المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412292
يتصفح الموقع حاليا : 345

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء أن تحريم الربا يعوق حركة التقدم الاقتصادي

ادعاء أن تحريم الربا يعوق حركة التقدم الاقتصادي (*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن الإسلام بتحريمه الربا يعمل على إعاقة حركة التقدم الاقتصادي، ويصيبه بالشلل، ويقولون: إن لم يعتمد الاقتصاد العالمي كله على البنوك، فسوف يصاب بالشلل التام، ويترتب على ذلك العديد من الأزمات الاقتصادية الكبرى، ويهدفون من وراء ذلك إلى إباحة التعامل مع البنوك الربوية.

وجوه إبطال الشبهة:

1) إن اعتماد الاقتصاد العالمي على البنوك بصورة كاملة يؤدي إلى عديد من الأزمات الاقتصادية منها:

  • تعطيل الطاقات البشرية.
  • تعطيل رأس المال.
  • زيادة الاستهلاك والإسراف.
  • تغير وظيفة النقود.
  • توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة.
  • ارتفاع الأسعار وظهور التضخم.

2) تحريم الإسلام للربا له عديد من المزايا الاقتصادية التي تعود على المجتمع بالخير؛ منها: انخفاض تكلفة السلع، وعدم الإفراط في إصدار النقود.

3) الخلل في الاقتصاد ليس سببه تحريم الربا، بل المعاملات الربوية التي يسير عليها الناس في معاملاتهم المالية فيما بينهم.

التفصيل:

أولا. مضار التعامل بالربا من الناحية الاقتصادية:

يحدث الربا اضطرابات متتالية في النظام الاقتصادي، ويشكل عبئا كبيرا على كاهل الأفراد والحكومات، ويسبب أزمات دورية، وقد بين أحد الاقتصاديين أن انتشار الربا من أهم العوامل التي تعوق نمو الاقتصاد القومي؛ نظرا لأن صاحب المال لا يجد ما يدفعه إلى الاستثمار في أوجه منتجة من الصناعة، أو الزراعة، طالما أنه يجد في سوق الربا مجالا خصبا لتوظيف موارده. وإليك جانبا من الأضرار السيئة التي يحدثها الربا في النظام الاقتصادي:

يؤدي الربا إلى تعطيل الطاقات البشرية:

الطاقات البشرية من أهم العوامل الفعالة في الكيان الاقتصادي، ونظام الربا يعطل الطاقات البشرية المنتجة؛ إذ إنه يمنع الناس من الاشتغال بالمكاسب الصحيحة كأنواع الحرف، والصناعات، والتجارات؛ لأن رب المال، إذا تمكن بفعل الربا من إنماء ماله، خف عليه الكسب، وسهلت أسباب العيش فيألف الكسل، ويمقت العمل.

وفي بيان ذلك يقول الإمام الرازي: "إنما حرم الربا من أجل أنه يمنع الناس عن الاشتغال بالمكاسب، وكذلك لأن صاحب الدرهم إذا تمكن بواسطة عقد الربا من تحصيل الدرهم الزائد، خف عليه اكتساب وجه المعيشة، فلا يكاد يتحمل مشقة الكسب، والتجارة، والصناعات الشاقة، وذلك يفضي إلى انقطاع منافع الخلق، ومن المعلوم أن مصالح الناس لا تنتظم إلا بالتجارات، والحرف، والصناعات، والعمارات [1].

كذلك فإن تعطيل الربا للطاقات البشرية المنتجة لا يتوقف على تعطيل طاقة المرابي فقط، بل إن كثيرا من طاقات العمال ورجال الأعمال قد تقل أو تتوقف؛ ذلك أن الربا يوقع العمال في مشكلات اقتصادية صعبة، فالذين تصيبهم المصائب في البلاد الرأسمالية لا يجدون إلا المرابي، والمؤسسات الربوية التي تقرضهم المال بفوائد مرتفعة تعتصر ثمرة أتعابهم، فإذا أحاطت هذه المشكلات بالعمال أثرت في إنتاجهم [2].

