المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413247
يتصفح الموقع حاليا : 272

البحث

البحث

عرض المادة

قالوا بجواز الخُلْف على اللّهِ تعالى في الوعيد

تقول الشُّبْهَةُ بأنّه يجوز على اللّهِ تعالى أنْ يُبدِّلَ وَعِيدَهُ وتهديدَه لِلكُفّارِ بالخلودِ في النّارِ، ويدخلهم الجَنَّة؛ لأنّ الخُلْفَ في الوعيد لا يُعدُّ نقصاً بل يُعدُّ كَرَماً يُمْتدَحُ به!

 

وهذا القول ردّهُ أهل التفسير والقرآن، وإليكم البيان:

 

  • قال تعالى: {لَهُمُ ٱلۡبُشۡرَىٰ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَفِی ٱلۡآخِرَةِۚ لَا تَبۡدِیلَ لِكَلِمَـٰتِ ٱللَّهِۚ ذَ ٰلِكَهُوَٱلۡفَوۡزُٱلۡعَظِیمُ} [يونس: 64].

 

قال أبو حيان (744 ھ) في «البحر المحيط»: "{لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ} لا تَغْيِيرَ لِأقْوالِهِ، ولا خُلْفَ في مَواعِيدِهِ كَقَوْلِهِ: {ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 28].

 

  • وقال تعالى: {قَالَ لَا تَخۡتَصِمُوا۟ لَدَیَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَیۡكُم بِٱلۡوَعِیدِ. مَا یُبَدَّلُ ٱلۡقَوۡلُ لَدَیَّ وَمَاۤ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمࣲ لِّلۡعَبِیدِ} [ق: 28-29].

 

قال ابن عطية (546 ھ) في «المحرر الوجيز»: "المَعْنى: قَدْ قَدَّمْتُ بِالوَعِيدِ أنِّي أُعَذِّبُ الكُفّارَ في نارِي، فَلا يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ ولا يَنْقُصُ ما أبْرَمَهُ كَلامِي، ثُمَّ أزالَ مَوْضِعَ الِاعْتِراضِ بِقَوْلِهِ: {وَما أنا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} أيْ: هَذا عَدْلٌ فِيهِمْ؛ لِأنِّي أعْذَرْتُ وأمْهَلْتُ وأنْعَمْتُ بِالإدْراكاتِ، وهَدَيْتُ السَبِيلَ والنَجْدَيْنِ، وبَعَثْتُ الرُسُلَ."

 

وقال النسفي (710 ھ) في «مدارك التنزيل»: "{ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ} أيْ: لا تَطْمَعُوا أنْ أُبَدِّلَ قَوْلِي ووَعِيدِي بِإدْخالِ الكُفّارِ في النارِ، {وَما أنا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} فَلا أُعَذِّبُ عَبْدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ، وقالَ: {بِظَلّامٍ} عَلى لَفْظِ المُبالَغَةِ؛ لِأنَّهُ مِن قَوْلِكَ: هُوَ ظالِمٌ لِعَبْدِهِ، وظَلّامٌ لِعَبِيدِهِ."

 

وقال البيضاوي (685 ھ) في «أنوار التنزيل»: "{قالَ} أي: اللَّهُ تَعالى {لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} أي: في مَوْقِفِ الحِسابِ، فَإنَّهُ لا فائِدَةَ فِيهِ؛ وهو اسْتِئْنافٌ مِثْلَ الأوَّلِ {وَقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكم بِالوَعِيدِ} عَلى الطُّغْيانِ في كُتُبِي وعَلى ألْسِنَةِ رُسُلِي فَلَمْ يَبْقَ لَكم حُجَّةٌ. وهو حالٌ فِيهِ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ، أيْ: لا تَخْتَصِمُوا عَالِمِين بِأنِّي أوْعَدْتُكُمْ، والباءُ مَزِيدَةٌ أوْ مُعَدِّيَةٌ عَلى أنَّ قَدَّمَ بِمَعْنى تَقَدَّمَ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِالوَعِيدِ حالًا والفِعْلُ واقِعًا عَلى قَوْلِهِ: {ما يُبَدَّلُ القَوْلُ لَدَيَّ} أيْ: بِوُقُوعِ الخُلْفِ فِيهِ، فَلا تَطْمَعُوا أنْ أُبَدِّلَ وعِيدِي. وعَفْوُ بَعْضِ المُذْنِبِينَ لِبَعْضِ الأسْبابِ لَيْسَ مِنَ التَّبْدِيلِ، فَإنَّ دَلائِلَ العَفْوِ تَدُلُّ عَلى تَخْصِيصِ الوَعِيدِ {وَما أنا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} فَأُعَذِّبَ مَن لَيْسَ لِي تَعْذِيبُهُ."

