المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413297
يتصفح الموقع حاليا : 322

البحث

البحث

عرض المادة

الزّعْمُ أنّه أُثِرَ عن بعضِ السّلف القولُ بفناءِ النّار

ولقد زَلَّ قلَمُ ابنِ أبي العز الحنفي في «شرح العقيدة الطحاوية» بقولِه: "قال بِبَقاءِ الجنة وبفناء النار جماعةٌ من السلف والخلف، والقولان مذكوران في كثير من كتب التفسير وغيرها."

 

وما قاله ابن أبي العز غيرُ صحيحٍ؛ قال صاحب كتاب «الزواجر»: "لَمْ يصح عنهم -يعني الصحابة- من ذلك شيء، وعلى التَّنَزُّل فمعنى كلامهم -كما قاله العلماء- ليس فيها أحد من عصاة المؤمنين، أمّامواضعُالكُفّار فهي ممتلئةٌ بهم، لا يخرجون عنها أبداً، كما ذكره الله في آيات كثير." [الزواجر عن ارتكاب الكبائر، ابن الهيثمي، ج1 ص37].

 

وقال الشيخ المحدّث الألباني -رحمه اللّهُ- في تعليقهِ على «شرح الطحاويةِ» في الحاشيةِ (ص 424 رقم 591): "قلتُ : لم يثبت القولُ بفناءِ النارِ عن أحدٍ من السلفِ، وإنما هي آثارٌ واهيةٌ لا تقومُ بها حجةٌ، وبعضُ أحاديثهِ موضوعةٌ، لو صَحّتْلمْتدُلَّ على الفناءِ المزعومِ، وإنما على بقاءِ النارِ، وخروجِ الموحدين منها، وقد كنتُ خَرّجْتُ بعض ذلك في «الضعيفةِ» برقم (606 ، 707). ثم وقفتُ على رسالةٍ مخطوطةٍ في مكتبةِ المكتبِ الإسلامي للعلامةِ الأميرِ الصنعاني في هذه المسألةِ الخطيرةِ، ردَّ فيها على ابن القيمِ رحمهُ اللهُ، فعلقتُ عليها وخرَّجتُ أحاديثَهما وقدَّمتُ لها بِمُقدِّمةٍ ضافيةٍ." اهـ.

 

وقال الصنعانيُّ في الرسالةِ التي أشار إليها الشيخُ الألباني (ص 116): "وأقولُ: قد عرفْتَأنّهُ-أي: ابنُ القيم- نَقَل عن سِتةٍ من الصحابةٍ عباراتٌ لا تدلُ على مَدْعاهُ [أي: ما ادَّعَاه ابن القيم]، وهو فناءُ النارِ بنوعٍ من الدلالاتِ كما أوضحناهُ، ولا يصِحُّ نسبتهُ لتلك الدعوى إلى واحدٍ من أولئك الستةِ، فلم يوجدْ لأحدٍ مما وجدنا عن واحدٍ من الصحابةٍ أنه يقولُ بفناءِ النارِ، كما أنهُ لا يوجدُ قائلٌ من الصحابةِ أنه يقولُ بعدمِ فناءِ النارِ؛ فإن هذه المسألةَ، وهي فناءُ النارِ، لا تُعْرفُ في عصرِ الصحابةِ، ولا دارت بينهم، فليس نفي ولا إثباتٌ، بل الذي عرفوهُ فيها هو ما في الكتابِ والسنةِ من خلودِ أهلِ النارِ أبداً، وأنّ أهلَها ليسوا منها بِمُخْرَجين، وعرفوا ما ثبت من خروجِ عصاةِ الموحدين.

 

إذا عرفْتَ هذا عرفْتَأنّ دعوى فناءِ النارِ أو عدمِ فنائها قولٌ للصحابةِ، دعوى باطلةٌ؛ إذ هذه الدعوى لا توجدُ في عصرهم، حتى يُجْمِعوا عليها نفياً أو إثباتاً. نعم القولُ الذي دل عليه القرآنُ من خلودِ النارِ أهلها فيها أبداً، يتضمنُ القولَ عنهم بما تضمنهُ القرآنُ، ودل عليه الأصلُ فيما أخبر اللهُ به عن الدارين الأُخْرَوَيْنِ البقاء، فلا يحتاجُ مدعي عدم الفناء إلى الدليلِ على ذلك الأصل." اهـ.

 

وانظر مناقشة هذه الآثار وإبطال الاستدلال بها في «شرح العقيدة الطحاوية» لابن أبي العز (2/651، 652) في الحاشية، طبعة مؤسسة الرسالة بتحقيق الشيخ شعيب الأرناؤوط.

 

وهذه بعض الآثار التي نُسِبَت إلى بعض السلفِ، وحُكْمُ أئِمّة الحديث عليها:

 

  • عنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ قَال: "لَوْ لَبِثَ أَهْل النَّار فِي النَّار عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ، لَكَانَ لَهُمْ يَوْمٌ يَخْرُجُونَ فِيهِ."

