المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413612
يتصفح الموقع حاليا : 234

البحث

البحث

عرض المادة

النّارُ أبدِيّةٌ، بإجماعِ الأُمَّة الإسلامية.

لقد وقَع قديماً، الإجماعُ بين علماءِ الأمّةِ الإسلاميّةِ على أَبَدِيَّةِ النّارِ وعدم فنائها، ونقل هذا الإجماعَ جَمعٌ من العُلماءِ الثِّقات والمُعتمَدِين، نذْكُر منهم:

 

  • الطحاوي (ت: 321 ھ): قال في «العقيدة الطحاوية» -التي أجمع عليها علماء المذاهب الإسلامية-: "والجَنَّةُ والنّارُ مخلوقتان، لا تَفْنيان أبداً ولا تبيدان".

 

  • أبو زيد القيرواني (ت: 386 ھ): قال «في كتابه الجامع»: "فمِمّا أجمعت عليه الأُمّةُ من أمور الدِّيانة، ومن السُّنَن التي خِلافُها بدعةٌ وضلالة... وأنّ الجَنَّةَ والنارَ قد خُلِقَتا، أُعِدّت الجَنَّةُ للمتقين، والنّارُ للكافرين، لا تفنيان ولا تبيدان".

 

  • ابن حزم الأندلسي (ت: 456 ھ): قال في «مراتب الإجماع» -التي جمع فيها ما أجمع عليه علماءُ الأمّة الإسلامية-: "وأنّ النَّارَ حقٌّ، وَأَنَّهَا دَارُ عَذَابٍ أبداً، لَا تفنى وَلَا يفنى أَهلُهَا أبداً بِلَا نِهَايَة، وَأَنَّهَا أُعِدّتْ لكل كَافِر مُخَالِف لدين الإسلام، وَلِمن خَالف الْأَنْبِيَاءَ السالفين، قبلَ مَبْعَثِ رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَلَيْهِم الصَّلَاةُ وَالتَّسْلِيمُ- وبلوغِ خَبَرِه إليْه [أي: إلى مَن خَالف الْأَنْبِيَاءَ السالفين]".

 

وقال في «الدرة» (ص207): "وأنّ البعثَ حقٌّ، والحسابَ حقّ، والجَنَّةَ حقّ، والنّارَ حقّ، دَارَان مخلوقتان مُخلَّدتان، هما ومَن فيهما بلا نهاية، يَجمع الله تعالى يوم القيامة بين الأرواح والأجساد؛ كلُّ هذا إِجماعُ أهلِ الإسلام، مَن خرج عنه خرج عن الإسلام."

 

  • الإمام العلاّمةُ حافظُ المغرب ابنُ عبدِ البَرّ (463 ھ): ثبت عنه أنّه قال: "قال أهلُ السُّنَّةِ: إنّ الجَنَّةَ والنّارَ مخلوقتان، وأنهما لا تبيدان." [فتح البر في الترتيب الفقهي لتمهيد ابن عبد البر(2/116)].

 

  • الحافظ عبد الغني المقدسي (600 ھ): قال في كتابه «الاقتصاد في الاعتقاد» (176): "اِعلمْ وفّقَنا اللّهُ وإياك لما يُرضيه من القول والنية والعمل، وأعاذنا وإياك من الزيغِ والزللِ، أنّ صالحَ السّلف، وخِيارَ الخلف، وسادةَ الأئِمّةِ، وعلماءَ الأُمَّةِ، اتفقت أقوالُهم، وتطابقتْ آراؤُهم على الإيمان بالله عز وجل... والإيمان بأن الجَنَّةَ والنّارَ مخلوقتان لا تفنيان أبدا، خُلِقتا للبقاء لا للفناء، وقد صحّ في ذلك أحاديث عدة... فهذه جملةٌ مختصرةٌ من القرآن والسنة، وآثارٌ من سلفٍ فَالْزَمْها، وما كان مثلها مما صح عن الله ورسوله، وصالح سلف الأمة ممن حصل الاتفاق عليه من خيار الأمة؛ وَدَعْ أقوالَ مَن كان عندهم محقوراً مهجوراً، مُبْعداً مدحوراً ومذموماً ملوماً، وإن اغتر كثير من المتأخرين بأقوالهم وجنحوا إلى اتباعهم، فلا تغتر بكثرة أهل الباطل!"

 

  • القرطبي (ت: 671 ھ): قال في كتابه «التذكرة» حاكياً للإجماع -في معرض ردِّه على من قال بفناء النار-: "فمَن قال: إنهم يخرجون منها، وإن النّارَ تبقى خاليةً بمُجمَلِها، خاويةً على عروشها، وإنها تفنى وتزول، فهو خارجٌ عن مقتضى المعقول، ومخالفٌ لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه أهل السنة والأئمة العدول."

 

وقال -أيضاً-: "أجمع أهل السنة على أن أهلَ النارِ مُخلّدون فيها غيرُ خارجين منها، كإبليسَ وفرعون وهامان وقارون وكُلِّ من كفر وتكبّر وطغى فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحي." [التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي، ص 432، دار الفكر].

