المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413643
يتصفح الموقع حاليا : 224

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن صحة الحديث مرتبطة بعرضه على القواعد السياسية وطبيعة العمران قياسا على أخبار المؤرخين

الزعم أن صحة الحديث مرتبطة بعرضه على القواعد السياسية  وطبيعة العمران قياسا على أخبار المؤرخين(*)

مضمون الشبهة:

 يزعم بعض المشككين أن الحكم بصحة الحديث لا يكفي فيه صحة السند فقط، بل لا بد من عرضه على قواعد السياسة، وطبيعة العمران، وهذا قياسا على الكلام الذي ذكره ابن خلدون عن أخبار المؤرخين والعامة، وأصحاب الحكايات والوقائع التاريخية. قائلين: طالما أننا لم نطبق على السنة هذه القواعد - سالفة الذكر - فإننا لا نستطيع قبولها أو الجزم بصحتها. رامين من وراء ذلك كله إلى التشكيك في صحة الأحاديث ونفي حجيتها.

وجها إبطال الشبهة:

1) لقد حظي حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعناية والاهتمام والحفظ التام بما لم يتوفر لحديث رسول من الرسل؛ إذ قيض الله - عز وجل - لحفظ الحديث ونقده علماء أجلاء، وقفوا حياتهم على خدمته، وغربلته، وتمييز صحيحه من سقيمه.

2) إن أخبار المؤرخين، والعامة، وأصحاب الحكايات، والوقائع التاريخية، لم تصل درجة صيانتها وحفظها إلى ما وصلت إليه السنة، فاحتاجت هذه العلوم إلى قواعد للحكم على صحتها، والتأكد من ثبوتها، ومن ثم فلا وجه لقياس السنة عليها.

التفصيل:

أولا. العناية بالحديث وحفظه:

لقد حفظت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصدور والسطور على حد سواء، حتى وصلت إلينا الأحاديث غضة طرية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما صدرت عنه، مصونة من التغيير والتبديل, محققة تحقيقا دقيقا، بما لم يحدث لكلام نبي من الأنبياء.

فقد قام علماء المسلمين بالواجب المنوط بهم؛ فحققوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضعوا القواعد التي لا تدع شكا بعدها في نسبة الحديث لقائله - صلى الله عليه وسلم - حتى قال بعض المستشرقين: "ليهنأ المسلمون بعلم مصطلح الحديث، فإنه لا يوجد تاريخ على وجه الأرض موثق إلا تاريخ نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم "[1]. ولم تكن عناية المسلمين بعلوم السنة ريثما وضع علم المصطلح فحسب، بل زادت عنايتهم به بعد ذلك دراسة لمعانيه، وأحكامه وتعليمه وتعلمه وكانت عنايتهم به منذ جيل الصحابة وحتى اليوم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وقد كثرت الرحلات العلمية لبعض الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من علماء الحديث من أجل التثبت من الحديث، يقول سعيد بن المسيب: "إن كنت لأسير الليالي والأيام في طلب الحديث الواحد"[2].

وفي سبيل التثبت كانوا ينهجون منهج مذاكرة الأحاديث فيما بينهم لمعرفة ما يأخذون منها وما يتركون, ولأنهم على جانب كبير من الوعي والحيطة, كانوا يحفظون الأحاديث الصحيحة والضعيفة والموضوعة؛ خشية أن تختلط عليهم، حتى يستطيعوا تمييز الصحيح من غيره بدقة فائقة وحيطة بالغة[3].

ومما لا يجهله أهل العلم الدارسون لتاريخ الأمم والأديان: أن اشتراط الإسناد الصحيح المتصل في نقل العلم الديني، وعلم النبوة، مما تفردت به أمة الإسلام عن سائر الأمم، ولا يحسبن هؤلاء المشككون أن علماء الحديث كانوا يقبلون أي إسناد يذكر لهم، أو أن بوسع أي إنسان أن يركب لهم سلسلة من الثقات إلى أن يصل إلى الصحابي الذي سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم إنما يقبلون الإسناد إذا توافرت له جملة شروط، منها:

  1. أن يكون كل راو من رواته معلوم العين والحال، وبعبارة أخرى معلوم السيرة، فلا يقبل سند فيه: حدثنا فلان عن رجل، أو شيخ من قبيلة كذا، أو عن الثقة دون أن يذكر اسمه.