ومن ناحية أخرى فإن الربا يسبب الركود الاقتصادي والبطالة مما يعطل الطاقات العاملة في المجتمعات الإنسانية، والإسلام يرفض تعطيل الطاقات البشرية المنتجة، بل إنه يعد تعطيلها جرما كبيرا ينبغي أن يحاسب عليه الإنسان، ولقد دعا الإسلام إلى العمل؛ فقال عز وجل: )فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور (15)( (الملك).

 وحثالنبي- صلىاللهعليهوسلم - علىالكسبوبينأنالإنسانسيحاسبعنهوعليه،فقالصلىاللهعليهوسلم: «لاتزولقدماعبديومالقيامةحتىيسئلعنعمرهفمأفناه،وعنعملهفمفعل،وعنمالهمنأيناكتسبهوفمأنفقه،وعنجسمهفم أبلا» [3].

فإذا كان الربا هو سبب التدهور الاقتصادي، والإسلام يدعو إلى التطوير والتقدم "فبأي حديث بعده يؤمنون"؟!

الربا يؤدي إلى تعطيل رأس المال:

وكما أن الربا يعطل جزءا من الطاقات البشرية المنتجة، كذلك فإنه يعطل رأس المال عن الدوران والعمل، ويجعل الأموال في أيدي فئة قليلة من المرابين، وفي هذا يقول الدكتور شاخت: "إنه بعملية رياضية متناهية، يتضح أن جميع المال في الأرض صائر إلى عدد قليل جدا من المرابين؛ ذلك أن الدائن المرابي يربح دائما في كل عملية، بينما المدين معرض للربح والخسارة، ومن ثم فإن المال كله في النهاية لا بد - بالحساب الرياضي - أن يصير إلى الذي يربح دائما [4].

وهذا مما لا شك فيه يؤثر على المال المستدان بالربا، والذي لا بد أن يربح ربحا مضمونا، حتى يؤدي الفائدة الربوية ويتبقى منه شيء للمستدين؛ ولذلك فإن المال المستدان بالربا ليس همه أن يقيم أنفع المشروعات للبشرية، بل همه أن يقيم أكثر المشروعات ربحا. بل إنه يحبس المال إذا ما أحس بالخطر، وطمع في نيل نسبة أعلى من الفائدة في المستقبل؛ ولذلك يرى بعض الاقتصاديين أن معدل سعر الفائدة يعطل حركة الأموال نحو الاستثمار في حرية الانطلاق، ويرى أنه إذا أمكن إزالة هذا العائق، فإن رأس المال سيتحرك وينمو بسرعة، وهنا تظهر مضار الربا على الأموال، أما الإسلام فقد حارب هذا الأمر؛ لأنه حرم الفائدة التي تعطل الأموال من ناحية، ومن ناحية أخرى فرض الزكاة على الأموال المختزنة بنسبة 2. 5% فجعل صاحب المال يدفع أمواله إلى السوق، والحركة، والاستثمار، وهذه من إيجابيات الإسلام في محاربته للربا.

الربا يؤدي إلى زيادة الاستهلاك والإسراف:

وفي ظل التعامل بالربا نجد أن فريق المرابين لا يقوم بعمل ولا ينتج سلعة، ولكنه - في الوقت نفسه - يستهلك ما ينتجه الآخرون، فالمرابون هم في واقع الأمر عالة على الطبقة العاملة الكادحة المنتجة يمتصون ثمار جهدهم، وطالما أن هذا الفريق يحصل على المال دون أدنى مجهود فإنهم ينفقونه بسرف، ويوجهون الجانب الأكبر منه في شراء سلع ترفيهية وكمالية.