 

  • ابن حجر العسقلاني (ت: 852 ھ): قال في «فتح الباري»: "من زعم أنهم يخرجون منها، أو أنها تبقى خالية أو تفنى، فهو خارج عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه أهل السنة." [فتح الباري(429/11)].

 

* تحقيق: هل خَرَق ابنُ تيميةَ وتلميذُه ابنُ القيِّم الإجماعَ على أبَدِيّةِ النّارِ؟

 

لقد نسب بعضُ أهلِ العلم إلى ابنِ تيميَّةَ وتلميذِه ابنِ القيِّمِ القوْلَ بفناء النّارِ، فهل هذا صحيح؟

 

  • أمّا ابنُ تيمِيَة (ت: 728 ھ) فإنّه قد صرّح في بعض كتبه، بِأبَدِيَّة النار وعدم فنائها؛ فقال: "ونعتقد أنّ الله تعالى خلق الجنة والنار وأنهما مخلوقتان للبقاء لا للفناء." [مجموع الفتاوى (5/77)، والحموية(55)].

 

وقال في مكان آخر: "فإنّ نعيمَ الجنَّةِ وعذابَ النّارِ دائمان، تُجَدَّدُ الحوادثُ فيهما؛ وإنما أنكر ذلك الجهم بن صفوان، فزعم أن الجنة والنار تفنيان." [منهاج السنة النبوية(1/146)].

 

ونقل ابنُ تيميةَ الإجماعَ على أبَدِيّةِ النّارِ وعَدَمِ فنائِها، ولم يُعارضْهُ، فقال: "وقال أهل الإسلام جميعاً: ليس للجنة والنار آخر، وإنهما لا تزالان باقيتين، وكذلك أهل الجنة لا يزالون في الجنة يتنعّمون، وأهل النار في النار يعذبون، ليس لذلك آخر." [درء تعارض العقل والنقل(1/403)].

 

وقال أيضاً: "وَقَد اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَسَائِرُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَا لَا يَعْدَمُ وَلَا يَفْنَى بِالْكُلِّيَّةِ كَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْعَرْشِ وَغَيْرِ ذَلِكَ..." [مجموع الفتاوى (18/307)].

 

ولم يُعَقِّبْ على الأشعري عندما نقل كلامه في «درء تعارض العقل والنقل» حول أبَدِيّةِ النّارِ، حيثُ قال: "قال الأشعري: وقال أهل الإسلام جميعا: ليس للجنة والنار آخر وإنهما لا تزالان باقيتين... وأهلُ النّارِ لا يزالون في النار يُعذَّبون وليس لذلك آخر." [درء تعارض العقل والنقل(2/358)].

 

ولم يُعَقِّبْ -أيضاً- في كتابه «نقد مراتب الإجماع» على ابن حزم، الذي جمع في كتابه «مراتب الإجماع» المسائلَ التي أجمع عليها علماءُ الأُمّة، وذكر فيه: "أن النّارَ حقٌّ، وأنّها دارُ عذابٍ أبداً، لا تفنى ولا يفنى أهلُها أبداً بلا نهاية" [مراتب الإجماع (ص: 268)]؛ فلم يُعقِّب ابنُ تيمية على ذلك، ولم يَنْقُدْ نقلَه لهذا الاتفاق، مع نقده لمسائلَ كثيرةٍ، نقل ابنُ حزم فيها الإجماعَ، وخالفه فيها.

 

وقال الشيْخُ الألباني في تعقيبه على القول بفناء النار المنسوب إلى ابن تيمية: "ولعل ذلك كان منه إِبّان طلبه للعلم، وقبْل توسُّعِه في دراسة الكتاب والسُّنَّةِ، وتضلُّعِه بمعرفة الأدلة الشرعية." [مقدمة «رفع الأستار» (ص: 25)].

 

وهذا على فرض أنّ نِسبةَ القول بفناء النار إلى ابن تيمية صحيحةٌ؛ ولكنْ الصحيحُ -كما رأينا- أنّ ابنَ تيميةَ لم يقل بفناءِ النّارِ، ولقد نبّه الشيخُ يوسفُ القرضاوي على أنّه لم يجد في كتب ابن تيمية ما يُشير صراحةً إلى قوله بفناء النار؛ وقال في فتوى له على موقِعِه حول (رأي ابن تيمية وابن القيم حول فناء النار): "وقد قرأت ذلك في بعض الكتبِ، كما قرَأَهُ السائلُ، ولكني -مع طول ما قرأت لابن تيمية- لم أعثر عليه في كتبه ورسائله الكثيرة؛ وقد طَبَعَت المملكةُ العربية السعودية منها بعضَ الكتب الكبيرة، مثل: «منهاج السنة» ومثل «درء تعارض العقل والنقل».

 

كما طَبَعَتِ الرسائلَ والفتاوى في سبعة وثلاثين مجلدًا، بفهارسها، ولم أجد في شئ منها هذا الرأي لابن تيمية."

