المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413875
يتصفح الموقع حاليا : 280

البحث

البحث

عرض المادة

وصفُ عذابِ النّارِ بالخُلود والأبَدِيَّة.

أوّلاً- وَصْفُ العذابِ بالخُلود.

 

لقد وُصِفَ العذابُ بالخُلود في عدة آيات من كتاب اللّهِ، منها:

 

  • قولُهُ تعالى: {بَلَىٰۚ مَن كَسَبَ سَیِّئَةࣰ وَأَحَـٰطَتۡ بِهِۦ خَطِیۤـَٔتُهُۥ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ} [البقرة: 81].

 

قال ابنُ جرير الطَّبَريُّ (310 ھ) في تفسيره: "{هم فيها} يعني: هم في النّار خالدون، ويعني بقوله: {خالدون} مقيمون."

 

ونقل الطبري عن ابن عباس قولَه: "{هم فيها خالدون} أي: خالدون أبدا."

 

وقال ابنُ عطيّة (564 ھ) في تفسيره «المحرر الوجيز»: "والخُلُودُ في هَذِهِ الآيَةِ عَلى الإطْلاقِ والتَأْبِيدِ في المُشْرِكِينَ."

 

وقال أبو السعود (982 ھ) في تفسيره «إرشاد العقل السليم»: "{هم فِيها خالِدُونَ} دائِمًا أبَدًا؛ فَأنّى لَهُمُ التَّفَصِّي [أي: التّخلُّص] عَنْها بَعْدَ سَبْعَةِ أيّامٍ أوْ أرْبَعِينَ، كَما زَعَمُوا؟ فَلا حُجَّةَ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَلى خُلُودِ صاحِبِ الكَبِيرَةِ، لِما عَرَفْتَ مِنَ اخْتِصاصِها بِالكافِرِ؛ ولا حاجَةَ إلى حَمْلِ الخُلُودِ عَلى اللُّبْثِ الطَّوِيلِ؛ عَلى أنَّ فِيهِ تَهْوِينَ الخَطْبِ في مَقامِ التَّهْوِيلِ."

 

  • وقولُه تعالى: {وَمَن یَرۡتَدِدۡ مِنكُمۡ عَن دِینِهِۦ فَیَمُتۡ وَهُوَ كَافِرࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ حَبِطَتۡ أَعۡمَـٰلُهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا والآخِرَةِ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ أَصۡحَـٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِیهَا خَـٰلِدُونَ} [البقرة: جزء من الآية 217].

 

قال ابنُ جرير الطّبَريُّ في تفسيره «جامع البيان»: "يعني بقوله: {حبطت أعمالهم} بطَلَتْ وذهَبَت. وبُطولُها: ذهابُ ثوابها، وبُطولُ الأجر عليها والجزاء في دار الدنيا والآخرة. وقوله: {وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} يعني: الذين ارتدُّوا عن دينهم فماتوا على كفرهم، هم أهل النار المخلَّدون فيها. وإنما جعلَهُم "أهلها"؛ لأنّهم لا يخرجون منها، فهم سُكّانُها المقيمون فيها، كما يُقال: "هؤلاء أهلُ مَحَلَّةِ كذا"، يعني: سُكّانُها المقيمون فيها. ويعني بقوله: {هم فيها خالدون} هم فيها لابثون لَبْثًا، من غير أمَدٍ ولا نهاية."

 

  • وقولُه تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [السجدة: 13-14].

 

قال الطبري في تفسيره: "وقوله: {وذوقوا عذاب الخلد} يقول: يقال لهم أيضا: ذوقوا عذاباً تخْلُدون فيه إلى غير نهاية."

 

وقال الشوكاني: "وقوله: {وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} تكريرٌ لِقَصْدِ التّأكيد، أي: ذوقوا العذاب الدائم الذي لا ينقطع أبدًا، بما كنتم تعملونه في الدنيا من الكفر والمعاصي."

 

  • وقولُه تعالى: {ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا بِمَا كُنتُمۡ تَكۡسِبُونَ} [يونس: 52]

 

قال الإمامُ ابنُ جريرٍ الطّبَريُّ (310 ھ) في تفسيره «جامع البيان»: "يقول تعالى ذكره: {ثُمَّ قِیلَ لِلَّذِینَ ظَلَمُوا۟} أنفسَهم بكفرهم بالله {ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلۡخُلۡدِ} تجرّعوا عذابَ الله الدائم لكم أبدًا، الذي لا فناءَ له ولا زوالَ."

 

يَتبيّنُ لنا -من خلال هذه النُّصوص- أنّ خلودَ الكفار في النّارِ يعني الخلودُ الأبدِيُّ السَّرْمَدِيُّ، ولقد جاء في السُّنَّةِ ما يؤكّد هذا المصيرَ المأساويّ؛ فلقد جاء في صحيح مسلم عن نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللهِ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ."

 

إنّ قولَه -صلى الله عليه وسلم-: "كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ"، لدليلٌ على أنّه لا فرقَ بين خلودِ أهلِ الجَنَّة وخلودِ أهلِ النّارِ، مِن حيثُ الأبديّةُ والسَّرمَديّةُ. ولا شكّ أنّ هذا هو ما سيفهمه أهلُ النّار بعدَ ذبْحِ الموت، وبعد سماعهم قولَ القائل: "يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ"؛ ولذلك سَيَشْتَدّ حُزنُهم بعد سماعِ هذا الخبر الصّاعق، كما جاء في رواية أخرى رواها البخاري: "ويزدادُ أهلُ النّارِ حُزناً إلى حزنهم."

