المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412553
يتصفح الموقع حاليا : 323

البحث

البحث

عرض المادة

إنكار الاحتجاج بأخبار الآحاد

إنكار الاحتجاج بأخبار الآحاد(*)

مضمون الشبهة:

 

يدعي بعض المتوهمين أن أخبار الآحاد[1] لا يحتج بها في الدين، زاعمين أنها تفيد الظن لا اليقين باعتراف علماء الحديث أنفسهم، وقد ذم الله - عز وجل - الظن كما في قوله: )إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا( (النجم: 28)، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث».

 

ويستدلون على ذلك: بموقف النبي صلى الله عليه وسلم من خبر ذي اليدين، حيث لم يقبله صلى الله عليه وسلم حتى وافقه عليه الباقون. وكذا توقف الصحابة - رضي الله عنهم - في قبول خبر الواحد، ومن ذلك: توقف أبي بكر الصديق في قبول خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة، حتى تابعه محمد بن مسلمة، وتوقف عمر بن الخطاب في قبول خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان، حتى تابعه أبو سعيد الخدري.

 

ويتساءلون: أليس راوي الحديث هذا بشرا قد ينسى أو يخطئ، وقد تتفاوت كلمات الرواة في نقل حادثة واحدة تبعا لذلك؟! وإذا كنا في شئون الدنيا نستوثق للحقوق، بأن نأخذ بشهادة رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين، فكيف نهبط بنصاب الاستيثاق في شئون الدين عن الدنيا؟! ومن هؤلاء من يدعي قبول خبر الآحاد في الفروع دون الأصول (العقيدة). رامين من وراء ذلك إلى: إسقاط حجية أخبار الآحاد التي تنبني عليها كثير من الأحكام سواء في العقيدة أو الفروع.

 

وجوه إبطال الشبهة:

 

1) إن الظن الراجح الذي يفيد العلم عند المحدثين والفقهاء يختلف عن الظن بمعنى الشك في الآية والحديث، والآحاد من الأخبار هي ما يرويه عدد دون التواتر كالثلاثة أو الاثنين في الطبقة الواحدة، ونادرا جدا ما ينفرد به راو واحد في طبقة واحدة؛ وفي هذه الحالة لا بد أن تتلقاه الأمة بالقبول حتى يجري العمل به، ولا تتلقاه الأمة بالقبول إلا إذا كان عليه أدلة من القرآن والسنة تؤيده كحديث: "الأعمال بالنيات" الذي هو في أعلى درجات الصحة وتؤيد معناه عشرات الآيات والأحاديث الأخرى، إضافة إلى الشروط الصارمة التي وضعها العلماء في قبول خبر الآحاد.

 

2) لقد تضافرت الأدلة العقلية والنقلية الصريحة من القرآن والسنة على حجية خبر الآحاد وكذلك سيرة الصحابة الكرام وإجماع الأمة القائم على العمل بخبر الآحاد الدائم في كل أمور الدين سواء العقدية منها أو التشريعية؛ إذ لا يعقل أن نعتمده في جانب من جوانب الدين ونتركه في جانب آخر، وإلا فماذا لو اجتمع في حديث واحد عقيدة وأحكام، فهل نعتمد ما يخص الأحكام ونترك ما يختص بالعقيدة؟!

 

3) لا يصح قياس الرواية على الشهادة، وذلك أن الرواية شرع عام تكفل الله بحفظه وقيد له من يحفظه ولم يتكفل - سبحانه وتعالى - بحفظ الدماء والأموال؛ فالخوف من الكذب في الشهادة أشد، كما أن توثيق الرواة وتعديلهم عمل قام عليه أفذاذ النقاد، أما الشهود فلا يتوفر في تعديلهم مثل ذلك أبدا.

 

4) كان توقف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة - رضي الله عنهم - من بعده في قبول خبر الواحد زيادة في التثبت والاستيثاق، ولم يكن ردا لحجية خبر الواحد في الفروع، بدليل أن هذا التوقف لم يكن مطردا، بل كان نادرا لما قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم والصحابة - رضي الله عنهم - قبولهم أخبار آحاد كثيرة دون توقف.

 

التفصيل:

 

أولا. اختلاط المفاهيم والمصطلحات:

 

  • أخبارالآحاد:

 

ينقسم الحديث من حيث عدد رواته إلى: متواتر وآحاد.

 

فالمتواتر: ما رواه جمع تحيل العادة تواطؤهم على الكذب أو صدوره منهم اتفاقا من غير قصد، ويستمر ذلك من أوله إلى آخره ويكون مرجعه إلى الحس من مشاهد أو مسموع أو نحوهما[2].

 

والآحاد أو خبر الواحد: هو مالم تجتمع فيه شروط المتواتر، فيشمل ما رواه واحد في طبقة أو في جميع الطبقات، وما رواه اثنان، وما رواه ثلاثة فصاعدا، ما لم يصل إلى عدد التواتر.

 

وينقسم إلى:

 

مشهور: وهو ما رواه ثلاثة فصاعدا - في كل طبقة - ولم يصل إلى حد التواتر.

 

عزيز: ما لا يرويه أقل من اثنين في جميع الطبقات وقد يزيد في بعض طبقاته على الاثنين.

 

غريب: هو ما ينفرد بروايته راو واحد إما في كل طبقة من طبقات السند أو في بعضها. ومثاله: «حديث إنما الأعمال بالنيات» فهو حديث فرد غريب في أوله، مستفيض في آخره، وهو صحيح[3].

 

ومن هذا يتضح أن خبر الآحاد ليس كما يفهمه الناس أنه هو الخبر الذي انفرد به راو واحد؛ إذ هذا قسم من أقسامه الثلاثة لذلك كانت أخبار الآحاد هي القسم الأكبر في السنة النبوية؛ لأن المتواتر وخاصة اللفظي قليل، بالنسبة إلى مجموع ما روي فيها.

 

وبهذا أيضا تتبين خطورة الدعوة إلى إنكار حجية أخبار الآحاد والهدف من ورائها هو هدم للسنة كلها؛ إذ هدم أغلبها هو هدم لها، وفي هذا يقول الدكتور يوسف القرضاوي: "على أن كثيرا ممن يتناولون هذا الأمر - يعني إنكار حجية خبر الواحد - لا يدركون معنى حديث الآحاد ويحسبون أنه الذي رواه واحد فقط، وهذا خطأ فالمراد بحديث الآحاد ما لم يبلغ درجة التواتر وقد يرويه اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر من الصحابة وأضعافهم من التابعين"[4].

 

يقول الدكتور أبو زهرة: "ويشترط لقبول خبر الآحاد العدالة والضبط، وأن يكون الراوي قد سمع الحديث عمن يرويه عنه بأن يكون اللقاء بينهما ثابتا، وألا يكون في متن الحديث شذوذ بألا يكون مخالفا للمقرر الثابت عند أهل الحديث، أو ما علم من الدين بالضرورة، أو مخالفا للقطعي من القرآن.

 

وإن العدالة معناها ألا يكون معروفا بالكذب، وأن يكون مؤديا للفرائض منتهيا عن النواهي في الدين، فلا يقبل رواية في الدين ممن لا يتحرج من مخالفة أوامر الدين ونواهيه. ومن العدالة ألا يكون صاحب بدعة في الدين يدعو إليها.

 

وأما الضبط فقد فسره فخر الإسلام البزدوي بقوله: أما الضبط فإن تفسيره هو سماع الكلام كما يحق سماعه، ثم فهمه بمعناه الذي أريد به، ثم حفظه ببذل المجهود له، ثم الثبات عليه بمحافظة حدوده، ومراقبته بمذاكرته على إساءة الظن بنفسه إلى حين أدائه، وهو نوعان: ضبط المتن بصيغته ومعناه، والثاني أن يضم إلى هذه الجملة ضبط معناه، فقها وشرعا وهذا أكملها، والمطلق من الضبط يتناول الكامل؛ ولهذا لم يكن خبر من اشتدت غفلته خلقة أو مسامحة ومجازفة حجة لعدم القسم الأول من الضبط، ولهذا قصرت رواية من لم يعرف بالفقه عند معارضة من عرف بالفقه في باب الترجيح"[5].

 

وهذه الشروط التي ذكرها الشيخ أبو زهرة عن العلماء، منها ما هو في راوي الحديث, ومنها ما هو في متن الحديث.

 

أما الشروط الخاصة براوي الحديث فنستطيع أن نفصلها من كلامه على النحو التالي:

 

  1. العدالة.

 

  1. الضبط.

 

  1. أن يكون فقيها.

 

  1. أن يعمل الرواة بما يوافق الخبر ولا يخالفه.

 

  1. أن يؤدي الحديث بحروفه.

 

  1. أن يكون عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ.

 

وأما الشروط الخاصة بالحديث فهي:

 

  1. أن يكون متصل السند برسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

  1. خلوه من الشذوذ والعلة.

 

  1. ألا يخالف السنة المشهورة؛ قولية كانت أو فعلية.

 

  1. ألا يخالف ما كان عليه الصحابة والتابعون، وألا يخالف عموم الكتاب أو ظاهره.

 

  1. ألا يكون بعض السلف قد طعن فيه.

 

  1. ألا يشتمل الحديث على زيادة في المتن أو السند انفرد بها راويه عن الثقات.

 

وهكذا احتاط العلماء في قبول خبر الواحد، فاشترطوا له الشروط الكافية، ووضعوا لراويه الصفات اللازمة التي تجمع بين الثقة في الدين والصدق في الحديث[6].

 

وإذا كان خبر الواحد يتوفر فيه وفي راويته مثل هذه الشروط، فهل من المعقول أن يقال إنه لا يحتج به في أمور العقيدة؟

 

إن هذه المقاييس الدقيقة، والشروط القوية المحكمة التي وضعها علماء الحديث، والتي لا تعرف الدنيا مثيلا لها، تدفع كل محاولة يحاول أعداء السنة إلصاقها بالحديث النبوي.

 

وبهذه الشروط يتضح معنى قول العلماء: إن حديث الآحاد يفيد العلم الظني الراجح ومعنى قولهم: إن الأمة تلقته بالقبول أي في الطبقة التي تلي التابعين ولذا وجب العمل به إن لم يعارضه معارض.