وقد بين أحد الكتاب أن تجميع الأموال لدى قلة متميزة من الناس من شأنه أن يؤدي إلى الترف والتبذير، والضياع، وميوعة الحياة اللينة؛ ونظرا لتطور وظيفة الإقراض وانتقالها من الأفراد إلى مؤسسات تجارية متخصصة - بعضها محلي والآخر دولي - حيث أصبحت عملية الاقتراض بالربا ميسرة ومنظمة، فإننا نجد على المستوى الدولي، أن بعض الدول قد أسرفت في تبديد أموالها.

ونذكر على سبيل المثال حالة بعض الدول التي انغمست في الدين الربوي من إنفاقه فيما لا يفيد ولا يغني" فقد ذكرت مجلة التايم الأمريكية في الدراسة التي قدمتها عن ديون العالم الثالث أن دولة ليبيريا انغمست في الدين الربوي من أجل استضافة اجتماعات منظمة الوحدة الإفريقية، وأن هناك دولا أخرى أقامت مطارات دولية، وفنادق على درجة كبيرة من البذخ، فجمهورية أفريقيا الوسطى مثلا قامت بإنفاق خمسين مليون دولار أمريكي على حفل تتويج الإمبراطور بوكاسا عام 1977م، ويدعون بعد ذلك أن هذا سيحقق لهم التقدم الاقتصادي، وأن الإسلام عندما يحرم الربا؛ ليخفف عنهم، فإنه يدعوهم إلى التدهور والتخلف الاقتصادي، فأين عقولهم؟!

الربا يؤدي إلى تغيير وظيفة النقود:

إن النظام الربوي القائم على الفائدة قد أدى بالنقود إلى الخروج عن وظيفتها الأصلية كأداة للتبادل ومقياس للقيمة، إلى أن تكون سلعة تباع وتشتري بالإضافة إلى جعلها عللا للاكتناز، ففي ظل النظام الربوي تصبح النقود أداة تنمية للمال عن طريق الفائدة التي يتقاضاها الدائنون من مدينيهم، أو يتقاضاها أصحاب المصارف الربوية التي يودعون أموالهم فيها، وهذا يؤدي إلى الإخلال بالتوازن الاقتصادي العام [5].

أما الإسلام فقد كان حريصا على أن يضع قيودا تحدد بدقة وظيفة النقود، بما ينفع اتخاذها سلعة؛ لأنها ميزان ومعيار تقاس به القيم المختلفة للأشياء، كما يهدف إلى عدم إتاحة الفرصة لاحتجاز جزء من المال أثناء عملية تحريك النقود.

وقد قرر الفقهاء أن النقود معايير يكون بها اعتبار الأثمان، وأنها ما لم تكن مستقرة، فإن الأثمان تفقد ما يكون به اعتبارها.

والنقود في الإسلام ليست سلعة، ولا يمكن أن تكون سلعة؛ لأنها يجب أن تحافظ على وظيفتها الأصلية، وهي أن تكون مقياسا للسلع، ووسيلة للتبادل.

فالنقد لا يلد النقد؛ لأن النقد يجب أن يكون وسيلة للمبادلة، ومعيارا تعرف به أسعار السلع المختلفة، وأما اتخاذه سلعة تباع وتشترى فهو خروج به عن غرضه وابتذال للتجارة في غير مصلحتها. فلهذا حرم الإسلام الربا حتى لا تضيع وظيفة النقود، ويفقد الاقتصاد قيمته، ويتحكم أرباب المال في العالم.

الربا يؤدي إلى توجيه الاقتصاد وجهة منحرفة:

لعل من أهم أضرار الربا أنه يوجه الاقتصاد وجهة منحرفة، فالمرابي لا يقرض ماله إلا لمن يدفع أكثر فائدة، وأيضا آخذ القرض الربوي لا يستثمر هذا المال إلا في المشروعات التي تدر عليه ربحا أكثر مما يقرضه به المرابي، إذن فسلوك كل من المرابي والمستثمر يكون تجاه الربح أينما كان، وبناء على ذلك فإن الأموال توجه إلى المشروعات الأكثر رواجا وإدرارا للربح، دون الأخذ بالمشروعات المهمة والنافعة لأفراد المجتمع؛ لأن هامش الربح في هذه المشروعات يكون منخفضا[6]، وقد أدى هذا إلى انحراف المرابين الذين تتجمع في أيديهم خيوط الثروة العالمية [7].

