المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 411829
يتصفح الموقع حاليا : 298

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى نسخ أحاديث وجوب زكاة الفطر

دعوى نسخ أحاديث وجوب زكاة الفطر(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض الواهمين أن أحاديث وجوب زكاة الفطر وفرضيتها منسوخة بنزول أمر الزكاة، من ذلك حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة». ويستدلون على هذا النسخ بما رواه النسائي وغيره من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله».

وجه إبطال الشبهة:

  • لقدأجمعجلأهلالعلمعلىأنأحاديثوجوبزكاةالفطروفرضيتهاليستمنسوخةألبتةبحديثقيسبنسعد؛فإننزولفرضلايستوجبسقوطفرضآخر،كماأنقولقيس: "لميأمرناولمينهنا" دليلعلىبقاءالحكم،وأنه لم يجر عليه أي تغيير، بالإضافة إلي أن زكاة الفطر تختلف مع الزكاة العامة اختلافا بينا في معناها والحكمة من مشروعيتها، فكيف تكون منسوخة بها؟!

التفصيل:

لقد أجمع جل أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم - على أن أحاديث وجوب زكاة الفطر، ومنها ما رواه ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر، صاعا من تمر، أو صاعا من شعير، على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة»[1] - ليست منسوخة بما رواه النسائي وغيره من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال: «أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله»[2].

قال ابن جرير الطبري فيما حكاه عنه ابن عبد البر في (التمهيد): "قال جل أهل العلم هي (يعني زكاة الفطر) فرض لم ينسخها شيء".

قال الطبري معقبا: "وهو قول مالك، والأوزاعي، والثوري، والشافعي، وأبي حنيفة، وأبي يوسف، ومحمد، وأبي ثور"[3].

ويقول الخطابي معلقا على حديث قيس بن سعد: "هذا لا يدل على زوال وجوبها؛ وذلك أن الزيادة في جنس العبادة لا توجب نسخ الأصل المزيد عليه، غير أن محل سائر الزكوات الأموال، ومحل زكاة الفطر الرقاب"[4].

ويضيف ابن حزم، فيقول: "هذا الخبر حجة لنا عليهم؛ لأن فيه أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر، فصار أمرا مفترضا، ثم لم ينه عنه، فبقي فرضا كما كان.... فبطل تعلقهم بهذا الخبر، وقد قال سبحانه وتعالى:)وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة( (البقرة: 43)، وقد سمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر زكاة، فهي داخلة في أمر الله -عز وجل- بها، والدلائل على هذا تكثر جدا"[5].

ويؤكد ما سبق قول ابن التركماني: "هذا لا يدل على سقوط فرضها؛ لأن نزول فرض لا يوجب سقوط آخر، وقد أجمع أهل العلم على وجوب زكاة الفطر، وإن اختلفوا في تسميتها فرضا فلا يجوز تركها"[6].

ومن ثم، يقول الشيخ محمود عويضة: فهذا الحديث ليس حجة في النسخ بقدر ما هو حجة على من ادعى النسخ، فالحديث يدل بالمنطوق على أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أمر بها قبل أن تنزل الزكاة، وأن هذا الحديث قد قرنها بالزكاة؛ ليشير بذلك إلى أنها زكاة، فتأخذ حكمها - وهذا لا خلاف عليه - وما دام أنها تأخذ حكم الزكاة، وأنها تندرج تحت حكم وجوب الزكاة بلا خلاف بين المسلمين، فإن إبطال هذا الحكم يحتاج إلى نص، ونصهم هذا لا يدل على ما ذهبوا إليه من النسخ، فقول الحديث:«فلما نزلت الزكاة لم يأمرنا ولم ينهنا، ونحن نفعله» يدل على بقاء الحكم، وأنه لم يجر عليه تغيير لا أمر ولا نهي، مع استمرار العمل به عند المسلمين.

أما دعوى النسخ فهي باطلة؛ إذ لو كان النسخ مرادا لقال الحديث: لقد نهانا، أو لم يعزم علينا، أو من شاء فعله منكم، ومن شاء تركه، فلما لم يقل شيئا واستمر الحال على حاله من العمل به، فإن ذلك من أوضح الدلالات على بقاء حكم الوجوب؛ إذ المعلوم بداهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجب عليه أن يكرر أقواله، وتشريعاته بين الفينة والأخرى[7].

اختلاف زكاة الفطر عن زكاة المال:

هنا نتساءل: كيف تكون زكاة الفطر منسوخة بالزكاة العامة، وهي تختلف عنها اختلافا بينا؟!

فقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" أن زكاة الفطر متغايرة عن الزكوات الأخرى في كونها متعلقة بالبدن، بخلاف هذه الزكوات، فإنها متعلقة بالأموال[8].

ولهذا لا يشترط لها ما يشترط للزكوات الأخرى من ملك النصاب[9].

ويؤكد ما سبق أن الإسلام قد شرع هذه الزكاة وفرضها لحكمة جليلة أخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح الذي رواه عنه ابن عباس قال: «فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين...» الحديث[10].