 

ولقد كان الأئمة أبو حنيفة والشافعي وأحمد يأخذون بأخبار الآحاد إذا استوفت شروط الرواية الصحيحة، بيد أن أبا حنيفة اشترط مع الثقة بالراوي وعدالته ألا يخالف عمله ما يرويه، واشترط الإمام مالك - رضي الله عنه - في الأخذ بخبر الآحاد ألا يخالف ما عليه أهل المدينة؛ لأنه يرى أن ما عليه أهل المدينة في الأمور الدينية هو رواية اشتهرت واستفاضت، فهو كشيخه ربيعة الرأي يرى أن عمل أهل المدينة في أمر ديني هو رواية ألف، عن ألف، عن ألف حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا خالفها خبر آحاد كان ضعيف النسبة للرسول فتقدم عليه فهو تقديم مشهور مستفيض متواتر على خبر آحاد في نظر مالك - رضي الله عنه -، وليس ردا مجردا لخبر الآحاد.

 

وبذلك ننتهي إلى أن الأئمة الأربعة يأخذون بخبر الآحاد ولا يردونه ومن يرده في بعض الأحوال فلسبب رآه يضعف نسبته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، أو لمعارضته لما هو أقوى منه سندا في نظره[7].

 

ومما تجدر الإشارة إليه أن الأمة لاتتلقى الخبر بالقبول إلا بعد توفر شروط الصحة فيه، وكذلك توافر الأدلة عليه من الكتاب والسنة، واعتماد العمل عليه من عهد الصحابة فمن بعدهم، فمثلا حديث: «إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه»[8].

 

فهذا الحديث قد تحققت فيه شروط الصحة، بل هو في أعلى درجات الصحة؛ لذا رواه البخاري ومسلم، رغم أنه حديث آحاد بل فرد في أربع طبقات، حيث تفرد به عمر بن الخطاب فلم يصح إلا عنه، وتفرد به علقمة بن وقاص الليثي فلم يصح إلا عنه عن عمرـ رضي الله عنه -، وتفرد به محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة، وتفرد به يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم، ثم اشتهر عن يحيى بن سعيد بعد ذلك، قال ابن حجر: "وقد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث: قال أبو عبد الله البخاري: ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث... وذكر أبو جعفر الطبري أن هذا الحديث لا يروى عن عمر إلا من رواية علقمة، ولا عن علقمة إلا من رواية محمد بن إبراهيم، ولا عن محمد بن إبراهيم إلا من رواية يحيى بن سعيد...

 

ثم يعلق ابن حجر على ذلك بقوله: "وهو كما قال، فإنه إنما اشتهر عن يحيى بن سعيد وتفرد به من فوقه وبذلك جزم الترمذي والنسائي والبزار وابن السكن وحمزة بن محمد الكناني، وأطلق الخطابي نفي الخلاف بين أهل الحديث في أنه لا يعرف إلا بهذا الإسناد، وهو كما قال لكن بقيدين:

 

أحدهما: الصحة لأنه ورد من طرق معلولة ذكرها الدارقطني وأبو القاسم بن منده وغيرهما.

 

ثانيهما: السياق لأنه ورد في معناه عدة أحاديث صحت في مطلق النية كحديث عائشة وأم سلمة عند مسلم «يبعثهم الله على نياتهم»[9]، وحديث ابن عباس «ولكن جهاد ونية»[10]، وحديث أبي موسى: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله»[11] متفق عليهما... [12].

 

بل لقد ورد في معنى هذا الحديث آيات بينات من القرآن الكريم كقوله تعالى: )قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (110)( (الكهف: ١١٠). قال تعالى:)وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة (5)( (البينة). وقال تعالى: )لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم( (الحج: ٣٧). إلى غير ذلك من الآيات التي يتعذر حصرها في هذا المعنى.

 

وبناء على ذلك نستطيع أن نجزم بأن كل حديث آحاد حكم العلماء بصحته فهو صحيح منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو من الوحي الإلهي، وكذلك يتضح لدينا مصطلح الظنية الذي أطلقه العلماء على حديث الآحاد بقولهم: "إنه يفيد العلم أو الظن الراجح" أي يفيد إدراك الطرف الراجح، وهذا بلا شك يختلف تماما عن الظن الذي يعني الشك والتردد أو الكذب.

 

وأما استدلالهم بالظن الوارد في قوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث»[13]. وفي قوله تعالى: )إن يتبعون إلا الظـن وإن الظـن لا يغنـي من الحـق شيئـا (28)( (النجم). فالظن في اصطلاحات العلوم المختلفة يرد بمعان كثيرة وليس كله مذموما بل منه المحمود كما سنوضحه.

 

  • الفرقبينالظنالمذمومومصطلحالظنيةعندالفقهاءوالمحدثين:

 

مما سبق يتضح أن هذا الربط بين الظن المذموم الذي ورد في الآية الكريمة والحديث الصحيح المستدل بهما من قبل المتوهمين وبين مصطلح الظنية الذي أطلقه علماء الحديث على أخبار الآحاد - هذا الربط من أفرى الفرى؛ لأن المقصود بالظن الوارد في الآية الكريمة والحديث الشريف, غير الظن الذي وصف به خبر الآحاد على لسان أئمة المسلمين من الفقهاء والمحدثين والأصوليين.

 

فالمقصود بالظن الوارد في قوله عز وجل: )وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا (28)( (النجم), هو ترك الحق الثابت قطعا واتباع الظن الذي لا دليل عليه، والذي لا يدفع شيئا من هذا الحق الثابت [14]؛ إذ الآية تتحدث عن ادعاء الكفار أن الملائكة إناث, وأنهم بنات الله, وأن الله اصطفى البنات على البنين, يقول عز وجل: )إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأنثى (27) وما لهم به مـن علـم إن يتبعـون إلا الظـن وإن الظـن لا يغنـي من الحق شيئا (28)( (النجم).

 

فهذا إنكار من الله - عز وجل - على المشركين في تسميتهم الملائكة تسمية الأنثى, وجعلهم بنات الله عز وجل؛ ولهذا قال عز وجل: )وما لهم به من علم( (النجم: 28) أي: ليس لهم علم صحيح يصدق ما قالوه, بل هو كذب وزور وافتراء, وكفر شنيع, لهذا فإن ظنهم هذا لا يجدي شيئا ولا يقوم أبدا مقام الحق[15].

 

أما الظن الوارد في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»[16]، فإن المراد منه النهي عن ظن السوء, والمحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه, ويستقر في قلبه, دون ما يعرض في القلب ولا يستقر, فإن هذا لا يكلف به.

 

هذا عن المقصود بالظن في الآية الكريمة والحديث الذي استدل به هؤلاءالمدعون, أما عن حقيقة الظن المنسوب لأخبار الآحاد فإننا نوضح أولا أن الظن في القرآن الكريم قد ورد على أربعة أوجه:

 

فورد بمعنى: اليقين في عشرة مواضع منها قوله عز وجل: )الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون (46)( (البقرة: ٤٦). أي يوقنون أنهم ملاقو ربهم، وقوله عز وجل: )إني ظننت أني ملاق حسابيه (20)( (الحاقة: ٢٠).

 

وورد بمعنى: الشك في مواضع منها: قوله عز وجل: )إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين (32)( (الجاثية: ٣٢).

 

وورد بمعنى: التهمة، كما في قوله عز وجل: )وظننتم ظن السوء( (الفتح: ١٢)، وقوله تعالى: "وما هو على الغيب بظنين" (التكوير: ٢٤) على قراءة الظاء، أي: ما محمد على ما أنزله الله إليهم بمتهم.

 

وورد بمعنى: الحسبان، كما في قوله عز وجل: )إنه ظن أن لن يحور (14)( (الانشقاق: ١٤) أي: إنه حسب أن لن يرجع، أي: أن لن يبعث.

 

ومن هذه الآيات يتضح أن لفظ "ظن" له عدة معان، فهو ليس بمعنى الشك دائما، وإنما قد يأتي بمعنى اليقين، فحينما يمدح الله عباده الصالحين هل يعقل أن يمدحهم بالشك في الحساب والمعاد؟ لا، وعليه فالظن في قوله عز وجل: )واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين (45) الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم وأنهم إليه راجعون (46)( (البقرة) - هو بمعنى اليقين، وهو يختلف تماما عن "ظن" بمعنى "شك" والتي في قوله - عز وجل - عن الكافرين: )وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين (32)( (الجاثية) حيث أكدوا معنى الظن، بأنهم يشكون في البعث بعد الموت، وليسوا بمستيقنين[17].

 

وعليه فليس معنى الظن دائما الشك، بل قد يتطرق لمعان أخرى يحددها السياق القرآني، فهو ليس مذموما كله، ولكن المذموم فيه هو الظن السيء، كما قال عز وجل: )إن بعض الظن إثم( (الحجرات: ١٢)، وهذه الآية تدل دلالة قاطعة على أن بعض الظن حق وصواب، وهو ما عناه علماء الحديث، والظن الذي تفيده الأحاديث والسنن هو الظن الممدوح الذي يكفي حصوله في امتثال الأمر، واجتناب النهي، وعلى ذلك تنزلت آلاف الأحكام الفقهية في هذه الشريعة الرحيمة[18].

 

ويؤكد ما ذهبنا إليه أقوال أهل اللغة في تحديد المعنى الدقيق لكلمة الظن حيث أوضحوا أنه يدور حول إدراك الطرف الراجح حتى قارب اليقين, فهذا هو أبو هلال العسكري يعرف الظن بأنه: رجحان أحد طرفي التجويز, والشك استواء طرفي التجويز.

 

فقد جاء في لسان العرب: الظن: شك ويقين إلا أنه ليس بيقين عيان، إنما هو يقين تدبر... و "طلبت الدنيا من مظان حلالها" أي: المواضع التي يعلم فيها الحلال... وإنه لمظنة أن يفعل ذاك؛ أي خليق من أن يظن به فعله"[19].