ونذكر على سبيل المثال أن جانبا كبيرا من الأموال الربوية تستثمر في الترف والفسق - كمشروعات مستحضرات التجميل - وإنشاء نوادي القمار وصالات الرقص، ومشروعات الخمر - لأن هذه المشروعات تعطي عائدا مجزيا عما لو استخدمت في مشروعات إنتاجية؛ لأن المشروعات الإنتاجية تعطي عائدا أقل؛ نظرا لطول فترة الاستثمار.

الربا يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وظهور التضخم:

في ظل التعامل بالربا فإن التجار، وأصحاب المشروعات يديرون أموالهم بالاقتراض بفائدة ثابتة مشروطة، ويقوم هؤلاء بإضافة هذه الفائدة إما إلى ثمن الآلات أو إلى ثمن المواد الخام المشتراة وغير ذلك، ويترتب على ذلك تضخم تكاليف الإنتاج بمقدار تلك الفائدة؛ لأن هؤلاء هدفهم الأساسي زيادة الربح، أو على الأقل تثبيته، وبناء على ما تقدم فإن مقدار الفائدة يضاف إلى السعر النهائي للسلعة، ويتحمله المستهلك، وقد تحدث الشيخ سيد قطب عن مدى ما يصاب به جمهور المستهلكين من الفائدة، فقال: "فإن أصحاب الصناعات، والتجار لا يدفعون فائدة الأموال التي يقترضونها بالربا إلا من جيوب المستهلكين، فهم يزيدونها في أثمان السلع الاستهلاكية، فيتوزع عبؤها على أهل الأرض لتدخل في جيوب المرابين في النهاية"[8]. فهناك علاقة وطيدة بين سعر الفائدة وأسعار السلع والخدمات، فإذا ما ارتفع سعر الفائدة تأخذ أسعار السلع في الارتفاع؛ لأن سعر الفائدة يؤدي بدوره إلى ارتفاع تكاليف إنتاج السلع مما يؤدي إلى ارتفاع آخر في أسعار السلع، وهكذا تدور الدورة، أما لو لم يتعامل الناس بالربا لما وقعوا في هذه المشكلة التي ليس لها علاج إلا بتحريم التعامل بالربا - كما فعل الإسلام - فسبحان من قال: )اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا( (المائدة: ٣)!

ثانيا. تحريم الربا وأثره في الحد من الضغوط التضخمية:

جاء الإسلام؛ ليجعل لرأس المال مقاما وقدرا، ولكنه لا يكسب تلقائيا بمفرده، ولا يكسب دون تعرض للخسارة، وجاء الإسلام بالطريقة المثلى الخالية من الظلم والمغالاة دون إسراف أو تسعف، بلا إفراط ولا تفريط، ولهذا حرم الربا الذي يشترط زيادة على رأس المال بلا جهد مبذول أو عمل، ودون تعرض للخسارة أيضا؛ وذلك من خلال التجارة: )وأحل الله البيع وحرم الربا( (البقرة: ٢٧٥).

وتوصلنا إلى أن النظام الربوي يؤدي في النهاية إلى ارتفاع الأسعار وظهور التضخم، وانتهينا إلى أن الفائدة الربوية أضرت بالمجتمع باعتبارها عنصرا من عناصر نفقة الإنتاج؛ ولذلك يجب أن يعلو معدل الربح على سعر الفائدة حتى يكون المشروع الإنتاجي مقبولا، ولا طريق في ذلك إلا أن يتحمل المستهلك عبء الفائدة متمثلة في ارتفاع سعر السلعة أو الخدمة، ولو افترضنا مجتمعا تتم فيه القروض دون نظام الفائدة؛ أي: عن طريق المشاركات والمضاربات الشرعية، لربحت كثير من المشروعات، ولأقيمت آلاف المشروعات غيرها، ولأخذ كل من شارك في العملية الإنتاجية حقه العادل [9].

