المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413683
يتصفح الموقع حاليا : 201

البحث

البحث

عرض المادة

أهل النّارِ لا يخرجون منها، ولا يموتون فيها

قال تعالى: {وَقَالَ ٱلَّذِینَ ٱتَّبَعُوا۟ لَوۡ أَنَّ لَنَا كَرَّةࣰ فَنَتَبَرَّأَ مِنۡهُمۡ كَمَا تَبَرَّءُوا۟ مِنَّاۗ كَذَ ٰلِكَیُرِیهِمُٱللَّهُأَعۡمَـٰلَهُمۡحَسَرَٰتٍعَلَیۡهِمۡۖوَمَاهُمبِخَـٰرِجِینَمِنَٱلنَّارِ} [البقرة: 167].

 

قال شيخُ المفسرين أبو جعفر الطّبريُّ (310 ھ) في تفسيره «جامع البيان»: "يعني تعالى ذكره بذلك: وما هؤلاء الذين وصَفتُهم من الكفار =وإنْ نَدِموا بعد مُعاينتِهم مَا عاينوا من عذاب الله، فاشتدّت ندامتُهم على ما سلف منهم من أعمالهم الخبيثة، وتمنَّوا إلى الدنيا كَرّةً ليُنيبوا فيها، ويتبرأوا من مُضلِّيهم وسادتِهم الذين كانوا يُطيعونهم في معصية الله فيها= بخارجين من النار التي أصلاهُموها اللّهُ بكفرهم به في الدنيا، ولا ندَمُهم فيها بمنجِّيهم من عذاب الله حينئذ، ولكنهم فيها مخلدون.

 

وفي هذه الآية الدلالةُ على تكذيب الله الزاعمين أن عَذابَ اللّهِ أهلَ النار من أهل الكفر مُنْقضٍ، وأنه إلى نهاية، ثم هو بعدَ ذلك فانٍ؛ لأن الله تعالى ذِكْرُه أخبرَ عن هؤلاء الذين وصف صِفتَهم في هذه الآية، ثم ختم الخبر عنهم بأنهم غيرُ خارجين من النار، بغير استثناء منه وَقتًا دون وقت؛ فذلك إلى غير حدّ ولا نهاية."

 

وقال مكي بنُ أبي طالب (437 ھ) في تفسيره «الهداية إلى بلوغ النهاية»: "{وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ ٱلنَّارِ}أي: ليسوا يخرجون من النار أبداً، يعني به القومُ الذين تقدَّمَتْ صِفَتُهم وتبرأ بعضُهم من بعض، وتمنى بعضُهم الرجعة إلى الدنيا. وهذه الآية تدل على فساد قول من زعم أن عذاب الله عز وجل للكفار له نهاية."

 

وقال البيضاوي (685 ھ) في «أنوار التنزيل»: "{وَما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ} أصْلُهُ (وما يَخْرُجُونَ)، فَعَدَلَ بِهِ إلى هَذِهِ العِبارَةِ، لِلْمُبالَغَةِ في الخُلُودِ والإقْناطِ عَنِ الخَلاصِ والرُّجُوعِ إلى الدُّنْيا."

 

وقال البقاعي (885 ھ) في تفسيره «نظم الدرر»: "{وما هُمْ} أيْ: بِفائِتِ خُرُوجِهِمْ، بَلْ هم وإنْ خَرَجُوا مِنَ السَّعِيرِ إلى الزَّمْهَرِيرِ يَعُودُونَ إلَيْهِ {بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ} يَوْمًا مِنَ الأيّامِ ولا ساعَةً مِنَ السّاعاتِ، بَلْ هم خالِدُونَ فِيها عَلى طُولِ الآبادِ ومَرِّ الأحْقابِ، بِخِلافِ عُصاةِ المُؤْمِنِينَ فَإنَّهم إذا خَرَجُوا مِنها لَمْ يَعُودُوا إلَيْها."

 

وقال أبو السعود (982 ھ) في تفسيره «إرشاد العقل السليم»: "{وَما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ}: كَلامٌ مُسْتَأْنِفٌ؛ لِبَيانِ حالِهِمْ بَعْدَ دُخُولِهِمُ النّارَ؛ والأصْلُ: (وَما يَخْرُجُونَ)، والعُدُولُ إلى الِاسْمِيَّةِ لِإفادَةِ دَوامِ نَفْيِ الخُرُوجِ، والضَّمِيرُ لِلدَّلالَةِ عَلى قُوَّةِ أمْرِهِمْ فِيما أُسْنِدَ إلَيْهِمْ."

 

  • وقال تعالى: {یُرِیدُونَ أَن یَخۡرُجُوا۟ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَـٰرِجِینَ مِنۡهَاۖ وَلَهُمۡ عَذَابࣱ مُّقِیمࣱ} [المائدة: 37].