 

وقال القرطبي: ويستعمل فيما لم يخرج إلى الحس بعد، مثل قوله تعالى: )فظنوا أنهم مواقعوها( (الكهف: ٥٣)... فلا يقال في رجل مرئي حاضر: أظن هذا إنسانا[20].

 

ويقول الفيروزآبادي: الظن: علم يحصل من مجرد إمارة, ومتى قويت أدت إلى العلم, ومتى ضعفت جدا لم يتجاوز حد التوهم[21].

 

ونسوق قولا للزبيدي في تعريف الظن، حيث يقول: الظن: التردد الراجح بين طرفي الاعتقاد غير الجازم[22].

 

ويقول ابن سيده: الظن: هو شك ويقين, إلا أنه ليس بيقين عيان, إنما هو يقين تدبر, فأما يقين العيان, فلا يقال له إلا علم[23].

 

ويقول الأزهري: الظن: يقين وشك[24].

 

وواضح من تلك التعريفات لأهل اللغة أن الظن ليس شكا, وإنما هو ترجيح أحد الطرفين, وعليه فحينما يقول أحد العلماء: إن خبر الواحد يفيد الظن, فمعناه أنه يترجح عنده ما حكاه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا انضاف إلى قرائن أخرى ارتقى الظن إلى العلم,فإذا ثبت ضبط الراوي وعدالته ارتقى إلى العلم, وإذا تلقته الأمة بالقبول فهذا يفيد العلم, وإذا قبله علماء الحديث فهذا يفيد العلم, ومن ثم فلا خلاف بين القائلين بإفادة خبر الآحاد العلم, والقائلين بإفادته الظن إلا في شعرة دقيقة (وهو خلاف لفظي) ومع ذلك فهم جميعا متفقون على حجية خبر الآحاد, ووجوب العمل به[25].

 

ونخلص مما سبق إلى أن الظن الوارد في الآية الكريمة والحديث الشريف - المستدل بهما - هو من الظن المذموم، أما ما عناه علماء الحديث في وصف حديث الآحاد فهو الظن المحمود (أي إدراك الطرف الراجح) وهو يختلف عن الشك، كما أكد ذلك علماء اللغة.

 

ثانيا. حجية خبر الآحاد:

 

بداية نحب أن نشير إلى أن خبر الآحاد حجة في العقيدة والفروع على السواء ولم يفرق أحد من العلماء في ذلك بين الأصول والفروع. كما سنوضحه بالأدلة القاطعة كالتالي:

 

  1. الأدلة على حجية خبر الآحاد من القرآن:

 

 إن القرآن الكريم في آيات كثيرة قد دلل على حجية خبر الآحاد، وهذه الآيات لم تفرق في تلك الدلالة بين الأصول (العقيدة) أو الفروع، ومن هذه الآيات:

 

قوله عز وجل:)وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون (122)( (التوبة).

 

والطائفة من الشيء جزء منه، فهي تطلق على الرجل الواحد فما فوقه[26]، وفي هذه الآية أخبرنا الله أن تخرج طائفة من كل فرقة، ولو كان رجلا واحدا، لتتعلم العلم وتعلمه لقومها، وهذا العلم مطلق، يشمل العقائد والتشريعات، ولم يخرج منها ما يخص العقائد، وهذه الطائفة مصدقة فيما تقول، وفي هذا دليل على قبول خبر الواحد.

 

  • وقولهعزوجل: )وجاءمنأقصىالمدينةرجليسعىقال يا قوم اتبعوا المرسلين (20)( (يس) ففي هذه الآية يثبت المولى - عز وجل - أنه يقبل خبر الواحد في تبليغ أمور العقيدة، ومنها اتباع المرسلين، وما يأتون به من الأمر بعبادة الله وحده الذي فطرهم وإليه يرجعون.

 

  • وقولهأيضا): واضربلهممثلاأصحابالقريةإذجاءها المرسلون (13) إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون (14) قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا وما أنزل الرحمن من شيء إن أنتم إلا تكذبون (15)( (يس).

 

قال الشافعي بعد ذكره هذه الآية: "فظاهر الحجج عليهم باثنين، ثم ثالث، وكذا أقام الحجة على الأمم بواحد، وليس الزيادة في التأكيد مانعة أن تقوم الحجة بالواحد، إذ أعطاه ما يباين به الخلق غير النبيين"[27].

 

وفي هذه الآية دليل قوي على أن أخبار الآحاد يؤخذ بها، سواء كان راويها واحدا أو اثنين أو ثلاثة، وهو ما دون المتواتر، ولو كانت غير مقبولة كما يزعمون لما اعتمد الله تعالى عليها في تبليغ الدعوة لهذه القرية.

 

وهذه الآيات وغيرها كثير تثبت حجية خبر الآحاد، فإذا كان القرآن نفسه أقر العمل بخبر الآحاد والأخذ به، فكيف لا نأخذ به نحن في السنة النبوية المطهرة?!

 

ثم إن القرآن الكريم جاء بآيات كثيرة تأمر باتباعه صلى الله عليه وسلم وتحث على طاعته، وتحذر من مخالفته، وكل هذه الآيات عامة في الأخذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون أن تشترط في السند التواتر أو الآحاد، فمثلا قوله تعالى: )وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا( (الحشر: ٧).

 

فيه أمر عام بالأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم في كل ما جاءنا عنه، أمرا كان أو نهيا؛ لم ينص القرآن على الطريق المعتبرة في النقل عنه صلى الله عليه وسلم لا بالتواتر، ولا الآحاد.

 

ولو أن خبر الواحد لا يؤخذ به لبين لنا الله - عز وجل - أن نأخذ بما تواتر عنه صلى الله عليه وسلم فقط، ونترك ما سواه، ولكن هذا لم يحدث.

 

ومن ثم يظهر أن اشتراط التواتر في الحديث حتى يعمل به هو تحكم لم يرد شيء في القرآن يؤكده أو يزكيه. فإذا كان منكرو السنة يؤمنون بالقرآن كما يدعون فعليهم أن ينصاعوا لأوامره.

 

  1. حجية خبر الآحاد من السنة:

 

وأما السنة النبوية فقد دل كثير من أخبارها على اعتبار خبر الآحاد وحجيته، فقد روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «بينا الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة»[28].

 

فنجد في هذا الحديث أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبلوا خبرا عظيما من واحد؛ لعلمهم بجواز الأخذ بخبر الواحد إذا توافرت فيه شروط نقل الخبر، واستداروا إلى الكعبة، وما قالوا له لا بد من أن تأتينا بكافة حتى نصدقك... كلا بل قالوا بلسان الحال سمعنا وأطعنا.

 

قال الشافعي تعقيبا على هذا الحديث في سياق إثبات حجية خبر الواحد: وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وفقه، وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالها، ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة، ولم يلقوا رسول الله، ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة، فيكونوا مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعا من رسول الله ولا بخبر عامة، وانتقلوا بخبر واحد إذا كان عندهم من أهل الصدق: عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي أنه أحدث عليهم من تحويل القبلة.

 

ولم يكونوا ليفعلوه - إن شاء الله - بخبر إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله إذا كان من أهل الصدق، ولا ليحدثوا أيضا مثل هذا الحدث العظيم في دينهم إلا عن علم بأن لهم إحداثه، ولا يدعون أن يخبروا رسول الله بما صنعوا منه.

 

ولو كان ما قبلوا من خبر الواحد عن رسول الله في تحويل القبلة - وهو فرض - مما لا يجوز لهم؛ لقال لهم رسول الله: قد كنتم على قبلة، ولم يكن لكم تركها إلا بعد علم تقوم عليكم به حجة من سماعكم مني أو خبر عامة، أو أكثر من خبر واحد عني[29].

 

ومنها ما أخرجه البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينه وبين الله حجاب»[30].

 

فالحديث صريح في الدعوة إلى الإيمان بالله، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وجاءت في طليعة وصية الرسول لمعاذ بالتبليغ عنه، مع الدعوة إلى ما ورد في الحديث من أحكام، فكانت مهمته تتعلق بالدعوة إلى العقيدة، وأحكام الشريعة، وهذا الحديث آحاد. فلماذا لم يعترض أهل اليمن على معاذ, ويقولون لا نصدقك ولا نعمل بقولك حتى تأتينا بمن يشهد معك؟! وكيف يتسنى للنبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل فردا واحدا، ويرضى ذلك إلا إذا كان خبر الواحد حجة؟!

 

فلو لم تقم الحجة بخبر معاذ وحده في العقيدة والشريعة، لما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل هذا على أن خبر الواحد يحتج به في العقائد. فضلا عن الشرائع.

 

وعلى هذا فإن في هذا الحديث دليلا على قبول خبر الواحد، ووجوب العمل به[31].

 

وأخرج البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «إن وفد عبد القيس لما أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من الوفد؟ قالوا: ربيعة، قال: مرحبا بالوفد والقوم غير خزايا ولا ندامى، قالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك كفار مضر، فمرنا بأمر ندخل به الجنة ونخبر به من وراءنا، فسألوا عن الأشربة، فنهاهم عن أربع، وأمرهم بأربع، أمرهم بالإيمان بالله، قال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأظن فيه صيام رمضان وتؤتوا من المغانم الخمس, ونهاهم عن: الدباء، والحنتم، والمزفت، والنقير، وربما قال المقير، قال: احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم»[32].

 

قال ابن حجر في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: «احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم»: فإن الأمر بذلك يتناول كل فرد، فلولا أن الحجة تقوم بتبليغ الواحد ما حضهم عليه[33].

 

والحديث يثبت حجية أخبار الآحاد في العقيدة والفروع على السواء، إذ مما سيبلغ كل واحد ممن أوصاهم صلى الله عليه وسلم الدعوة إلى الإيمان بالله ورسوله، وهما من أصول الاعتقاد، فدل هذا على أن منهج السلف الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقائد والأحكام، دون التفريق بين الأحاديث المحتج بها وبين مواضع الاحتجاج فيها[34].