وإليك أثر تحريم الربا على التضخم:

تحريم الربا يؤدي إلى انخفاض تكلفة السلع:

في ظل التعامل بالربا يتكالب كل من أصحاب المشروعات والتجار على الاقتراض بفائدة ثابتة مشروطة؛ وذلك لمزاولة أعمالهم ونشاطهم، وهم يستغلون هذا المال المقترض باقتناء عروض قنية[10] تساعد في أداء النشاط، ويضيفون سعر الفائدة إلى ثمن السلعة؛ مما يؤدي إلى تضخم الأسعار، ويعني ذلك أن سعر السلعة قد تحمل بأعباء رأس المال مرتين.

الأولى: وتتمثل في قسط استهلاك عروض القنية.

الثانية: تتمثل في الفائدة على رأس المال الذي أقنيت به عروض القنية.

وهذا يؤدي - من الناحية الاقتصادية - إلى مزيد من ارتفاع تكلفة السلع، ومن ثم زيادة في أسعارها، وقد بين ذلك د. نجاة الله فقال: إن الفوائد المستحقة على قروض البنوك يجب معالجتها كبند من بنود التكلفة التي تؤدي إلى ارتفاع منحنى التكلفة، وتؤثر على سياسة الشركة بالنسبة لتحديد أسعار منتجاتها، وأجور عمالها.. وكلما ارتفعت منحنيات التكلفة دل ذلك على ارتفاع أسعار التوازن، وإيجاد معدلات محدودة للإنتاج.

أما في ظل النظام الإسلامي فلا مكان للفائدة؛ نظرا لأن المشروعات يتم تمويلها وفقا للنظم التمويلية الإسلامية وهي: المضاربة أو المشاركة أو عن طريق بيع المرابحة[11] أو بيع التقسيط، وفي هذه الحالة لا يمكن أن تحمل السلع أعباء الاقتراض بالفائدة، بل إن السلع تتحمل التكلفة الفعلية التي أسهمت في إنتاجها [12].

تحريم الربا يؤدي إلى عدم الإفراط في إصدار النقود:

للبنوك التجارية الربوية سلطة واسعة في اشتقاق النقود، أو إنشاء الائتمان، ويتم ذلك عن طريق فتح اعتمادات لعملاء المصرف بما يسمح لهؤلاء بسحب مبالغ في نطاق الحد الأقصى لهذه الاعتمادات، ويتم ذلك بموجب شيكات لا يستخدمها المستفيدون خاصة للحصول على مبالغ نقدية، وإنما يجيزون بموجبها تسويات لدى المصرف نفسه أو لدى غيره من المصارف، وقد بين أحد الكتاب ذلك فقال: "إن البنوك مصدر خطر اقتصادي بما تقدم عليه أحيانا من إصدار قروض بأضعاف ما لديها، ويترتب على هذا أن تنشأ قوة شرائية وهمية على أساس نقدي مصطنع، وهي ما يسمى بالائتمان التجاري[13] الذي كان موضع نقد عنيف من علماء الاقتصاد، وقد قال الاقتصادي الأمريكي "هنري سيمونز" معلقا على الأزمة الاقتصادية العالمية التي خيمت على أكثر الدول في سنة 1930م وما يليها: "لسنا نبالغ إذا قلنا إن أكبر عامل في الأزمة الحاضرة هو النشاط المصرفي التجاري بما يعمد إليه من إسراف خبيث أو تقتير مذموم في تهيئة وسائل التداول النقدي.

