المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413336
يتصفح الموقع حاليا : 247

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى أن الزكاة سبب لعدم المساواة بين الغني والفقير عند الله

دعوى أن الزكاة سبب لعدم المساواة بين الغني والفقير عند الله(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن الزكاة في الإسلام تجعل للغني مكانة أسمى عند الله من مكانة الفقير؛ حيث تعطي للغني ميزة الحصول على الثواب من الله بأدائه الزكاة، وتحرم الفقير من هذا الثواب، مع أنه لا ذنب للفقير في فقره!!

وجها إبطال الشبهة:

1) معيار التفاضل بين الناسفي الإسلام هو التقوى والعمل الصالح ، لا الفقر والغني.

2) أوجد الإسلام العديد من العبادات والقربات التي تجعل الفقير في منزلة لا تقل عن منزلة الغني الذي يؤدي الزكاة؛ منها:

  • التسبيح والتحميد والتكبير.
  • زكاةالفطر.
  • قليل الصدقات.

التفصيل:

أولا. معيار التفاضل بين الناس في الإسلام هو التقوى والعمل الصالح:

المعيار الذي اعتمده القرآن في المفاضلة بين الناس بصفة عامة هو معيار التقوى، والعمل الصالح؛ كما في قوله عز وجل: )إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13)( (الحجرات)، والتقوى مفهوم عام يشمل كل عمل يقوم به الإنسان - أيا كان هذا العمل دينيا أم دنيويا - طالما قصد به وجه الله، ونفع الناس، ودفع الأذي عنهم.

يقول الشيخ سيد قطب: "هنالك ميزان واحد تتحدد به القيم ويعرف به فضل الناس: )إن أكرمكم عند الله أتقاكم( (الحجرات: ١٣)، والكريم حقا هو الكريم عند الله، وهو يزنكم عن علم وعن خبرة بالقيم والموازين: )إن الله عليم خبير( (الحجرات: ١٣).

وهكذا تسقط جميع الفوارق، وتسقط جميع القيم، ويرتفع ميزان واحد بقيمة واحدة، وإلى هذا الميزان يتحاكم البشر، وبناء عليه يحصل التمايز، وهكذا تتوارى جميع أسباب النزاع والخصومات في الأرض، وترخص جميع القيم التي يتكالب عليها الناس، ويظهر سبب ضخم واضح للألفة والتعاون: ألوهية الله للجميع، وخلقهم من أصل واحد، كما يرتفع لواء واحد يتسابق الجميع ليقفوا تحته: لواء التقوى في ظل الله... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله - عز وجل - قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء، مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، لينتهين أقوام فخرهم برجال، أو ليكونن أهون عند الله من عدتهم من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن» [1] [2].

فالقرب من الله لا يتوقف على أداء الزكاة، أو غيرها من الشعائر الإسلامية فحسب، بل يتوقف على التوجه العام من جانب الإنسان في كل ما يقوم به في حياته من أعمال، وما يصدر عنه من سلوك ونحوه.

ثانيا. في الإسلام من الأعمال ما يجعل الفقير في منزلة لا تقل عن منزلة الغني الذي يؤدي الزكاة:

ومن هذه الأعمال:

النية في الأعمال:

يعلق الإسلام أهمية كبرى في الأعمال والعبادات على النية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى»[3]. وقال أحد الصحابة: «رجعنا من غزوة تبوك مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا، حبسهم العذر» [4].

 ويعلقالشيخابنعثيمينعلىهذاالحديثقائلا: إنالإنسانإذانوىالعملالصالح،ولكنهحبسهعنهحابس،فإنهيكتبلهالأجر،أجرمانوى. أماإذاكانيعملهفيحالعدمالعذر؛أي: لماأنقادراكانيعمله،ثمعجزعنهفيمابعد،فإنه يكتب له أجر العمل كاملا.

وهذا يعني أن الفقير الذي لا يستطيع إخراج الزكاة، ويتمنى أن لو كان لديه مال ليزكي به فإنه يثاب على هذه النية ما دامت صادقة، وقد يخرج الغنى الزكاة ويقصد من وراء ذلك التظاهر أمام الناس والحصول على مكانة بينهم فلا يثاب على ذلك بشيء.

مع العلم بأن الأعمال في الإسلام تقاس بالنيات أساسا، كما تبرز النسبية في كل الأمور، وفي هذا الصدد قد يكون تصدق الفقير بدرهم واحد أو حتى بتمرة منه معادلا أو يزيد في ثوابه عن تصدق غني بملايين من ماله، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبق درهم مائة ألف درهم، قالوا: كيف؟! قال: كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق بها»[5]، ومع ذلك، فقد وسع الإسلام من مفهوم الصدقة؛ حيث لم يقصرها على التبرع بالمال فقط، وإنما جعل الكلمة الطيبة صدقة، وإماطة الأذي عن الطريق صدقة، ودعاء المسلم لأخيه الغائب صدقة، وطلب العلم صدقة، ومجرد الخروج لطلب الرزق صدقة، والزواج خوفا من الوقوع في المعصية صدقة... إلخ [6].

