المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413990
يتصفح الموقع حاليا : 265

البحث

البحث

عرض المادة

الزّعْمُ أنّ الكُفّارَ سيخرجون مِنَ النّارِ، بشّفاعة أرْحَمِ الرّاحِمين

ويُرَدُّ عليهم بما يأتي:

 

أوّلاً- لقد أجْمًع علماءُ الإسلامِ على أنّ الكافرَ محرومٌ من الشّفاعة، لقولِه تعالى: {فَمَا تَنفَعُهُمۡ شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِینَ} [المدثر: 48].

 

قال ابنُ جُزَيّ (741 ھ) في «التسهيل لعلوم التنزيل»: "{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ ٱلشَّافِعِينَ} إنما ذلك لأنهم كفار، وأجمع العلماءُ أنّه لا يَشْفع أحدٌ في الكُفّار."

 

وقال تعالى: {وَأَنذِرۡهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡآزِفَةِ إِذِ ٱلۡقُلُوبُ لَدَى ٱلۡحَنَاجِرِ كَـٰظِمِینَۚ مَا لِلظَّـٰلِمِینَ مِنۡ حَمِیمࣲ وَلَا شَفِیعࣲ یُطَاعُ} [غافر: 18].

 

قال ابن كثير (774 ھ) في تفسيره: "أَيْ: لَيْسَ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالشِّرْكِ بِاللَّهِ مِنْ قَرِيبٍ مِنْهُمْ يَنْفَعُهُمْ، وَلَا شَفِيعٍ يُشَفَّعُ فِيهِمْ، بَلْ قَدْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ."

 

وقال ابن الجَوْزي (597 ھ) في تفسيره «زاد المسير»: "{ما لِلظّالِمِينَ} يَعْنِي الكافِرِينَ {مِن حَمِيمٍ} أيْ: قَرِيب يَنْفَعُهم {وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ} فِيهِمْ فَتُقْبَلُ شَفاعَتُهُ."

 

ولذلك فإنّ الله -تعالى- لا يقبل شفاعةَ خلِيلِه إبراهيمَ في أبيه آزر المُشْركِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لا تَعْصِنِي، فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لا أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَبْعَدِ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ، مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ؟ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ، فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّار.ِ"[رواه البخاري].

 

والذِّيخُ: ذَكَرُ الضِباعِ، وأَراد بالتَّلَطُّخ التَّلَطُّخَ برجِيعه أَو بالطين. [لسان العرب، ابن منظور، مادة (ذيخ)].

 

وأمّا شَفاعَتُهُ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- لِعَمِّهِ أبِي طالِبٍ، فهي خاصة، وهِي في تخفيفِ العذابِ عنه فقط؛ فعن العَبَّاس بْن عَبْدِ المُطَّلِبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنّه قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَغْنَيْتَ عَنْ عَمِّكَ، فَإِنَّهُ كَانَ يَحُوطُكَ وَيَغْضَبُ لَكَ؟ قَالَ: "هُوَ فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، وَلَوْلاَ أَنَا لَكَانَ فِي الدَّرَكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ."

 

جاء في معجم «لسان العرب» -مادة (ضَحْضاح): "وماءٌ ضَحْضاحٌ، أَي: قريبُ القعر. وفي حديث أَبي المِنْهال: في النار أَوديةٌ في ضَحْضاح؛ شَبَّه قِلَّةَ النار بالضَّحْضاحِ من الماء فاستعاره فيه؛ ومنه الحديث الذي يُرْوى في أَبي طالب: وجدتُه في غمراتٍ من النار، فأَخْرَجْتُه إِلى ضَحْضاحٍ."

 

ثانياً- وأمّا حديث الشفاعة الذي يحتجّون به، فلقد جاء فيه: "فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالْمَلائِكَةُ وَالْمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدِ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ مَاءُ الْحَيَاةِ ... فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الْخَوَاتِيمُ فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؛ فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ." [رواه البخاري: 7440].

 

وهذا الحديثُ لا حُجَّةَ لهم فيه على ما ذهبوا إليه؛ لأمور:

 

أ) لقد جاءت أقوالُ العلماء الراسخين في العلم، تُؤكّد على أنّ هَؤُلَاءِ العُتَقَاءُ كانوا مؤمنين:

 

  • قال ابن رجب الحنبلي (795 هـ) في «التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار» (ج 1 ص 186)، في (الباب الثامن والعشرون: في ذكر حال المُوحِّدين في النار وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين): "والمراد بقوله (لم يعملوا خيرا قط) من أعمال الجوارح، وإن كان أصلُ التّوحيد معهم؛ ولهذا جاء في حديثِ الذي أمَر أهلَه أن يحرقوه بعد موته بالنار،أنّه لم يعمل خيرا قط غيرَ التوحيد ... وهذا يدل على أن الذين يُخرِجُهم الله برحمته، مِن غير شفاعةِ مَخْلُوقٍ، همْ أهلُ كلمة التوحيد، الذين لم يعملوا معها خيرا قط بجوارحهم."