والإسلام - كما بينا من قبل - حرم التعامل بالفائدة، ففي ظل النظام الإسلامي لا تلجأ البنوك إلى خلق النقود عن طريق التوسع في الائتمان، وإنما يحل محل هذه الطرق أساليب الاستثمار الشرعية عن طريق المشاركة والمضاربة، بالإضافة إلى منح القرض الحسن الذي لا ينطوي على أدنى فائدة لكافة المحتاجين من أفراد المجتمع، ولفقهاء المسلمين آراء في تنظيم عرض النقود، ويقوم هذا التنظيم على الصلة الوثيقة للسلطات النقدية في المجتمع بجهاز التمويل، وعدم إصدار نقود إلا بأسباب اقتصادية فعلية لا تؤدي إلى الإضرار بالقيم أو مكاسب البعض على حساب الآخرين [14].

ومن خلال ما سبق نستطيع القول بأن الربا والفائدة ما هو إلا جرثومة فساد، وصاعقة تدمير وخراب في ذاته إذ إنه يحدث اضطرابات متتالية في النظام الاقتصادي، ويشكل عبئا كبيرا على كاهل الأفراد والدولة، كما أنه يسبب أزمات دورية، فهل الإسلام يرضى لأتباعه كل هذا؟! أو أنه يخلق مجتمعا قويا خاليا من المشكلات الاقتصادية؟!

ثالثا. الخلل في الاقتصاد ليس سببه تحريم الربا، بل التعامل بالربا:

يدعي المدعون - بعد كل ما سبق - أن تحريم الربا هو السبب في الخلل الاقتصادي، وهذا زعم لا أساس له من الصحة؛ حيث إن السلوكيات الخاطئة هي السبب في الخلل الاقتصادي الذي نعانيه، فلو ابتعد الناس عن الإسراف والتبذير في الاستهلاك، ولو ضبطت سلوكياتهم، لو أنهم تخلوا عن التنافس المعيب على المظاهر الكاذبة، لصححنا هذا الوضع الاقتصادي المشين، ويجب على الإنسان أن يسأل نفسه دائما: كم أنتج؟! وكم أنفق؟ والعاقل هو من يستهلك أقل مما ينتج [15].

فليس تحريم الربا هو السبب في التدهور الاقتصادي، بل إنه من خلال ما سبق نستطيع القول بأن الربا - وهو من السلوكيات المحرمة ليست الخاطئة فحسب - من أهم أسباب هذا التدهور، وقد صرح رئيس إحدى الدول العربية بأن "اقتراض أربعة مليارات تم سداده بأكثر من عشرين مليارا!! [16].

فهل هذا هو التقدم الاقتصادي أم أنه هو الخلل بعينه؟!

الخلاصة:

  • منخلالماسبقاتضحلناأنالربايحدثاضطراباتمتتاليةفيالنظامالاقتصاديحيثإنهيعطلالطاقاتالبشرية،وهيمنأهمالعواملالفعالةفيالكيانالاقتصادي،ثمإنهيعملعلىتعطيل رأس المال؛ حيث يجعل الأموال في أيدي فئة قليلة من المرابين، ويؤدي إلى زيادة الاستهلاك والإسراف، ويعمل على تغيير وظيفة النقود، بجعلها سلعة تباع وتشتري وجعلها كعامل للاكتناز، ولعل من أهم الأضرار - أيضا - أنه يوجه الاقتصاد وجهة منحرفة، ونذكر على سبيل المثال أن جانبا كبيرا من الأموال الربوية تستثمر في المشاريع المخالفة للشريعة الإسلامية والتي حرمها فقهاء المسلمين، كما يعمل الربا على ارتفاع الأسعار، وظهور التضخم؛ لأن هناك علاقة وطيدة - بالنسبة للمشاريع التي تنشأ بأموال وقروض ربوية - بين سعر الفائدة، وأسعار السلع والخدمات.
  • ولونظرناإلىعظمةالشريعةالإسلاميةحينحرمتالربا،فإنهابذلكعملتعلىانخفاضتكلفةالسلع،ولايخفىمافيهذاالأمرمنالتخفيفعلىالناسوالرأفةوالرحمةبحالهم،أماالتعاملبالربافلايراعيإلاصاحبالمالومصلحتهفقط،وكذلكعندماحرمالإسلام الربا فإنه يعمل على إيجاد مجتمع قوي قادر على النهوض والتقدم نحو الأمام، وهذا - أيضا - يخالف مبدأ التعامل بالربا حيث إنه يخلق مجتمعا ضعيفا فاسدا واهنا كما هو الحال في كثير من الدول التي اقترضت بالربا فازدادت وهنا على وهن.
  • ثمإذاتساءلناعنهذاالخلل الاقتصادي البادي في البلاد، فإن الإجابة تكون: إن السبب في هذا الخلل هو هذا السلوك الخاطئ، وعدم فهم الشريعة الإسلامية.

