المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412635
يتصفح الموقع حاليا : 336

البحث

البحث

عرض المادة

الزّعْمُ أنّ كَوْنَ اللّهِ تعالى هو الأوّل والآخر، يستلزمُ عدم بقاء النّارِ

تقول الشُّبْهَةُ: إنّ اللّهَ تَعالى وَصَفَ نفسَه بِأنَّهُ هو الأوَّلُ والآخِرُ؛ فلا بُدَّ أنْ تفنى النّارُ حتّى لا يبقى شيءٌ بعدَه، ويتحقّقُ اسمُه (الآخر)!

 

ومعلومٌ أنّ قولَهُم هذا يستلزِمُ أيضاً فناءَ الجَنَّة!

 

ويُردُّ على هذه الشُّبْهَةِ بما يأتي:

 

قال تعالى: {هُوَ ٱلۡأَوَّلُ وَٱلۡآخِرُ وَٱلظَّـٰهِرُ وَٱلۡبَاطِنُۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمٌ} [الحديد: 3].

 

قال الطبري (310 ھ) في تفسيره «جامع البيان»: "يقول تعالى ذكره: {هُوَ الأوَّلُ} قبل كل شيء بغير حدّ، {وَالآخِرُ} يقول: والآخرُ بعد كل شيء بغير نهاية. وإنما قيل ذلك كذلك، لأنه كان ولا شيءَ موجودٌ سِواهُ، وهو كائنٌ بعد فناء الأشياء كلها، كما قال جلّ ثناؤه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ}."

 

وقال أبو حيان (745 ھ) في تفسيره «البحر المحيط»: "{هُوَ الأوَّلُ} الَّذِي لَيْسَ لِوُجُودِهِ بِدايَةٌ مُفْتَتَحَةٌ، {والآخِرُ} أي: الدّائِمُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نِهايَةٌ مُنْقَضِيَةٌ. وقِيلَ: الأوَّلُ الَّذِي كانَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، والآخِرُ الَّذِي يَبْقى بَعْدَ هَلاكِ كُلِّ شَيْءٍ."

 

وقال البقاعي (885 ھ) في تفسيره «نظم الدرر»: "ولَمّا أخْبَرَ بِتَمامِ القُدْرَةِ، دَلَّ عَلى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {هُوَ} أيْ: وحْدَهُ {الأوَّلُ} أيْ: بِالأزَلِيَّةِ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَلا أوَّلَ لَهُ، والقَدِيمُ الَّذِي مِنهُ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ ولَيْسَ وُجُودُهُ مِن شَيْءٍ؛ لِأنَّ كُلَّ ما نُشاهِدُهُ مُتَأثِّرٌ لِأنَّهُ حَقِيرٌ، وكُلُّ ما كانَ كَذَلِكَ فَلا بُدَّ لَهُ مِن مُوجِدٍ غَيْرِ مُتَأثِّرٍ {والآخِرُ} بِالأبَدِيَّةِ، الَّذِي يَنْتَهِي إلَيْهِ وُجُودُ كُلِّ شَيْءٍ في سِلْسِلَةِ التَّرَقِّي، وهو بَعْدَ فَناءِ كُلِّ شَيْءٍ، ولَوْ بِالنَّظَرِ إلى ما لَهُ مِن ذاتِهِ فَلا آخِرَ لَهُ؛ لِأنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ نَعْتُ العَدَمِ لِأنَّ كُلَّ ما سِواهُ مُتَغَيِّرٌ؛ وكُلُّ ما تَغَيَّرَ بِنَوْعٍ مِنَ التَّغْيِيرِ جازَ إعْدامُهُ، وما جازَ إعْدامُهُ فَلا بُدَّ لَهُ مِن مُعْدِمٍ يَكُونُ بَعْدَهُ ولا يُمْكِنُ إعْدامُهُ."

 

وقال النسفي (710 ھ) في «مدارك التنزيل» عند تفسيره لقوله -تعالى-: {وَهُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ} [البقرة: جزء من الآية 25]: "{وَهم فِيها خالِدُونَ} الخُلْدُ: البَقاءُ الدائِمُ الَّذِي لا يَنْقَطِعُ. وفِيهِ بُطْلانُ قَوْلِ الجَهْمِيَّةِ، فَإنَّهم يَقُولُونَ بِفِناءِ الجَنَّةِ وأهْلِها؛ لِأنَّهُ تَعالى وُصِفَ بِأنَّهُ الأوَّلُ والآخِرُ، وتَحْقِيقُ وصْفِ الأوَّلِيَّةِ بِسَبْقِهِ عَلى الخَلْقِ أجْمَعَ، فَيَجِبُ تَحْقِيقُ وصْفِ الآخِرِيَّةِ بِالتَأخُّرِ عَنْ سائِرِ المَخْلُوقاتِ، وذا إنَّما يَتَحَقَّقُ بَعْدَ فَناءِ الكُلِّ، فَوَجَبَ القَوْلُ بِهِ ضَرُورَةً، ولِأنَّهُ تَعالى باقٍ، وأوْصافُهُ باقِيَةٌ، فَلَوْ كانَتِ الجَنَّةُ باقِيَةً مَعَ أهْلِها لَوَقَعَ التَشابُهُ بَيْنَ الخالِقِ والمَخْلُوقِ، وذا مُحالٌ. [انتهى قولُ الجَهْمِيَّةِ]

 

قُلْنا: الأوَّلُ في حَقِّهِ هو الَّذِي لا ابْتِداءَ لِوُجُودِهِ، والآخِرُ هو الَّذِي لا انْتِهاءَ لَهُ، وفي حَقِّنا الأوَّلُ هو الفَرْدُ السابِقُ، والآخِرُ هو الفَرْدُ اللّاحِقُ. واتِّصافُهُ بِهِما لِبَيانِ صِفَةِ الكَمالِ، ونَفْيِ النَقِيصَةِ والزَوالِ، وذا في تَنْزِيهِهِ عَنِ احْتِمالِ الحُدُوثِ والفَناءِ لا فِيما قالُوهُ. وأنّى يَقَعُ التَشابُهُ في البَقاءِ، وهو تَعالى باقٍ لَذَاتِهِ، وبَقاؤُهُ واجِبُ الوُجُودِ، وبَقاءُ الخَلْقِ بِهِ، وهو جائِزُ الوُجُودِ؟!"

 

وقال العلاّمةُ الآلوسي (1270 ھ) في مَعْرِضِ رَدِّهِ على الجَهْمِيَّةِ -أيضاً- في تفسيره «روح المعاني»: "فَهو الواجِبُ القِدَمِ المُسْتَحِيلُ العَدَمِ، والخَلْقُ لَيْسُوا كَذَلِكَ، فَأيْنَ الشَّبَهُ؟"

  • الاربعاء PM 05:35
    2020-11-04
  • 1033
Powered by: GateGold