 

وأخرج البخاري في صحيحه عن يحيى بن قزعة: حدثني مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: «كنت أسقي أبا طلحة الأنصاري وأبا عبيدة بن الجراح وأبي بن كعب شرابا من فضيخ[35] وهو تمر، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها، قال أنس: فقمت إلى مهراس[36] لنا فضربتها بأسفله حتى انكسرت»[37].

 

"وهؤلاء في العلم والمكان من النبي صلى الله عليه وسلم وتقدم صحبته بالموضع الذي لا ينكره عالم. وقد كان الشراب عندهم حلالا يشربونه فجاءهم آت وأخبرهم بتحريم الخمر فأمر أبو طلحة وهو مالك الجرار بكسر الجرار ولم يقل هو ولا هم ولا واحد منهم: نحن على تحليلها حتى نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قربه منا أو يأتينا خبر عامة، وذلك أنهم لا يهرقون حلالا إهراقه سرف وليسوا من أهله.

 

والحال في أنهم لا يدعون إخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوا ولا يدع لو كان ما قبلوا من خبر الواحد ليس لهم: أن ينهاهم عن قبوله"[38].

 

وجاء عن عبد الله بن مسعود عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه فرب مبلغ أحفظ له من سامع»[39].

 

"فلما ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم - إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها - امرأ يؤديها والامرؤ واحد - دل على أنه لا يأمر أن يؤدى عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه؛ لأنه إنما يؤدى عنه حلال، وحرام يجتنب، وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا"[40].

 

فلما دعا صلى الله عليه وسلم بنضارة الوجه المنبئة عن رضوان الله تعالى، دعا بذلك لمن بلغ عنه حديثا، وهذا يدل على قيام الحجة بخبر الواحد، وإلا لما طلب صلى الله عليه وسلم من الواحد أن يبلغ؟ وإنما كان يكلف الجماعة الموجبة للتواتر؟! ولما لم يأمر بالجماعة وأمر بالواحد دل على قيام الحجة بخبر الواحد[41].

 

 وبتدقيق النظر في هذا الحديث نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين أحاديث العقيدة وبين غيرها, وإنما كان دعاؤه موجها لمن بلغ عنه حديثا بصفة عامة دون تخصيص لنوع معين من الأحاديث، فهل نقول بعدم الأخذ بخبر الواحد في أمور العقيدة، والأخذ به فيما سواه. وهو صلى الله عليه وسلم لم يخصص أحاديث بعينها.

 

  1. الأدلة العقلية على حجية خبر الآحاد:

 

إن القرآن الحكيم في صريح لفظه ومعناه، جعل الظن المجرد أساسا لبعض الأحكام الشرعية، وذلك كما في قوله عز وجل: )فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعقلون (230) ((البقرة).

 

وبالنظر إلى هذه الآية نجد أن الله تعالى، قد أباح للزوجين اللذين بينهما طلاق أن يعودا إلى الاقتران مرة أخرى، إذا ظن كل منهما استقرار الحياة الزوجية الجديدة، فبنى الحكم هنا على الظن لا اليقين.

 

ومن المعلوم عموم بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، وليس في إمكانه مشافهة الجميع، ولا أن يبعث إلى كل جهة عددا يبلغون حد التواتر، فلم يبق إلا الاكتفاء بالآحاد، فلو لم يجب على الأمة العلم بأخبارهم لم يحصل التبليغ، ولم يكن لبعثهم فائدة"[42].

 

ثم إن العقل والمنطق السليمين المجردين من الهوى والزيغ ليقبلان خبر الآحاد الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دون اشتراط حد التواتر فيه, فمن المستحيل أن يسير الرسول صلى الله عليه وسلم في كل أحيانه مع مجموعة من الصحابة لا يقل عددهم عن التواتر المعروف، ولا يتركونه في حله وترحاله، وفي نومه ويقظته، وذلك لينقلوا لنا سنته صلى الله عليه وسلم حتى تكون كلها متواترة لا آحادا.

 

ولذلك كان الصحابة يتناوبون المجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يخبر الشاهد الغائب، وربما يسمع الحديث من النبي صلى الله عليه وسلم جمع من أصحابه، ولكن لا يبلغه إلا واحد منهم إذ لم تأت مناسبة لأحدهم أن يذكره إلا لهذا الفرد بعينه.

 

كما أننا لو قلنا: إن الأحكام لا تثبت بخبر الواحد - كما يزعمون - لاختلف المسلمون فيما يجب عليهم من أحكام فمن سمع منه صلى الله عليه وسلم حكما لزمه، أما من لم يسمعه فإنه لا يلزمه إذا كان آحادا مما يجعل الصحابة والناس من بعدهم مختلفين في أحكام دينهم[43].

 

وقد كانت زوجاته - رضي الله عنهن - يروين عنه ما يحدث في حجراتهن من أموره صلى الله عليه وسلم، كل منهن على حدة، ويستحيل أن يرويها غيرهن من الصحابة، وهذه الأمور هل نتركها لأن راويها واحد؟! إن هذا ما لا يقبله العقل السليم.

 

ونخلص من ذلك إلى أن خبر الآحاد ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الأمة والعقل السليم، والعمل قائم عليه في الأصول والفروع على حد سواء، فلماذا لا نأخذ به؟!

 

أما سيرة الصحابة، فهي تؤكد بجلاء أنهم كانوا يعملون بخبر الآحاد في العقيدة؛ إذ كانوا يحدثون بعضهم بعضا بما يشاهدون، أو يسمعون من الرسول صلى الله عليه وسلم ويتناقلون أحاديثه بينهم، ويبلغون بعضهم بعضا في غياب بعضهم عن السماع منه مباشرة، ولم يقل أحد منهم لمن حدثه بحديث غاب عنه: إن حديثك حديث واحد، لا أقبله منك حتى يكون معك غيرك، أو حتى يتواتر، أو أن هذا الحديث الذي أسمعه منك وحدك هو في موضوع العقيدة, فلا أقبله منك حتى أسمعه من عدد التواتر، بل إنهم جميعا كانوا يقبلون مصدقين بعضهم بعضا، سواء تعلق الخبر بالعقائد أو بالأحكام.

 

إذا كان تجريح من عرفوا بالثقة والعدالة واستقامة الأحوال، واشتهروا بين الناس بالعلم والرواية والتفقه، كأئمة التابعين وتابعيهم، وأئمة الإسلام بعدهم - لا يجوز، فمن باب أولى أنه لا يجوز في حق الصحابة - رضي الله عنهم - كما أنه لا يجوز أن يستمر القول بهذا، وأمور الروايات وطرق الحديث الواحد قد ضبطت بضوابط وقواعد علمية، فعرفت طرق كل حديث، وفتش رجال إسناد كل طريق واحدا واحدا، وعرفت أحوالهم الظاهرة، وميزت الروايات الصحيحة من السقيمة من الحسنة، فلم يبق مجال للتخوف من خبر ما، أنه لا يعمل به لكون المخبر قد ظهر صدقه[44].

 

وقد ذكر الإمام الشافعي كثيرا من الآيات، والأحاديث عند استدلاله على إثبات حجية أحاديث الآحاد في كل أبواب الدين دون تفريق بينها، ثم إن تخصيص أحاديث الآحاد بالأحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص، فهو مجرد وهم توهمه من يقول به، لا أصل له يعتمد عليه، ولا سند له، وما كان كذلك فهو مردود على صاحبه؛ لأن الرأي العاري من الدليل الشرعي في الأمور الشرعية مرفوض شرعا.

 

كما أن غلبة الظن بصدق الراوي يرجح وجود الحكم الذي يترتب على تركه العقاب، والعاقل يحتاط بامتثال الأمر ليسلم من العقاب ولو كان مظنونا.

 

ولما كان العمل بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم معلوما من الدين بالضرورة في الجملة، لما في فعله مصلحة، وفي تركه مضرة، كانت مما تثير الخوف في القلب، فوجب العمل بمفادها عند ترجح صدقها وثبوتها[45].

 

هذا وإن من أوضح الأدلة على الاحتجاج بخبر الآحاد ما ذكره الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فرق عمالا على نواحي عرفنا أسماءهم والمواضع التي فرقهم عليها... فبعث معاذ بن جبل إلى اليمن، وأمره أن يقاتل من أطاعه من عصاه، ويعلمهم ما فرض الله عليهم، ويأخذ منهم ما وجب عليهم لمعرفتهم بمعاذ ومكانه منهم وصدقه.

 

ولم يكن لأحد - عندنا - في أحد ممن قدم عليه من أهل الصدق أن يقول: أنت واحد وليس لك أن تأخذ منا ما لم نسمع رسول الله يذكر أنه علينا..

 

وبعث أمراء سراياه صلى الله عليه وسلم وكلهم حاكم فيما بعثه فيه؛ لأن عليهم أن يدعوا من لم تبلغه الدعوة، ويقاتلوا من حل قتاله، وكذلك كل وال بعثه أو صاحب سرية، ولم يزل يمكنه أن يبعث واليين وثلاثة وأربعة وأكثر[46].

 

قال الإمام الشافعي: أخبرنا سفيان وعبد الوهاب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب: أن عمر بن الخطاب قضى في الإبهام بخمس عشرة، وفي التي تليها بعشر، وفي الوسطى بعشر، وفي التي تلي الخنصر بتسع، وفي الخنصر بست.

 

قال الشافعي: لما كان معروفا - والله أعلم - عند عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في اليد بخمسين، وكانت اليد خمسة أطراف مختلفة الجمال والمنافع - نزلها منازلها فحكم لكل واحد من الأطراف بقدره من دية الكف فهذا قياس على الخبر.

 

فلما وجدنا كتاب آل عمرو بن حزم فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وفي كل إصبع مما هنالك عشر من الإبل - صاروا إليه ولم يتوقفوا في قبول كتاب آل عمرو بن حزم - والله أعلم - حتى يثبت لهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وفي الحديث دلالتان:

 

أحدهما: قبول الخبر في الوقت الذي يثبت فيه، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا.

 

والأخرى: دلالة على أن حديث رسول الله يثبت نفسه لا بعمل غيره بعده.

 

ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا بين المهاجرين والأنصار ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ولا غيركم، بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله وترك كل عمل خالفه.