 

  • وأمّا الإمامُ ابنُ القيم (701 ھ)، فلقد رجّحَ الشيخُ المُحَدِّثُ الألباني، أنّه لا يقول بفناءِ النّارِ، قال -رحمه اللّهُ-: "ويؤسفني أن أقولَ: إن القاديانيةَ في ضلالهم المشارِ إليه آنفاً (ص 73) يَجدُون مُتَّكَأً لهم -في بعضِ ما ذهبوا إليهِ- في بعضِ كتبِ أئمتنا من أهلِ السنةِ؛ فقد عقد العلامةُ ابنُ القيمِ في كتابهِ «الحادي» [أي: «حادي الأرواح»] فصلاً خاصاً في أبديةِ النارِ، أطال الكلامَ فيه جداً، وحكى في ذلك سبعةَ أقوالٍ، أبطلها كلَّها، سوى قولينِ منها:

 

الأولُ: أن النارَ لا يخرجُ منها أحدٌ من الكفارِ، ولكنّ الله عز وجل يفنيها، ويزولُ عذابها.

 

والآخرُ: أنها لا تفنى وأن عذابها أبدي دائمٌ. وقد ساق فيه أدلةَ الفريقين وحُجَجَهُم من المنقولِ والمعقولِ، مع مناقشتها، وبيان ما لها وما عليها.

 

والذي يتأملُ في طريقةِ عرضه للأدلةِ ومناقشتهِ إياها، يستشعر من ذلك أنه يميلُ إلى القولِ الأولِ، ولكنهُ لم يجزم بذلك؛ فراجع إن شئتَ الوقوفَ على كلامهِ مفصلاً في الكتابَ المذكورَ .

 

ولكنني وجدتهُ يُصرِّحُ في بعضِ كتبهِ الأخرى بأن نارَ الكفارِ لا تفنى، وهذا هو الظنُ بهِ؛ فقال رحمهُ اللهُ في «الوابلِ الصيبِ» (ص 26) ما نصهُ: "وأما النّارُ فإنها دارُ الخبثِ في الأقوالِ والأعمالِ والمآكلِ والمشاربِ ودارُ الخبيثين، فاللهُ تعالى يجمعُ الخبيثَ بعضَهُ إلى بعضٍ فيَرْكُمُهُ كما يَرْكُمُ الشيء لتراكبِ بعضهِ على بعضٍ، ثم يجعلهُ في جهنمَ مع أهلهِ، فليس فيها إلا خبيثٌ. ولما كان الناسُ على ثلاثِ طبقاتٍ: طيبٍ لا يشوبهُ خبثٌ، وخبيثٍ لا طيبَ فيه، وآخرون فيهم خبثٌ وطيبٌ كانت دورهم ثلاثةً: دار الطيبِ المحضِ، ودار الخبثِ المحضِ، وهاتان لا تفنيان." [انظر: الألباني، سلسلة الأحاديث الضعيفةِ(2/74 – 75)].

 

والشيخ القرضاوي يميل -كما قال- إلى القول بفناء النار، متأثّراً بكتاب «حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح» لابن القيم، ولكنه لم يأت بأدلة وتحقيقات لترجيح هذا القول.

 

هذا، ولقد زعم بعضُ النّاسِ أنّ الذي احْتجّ له ابنُ القيم هو إمكانية فناء النار ذاتها، ولم يقُلْ بفنائِها!

 

وهذا الكلامُ لا فائدةَ منه، ولا يمكن أنْ يصدر من ابن القيم؛ لأنّ القولَ بإمكانية فناء النار ذاتها ليس عليه خلاف؛ لأنّ كلّ ما سوى اللّه قابلٌ للفناء.

 

وعلى افتراض أنّ الصحيحَ عند ابن القيم هو القول بفناء جهنّمَ، فإنّه مسبوقٌ بالإجماع القديم، الذي حكاه الأئِمّةُ الأعلامُ، وقولُه يُعدّ من زلاّت العلماء، ونحن نُهِينا عن تتبُّع زلاتهم.

 

فائدة هامة: لقد استنتج بعضُ الباحثين من النص السابق لابن القيم، أنّ ابنَ القيم يرى أنّ النّارَ التي تفنى هي نارُ المُوَحّدِين لا نارُ الكافرين؛ لأنّه قال: "ودارٌ لمن معه خبث وطيب، وهي الدار التي تفنى، وهي دار العصاة فإنه لا يبقي في جهنم من عصاة الموحدين أحد."

 

وقال بعضُ أهلِ العلم: "مِمّا يدل على أن ابنَ تيميةَ، بل وابنَ القيم أيضاً، لم يقولا بفناء النار:أنّه لم يَنقُل أحدٌ من تلامذتهما عنهما هذا القول ولم يقل به أحد منهم؛ وتلاميذُهما علماءُ محقِّقون وهم كثر، كالذهبي وابن كثير وابن رجب."

  • الاربعاء PM 04:04
    2020-11-04
  • 1986
Powered by: GateGold