ولا يقبل سند فيه راو لا يعرف من هو؟ وما بلده؟ ومن شيوخه؟ ومن تلاميذه؟ وأين عاش ومتى ولد؟ وأين ومتى توفي؟ وهذا الذي يسمونه مجهول العين.

ولا يقبل راو عرف شخصه وعينه، ولم تعرف حاله وصفته، بخير ولا شر، ولا إيجاب ولا سلب، وهو الذي يسمونه مجهول الحال أو المستور.

  1. أن يكون موصوفا بالعدالة، والعدالة ما يتصل بدين الراوي، وخلقه، وأمانته فيما يروي وينقل؛ إذ يشترط أن يكون امرأ يخشى الله - سبحانه وتعالى - ويخاف حسابه، ولا يستبيح الكذب أو التزيد أو التحريف، وقد احتاطوا أشد الاحتياط، فكانوا يردون الحديث لأقل شبهة في السيرة الشخصية لناقله، فإن أثر أنه كذب في شيء من كلامه رفضوا روايته، وسموا حديثه موضوعا أو مكذوبا، وإن لم يعرف عنه الكذب في رواية الحديث، مع علمهم بأنه قد يصدق الكذوب.

ومن دلائل العدالة: أن لا يرى عليه كبيرة، ولا يصر على صغيرة، وأكثر من ذلك أنهم اشترطوا مع التقوى "المروءة"، وفسروها بأنها التنزه عن الدنايا، وما يشينه عند الناس، كالأكل في الطريق، أو المشي عاري الرأس في زمنهم.

فلم يكتفوا من الراوي أن يجتنب ما ينكره الشرع، بل أضافوا إليه ما يستقبحه العرف، وبهذا يكون إنسانا مقبولا عند الله وعند الناس.

  1. الضبط: فلا يكون الراوي ثقة مقبولا لمجرد اتصافه بالعدالة والتقوى، بل لا بد أن يضم إلى العدالة والأمانة "الضبط".

فقد يكون الراوي من أتقى عباد الله، وأعلاهم في الورع والصلاح، ولكنه لا يضبط الرواية، بل يغلط فيها، أو ينسى فيخلط حديثا بحديث؛ لهذا كان لا بد من "الضبط"، سواء أكان ضبط صدر بقوة الحفظ، أو ضبط كتاب بسلامته والعناية به.

وهذا الشرط يعني أن يكون الراوي في أعلى درجات الضبط والإتقان، حتى يطمئن إلى حفظه وإجادته، ويعرفون ذلك بمقارنة رواياته بعضها ببعض، وبروايات غيره من الحفاظ الثقات.

وكثيرا ما يكون الراوي ضابطا حافظا متقنا، ولكنه يعمر فتضعف ذاكرته، ويتشوش عليه حفظه، فيضعفونه بذلك، قائلين: اختلط في آخره - أي آخر حياته، وقد يصنفون من يروي عنه بأمارات وأدلة مختلفة، فيقولون: هذا روي عنه قبل اختلاطه فيقبل، وهذا روي عنه بعد اختلاطه، أو لا يعرف متى روي عنه فيرد.

  1. أن تكون حلقات السند كلها متصلة، متماسكة من مبتدأ السند إلى منتهاه، فإذا سقطت حلقة من السلسلة في أولها أو أوسطها أو آخرها، كان الحديث ضعيفا مردودا، مهما تكن مكانة رجاله من العدالة والضبط، حتى إن بعض أئمة التابعين الذين يستسقى بهم الغيث، وتضرب أكباد الإبل لطلب العلم منهم، مثل الحسن البصري، وعطاء، والزهري، وغيرهم، إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يذكر الصحابي الذي سمع الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يقبل حديثه، لاحتمال أن يكون سمعه من تابعي آخر، وأن يكون التابعي سمعه من تابعي وهكذا... وإذا جهلت الواسطة لم يقبل الحديث، وهو ما يسمى بـ "المرسل"، وإن كان بعض الفقهاء يقبله بشروط خاصة.