التسبيح والتحميد والتكبير:

فقد شعر الفقراء في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعجزهم عن أداء الزكاة مثل الأغنياء، ورأوا أن هذا من شأنه أن يعطي للأغنياء ميزة الحصول على الثواب من الله بأدائهم للزكاة، وحرمان الفقراء من هذا الثواب، مع أنه لا ذنب لهم في فقرهم. وقام الفقراء بعرض ما يشعرون به على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأوصاهم بالتسبيح والتحميد والتكبير ثلاثا وثلاثين مرة عقب كل صلاة، وبين لهم أن هذا من شأنه أن يرفع من درجاتهم عند الله ويجعل منزلتهم عنده لا تقل عن منزلة الأغنياء الذين يؤدون الزكاة [7].

فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الفقراء المهاجرين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: «ذهب أهل الدثور[8] بالدرجات العلا والنعيم المقيم؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال؛ يحجون ويعتمرون ويجاهدون ويتصدقون، فقال: ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل صنعكم؟! قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون دبركل صلاة ثلاثا وثلاثين»... وزاد مسلم في روايته: «فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء» [9].

زكاة الفطر:

يتساوى الفقير مع الغني في إخراج زكاة الفطر؛ حيث إنها تجب على كل مسلم غني أو فقير، صغير أو كبير، ذكر أو أنثى، حر أو عبد؛ وذلك لتكون طهرة للصائم مما عسى أن يكون قد وقع فيه من اللغو والرفث [10].

قليل الصدقات:

يفوز الفقير الكريم المتصدق بحب من الله أشد من حبه - عز وجل - للغني الكريم؛ وذلك لما ورد في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - فقال:«يارسول الله أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال: أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغني...» [11] وذلك لأن الفقير يخرج الصدقة، وهو في أشد الاحتياج إليها، وربما تكون هذه الصدقة القليلة التي يخرجها الفقير أفضل عند الله تعالى، وأنفع للناس، من أضعافها يخرجها الغني وهو مراء بها.

ومن ثم، فإذا كان الله قد منح الغني المال ليتصدق، فقد منح الفقير الثواب الأعظم على قليل صدقته، كما فتح الإسلام الأبواب الكثيرة للفقير لكي يلحق بالغني، وذلك يعد من عظمة هذا الدين.

الخلاصة:

  • معيارالتفاضلبينالناسعندالله- عزوجل - هوالتقوىوالعملالصالح؛لقولهتعالى: )إنأكرمكمعنداللهأتقاكمإناللهعليمخبير (13)( (الحجرات)،ويقولالنبيصلىاللهعليهوسلم: «لافضللعربي على أعجمي... إلا بالتقوى». [12] ومفهوم التقوى عام يشمل كل الأعمال سواء كانت دينية أم دنيوية.
  • الإسلامأتاحالفرصللفقيرلينالالمنزلةالتيينالهاالغنيالمؤديللزكاة،فالأعمالفيالإسلامبالنيات،والفقيرالذييودأنيكونغنيافيتصدقبجلماله- فيسبيلالله - سوف ينال أجر المتصدق بنيته الصادقة، وقد يخرج الغني الكثير من المال مرائيا، فلا يثاب على ذلك بشيء.
  • أوصىالنبي- صلىاللهعليهوسلم - الفقراءبالتسبيحوالتحميدوالتكبير،وأخبرهمأنذلكمنشأنهأنيجعلمنزلةالفقيرعنداللهلاتقلعنمنزلةالأغنياءالمزكين.
  • يتساوىالغنيمعالفقيرفيإخراجزكاةالفطر؛وذلكلتكونطهرةللصائم،مماعسىأنيكونقدوقعفيهمناللغووالرفث.
  • قليلالصدقةمنالفقيريحبهاالله- عزوجل - لأنهاتكونعناحتياج،وذلككماوردفيالحديثالشريف.

 

 

 

(*) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427 هـ / 2006م. شبهات حول الإسلام، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط23، 1422هـ/ 2001م. الإسلام بين الحقيقة والادعاء، مجموعة علماء، الشركة المتحدة للطباعة، مصر، 1996م.

[1]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8721)، وأبو داود في سننه، كتاب الأدب، باب في التفاخر بالأحساب (5118)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2965).

[2]. في ظلال القرآن، سيد قطب، دار الشروق، القاهرة، ط13، 1407 هـ/ 1987م، ج6، ص3348.

[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (1)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية" (5036)، واللفظ للبخاري.

[4]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب من حبسه العذر عن الغزو (2683، 2684).

[5]. حسن: أخرجه النسائي في سننه، كتاب الصلاة، باب جهد المقل (2527)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (883).

[6]. الإسلام بين الحقيقة والادعاء، مجموعة علماء، الشركة المتحدة للطباعة، مصر، 1996م، ص81.

[7]. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط4، 1427 هـ / 2006م، ص647.

[8]. الدثور: أصحاب المال الكثير.

[9]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صفة الصلاة، باب من لم يردد السلام على الإمام واكتفى بتسليم الصلاة (807)، ومسلم في صحيحه، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب الذكر بعد الصلاة وبيان صفته (1375).

[10]. فقه السنة، السيد سابق، الفتح للإعلام العربي، القاهرة، ط2، 1419هـ/ 1999م، ج1، ص469.

[11]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الزكاة، باب أي الصدقة أفضل صدقة الشحيح الصحيح (1353)، وفي موضع آخر، ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح (2429).

[12]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، باقي مسند الأنصار، حديث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (23536)، والطبراني في المعجم الأوسط (5/ 86) برقم (4749)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2700).

 

  • الجمعة AM 03:06
    2020-10-30
  • 1302
Powered by: GateGold