 

فهذا دليلٌ صريحٌ على أنّ خلودَ الكفار في النّارِ، هو خلودٌ أبدي سَرمدي، مثل خلودِ أهلِ الجَنَّة في الجَنَّة.

 

ثانيا- وَصْفُ العذابِ بالخُلودِ الأبَدِيّ.

 

ولقد وُصِفَ العذابُ بالخُلودِ الأبَدِيّ في عدة آيات من الذِّكر الحكيم، منها:

 

  • قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا. إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 168-169].

 

قال ابن جرير الطبري (310 ھ) في تفسيره «جامع البيان»: "{خالدين فيها أبدًا} يقول: مُقيمين فيها أبدًا {وكان ذلك على الله يسيرًا} يقول: وكان تخليدُ هؤلاء الذين وَصَفْتُ لكم صِفتَهم في جَهَنّمَ، على الله يسيرًا؛ لأنه لا يقدر مَن أراد ذلك به على الامتناع منه، ولا لهُ أحدٌ يمنعه منه، ولا يَسْتَصْعِب عليه ما أراد فِعلَه به من ذلك، وكان ذلك على الله يسيرًا؛ لأنّالخَلقَ خلقُه، والأمرَ أمرُه."

 

وقال الواحدي (468 ھ) في «التفسير البسيط»: "وقوله تعالى: {وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا}؛ لأنه لا يتعذّر عليه ولا يضرّه، ولأنه قادر على أن يخلق لهم العذاب والألم شيئًا بعد شيء إلى ما لا يتناهى، وذلك أنه لما وصَفَ أنه لا نهايةَ لخلودهم في جَهَنّمَ بيّن أنّهُ لا يتعذر ذلك عليه."

 

وقال أبو السعود (982 ھ) في تفسيره «إرشاد العقل السليم»: "وقَوْلُهُ تَعالى: {أبَدًا} نَصْبٌ عَلى الظَّرْفِيَّةِ رافِعٌ لِاحْتِمالِ حَمْلِ الخُلُودِ عَلى المُكْثِ الطَّوِيلِ {وَكانَ ذَلِكَ}أيْ: جَعْلُهم خالِدِينَ في جَهَنَّمَ {عَلى اللَّهِ يَسِيرًا} لِاسْتِحالَةِ أنْ يَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِن مُراداتِهِ تَعالى."

 

اعتراضان ورَدُّهُما.

 

الاعتراضُ الأوّل:زعم البعضُ أنّ كلمةَ (الخُلد) في القرآن الكريم، لا تعني المُكْث الأبدي، وإنّما تعني اللُّبْث الطَّوِيل فقط!

 

ولِلجواب عن هذا الاعتراض نرجع إلى القرآن الكريم، وإلى كُتب غريب القرآن وقواميس اللُّغَة العربية.

 

أ- معنى الخُلد في القرآن الكريم.

 

قال الطاهر بن عاشور (1393 ھ) في «التحرير والتنوير» عند تفسيره لقوله تعالى: {ذَ ٰلِكَجَزَاۤءُأَعۡدَاۤءِٱللَّهِٱلنَّارُۖلَهُمۡفِیهَادَارُٱلۡخُلۡدِجَزَاۤءَۢبِمَاكَانُوا۟بِـَٔایَـٰتِنَایَجۡحَدُونَ}: "والخُلْدُ: طُولُالبَقاءِ،وأُطْلِقَفياصْطِلاحِالقُرْآنِعَلىالبَقاءِ المُؤَبَّدِ الَّذِي لا نِهايَةَ لَهُ."

 

ومِن الآيات التي تدلّ على أنّ الخُلْدَ يُطْلَقَ في اصْطِلاحِ القُرْآنِ عَلى البَقاءِ المُؤَبَّدِ الَّذِي لا نِهايَةَ لَهُ:

 

  • قولُه تعالى: {یَحۡسَبُ أَنَّ مَالَهُۥۤ أَخۡلَدَهُ} [الهمزة: 3]

 

قال الطبري في تفسيره: "يقول: {يحسب أن ماله} الذي جمعه وأحصاه، وبخل بإنفاقه، مخلده في الدنيا، فمزيل عنه الموت. وقيل: {أخلده} والمعنى: يُخَلِّده"

 

وقال القرطبي: "قوله تعالى: {يحسب} أي: يظن {أن ماله أخلده} أي: يُبْقيه حيًّا لا يموت."

 

وقال الزمخشري: "{أخْلده} وخلّده بمعنى؛ أي: طوَّل المالُ أملَه، ومنّاه الأماني البعيدة؛ حتى أصبح لِفَرط غفلتِه وطولِ أمله يحسب أن المال تركه خالدا في الدنيا لا يموت."

 

  • وقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ} [طه: 120].

 

قال أبو السعود (982 ھ) في تفسيره «إرشادُ العقل السليم»: "قالَ:{يا آدَمُ هَلْ أدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الخُلْدِ} أيْ: شَجَرَةٍ مَنْ أكَلَ مِنها خُلِّدَ ولَمْ يَمُتْ أصْلًا، سَواءٌ كانَ عَلى حالِهِ أوْ بِأنْ يَكُونَ مَلِكًا؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: {إلا أنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أوْ تَكُونا مِنَ الخالِدِينَ} [الأعراف: 20]. {وَمُلْكٍ لا يَبْلى} أيْ: لا يَزُولُ، ولا يَخْتَلُّ بِوَجْهٍ مِنَ الوُجُوهِ."

  • الاربعاء PM 05:00
    2020-11-04
  • 1336
Powered by: GateGold