 

قال الذهبي: "والحَسَن مع جلالته فهو مدلس ومراسيله ليست بذاك" [السير: 4\572].

 

وقال ابن سعد: "وما أرسله من الحديث فليس بحجه" [تهذيب الكمال 2\121].

 

وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في«الفتحِ» (11/429): "وَهُوَ مُنْقَطِعٌ."

 

ولقد صحَّحَ ابنُ القيمِ هذا الأثرِ في كتابه «حادي الأرواحِ إلى بلادِ الأفراحِ»، ورَدّ عليه الألباني في «سلسلته الضعيفةِ» (606)؛ وقال في تحقيقهِ لكتابِ «رفعِ الأستارِ» (ص 65): "قلتُ: إسنادهُ ضعيفٌ لانقطاعهِ."

 

وقال الحافظُ ابنُ حجرٍ في «فتحِ الباري» (11/429) -على فرضِ ثبوتِ الأثرِ عن عمر-: "قُلْت: وَهَذَا الْأَثَر عَنْ عُمَر لَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ."

 

والدليلُ على ما قاله ابن حجر العسقلاني، هو أنّ هذا الأثرُ ليس فيه أنّ النّارَ ستفنى، وإنّما فيه أنّ أهلها سيخرجون منها -كما قال بعضُ الباحثين.-

 

  • عنْ اِبْن عَبَّاس: {قَالَ النَّار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّه إِنَّ رَبّك حَكِيم عَلِيم} قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ آيَةٌ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُم عَلَى اللَّه فِي خَلْقه أَنْ لَا يُنْزِلَهُمْ جَنَّة وَلَا نَارًا."

 

قال الألباني في تحقيقه لـ «رفعِ الأستارِ» (ص 71): " قلتُ: هذا أثرٌ منقطعٌ، لأنّ علي بنَ أبي طلحةَ لم يسمع من ابنِ عباسٍ، وإن كان معناهُ صحيحاً على ما سيُبَيِّنُهُ المؤلفُ -رحمهُ الله تعالى-، ثم إن في الطريقِ إليه عبدَ الله بنَ صالحٍ وفيه ضعفٌ." اهـ.

 

وقد علّق الصنعاني على الأثر بقولهِ: "وأقولُ: لا يخفى على ناظرٍ، أنهُ لا دلالةَ في هذا الأثرِ، ولا رائحةَ دلالةٍ على المدعى من فناءِ النارِ، بل غايةُ ما يُفيدُه:الإخبارُ عن أنه لا يُجْزَمُ للمؤمنِ أنه من أهلِ الجنةِ، ولا العاصِ من عصاةِ المؤمنين أنه من أهلِ النار. وهذا المعنى ثابتٌ في الأحاديثِ الصحيحةِ."

 

  • عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمْرو قَالَ: "ليَأْتِيَنّ عَلَى جهنّمَ يومٌ تَصْفِق فيه أَبْوَابُهَا، وَلَيْسَ فِيها أَحَدٌ، وذلك بعدما يلبثون فيها أحقابا."

 

هذا الحديث في سنده أبو بَلْج يحيى بن سليم، ضعيف مِن قِبَل حفظه، قال الحافظ الذهبي في ترجمته: وهذا منكر، قال ثابت البناني: سألت الحسن عن هذا فأنكره." [ميزان الاعتدال، ج 4 ص 385].

 

وقال أحمد: "روى حديثاً منكراً."

 

وقال البخاري: "فيه نظر"؛ قال الذهبي في «الموقظة»: "عادة البخاري إذا قال: "فيه نظر"، أنه بمعنى أنه متهم أو ليس بثقة، فهو عنده أسوأ حالاً من الضعيف."

 

والدليلُ على أنّ هذا الأثر لَم يثبت عن الصحابي عبد الله بن عمْرو -رضي اللّهُ عنه-، هو وُرودُ أثرٍ صحيح عنه، يقول فيه بأبدية النّارِ؛ فلقد ثبت عنه أنّهُ قال: إنَّ أهلَ النارِ يَدعون مالكًا، فلا يجيبُهم أربعينَ عامًا، ثم يقولُ {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}؛ ثم يَدعون ربَّهم فيقولون {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فلا يجيبُهم مثل الدنيا؛ ثم يقول {اخْسَؤُا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونَ}؛ ثم ييأس القومِ- فما هو إلا الزّفيرُ والشهيقُ، تشبه أصواتُهم أصواتَ الحميرِ أولُها شهيقٌ، وآخرُها زفيرٌ". قال الألباني في «صحيح الترغيب»: "صحيح."

 

  • عَنِابْنِمَسْعُودٍرَضِيَاللَّهُعَنْهُقَالَ: لَيَأْتِيَنَّعَلَىجَهَنَّمَزَمَانٌلَيْسَفِيهَاأَحَدٌ،وَذَلِكَبَعْدَمَايَلْبَثُونَفِيهَاأَحْقَابًا. وَعَنْأَبِيهُرَيْرَةَرَضِيَاللَّهُعَنْهُمِثْلَهُ.

