ولمّا كانت نيَّةُ الكافر عبادةُ الصنم أبداً، خُلِّدَ في جهنّمَ أبداً." [انظر: القوْلُ السّديدُ شرحُ جوهرة التوحيد، للشيخ علي عثمان جرادي، ص142، طبع دار الكتب العلمية، بيروت].

 

وقال الإمام أبو بكر تقي الدين الحصني الدمشقي (829 ھ): "ولِأنّالعذابَ يدوم بدوام سببه بلا شكٍّ ولا ريْبٍ، وهو قصْدُ الكُفْر وبقاءُ العزم عليه، ولا شك أنهم لو عاشوا أبد الآباد لاستمروا على كفرهم." [دفع شُبَه مَن شَبَّه وتمرّد ونسب ذلك إلى السيد الجليل الإمام أحمد، أبو بكر الحصني الدمشقي، المكتبة الأزهرية للتراث - القاهرة، تحقيق : محمد زاهد بن الحسن الكوثري، ص 59].

  • الاربعاء PM 06:01
    2020-11-04
  • 1270
Powered by: GateGold