 

قال البيضاوي (685 ھ) في تفسيره «أنوار التنزيل»: "وإنَّما قالَ {وما هم بِخارِجِين} بَدَل (وما يَخْرُجُونَ) لِلْمُبالَغَةِ."

 

وقال البقاعي (885 ھ) في تفسيره «نظم الدرر»: "ثُمَّ نَفى خُرُوجَهُمْ، عَلى وجْهِ التَّأْكِيدِ الشَّدِيدِ؛ فَقالَ: {وما هُمْ}، وأغْرَقَ في النَّفْيِ بِالجارِّ واسْمِ الفاعِلِ؛ فَقالَ: {بِخارِجِينَ مِنها} أيْ: ما يَثْبُتُ لَهم خُرُوجٌ أصْلًا."

 

وقال أبو السعود (982 ھ) في تفسيره «إرشاد العقل السليم»: "وقَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَما هم بِخارِجِينَ مِنها} إمّا حالٌ مِن فاعِلِ يُرِيدُونَ، أوِ اعْتِراضٌ، وأيًّا ما كانَ فَإيثارُ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلى الفِعْلِيَّةِ، مُصَدَّرَةً بِما الحِجازِيَّةِ الدّالَّةِ بِما في خَبَرِها مِنَ الباءِ عَلى تَأْكِيدِ النَّفْيِ، لِبَيانِ كَمالِ سُوءِ حالِهِمْ بِاسْتِمْرارِ عَدَمِ خُرُوجِهِمْ مِنها؛ فَإنَّ الجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ الإيجابِيَّةَ كَما تُفِيدُ بِمَعُونَةِ المَقامِ دَوامَ الثُّبُوتِ، تُفِيدُ السَّلْبِيَّةُ أيْضًا بِمَعُونَتِهِ دَوامَ النَّفْيِ لا نَفْيَ الدَّوامِ، كَما مَرَّ في قَوْلِهِ تَعالى: {ما أنا بِباسِطٍ}... إلَخْ. وقُرِئَ: {أنْ يُخْرَجوا} عَلى بِناءِ المَفْعُولِ مِنَ الإخْراجِ.

 

{وَلَهم عَذابٌ مُقِيمٌ} تَصْرِيحٌ بِما أُشِيرَ إلَيْهِ آنِفًا مِن عَدَمِ تَناهِي مُدَّتِهِ بَعْدَ بَيانِ شِدَّتِهِ."

 

*النّتيجةُ الحَتْمِيّةُ: إنّ أهلَ النّارِ محكومٌ عليهم بِعدمِ الخروج منها، ومحكومٌ عليهم أيضاً بِعدمِ الموتِ فيها -كما جاءت بذلك النصوص التي ذُكِرَتْ في الدليل الأوّل-، وإذا قلنا بفناءِ النّارِ، فهناك ثلاثةُ احتمالات:

 

الاحتمال الأول: أنْ يموت الكافر في النّارِ قبل فنائها، وهذا مخالفٌ لقولِه تعالى: {إِنَّهُۥ مَن یَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمࣰا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ} [طه: 74]، الذي فيه التصريح بعدم موت الكافر في النار.

 

الاحتمال الثاني: أنْ يموت وقتَ فنائها، ولكن هنا أيضا سيكون داخلها؛ لأنّه مُحرّم عليه الخروجُ منها؛ لقوله تعالى {وَمَا هُم بِخَـٰرِجِینَ مِنَ ٱلنَّارِ}، وسيكون في الحقيقة قد مات في النار، وهذا مخالف للنص السابق أيضاً، وهو قوله: {إِنَّهُۥ مَن یَأۡتِ رَبَّهُۥ مُجۡرِمࣰا فَإِنَّ لَهُۥ جَهَنَّمَ لَا یَمُوتُ فِیهَا وَلَا یَحۡیَىٰ} [طه: 74].

 

الاحتمال الثالث: أن يخرج منها، ثم تفنى، وهذا مخالفٌ لقوله تعالى: {وَمَا هُم بِخَـٰرِجِینَ مِنَ ٱلنَّارِ}.

 

وبهذا يَتبَيَّنُ لنا أنّ القولَ بفناءِ النّار قولٌ باطِلٌ، وأنّ النّارَ أبديةٌ لا تزول ولا تفنى.

 

* شُبْهَة ودفْعُها: قال بعضُهم: "ورد في القرآن الكريم أنّ أصحاب النّار غيْرُ (خارجين) من النّار، ولم يأت نصٌّ صريحٌ على أنّهم لن يُخرَجوا (بِضَمّ الياء وفتح الراء) منها؛ وهذا دليلٌ -عندهم- على أنّهم سيُخرَجون منها وتفنى جهنّمَ"!

 

فَهُمْ يَروْن أنّ عدم الخروج من النّارِ، لا يعني عدم الإخراج منها؛ فمَثَلُهم كمَثَل مَن يقول: إنّ فلانا لن يَخرُجَ (بفتح الياء وضم الراء) من بيته، لا يعني أنّه لن يُخْرَج (بضم الياء وفتح الراء) منه!