 

 

 

(*) التبشير العالمي ضد الإسلام، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة النور، القاهرة، 1992م.

[1]. علاج التضخم والركود الاقتصادي في الإسلام، مجدي عبد الفتاح سليمان، دار غريب للطباعة، القاهرة،2002م، ص167.

[2]. علاج التضخم والركود الاقتصادي في الإسلام، مجدي عبد الفتاح سليمان، دار غريب للطباعة، القاهرة،2002م، ص164.

[3]. صحيح: أخرجه الدرامي في سننه، المقدمة، باب من كره الشهرة والمعرفة (537)، والترمذي في سننه، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع (2417)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (126).

[4]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط 13، 1407 هـ/ 1987م، ج1، ص321.

[5]. علاج التضخم والركود الاقتصادي في الإسلام، مجدي عبد الفتاح سليمان، دار غريب للطباعة، القاهرة،2002م، ص168.

[6]. علاج التضخم والركود الاقتصادي في الإسلام، مجدي عبد الفتاح سليمان، دار غريب للطباعة، القاهرة،2002م، ص170.

[7]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط 13، 1407 هـ/ 1987م، ج1، ص320.

[8]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط 13، 1407 هـ/ 1987م، ج1، ص317 وما بعدها.

[9]. علاج التضخم والركود الاقتصادي في الإسلام، مجدي عبد الفتاح سليمان، دار غريب للطباعة، القاهرة،2002م، ص171.

[10]. عروض القنية: يقصد بها العروض غير المعدة للبيع، بل تقتنى للانتفاع بها في تحقيق الربح، مثل: الآلات والعدد، وهي ترادف "الأصول الثابتة"، انظر: مفهوم تكلفة رأس المال المستثمر في الفكر الإسلامي: دراسة مقارنة، د. حسين حسين شحاتة، المجلة العلمية لتجارة الأزهر، العدد الأول، السنة الأولى، ديسمبر 1978م، ص41.

[11]. المرابحة لغة: تحقيق الربح، واصطلاحا: أن يعرف صاحب السلعة المشتري بكم اشتراها، ويأخذ منه ربحا إما على الجملة؛ مثل أن يقول: اشتريتها بعشرة، وتربحني دينارا أو دينارين، وإما على التفصيل، وهو أن يقول: تربحني درهما لكل دينار ونحوه؛ أي إما بمقدار مقطع محدد، وإما بنسبة عشرية.

[12]. علاج التضخم والركود الاقتصادي في الإسلام، مجدي عبد الفتاح سليمان، دار غريب للطباعة، القاهرة،2002م، ص175.

[13]. الائتمان التجاري: أن يعهد الفرد أو الأسرة بمال إلى تاجر يستخدمه في مشروع معين، على أن ينال في نظير هذا جزءا من المكسب.

[14]. علاج التضخم والركود الاقتصادي في الإسلام، مجدي عبد الفتاح سليمان، دار غريب للطباعة، القاهرة،2002م، ص178.

[15]. دائرة معارف الفقه والعلوم الإسلامية، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م، ج6، ص147.

[16]. فوائد البنوك هي الربا الحرام، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1419هـ/ 1999م، ص20.

 

  • الجمعة AM 03:32
    2020-10-30
  • 1292
Powered by: GateGold