ومعنى هذا: أن يكون كل راو تلقى الحديث عمن فوقه تلقيا مباشرا بلا واسطة, ولا يجوز للراوي أن يحذف الواسطة بناء على أن المحذوف ثقة عنده، فربما كان الموثق عنده مجروحا عند غيره، بل إن مجرد حذف الواسطة يشكك في المحذوف.

  1. أن لا يكون الحديث شاذا، ومعنى الشذوذ عندهم: أن يرويه الثقة مخالفا من هو أوثق منه، كأن يروي أحد الثقات الحديث بصيغة، أو زيادة معينة، ثم يرويه راو آخر أقوى منه وأوثق بغير هذه الصيغة، وغير هذه الزيادة.

وكذلك إذا رواه واحد بعبارة، ورواه اثنان أو جماعة غيره بعبارة مخالفة، فهنا يقبل حديث من هو أوثق، ويسمى "المحفوظ", ويرد المخالف ويسمى "الشاذ" مع أن راويه عندهم ثقة مقبول.

  1. ألا يشتمل الحديث على علة قادحة في سنده أو متنه: وهذه إنما يعرفها أئمة هذا الشأن، ممن عايشوا الأحاديث، وخبروا الأسانيد والمتون، حتى إن الحديث ليبدو في ظاهر الأمر مقبولا لا غبار عليه، فإذا نظر إليه هؤلاء الصيارفة الناقدون، سرعان ما يكتشفون فيه خللا يوجب وهنه، ولهذا نشأ علم رحب يسمى علم "العلل"[4].

ومن هنا نتبين أن الحكم على صحة الحديث، إنما هو نتاج علم قوي مستقل قائم بذاته، وأن هناك علماء أجلاء قد أفنوا أعمارهم في هذا المضمار، بما لا يدع مجالا بعد ذلك للخوض في هذا الباب, وإذا ثبت ذلك فإن أي إنسان يحاول التشكيك في صحة الحديث النبوي أو يعرضه على قواعد جديدة، إنما هو غارق في الخيال، جاهل بما حظيت به السنة من اهتمام وعناية.

ثانيا. القواعد التي وضعت للتثبت من أخبار المؤرخين وغيرهم, لا يصح الاعتماد عليها في الحكم على السنة:

إن أخبار المؤرخين والعامة، وأصحاب الحكايات، والوقائع التاريخية، لم تصل درجة صيانتها وحفظها إلى ما وصلت إليه السنة، ولذلك احتاجت هذه العلوم إلى قواعد للحكم على صحتها، والتأكد من ثبوتها؛ ولذلك فإن القواعد التي وضعها ابن خلدون للتثبت من هذه الأشياء، لا يصح الاعتماد عليها في الحكم على السنة؛ لأن السنة قد نالت من العناية والحفظ - كما سبق الذكر - درجة تغنيها عن هذه القواعد في الحكم على صحتها.

إن ابن خلدون وضع هذه القواعد، ألا وهي عرض أخبار المؤرخين على قواعد السياسة وطبيعة العمران للتأكد من صحتها؛ لأنها معرضة إلى زلة القدم والحيدة عن جادة الصدق، وكثيرا ما وقع للمؤرخين من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا كان أو سمينا، ولم يعرضوها على أصولها ولا ساقوها بأشباهها، ولا سبروها بمعيار الحكمة، والوقوف على طبائع الكائنات, وتحكيم النظر، والبصيرة في الأخبار, فضلوا عن الحق[5].

كما أنه من المعلوم بداهة أن التاريخ يكتب للأقوى، لذلك لا بد وأن نعرض هذه الأخبار على قواعد السياسة، وطبيعة العمران، وإلا لضاع منا الكثير من المعالم التاريخية، والحقب الزمنية، ولاستطاع كل إنسان امتلك مقومات القوة أن يسجل التاريخ لصالحه.

وعليه فلا بد من قواعد يحفظ بها التاريخ، وليس بلازم أن ينطبق هذا الأمر على السنة؛ لأنها وصلت إلينا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من طريق الوحي عن رب العزة - عز وجل - محفوظة غضة طرية، فلم يضع منها شيء، ولا زيد عليها شيء.