 

وهذا الكلام يدلُّ على أنّ القائِلَ به جاهلٌ بِأسَالِيب اللُّغَةِ العربية، التي شرَّفَها اللّهُ بأنْ تكون هي لُغَةَ القرآن الكريم، وهو جاهلٌ -أيضاً- بإجماع أهلِ التفسير والبيان:

 

  • فأمّا أهلُ التفسير واللُّغَةِ والبيان، فإنّهم فسروا قولَه تعالى {وما هم بِخارِجِين} -كما رأينا سابقاً- بتفاسيرَ متقاربةٍ، وقالوا: "{وَما هم بِخارِجِينَ} أصْلُهُ (وما يَخْرُجُونَ)، فَعَدَلَ بِهِ إلى هَذِهِ العِبارَةِ، لِلْمُبالَغَةِ في الخُلُودِ والإقْناطِ عَنِ الخَلاصِ والرُّجُوعِ إلى الدُّنْيا. وإيثارُ الجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ عَلى الفِعْلِيَّةِ مُصَدَّرَةً بِما الحِجازِيَّةِ الدّالَّةِ بِما في خَبَرِها مِنَ الباءِ عَلى تَأْكِيدِ النَّفْيِ، لِبَيانِ كَمالِ سُوءِ حالِهِمْ بِاسْتِمْرارِ عَدَمِ خُرُوجِهِمْ مِنها، فَإنَّ الجُمْلَةَ الِاسْمِيَّةَ الإيجابِيَّةَ كَما تُفِيدُ بِمَعُونَةِ المَقامِ دَوامَ الثُّبُوتِ، تُفِيدُ السَّلْبِيَّةُ أيْضًا بِمَعُونَتِهِ دَوامَ النَّفْيِ لا نَفْيَ الدَّوامِ."

 

  • وإذا رجعنا إلى القرآن الكريم، فإنّنا نجد فيه ما يدلّ على أنّ مَنْ أُخرِجَ (بضمّ الألف وكسر الراء) مِن مكان ما، يمكن أنْ نقول عنه بأنّه خرَج منه:

 

- قال تعالى في سورة الحشر: {هُوَ ٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَـٰبِ مِن دِیَـٰرِهِمۡ لِأَوَّلِ ٱلۡحَشۡرِۚ مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُوا۟} [الحشر: جزء من الآية 2].

 

فاللّهُ تعالى {هُوَ ٱلَّذِیۤ أَخۡرَجَ} بني النَّضِير -الذين كفروا بالله، وحاربوا رسولَه صلّى اللّهُ عليه وسلّم- من ديارهم بالمدينة إلى الشام؛ ثم قال عنهم: {مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُوا}.

 

فهم قد أُخْرِجوا (بضمّ الألف وكسر الراء) من ديارِهم، وصدق عليهم القولُ بأنّهم خَرَجوا، بقوله تعالى {مَا ظَنَنتُمۡ أَن یَخۡرُجُوا}.

 

- وقال تعالى واصفاً خروج أهل القبور يوم الحشر: { یَوۡمَ یَخۡرُجُونَ مِنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ سِرَاعࣰا كَأَنَّهُمۡ إِلَىٰ نُصُبࣲ یُوفِضُونَ} [المعارج: 48].

 

فهل أصحابُ القبور سيَخرُجون من قبورهم راغبين أم مُرغمين؟

 

لا شكّ أنّهم سيُخرَجون بقدرة اللّهِ وبِغَيْر إرادتهم، ومع ذلك فإنّ القرآن الحكيم لم يقل {يُخرَجون} (بضم الياء وفتح الراء)، ولكنْ قال {يَخرُجون} (بفتح الياء وضم الراء).

 

  • وأمّا في السُّنَّةِ النّبَوِيَّة، فلقد ثبت عَنْ رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "إِنِّي لأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجاً مِنْهَا، وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولاً الْجَنَّةَ: رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْواً؛ فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ... الحديث" [رواه البخاري ومسلم].

 

فهذا رجلٌ مؤمنٌأُخْرِجَ (بضمّ الألف وكسر الراء) من النّارِ،أَخْرَجَه اللّهُ منهابفضله وشفاعة الشافعين، فصدقَ عليه القولُ بأنّه "يَخرُجُ" من النّار.

 

وهكذا يَتَبَيّنُ لنا أنّ قولَ القائل: "عدمُ الخُروجِ لا يعني عدم الإخراج"، هو قولٌ لا دليلَ عليه من اللغة، ومخالفٌ لما اتفق عليه أهل التفسير واللُّغَةِ والبيان.

  • الاربعاء PM 04:50
    2020-11-04
  • 1321
Powered by: GateGold