 

ولو بلغ عمر هذا صار إليه - إن شاء الله - كما صار إلى غيره فيما بلغه عن رسول الله بتقواه الله، وتأديته الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمه، وبأن ليس لأحد مع رسول الله أمر، وأن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله[47].

 

ثم إن القول بأن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في العقيدة كما يزعم فريق من هؤلاء الواهمين - مخالف لما كان عليه أئمة الإسلام من سلف الأمة؛ إذ لم يقل به أحد يعتد بقوله من أهل الرواية والدراية، الذين عليهم المعول في هذا العلم - علم الحديث الشريف - وهو قول قصد به قائلوه تضييق مجال العمل بالسنة، لما علموا أن أكثر الأحاديث رويت آحادا, وأن ما سموه "متواترا" قليل بالنسبة للآحاد[48].

 

وهذا هو الإمام الجليل إسحاق بن راهويه، قال: "دخلت على عبد الله بن طاهر، فقال لي: يا أبا يعقوب تقول: إن الله ينزل كل ليلة؟ فقلت: أيها الأمير، إن الله بعث إلينا نبيا، نقل إلينا عنه أخبار، بها نحلل الدماء، وبها نحرم، وبها نحلل الفروج، وبها نحرم، وبها نبيح الأموال، وبها نحرم، فإن صح ذا صح ذاك، وإن بطل ذا بطل ذاك، قال فأمسك عبد الله"[49].

 

فهو يرى أن من صدق بأحاديث الآحاد في الأحكام عليه أن يصدق بها في العقيدة، فكيف تأمرني أن أثق بالراوي، وأقبل خبره في صلاتي وعبادتي ربي، ولا أثق به في عقيدتي في الله؟[50].

 

ولذا كان الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة يؤكد وحدة الاحتجاج بالسنة، كما يؤكد استمرار منهج السلف في عدم التفريق بين ما رواه الواحد والاثنان، وما رواه الجماعة في الاحتجاج بالسنة في العقيدة والشريعة, سواء بسواء.

 

لو قلنا: إن العقائد لا تثبت بخبر الواحد لاختلف المسلمون فيما يجب عليهم اعتقاده، فمن سمع حديثا في العقيدة من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجب عليه اعتقاده، وكل من غاب عن هذا المجلس، فلم يسمعه، وكل من أتى بعد الصحابة لا يجب عليهم اعتقاد هذا الأمر؛ لأنهم لا يأخذون بخبر الواحد الذي حمل إليهم هذا الحديث، ومن هذا لا تكون عقيدة المسلمين واحدة.

 

ونستدل على ذلك بحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله ـصلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر، فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال»[51].

 

وبناء على زعمهم السابق، فإن من سمع هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجب عليه أن يؤمن بعذاب القبر، وأن يؤمن بظهور المسيح الدجال، أما من لم يسمعه منه - صلى الله عليه وسلم - فإنه لا يجب عليه الإيمان بذلك؛ لأنه خبر آحاد.

 

وعلى هذا فإن إيمان بعض الصحابة يختلف عن إيمان بعضهم الآخر، وإيمان الصحابة يختلف كثيرا عن إيماننا، فهل يكون دين يجمع الأمة في أنحاء المعمورة كلها بهذا الشكل؟! لا أعتقد ذلك، أما إذا أخذنا بحجية خبر الآحاد فإن إيمان الجميع يتوحد، وتكون الأمة متحدة في عقيدتها، وإذا اتحدت في الأساس الذي يقوم عليه الدين، فلا اختلاف فيما بينها بعد ذلك.

 

وإذا قلنا بأن أخبار الآحاد لا تثبت بها العقائد، فماذا نفعل في الأحاديث التي تضم عقائد وأحكاما معا؟ أنأخذ منها الأحكام ونترك العقائد؟! كلا، لا يجوز قطعا.

 

فهل يتصور في الحديث السابق مثلا، أن نأخذ منه جانب الدعاء في التشهد؛ لأنه من الأحكام، ونترك الإيمان بعذاب القبر؟ وكيف نستعيذ بالله من عذاب القبر، ولا نؤمن به؟

 

إن ما يقبله العقل ويتفق معه أن نأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد، كما نأخذ بها في الأحكام، لا سيما أنه لم يرد تخصيص في الأخذ بها في الأحكام دون العقائد، وإنما كان الأمر مطلقا[52]. ويقول الله تعالى: )يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك( (المائدة: ٦٧) فيجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ رسالته إلى الناس كافة، ولو كان خبر الواحد غير مقبول لتعذر إبلاغ الشريعة إلى الكل، وذلك لتعذر خطاب الناس شفاهة، أو إرسال رسالة التواتر إليهم، ويبقى أن يكون التبليغ عن طريق الواحد، حتى يتم تبليغ رسالة ربه.

 

وبذلك يتبين عور قول المشتبهين في عدم الأخذ بأحاديث الآحاد في العقيدة، أو التشريع على حد سواء.

 

  1. الإجماع وعمل الأئمة على حجية خبر الآحاد:

 

لقد أجمع جمهور المسلمين قديما وحديثا على حجية خبر الآحاد، ووجوب العمل به، فقد قال الحافظ ابن عبد البر: "والضرب الثاني من السنة خبر الآحاد الثقات الأثبات المتصل الإسناد، فهذا يوجب العمل عند جماعة علماء الأمة الذين هم الحجة والقدوة، ومنهم من يقول: إنه يوجب العلم والعمل جميعا"[53].

 

ويؤكد هذا الإمام النووي فيقول: "الذي عليه جماهير المسلمين من الصحابة والتابعين، فمن بعدهم من المحدثين والفقهاء وأصحاب الأصول - أن خبر الواحد الثقة حجة من حجج الشرع، يلزم العمل بها"[54].

 

وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه "الكفاية" أنه أفرد لوجوب العمل بخبر الواحد كتابا، وأشار إلى شيء منه في "الكفاية" تحت عنوان "باب ذكر بعض الدلائل على صحة العمل بخبر الواحد ووجوبه"[55].

 

ويقول الشيخ محمد الخضري: "إنه تواتر عن الصحابة في وقائع لا تحصى، العمل بخبر الواحد، ومجموع هذه الوقائع تفيد إجماعهم على إيجاب العمل بأخبار الآحاد، وكثيرا ما كانوا يتركون آراءهم التي ظنوها باجتهادهم، إذا روي لهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"[56].

 

ومن ثم، فهذه بعض أقوال علماء المسلمين قديما وحديثا، وغيرها كثير في حجية خبر الآحاد، ووجوب العمل به في الأصول فضلا عن الفروع؛ وذلك لأن أمة الإسلام لا تجتمع على باطل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى قد أجار أمتي من أن تجتمع على ضلالة»[57]، بل ويحذر الله تعالى من مخالفة اجتماعها فيقول: )ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا (115)( (النساء).

 

  1. إن عمل الأئمة في الحديث يشهد بحجية خبر الآحاد في العقيدة:

 

إن كتب أئمة الحديث النبوي تشهد بحجية خبر الآحاد في العقيدة، فكتب العقيدة عند الأئمة أمثال البخاري (ت: 256)، ومسلم (ت: 261)، وابن ماجه (ت: 273), وأبي داود (ت: 275), والترمذي (ت: 275), والنسائي (ت: 303), وابن خزيمة (ت: 311)، وابن حبان (ت: 354) كلها تدور على أخبار آحاد لا أخبار تواتر.

 

وكذلك الكتب المتخصصة في العقيدة أمثال: الإيمان لابن أبي شيبة (ت: 235)، والتوحيد لابن خزيمة (ت:311)، والإيمان لابن مندة (ت:398)، ودلائل النبوة للبيهقي (ت: 458)، وكتب البعث والأسماء والصفات والاعتقاد وهي للبيهقي أيضا - كل هذه المؤلفات لم يشترط الأئمة فيها أن يكون الحديث متواترا بالمعنى الذي يقول به بعض علماء الأصول من اشتراط الكثرة في كل طبقة، وعليه فهذه المؤلفات تدل على أن خبر الآحاد حجة في العقائد كما هو حجة في الأحكام، وهؤلاء العلماء والأئمة هم أعلم الناس بالسنة، وأعلمهم بما يصح الأخذ به، وما لا يصح، فإذا اعتمدوا على أحاديث الآحاد في العقائد فإن ذلك من أكبر الأدلة على الأخذ بها في العقائد.

 

إن صحيح البخاري اشتمل على كتاب "الإيمان"، وعلى كتاب "الأنبياء"، وعلى كتاب "القدر"، وعلى كتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة"، وعلى كتاب "التوحيد"، وهذه الكتب كلها في العقيدة، وكلها قائمة على خبر الآحاد.

 

بل إن البخاري جعل في صحيحه كتابا بعنوان: "أخبار الآحاد"، وفي بعض النسخ "كتاب خبر الواحد"، ولم يرد بذلك "الآحاد" المقابل للمتواتر، وإنما المقصود بالآحاد هنا كما قال الحافظ ابن حجر في شرحه للباب حقيقة الوحدة.

 

فالبخاري أراد بذلك أن يثبت أن خبر المسلم الواحد يقبل، ويحتج به، ولا يحتاج إلى رواية أخرى، ما دام هذا الراوي صدوقا، إنه لم يقصد إثبات خبر من قلوا عن عدد التواتر، وإنما أراد أن يثبت أن خبر الشخص الواحد تقوم به الحجة، وما زاد عن الواحد فهو من باب أولى.

 

وكتاب "التوحيد" لابن خزيمة عنوانه يكفي لإثبات حجية خبر الآحاد في العقيدة، فعنوان الكتاب كاملا هو "كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب - عز وجل - التي وصف بها نفسه في تنزيله الذي أنزله على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى لسان نبيه نقل الأخبار الثابتة الصحيحة نقل العدول عن العدول من غير قطع في إسناد ولا جرح في ناقلي الأخبار الثقات".