والناظر في هذا الحديث يجد أنه قد تضمن حكمتين لزكاة الفطر:

  • هيطهرةللصائممناللغووالرفث؛فإنالصائمقديعتريهفيصيامهشيءمنلغوالقول،ورفثالكلام،وماشابهذلكمنالمحظورات - وهذاقلمايسلممنمقارفتهصائم - ومنثمجاءتهذهالزكاةفيختامشهررمضانبمثابةغسليتطهربهمنأوضار[11] ما شاب نفسه، أوكدر صومه؛ كي تجبر ما فيه من قصور ونقص، كما هو الحال في جعل الشارع السنن الرواتب مع الصلوات الخمس جبرا لما قد يحدث فيها من غفلة أو خلل أو إخلال ببعض الآداب[12].

وقد شبه بعض الأئمة هذه الزكاة بسجود السهو، قال وكيع بن الجراح: زكاة الفطر لشهر رمضان، كسجدة السهو للصلاة، تجبر نقصان الصوم، كما يجبر السجود نقصان الصلاة[13].

  • هيطعمةللمساكين،وهذهالحكمةتتعلقبالمجتمعمنإشاعةالمحبةوالمسرةفيجميعأنحائه،وخاصةالمساكينوأهلالحاجةفيه،فإنالعيديومفرحوسرورعام،فينبغيتعميمالسرورعلىكلأبناء المجتمع المسلم، فلن يفرح المسكين ويسر إذا رأى الموسرين والقادرين يأكلون ما لذ وطاب، وهو لا يجد قوت يومه في يوم عيد المسلمين؛ لذا اقتضت حكمة الشارع أن يفرض له في هذا اليوم ما يغنيه عن الحاجة وذل السؤال، ويشعره بأن المجتمع لم يهمل أمره، ولم ينسه في أيام بهجته وسروره[14].

ومن خلال العرض السابق يتبين لكل مدع أو واهم أن أحاديث وجوب زكاة الفطر ليست منسوخة ألبتة بحديث قيس بن سعد، كما قال جمهور أهل العلم؛ وذلك لأن هذا الحديث لا يصلح للاستشهاد به على النسخ؛ فإن نزول فرض لا يستوجب سقوط فرض آخر، كما أن قول قيس: «لم يأمرنا ولم ينهنا» دليل على بقاء الحكم، وأنه لم يجر عليه أي تغيير، بالإضافة إلى أن زكاة الفطر تختلف عن الزكاة العامة اختلافا بينا في معناها والحكمة من مشروعيتها، فكيف تكون منسوخة بها؟!!

الخلاصة:

  • لقدأجمعجلأهلالعلمعلىأنأحاديثزكاةالفطروفرضيتها ليست منسوخة ألبتة بشيء.
  • ليسفيحديثقيسبنسعددلالةعلىنسخأحاديثوجوبزكاةالفطر؛إذإننزولفرضلايستوجبسقوطفرضآخر،كماأنقولقيس: «لميأمرناولمينهنا»دليلعلىبقاءالحكم،وأنهلميجرعليهأيتغيير.
  • كيفتكونزكاةالفطرمنسوخةبالزكاة العامة، وهي تختلف عنها في كون الأولى ضريبة على الأشخاص أو الرقاب، والأخرى ضريبة على الأموال؟!
  • إنأهميةزكاةالفطروالحكمةمنمشروعيتهاتردالقولبنسخأحاديثوجوبها؛وذلكلأنهافرضتعلىالصائمطهرةلهمناللغووالرفث،وطعمةللمساكين،فهلمثلهذاينسخ؟!

 

 

 (*) لا نسخ في السنة، د.عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، مصر، ط1، 1415هـ/ 1995م.

[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر، (3/ 430)، رقم (1503). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير، (4/ 1592)، رقم (2242).

[2]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه، كتاب: الزكاة، باب: فرض صدقة الفطر قبل نزول الزكاة، (1/ 406، 407)، برقم (2519). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (2507).

[3]. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، ابن عبد البر، تحقيق: مصطفي بن أحمد العلوي ومحمد عبد الكريم البكري، مؤسسة قرطبة، المغرب، 1986م، (14/ 322، 323).

[4]. معالم السنن شرح سنن أبي داود، الخطابي، المطبعة العلمية، حلب، ط1، 1351هـ/ 1932م، (2/ 47).

[5]. المحلى، ابن حزم، تحقيق: أحمد شاكر، دار التراث، القاهرة، د. ت، (6/ 119).

[6]. السنن الكبرى، البيهقي، وفي زيله: الجوهر النقي لابن التركماني، دائرة المعارف الثقافية، الهند، ط1، 1344هـ، (4/ 159).

[7]. الجامع لأحكام الصيام، محمود عبد اللطيف عويضة، ط2، 2005م، ص356 بتصرف.

[8]. انظر: مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (25/ 69).

[9]. انظر: فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 1406هـ/ 1986م، (2/ 918).

[10]. حسن: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الفطر، (5/ 3)، رقم (1606). وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود برقم (1609).

[11] . الأوضار: الأوساخ.

[12]. انظر: فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 1406هـ/ 1986م،(2/922).

[13]. نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، شهاب الدين الرملي، (9/ 125).

[14]. فقه الزكاة، د. يوسف القرضاوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط16، 1406هـ/ 1986م، (2/ 922،923) بتصرف.

 

  • الاحد PM 03:23
    2020-10-18
  • 1345
Powered by: GateGold