 

  • وقال بدر الدين العيني (885 ھ) في «عمدة القاري شرح صحيح البخاري»: "قَوْله: (بِغَيْر عمل عملوه) أَي: فِي الدُّنْيَا (وَلَا خير قدموه) فِي الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَة: أَرَادَ مُجَرّد الْإِيمَان، دون أَمرٍزَائِدٍ عَلَيْهِ من الْأَعْمَال والخيرات، وَعُلِم مِنْهُ أَن شَفَاعَة الْمَلَائِكَة والنبيين وَالْمُؤمنِينَ، فِيمَن كَانَ لَهُ طَاعَةٌ غيرُ الْإِيمَان الَّذِي لَا يطلع عَلَيْهِ إلاَّ اللّهُ."

 

  • وقال شهاب الدين القسطلاني (923 ھ) في «إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري»: (فيَقْبِضُ قَبْضَةً مِن النّارِ فيُخْرِج) تعالى (أقوامًا) وهم الذين معهم مجرد الإيمان."

 

ومِنَ الأحاديثِ التي يُحْتجُّ بها على أنّ الذين يُخرِجُهم اللّهُ برحمته كانوا مؤمنين:

 

  • قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وفي قَلْبِهِ وزْنُ شَعِيرَةٍ مِن خَيْرٍ، ويَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وفي قَلْبِهِ وزْنُ بُرَّةٍ مِن خَيْرٍ، ويَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَن قالَ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وفي قَلْبِهِ وزْنُ ذَرَّةٍ مِن خَيْرٍ." [رواه البخاري].

 

  • وقَوْلُهُ -صلّى اللّهُ عليه وسلّم- في حديثٍ طويل: "ثُمَّ يَشْفَعُ الْأَنْبِيَاءُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، فَيُخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا قَالَ: ثُمَّ يَتَحَنَّنُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا؛ فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا عَبْدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا." [رواه أحمد، وقال محققو المسند: إسناده حسن].

 

  • وجاء في حديث آخر: "ثُمَّ تُشَفَّعُ الْأَنْبِيَاءُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا، فَيَسْتَخْرِجُونَهُمْ مِنْهَا، ثُمَّ يَتَحَنَّنُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ عَلَى مَنْ فِيهَا فَمَا يَتْرُكُ فِيهَا أَحَدًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا أَخْرَجَهُ مِنْهَا."[رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد].

 

ب) قَوْلُ أَهْلِ الْجَنَّةِ: "هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ." يدلّ على أنّ هَؤُلَاءِ العُتَقَاءَ كانوا مؤمنين، إلاّ أنّهم لم يعملوا عملاً ولا قدّموا خيراً ينفعهم لدخول الجَنّة؛ ولو كانوا كافرين لَقال أَهْلُ الْجَنَّةِ: "هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ، أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ إيمان"؛ لأنّ التّعَجُّبَ من دخول الجنة بدون إيمان، أعظمُ من التعجبِ من دخولها بدون عمل!

 

وهذه الملحوظةُ لمْ ينتبه إليها المُحتجُّون بهذا الحديث!

 

فتعجُّبُهم من دخول عُتَقَاء الرحمن الجَنَّة بدون عملٍ عملوه ولا خيرٍ قدّموه، دليلٌ على أنّهُم كانوا مُوَحِّدين.

 

ج) والحديثُ الذي احْتجّ به المخالفون، جاء فيه: "فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا ...الحديث"، وهذا يعني أنّه لنْ يُخرِجَ جميعَ مَن في النّار؛ لأنّه لو أخرج جميع أهل النّارِ، لجاء في الحديث: "فَيَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي؛ فَيُخْرِجُ مَن بَقِيَ في النَّارِ"!

 

وهذه الملحوظةُ لمْ ينتبه إليها -أيضاً- المُحتجُّون بهذا الحديث!

  • الاربعاء PM 05:18
    2020-11-04
  • 1161
Powered by: GateGold