 

فالواضح من عنوان الكتاب أنه يثبت لله - عز وجل - من الصفات ما أثبته - عز وجل - لنفسه في القرآن، الذي أنزله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ويثبت له - عز وجل - من الصفات ما جاء في أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونقلها العدل عن العدل من غير قطع في الإسناد، ولا جرح في الرواة، إنه يشترط في الأخبار اتصال الإسناد وعدالة الرواة، ولم يشترط التواتر[58].

 

وواضح من كلام هؤلاء الأئمة المحدثين أنهم يعتمدون على خبر الآحاد في العقائد، ولم ينفرد المحدثون بهذا القول، وإنما كل سلف الأمة على هذا، فسلف الأمة مجمعون على حجية الآحاد في العقيدة والأحكام، وهذا هو الإمام المتكلم أبو الحسن الأشعري يقول: "وجملة قولنا أنا نقر بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نرد من ذلك شيئا"[59].

 

ثالثا. الفرق بين الرواية والشهادة:

 

لقد خلط هؤلاء بين الأمور إيهاما وتضليلا على الناس حينما قاسوا الرواية على الشهادة، ولكن الفرق بينهما جلي مما يدل على بطلان دعواهم إذ زعموا أنا لا نقبل شهادة شاهد واحد.

 

وإنما يشترط شاهدان عدلان، فهل نستوثق في حقوقنا الدنيوية ونهبط بنصاب الثقة في شئون الدين, ولا نشترط أن تكون الرواية كذلك؟

 

ولكن لكي يتضح تلبيسهم على الناس وجب أن تتبين الفروق بين الشهادة والرواية، وهي:

 

الأول: أن الله - عز وجل - تكفل بحفظ الدين وإكماله من الغي، ومما ليس منه، ولم يتكفل سبحانه بحفظ دمائنا وفروجنا ولا بحفظ أبشارنا وأموالنا في الدنيا، بل قدر الله تعالى بأن كثيرا من كل ذلك يؤخذ بغير حق في الدنيا. وقد نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو مما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئا، فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار»[60].

 

لذلك تشدد الله في قبول الشهادة حفظا للأمور التي لم يتكفل بحفظها، على عكس أمور الدين التي تكفل بحفظها, فلا خوف عليها.

 

الثاني: أن الله افترض علينا أن نستند في جميع الشريعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرنا تعالى بذلك في قوله عز وجل: )وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول( (المائدة: ٩٢)، ففرض علينا أن نقول: نهانا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عن كذا، وأمرنا بكذا، ولم يأمرنا تعالى قط أن نقول: شهد هذا بحق، ولا حلف هذا الحالف على حق، ولا أن هذا الذي قضينا به لهذا حق له يقينا، ولا قال عز وجل: ما قال هذا الشاهد، لكن الله - عز وجل - قال لنا: احكموا بشهادة العدول وبيمين المدعى عليه, إذا لم يقم عليه بينة وهذا فرق لا خفاء فيه.

 

أي أن كل ما حكمنا به مما نقله العدل عن العدل إلى رسول الله، فهو حق من عند الله تعالى، أوحى به ربنا - عز وجل - مضافا إلى رسول الله محكيا عنه أنه قاله، وكل ما حكمنا فيه بشهادة العدول، عندنا فهو حق مقطوع به من عند الله عز وجل، أمرنا بالحكم به، ولم يأمرنا بأن نقول فيما شهدوا به، وما حلف به الحالف أنه من عند الله عز وجل، ولا أنه حق مقطوع به، وبهذا فالخوف من الكذب في الشهادة أشد؛ لأن الله لم يأمرنا بها، ولا قالها على عكس الرواية.

 

الثالث: أن حكمنا بشهادة الشاهد ويمين الحالف ليس حكما بالظن كما زعموا، بل نحن نقطع بأن الله - عز وجل - افترض علينا الحكم بيمين الطالب مع شهادة العدل، ويمين المدعى عليه إذا لم يقم بينة، وإن كانوا في باطن أمرهم كذابين أو واهمين، والحكم بكل ذلك حق عند الله عز وجل، وعندنا مقطوع على غيبه، والأمر في الرواية مختلف، إذ لا تقبل الرواية بخبر وضعه فاسق، أو وهم فيه واهم، وهذا فرق في غاية البيان[61].

 

الرابع: العدد - وهو الأهم - لا يشترط في الرواية بخلاف الشهادة، وقد ذكر ابن عبد السلام في مناسبة ذلك أمورا أحدها: أن الغالب من المسلمين مهابة الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف شهادة الزور, وثانيها: أنه قد ينفرد بالحديث راو واحد، فلو لم يقبل لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة، بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد, وثالثها: أن بين كثير من المسلمين عداوات تحملهم على شهادة الزور، بخلاف الرواية عنه صلى الله عليه وسلم لذلك كان الشرط في الشهادة أشد.

 

الخامس: لا تقبل رواية من عرف بالتساهل في سماعه، أو إسماعه، كمن لا يبالي بالنوم في السماع، أو يحدث لا من أصل مصحح، أو عرف بقبول التلقين في الحديث أو كثرة السهو في روايته، إذا لم يحدث من أصل, أو كثرة الشواذ والمناكير في حديثه، قال ابن المبارك والحميدي وأحمد وغيرهم: من غلط في حديث فبين له فأصر على روايته سقطت رواياته، وهذا صحيح إن ظهر أنه أصر عنادا أو نحوه[62].

 

وعن الفروق بين الرواية والشهادة يقول د. عماد السيد الشربيني: "وأما قياسهم الرواية على الشهادة في اعتبار العدد بحجة أن الرواية شرع عام, والشهادة شرع خاص, ولم يقبل فيها رواية الواحد, فلأن لا تقبل في حق كل الأمة من باب أولى. فهذا الكلام منقوض بسائر الأمور التي هي معتبرة في الشهادة, لا في الرواية, كالحرية والذكورية والبصر وعدم القرابة"[63].

 

رابعا. توقف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة - رضي الله عنهم - في قبول خبر الواحد كان زيادة في التثبت والتحوط، ولم يكن ردا لحجيته:

 

إن توقف النبي صلى الله عليه وسلم في قبول خبر الواحد لم يكن مطردا، وإنما كان نادرا، بدليل أن السنة لم تذكر لنا إلا خبرا واحدا توقف فيه صلى الله عليه وسلم وهو خبر ذي اليدين.

 

وقد كان توقفه صلى الله عليه وسلم في قبول خبر ذي اليدين هذا ليس ردا، أو إنكارا له، وإنما لانفراده - رضي الله عنه - بسؤال النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: «أقصرت الصلاة يا رسول الله أم نسيت؟ فقال صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين أخريين ثم سلم...»[64]، فالحديث واضح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد خبر ذي اليدين وإنما نسي فأراد التذكير فلعل ذا اليدين وهم هو الآخر فلما تابع باقي الصحابة ممن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذا اليدين - كما هو بين في الحديث - قبل النبي خبره، وعمل بموجبه في التو واللحظة، ولم يكن له صلى الله عليه وسلم أن يرد أو ينكر خبر صحابي من أصحابه الأطهار، وهو القائل: «إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئا فهو عند الله سيء»[65].

 

وقد زكاهم الله - عز وجل - في القرآن إجمالا فقال: )والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم (100)( (التوبة).

 

ومن ثم فهذا يدل على أن توقف النبي صلى الله عليه وسلم في قبول خبر ذي اليدين كان زيادة في التذكير؛ إذ إن انفراده دون باقي الصحابة بتذكير النبي صلى الله عليه وسلم في البداية قد يفهم منه أن الوهم وقع منه وحده، والصواب في هذا أن لا يؤخذ بكلام واحد في مقابل المجموع حتى يتابعوه، إذن لم يكن ردا لحجية خبر الواحد كما توهم المشتبهون.

 

ومما يؤكد هذا أن كتب الآثار تزخر بأمثلة عديدة تدل على اعتبار الرسول صلى الله عليه وسلم خبر الواحد حجة في الأصول فضلا عن الفروع، وقد سبق أن أشرنا إلى أنه صلى الله عليه وسلم بعث رسله واحدا واحدا إلى كل بلد ليبلغ أهلها أحكام الدين كلها، بما فيها العقائد والعبادات والمعاملات، فكان أهلها يستقبلون بعوث النبي صلى الله عليه وسلم وهو فرد واحد كي يسمعوا منه كل ما يهمهم من أمر دينهم ليعملوا به، ولو كان خبر الواحد لا يعمل به في الفروع والأصول لأرسل النبي صلى الله عليه وسلم وفدا لهم، ولكنه لم يفعل ذلك[66].

 

لذا يقول صلى الله عليه وسلم: «نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه»[67].

 

فالخطاب في هذا الحديث موجه إلى امرئ وهو واحد، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يندب لسماع حديثه وتبليغه امرأ واحدا، وفي هذه دلالة واضحة على أنه صلى الله عليه وسلم يثبت حجية خبر الآحاد، وأنه تقوم به الحجة على من سمع هذا الخبر.

 

وعلى هذا سار الصحابة - رضي الله عنهم - يتثبتون ويستوثقون في قبول ما يروى عنه صلى الله عليه وسلم حفاظا منهم على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم خشية تسرب الدس إليه من قبل الجهلاء وأصحاب الأهواء، وليس طعنا في صحابي بعينه، بتكذيب قوله؛ وذلك لأن الصحابة كلهم عدول، سواء منهم من تقدم إسلامه ومن تأخر، ومن هاجر ومن لم يهاجر، ومن اشترك في الغزوات ومن لم يشترك، ومن لابس الفتنة ومن لم يلابسها, وهذه العدالة لهم جميعا تضافرت عليها الأدلة من الكتاب الكريم، والسنة النبوية المطهرة[68].

 

وعلى هذا نستطيع أن نفسر توقف أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - في قبول خبر المغيرة بن شعبة في ميراث الجدة، كما روى ذلك قبيصة بن ذؤيب - رضي الله عنه - قائلا: «جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق تسأله ميراثها، فقال: مالك في كتاب الله - عز وجل - من شيء، وما علمت لك في سنة نبي الله شيئا، فارجعي حتى أسأل الناس، قال: فسأل الناس, فقال المغيرة بن شعبة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس، فقال: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة، فقال مثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر»[69].