 

قال الشيخ الألباني مُعلِّقاً على هذاالأثر: "وهذا إسناد مُظْلِم".[تحقيق كشف الأستار للألباني: ص 76].

 

وقال الإمام البغوي مُعلِّقا على نفسالأثرِ: "ومعناهُعندأَهْلِ السُّنَّةِ إِنْ ثَبَتَ: أَنْ لَا يَبْقَى فِيهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ.وَأَمَّا مَوَاضِعُ الْكُفَّارِ فَمُمْتَلِئَةٌ أَبَدًا" [معالم التنزيل: ج 2 ص 403].

 

ولقد وَردَ عن عبد الله بن مسعود -رضي اللّهُ عنه- أثرٌ بإسناد جَيِّدٍ، قال فيه بأبدية النّارِ؛ قال ابن رجب الحنبلي في كتابه «التخويف من النار»: "فإنه رُوِيَ عنه -أي: عبد الله بن مسعود-موقوفاً من وجه آخر بإسناد جيد، قال أبو الحسن بن البراء العبدي في كتاب الروضة له: حدثنا أحمد بن خالد -هو الخلال- حدثنا عثمان بن عمر حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عبد الله قال: عن عبدِ اللهِ، قال: لَوْ أنَّ أهلَ جهنمَ وُعِدوا يومًا من أَبَدٍ أوْ عَدَدَ أَيَّامِ الدنيا، لفرحُوا بذلكَ اليومِ؛ لأنَّ كلَّ ما هو آتٍ قَرِيبٌ." [التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، الباب السابع والعشرون ـ في ذكر و رود النار، مكتبة دار البيان - دمشق، الطبعة الأولى، 1399 ھ، ص 249].

 

  • عن أبي أمامة -رضي الله عنه- قال: "يأتي على جهنّمَ يومٌ، ما فيها مِن بني آدم واحد، تَخْفُقُ أبوابُها كأنّهاأبوابُ المُوحِّدين."

 

قال ابن الجوزي: "هذا حديث موضوعٌ محال، وجعفر هو ابن الزبير، قال شعبة: كان يكذب، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال السعدي: نبذوا حديثه، وقال البخاري والنسائي والدارقطني: متروك" [كتاب الموضوعات،ج 3 ص 268].

 

وقال الذهبي في ترجمة جعفر بن الزبير: "ويَروِي بإسناد مُظْلِم عنه حديثه متنه: يأتي على جهنم يومٌ، ما فيها أحدٌ من بني آدم تخفق أبوابها." [«ميزان الاعتدال» ج 1 ص 407].

 

  • أثر أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في قوله -تعالى-: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [هود: 107] قال: هذه الآية قاضية على القرآن كله.

 

هذا الحديثُ لا دلالة فيه على فناء النار؛ قال البيهقي: "أَخْبَرَنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ أَبُو عُثْمَانَ، أنا أَبُو سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ، أنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، ثنا مُعْتَمِرٌ، فَذَكَرَهُ. وَإِنَّمَا أَرَادَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- أَنَّهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَعْفُوَعَنِ الْمُسِيءِ مَا أَوْعَدَ عَلَى إِسَاءَةٍ فَعَلَ، غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ قَيَّدَهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى بِمَا دُونَ الْشِّرْكِ فَقَالَ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] وَهُوَ فِيمَا دُونَ الشِّرْكِ عَلَى كُلِّ وَعِيدٍ فِي الْقُرْآنِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ."

 

وأخرج البيهقي في البعث والنشور، عن ابن عباس في قوله: {إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ} قال: فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار، وأن يخلد هؤلاء في الجنة.

 

تنبيه هام: لقد نبّه القرطبي إلى أنّ النّارَ التي تفنى، هي النّارُ التي يدخلها عُصاةُ المُوَحِّدِين، وليستِ النّارُ التي أعدّها اللّهُ للكافرين، فقال: "فمن قال: إنهم يخرجون منها، وأن النّارَ تبقى خاليةً بجملتها خاوية على عروشها، وأنها تفنى وتزول، فهو خارجٌ عن مقتضى المعقول، ومخالفٌ لِما جاء به الرسول، وما أجمع عليه أهلُالسُّنةِوالأئمّةِالعدولِ. وإنّما تخلى جهنم، وهي الطبقة العلية التي فيها العصاة من أهل التوحيد." [التذكرة للقرطبي، ص 436].

 

ملحوظة: من الغريب أنّ بعض الباحثين المعاصرين، يحتجّون بمثل هذه الآثار التي لا تَصِحُّ، ويُعرِضون عن الأحاديث الصحيحة التي رواها البخاري ومسلم؛ لأنّها تخالف آراءَهم!

  • الاربعاء PM 05:41
    2020-11-04
  • 1533
Powered by: GateGold