 

وقال الشيْخُ ابن تيمية: "وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ. يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُه تَعَالَى: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ قَدَّمَ إلَيْهِمْ بِالْوَعِيدِ وَقَالَ: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ صَادِقٌ فِي وَعِيدِهِ أَيْضًا، وَأَنَّ وَعِيدَهُ لَا يُبَدَّلُ. وَهَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ فُسَّاقَ الْمِلَّةِ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ النَّارِ. وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.

 

لَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُضْعِفُ جَوَابَ مَنْ يَقُولُ: إنَّ إخْلَافَ الْوَعِيدِ جَائِزٌ. فَإِنَّ قَوْلَهُ: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} بَعْدَ قَوْلِهِ: {وَقَدْ قَدَّمْتُ إلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَعِيدَهُ لَا يُبَدَّلُ كَمَا لَا يُبَدَّلُ وَعْدُه." [مجموع الفتاوى(14/489)].

 

تنبيه: يستدلّ بعضُ القائلين بجواز الخُلْف على اللّهِ تعالى في الوعيد، بما رُوِيَ عن النّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنّه قال: "مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا فَهُوَ مُنْجِزُهُ لَهُ، وَمَنْ وَعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ."

 

وهذا الحديث رواه أبو يعلى (6/66)، والطبراني في «المعجم الأوسط» (8/240)، وابن أبي عاصم في «السُّنَّة» (960)، والأصفهاني في «الحجة» (2/71)

 

وقال البوصيري في «إتحاف المهرة» (7/136): "رواه أبو يعلى والبزار، ومَدارُ إسنادَيْهِما على سهيل بن أبي حزم، وهو ضعيف."

 

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (10/214): "رواه أبو يعلى والطبراني في الأوسط، وفيه: سهيل بن أبى حزم، وقد وُثِّقَ على ضُعفِه، وبَقِيّةُ رجالِه رجالُ الصّحيح."

 

وقال الألباني في «السلسلة الصحيحة» (2463): "والحديث مع ضُعفِ سَنَدِه فهو ثابتُ المتْنِ عندي."

 

وقولُ الألباني: "فهو ثابت المتن عندي"، لا يعني أنّه يقول بجواز الخُلْف على اللّهِ تعالى في الوعيد؛ لأنّه -رحمه اللّهُ- كان يقول بأبدية النّارِ، وخلودِأهلِ الكفر والشرك فيها؛ ولا شكّ أنّه كان يرى أنّ هذا الحديثَ خاصٌّ بأهل الإيمان والتوحيد.

 

وهذا الحديثُ رواه الحافظُ بن حجر في «المطالب العالية»، في (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ - بَابُ الْعَفْوِ عَمَّا دُونَ الشِّرْكِ)، رقم الحديث 3083؛ حيث قال: "قَالَ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ جَمِيعًا: حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى عَمَلٍ ثَوَابًا، فَهُوَ مُنْجِزُهُ لَهُ، وَمَنْ وَعَدَهُ عَلَى عَمَلٍ عِقَابًا، فَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ قَالَ الْبَزَّارُ: سُهَيْلٌ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ."

 

ووضْعُهُ الحديث في (كِتَابُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ - بَابُ الْعَفْوِ عَمَّا دُونَ الشِّرْكِ) يدلّ على أنّه كان يرى أنّه خاصٌّ بأهل التوحيد والإيمان، لا بأهل الشِّرْك والكُفْران؛ فالوعيدُ في حقّ عُصَاة المؤمنين هو الذي يكون تحت مشيئة الله تعالى، فقد يقع هذا الوعيد جزاءً وعدلاً، وقد يختلف هذا الوعيد في حقّ بعض العصاة.

 

إضاءة: حول الاحتجاج بحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ السابق.

 

أوّلاً- هذا الحديث ضعيف، فلا يمكن أن يُحتجَّ به في مسائل الاعتقاد.

 

ثانياً- على فرض صحته، لا يمكن أنْ يُعارِضَ نصوصَالقرآنِ المُحْكمَة، التي نصّت على أبَدِيّةِ النّارِ وأبَدِيّةِ العذابِ؛ فلا بُدَّ أن يُحْملَ على المُوحِّدين.

  • الاربعاء PM 05:40
    2020-11-04
  • 1171
Powered by: GateGold