 

فإن الناظر في هذا الخبر يدرك أن أبا بكر - رضي الله عنه - لم يتوقف في قبوله إلا للمزيد من التثبت والتحوط، وليس طعنا في عدالة المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - باعتباره راويا فردا، أو ردا لحجية خبر الواحد في الفروع، مع العلم أن توقف أبي بكر - رضي الله عنه - في قبول خبر الواحد لم يكن منه مطردا، بل كان نادرا[70].

 

ويؤيد هذا أن أبا بكر - رضي الله عنه - قد قبل خبر عائشة وحدها في أن النبي صلى الله عليه وسلم مات يوم الإثنين، وقبل أيضا خبرها وحدها في قدر كفن النبي صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «دخلت على أبي بكرـ رضي الله عنه - فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية[71] ليس فيها قميص، ولا عمامة، وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الإثنين...» الحديث[72].

 

وعليه، فلو كان أبو بكر - رضي الله عنه - يرد حجية خبر الواحد في الفروع لرد بذلك خبر عائشة - رضي الله عنها! ولكن لما قبله دل هذا دلالة قاطعة على قبول أبي بكر حجية خبر الواحد في الفروع.

 

وعلى هذا النهج الذي رسمه أبو بكر - رضي الله عنه - في المحافظة على السنة سار خليفته عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يتثبت ويستوثق في قبول ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خشية الكذب على رسول الله ـصلى الله عليه وسلم - أو اختلاط الحديث الشريف بالقرآن الكريم، وليس إنكارا لحجية خبر الواحد في الفروع، ومن ذلك أيضا: "توقفه في قبول خبر أبي موسى الأشعري في الاستئذان، فإن أبا موسى قد أخبره بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه بعد الثلاث، وتوعده، فأراد عمر - رضي الله عنه - التثبت خشية أن يكون دافع بذلك عن نفسه[73].

 

يدل على ذلك ما جاء في إحدى طرق الحديث أن أبي بن كعب قال لعمر: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ذلك يا ابن الخطاب، فلا تكونن عذابا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سبحان الله إنما سمعت شيئا فأحببت أن أتثبت»[74].

 

وفي رواية: «والله إن كنت لأمينا على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أجل ولكن أحببت أن أستثبت»[75].

 

وفي رواية أخرى: «أما إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم»[76].

 

 قال الشافعي: فإن قال قائل قد طلب عمر مع رجل - أخبره خبرا - آخر؟

 

قيل له: لا يطلب عمر مع رجل أخبره آخر إلا على أحد ثلاثة معان:

 

  1. إما أن يحتاط فيكون أوثق عنده، وإن كانت الحجة تثبت بخبر الواحد فخبر اثنين أكثر وهو لا يزيدها إلا ثبوتا.

 

وقد رأيت ممن أثبت خبر الواحد من يطلب معه خبرا ثانيا، ويكون في يده السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم من خمسة وجوه فيحدث بسادس فيكتبه؛ لأن الأخبار كلما تواترت وتظاهرت كان أثبت للحجة وأطيب لنفس السامع.

 

  1. ويحتمل أن يكون لم يعرف المخبر فيقف عن خبره حتى يأتي مخبر يعرفه وهكذا ممن أخبر ممن لا يعرف لم يقبل خبره، ولا يقبل الخبر إلا عن معروف بالاستئهال له[77]؛ لأن يقبل خبره.

 

  1. ويحتمل أن يكون المخبر له غير مقبول القول عنده فيرد خبره، حتى يجد غيره ممن يقبل قوله.

 

 فإن قال قائل: فإلى أي المعاني ذهب عندكم عمر؟

 

قلنا: أما في خبر أبي موسى فإلى الاحتياط؛ لأن أبا موسى ثقة أمين عنده إن شاء الله.

 

فإن قال قائل: ما دل على ذلك؟

 

قلنا: قد رواه مالك بن أنس عن ربيعة عن غير واحد من علمائهم أن أبا موسى... فذكر القصة، وفي آخره «فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، ولكني خشيت أن يتقول الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم»[78][79].

 

ومما يؤكد هذا قبول عمر - رضي الله عنه - أخبارا كثيرة دون توقف، من ذلك قبوله خبر الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها؛ فقد روى الإمام أحمد أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «ما أرى الدية إلا للعصبة؛ لأنهم يعقلون عنه، فهل سمع أحد منكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك شيئا، فقال الضحاك بن سفيان الكلابي - وكان استعمله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الأعراب: كتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فأخذ بذلك عمر بن الخطاب - رضي الله عنه»[80].

 

ومن ثم، أفلا يدل هذا وغيره من الأخبار الصحيحة على قبول عمر - رضي الله عنه - حجية خبر الواحد في الفروع؟!

 

ونخلص من ذلك إلى أن توقف النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة - رضي الله عنهم - من بعده في قبول خبر الواحد، كان زيادة في التثبت والاستيثاق، ولم يكن ردا لخبر الواحد أو إنكارا لحجيته في الفروع، أو طعنا في صحابي بعينه؛ إذ الصحابة كلهم عدول بنص القرآن والسنة، وهذا التوقف لم يكن مطردا بدليل اعتباره - صلى الله عليه وسلم - بحجية خبر الواحد في الأصول فضلا عن الفروع، وكذا قبول أبي بكر وعمر والصحابة - رضي الله عنهم - أخبار آحاد كثيرة دون توقف، كما دلت على ذلك كتب الأحاديث والآثار.

 

ومن ثم يسقط قول من جعل توقف النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة في القبول، مشجبا يعلق عليه رده لأخبار الآحاد جملة بدعوى إفادتها الظنية.

 

الخلاصة:

 

  • إنالظنالمقصودمنالأدلةالتياستدلوابهاهوالظنالمذمومالذيمردهالهوىفيمخالفةالحق،أماالظنالذيعناهعلماءالحديثهوالظنالمحمودالذييفيدإدراكالطرفالراجحمنه،ويؤكدذلكأنالقرآنالكريمقدأوردالظنبمعانعدةمنها: اليقين،والتأكيد،وكذلك الشك والتهمة والحسبان أيضا، وهذا يؤكد على أن الظن ليس كله بمعنى الشك.

 

  • لقدجاءتآياتقرآنيةكثيرةوكذلكالسنةنفسهالتؤكدعلىحجيةخبرالآحادووجوبالعملبه, كماأجمعالصحابةوعلماءالمسلمينقديماوحديثاعلىذلك.

 

  • ممالايقبلهالعقلأننشترطأنيرافق النبي - صلى الله عليه وسلم - مجموعة من الصحابة تبلغ حد التواتر؛ لينقلوا عنه سنته حتى نقبلها منهم بدعوى أننا لا نأخذ بخبر الآحاد، وماذا نفعل في أخبار زوجاته - رضي الله عنهن - عما يدور في بيته؛ إذ إنها أخبار آحاد، وكيف نأتي بعدد التواتر لتروي لنا أخباره في داخل بيته صلى الله عليه وسلم؟

 

  • لقدأخذالصحابةالكرامبأحاديثالنبي - صلىاللهعليهوسلم - التيوردتمنطريقآحاد،ولميفرقوافيهابينالعقيدةوالأحكام؛إذإنالقولبعدمحجيةخبرالآحادفيالعقائدفضلاعنالتشريعيؤديإلىتجريحمنعرفوابالثقةوالعدالة من الأئمة وغيرهم، وهذا لا يجوز باتفاق العلماء، كما أن ذلك يؤدي إلى اختلاف المسلمين في دينهم عقيدة وتشريعا؛ لأن من سمع حديثا وجب عليه اعتقاده والعمل به، ومن لم يسمعه لم يجب عليه ذلك، وإذا اجتمع في الحديث الواحد عقائد وأحكام، فهل يعقل أن نأخذ بالأحكام التي فيه ونترك ما يخص العقائد؟!

 

  • لقدوضععلماءالحديثشروطاصارمةلقبولخبرالآحاد،فلايكونهناكمجالللتخوفمنهافيوجودمثلهذهالشروط. لذانجدأنكتبأئمةالحديثالأعلامتثبتحجيةخبرالآحاد،ولميفرقوافيذلكبينالعقيدةوالتشريع.

 

  • لايصحقياس الرواية على الشهادة لما بينهما من فروق كبيرة, منها أن الله - عز وجل - تكفل بحفظ الدين، ولم يتكفل بحفظ دمائنا، وفروجنا وغيرها، لذا تشدد فيما لم يتكفل بحفظه سبحانه, وأن الغالب بين المسلمين مهابة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخلاف شهادة الزور مثلا, ولو انفرد راو واحد بالحديث ولم يقبل منه لفات على أهل الإسلام تلك المصلحة, بخلاف فوت حق واحد على شخص واحد.

 

  • كانتوقفالنبي - صلىاللهعليهوسلم - والصحابةفيقبولخبرالآحاد - زيادةفيالتثبتلاردالحجيتهأوإنكارالها،لذاجاءتأحاديثكثيرةومواقف عديدة من الصحابة تبين أخذهم بخبر الآحاد.

 

 

 

(*) السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام "مناقشاتها والرد عليها", د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م. السنة بين الأصول والتاريخ، حمادي ذويب، المركز الثقافي العربي، ط1، 2005م. حجية السنة ورد الشبهات التي أثيرت حولها، الجامعة الدولية بأمريكا اللاتينية، برنامج البكالوريوس، طبعة خاصة. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية، د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م. السنة النبوية حجية وتدوينا, محمد صالح الغرسي، مؤسسة الريان، بيروت، ط1, 1422هـ/ 2002م. مصادر التشريع ومنهج الاستدلال والتلقي, حمدي عبد الله، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، مصر، ط1، 2006م. التبيان فيما جد من أمر الجان, أبو عمر فوزي بن عبد العزيز، دار الدعوة، مصر، ط1، 1426هـ/ 2005م. السنة بين كيد الأعداء وجهل الأدعياء, حمدي عبد العظيم الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، مصر، ط1، 2007م. دفاع عن الحديث النبوي, د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م.

 

[1]. خبر الآحاد: هو ما لم تجتمع فيه شروط المتواتر، فيشمل ما رواه واحد في طبقة أو في جميع الطبقات وما رواه اثنان وما رواه ثلاثة فصاعدا، ما لم يصل إلى عدد التواتر، وينقسم إلى: مشهور وعزيز وغريب.

 

[2]. الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، د. محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص196.

 

[3]. الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، د. محمد محمد أبو شهبة، مكتبة السنة، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص205: 209. وانظر: تيسير مصطلح الحديث، د. محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، ص20: 24.

 

[4]. جريمة الردة وعقوبة المرتد في ضوء القرآن والسنة، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2005م، ص63.

 

[5]. أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 2006م، ص105 بتصرف.

 

[6]. دفاع عن الحديث النبوي, د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م، ص65، 66 بتصرف.

 

[7]. أصول الفقه، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص104، 105 بتصرف.

 

[8]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأيمان والنذور، باب: النية في الأيمان، (11/ 580)، رقم (6689). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية"، (7/ 2977)، رقم (4844).

 

[9]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: الخسف بالجيش الذي يؤم البيت، (9/ 3985)، رقم (7111).

 

[10]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: جزاء الصيد، باب: لا يحل القتال بمكة، (4/ 56)، رقم (1834). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الحج، باب: تحريم مكة وصيدها...، (5/ 2109)، رقم (3244).

 

[11]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، (6/ 33، 34)، رقم (2810). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتـاب: الإمامـة، بـاب: مـن قاتـل لتكـون كلمـة الله هي العليـا، (7/ 2973)، رقم (4837).

 

[12]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م (1/ 17) بتصرف.

 

[13]. صحيـح البخـاري (بشرح فتح الباري)، كتــاب: الوصايـا، بـاب: قـول الله تعالـى: ) من بعد وصية يوصي بها (، (5/ 441)، معلقا.

 

[14]. انظر: دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه, د. محمد مصطفى الأعظمي, المكتب الإسلامي, بيروت, 1413هـ/ 1992م، (1/ 34) بتصرف.

 

[15]., تفسير القرآن العظيم , ابن كثير, المكتبة التوفيقية,مصر، د. ت, (7/ 352).

 

[16]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الوصايا، باب: قول الله عز وجل: ) من بعد وصية يوصي بها (، (5/ 441) معلقا.

 

[17]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (1/ 375، 376) بتصرف.

 

[18]. الشبهات الثلاثون المثارة لإنكار السنة النبوية, د. عبد العظيم المطعني، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1420هـ/ 1999م، ص115 بتصرف.

 

[19]. لسان العرب، ابن منظور، مادة: ظنن.

 

[20]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (1/ 376).

 

[21]. القاموس المحيط، الفيروزآبادي، مادة: ظنن.

 

[22]. تاج العروس، الزبيدي، مادة: ظنن.

 

[23]. المحكم، ابن سيده، مادة: ظنن.

 

[24]. تهذيب اللغة، الأزهري، مادة: ظنن.

 

[25]. المدخل إلي السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر, مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م, ص315، 316بتصرف.

 

[26]. لسان العرب, ابن منظور، مادة: طوف.

 

[27]. الرسالة, الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت, ص437، 438.

 

[28]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في القبلة ومن لا يرى الإعادة على من سها فصلى إلى غير القبلة، (1/ 603)، رقم (403).

 

[29]. الرسالة، الإمام الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص 407، 408.

 

[30]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري), كتاب: الزكاة, باب: أخذ الصدقة من الأغنياء, وترد في الفقراء حيث كانوا، (3/ 418)، رقم (1496).

 

[31]. انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م، (3/ 422).

 

[32]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أخبار الآحاد، باب: وصاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم، (13/ 256)، رقم (7266).

 

[33]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م, (13/ 256).

 

[34]. قضايا حديثية, أشرف خليفة عبد المنعم، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، القاهرة، ص204, 205 بتصرف.

 

[35]. الفضيخ: هو شراب يتخذ من البر المفضوخ أي المشدوخ.

 

[36]. الـمهراس: هو الحجر المنقور الكبير الذي يدق به الشيء.

 

[37]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أخبار الآحاد، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، (13/ 245)، رقم (7253).

 

[38]. الرسالة، الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص409، 410.

 

[39]. صحيـح: أخرجـه أحمـد في مسنـده، مسنـد عبـد الله بـن مسعـود، (6/ 96)، رقم (4157). وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.

 

[40]. الرسالة، الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص402، 403.

 

[41]. المدخل إلى السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص286 بتصرف.

 

[42]. أخبار الآحاد في الحديث النبوي، عبد الله الجبرين، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط2، 1416هـ، ص141.

 

[43]. المدخل إلي السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر, مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م, ص291.

 

[44]. قضايا حديثية, أشرف خليفة عبد المنعم، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، القاهرة، ص222 بتصرف.

 

[45]. أخبار الآحاد في الحديث النبوي، عبد الله الجبرين، دار عالم الفوائد، مكة المكرمة، ط2، 1416هـ، ص141.

 

[46]. الرسالة، الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص415: 418.

 

[47]. الرسالة، الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص422: 425.

 

[48]. قضايا حديثية, أشرف خليفة عبد المنعم، مكتبة أولاد الشيخ للتراث، القاهرة، ص220.

 

[49]. أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات، باب: ما ذكر في الساق، (2/ 375)، رقم (950).

 

[50]. المدخل إلى السنة النبوية، د. عبد المهدي عبد القادر عبد الهادي، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص293 بتصرف.

 

[51]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: ما يستعاذ منه في الصلاة، (3/ 1169)، رقم (1303).

 

[52]. المدخل إلى السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص292، 293 بتصرف.

 

[53]. جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر، تحقيق أبي الأشبال الزهيري، مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، 1428هـ/ 2007م، (1/ 780).

 

[54]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (1/ 275).

 

[55]. انظر: الكفاية، الخطيب البغدادي، تحقيق: أبي إسحاق الدمياطي، مكتبة ابن عباس، مصر، 2002م، (1/ 107).

 

[56]. أصول الفقه، الشيخ الخضري، دار الحديث، القاهرة، د. ت، ص280.

 

[57]. حسن: أخرجه ابن أبي عاصم في السنة، باب: ما ذكر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أمره، (1/ 92)، رقم (70). وحسنه الألباني في الجامع الصغير برقم (2667).

 

[58]. المدخل إلى السنة النبوية, د. عبد المهدي عبد القادر، مكتبة الإيمان، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2007م، ص298 بتصرف.

 

[59]. الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن الأشعري، تحقيق: فوقية حسين محمود، دار الأنصار، القاهرة، ط1، 1397هـ، ص20.

 

[60]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الأحكام، باب: من قضى له بحق أخيه فلا يأخذه، (13/ 184)، رقم (7181). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، (6/ 2668)، رقم (4393).

 

[61]. جناية الشيخ محمد الغزالي على الحديث وأهله, أشرف عبد المقصود عبد الرحيم، مكتبة الإمام البخاري، القاهرة، ط1، 1410هـ/ 1989م، ص181, 182 بتصرف.

 

[62]. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي, السيوطي،، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط2، 1392هـ/ 1972م، (1/ 339، 340) بتصرف.

 

[63]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام "مناقشتها والرد عليها", د. عماد السيد الشربيني, دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م,(2/ 30).

 

[64]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أخبار الآحاد، باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق، (13/ 245)، رقم (7250).

 

[65]. صحيـح: أخرجـه أحمـد في مسنـده، مسنـد عبـد الله بـن مسعـود، (5/ 211)، رقم (3600). وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.

 

[66]. السنة المفترى عليها, سالم علي البهنساوي، دار الوفاء، مصر، ط4، 1413هـ/1992م، ص166 بتصرف.

 

[67]. صحيـح: أخرجـه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: العلم، باب: ما جاء في الحث على تبليغ السماع، (7/ 347، 348)، رقم (2794). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (2656).

 

[68]. عدالة الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ودفع الشبهات, د. عماد السيد الشربيني، مكتبة الإيمان، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص17.

 

[69]. أخرجه مالك في الموطأ، كتاب: الفرائض، ص230، رقم (723).

 

[70]. السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام, د. عماد السيد الشربيني، دار اليقين، مصر، ط1، 1423هـ/ 2002م، (2/ 32) بتصرف.

 

[71]. أثواب بيض سحولية: أي منسوبة إلى قرية سحول باليمن، والسحل: هو الثوب الأبيض النقي.

 

[72]. صحيـح البخـاري (بشرح فتح الباري) كتـاب: الجنائـز، بــاب: مـوت يــوم الإثنيـن، (3 / 297)، رقم (1387).

 

[73]. انظر: الرسالة, الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص433, 434. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، السيوطي،، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط2، 1392هـ/ 1972م، (1/ 73).

 

[74]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الآداب، باب: الاستئذان، (8/ 3274)، رقم (5529).

 

[75]. صحيح لغيره: أخرجه البخاري في الأدب المفرد، كتاب: الاستئذان، باب: إذا سلم الرجل على الرجل في بيته، (1/ 368)، رقم (1073). وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد برقم (821).

 

[76]. صحيح: أخرجه أبو داود في سننه (بشرح عون المعبود)، كتاب: الأدب، باب: كم مرة يسلم الرجل في الاستئذان، (14/ 59)، رقم (5173).

 

[77]. الاستئهال له: أن يكون أهلا له.

 

[78]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الاستئذان، باب: التسليم والاستئذان ثلاثا، (11/ 23)، رقم (6245). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الآداب، باب: الاستئذان، (8/ 3274)، رقم (5529). والقصة صحيحة أخرجها مالك في الموطأ، كتاب: الاستئذان، باب: الاستئذان، (2/ 964)، رقم (1731).

 

[79]. الرسالة، الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، المكتبة العلمية، بيروت، د. ت، ص432: 435 بتصرف.

 

[80]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكيين، مسند الضحاك بن سفيان، رقم (15783). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: إسناده صحيح على شرط الشيخين.

 

  • الجمعة PM 04:01
    2020-10-16
  • 1209
Powered by: GateGold