وهذا كله عكس الحكايات والأخبار العامة التي قد يحكيها أي إنسان في أي مكان بأي لغة، مما يسمح له ذلك أن يضيف ويزيد أو يحذف، أو يصوغ صياغة قد يفهم منها غير الحقيقة، ولذلك تجد فيها من اختلاف الروايات العجب العجاب.

وكم من الحقب التاريخية التي ضاعت واندثرت ولم نعرف عنها شيئا إلا من خلال القرآن الكريم أو السنة النبوية المطهرة.

وعليه فإن هذه التناقضات التي حدثت في الأخبار التاريخية، لم تحدث أبدا مع السنة لما حباها الله - سبحانه وتعالى - من حفظ في الصدور والسطور، كما أشرنا إلى ذلك في تفصيل الوجه الأول.

ونضيف إلى ذلك أن العلماء الأوائل وضعوا علامات وصفات يجب توافرها في متن الحديث ليكون صحيحا، هذه العلامات أقوى في بيان صحة الأحاديث من عرضها على قواعد السياسة وطبيعة العمران التي قالوا بها.

ومن هذه العلامات التي تدل على أن الحديث موضوع غير صحيح:

  1. ركاكة لفظه ومعناه، وتعرف بكثرة الممارسة لألفاظ الحديث النبوي، فتحصل هيئة نفسانية، وملكة يعرف بها اللفظ النبوي من غيره, قال الحافظ ابن حجر: "المدار في الركاكة على ركة المعنى، فحيثما وجدت دلت على الوضع، وإن لم ينضم إليها ركاكة اللفظ"[6].
  2. فساد المعنى بأن يخالف الحديث بدهيات العقول، أو القواعد العامة في الأخلاق والآداب، أو يخالف الحس، أو قواعد الطب، أو ما يوجبه العقل من تنزيه الله سبحانه وتعالى، أو ما يخالف قطعيات التاريخ، أو سنة الله في الكون والإنسان، أو ما يشتمل على سخافات يبعد عنها كل عاقل.
  3. مخالفته القرآن الكريم، أو السنة النبوية المتواترة، أو الإجماع القطعي، فإذا خالف شيئا من ذلك فهو موضوع.
  4. مخالفته لوقائع التاريخ المقطوع بصحتها.
  5. صدور الحديث من راو تأييدا لمذهبه، كالأحاديث الصادرة من أتباع المذاهب الفقهية والكلامية المغالين في تعصبهم.

وغيرها من القواعد الهامة التي استطاعوا من خلالها بيان الصحيح من الموضوع، وبدأت حركة النقد هذه منذ وقوع الفتنة، وحتى تم تدوين السنة في دواوينها التي وصلت إلينا.

هذه هي القواعد التي عرض علماء الحديث عليها كل المرويات قبل الأخذ بها واعتمادها، فهل بعد عرضه على مثل هذه القواعد يعقل أن نصدق من يقول بعرض الحديث على قواعد السياسة وطبيعة العمران لمعرفة صحته والحكم عليه؟!

الخلاصة:

  • لمتكنالسنةكغيرهامنالأخبار،ولكنها نالت من العناية والحفظ ما صانها وحفظها, حتى وصلت إلينا غضة طرية, فما شابها تحريف أو تبديل، ولا زيادة فيها أو نقصان منها؛ وذلك لأن الله قيض لها علماء أجلاء تولوا حفظها في الصدور قبل السطور, فلم يكن قبول الحديث شيء هين يتساهل فيها عالم من العلماء، بل إنه مر بمراحل عديدة من أجل التحقق من صحة متنه وسنده، مما يؤكد أن السنة لا تحتاج بعد ذلك إلى شيء للتحقق من صحتها.
  • أمابالنسبةللأخبارالتاريخيةفلابدلهامنقواعدتضبطها،وتبينلناصحتهافلولمتعرضهذهالأخبارعلىقواعدالسياسةوطبيعةالعمرانلضاعكثيرمنالمعالم التاريخية والحقب الزمنية,ولاستطاع كل إنسان امتلك مقومات القوة أن يسجل التاريخ لصالحه.
  • إنهذهالأخبارلمتلقمنالعنايةمالقيتهالسنة،فكانمنالواجبعليناأننضعلهاقواعدتوضحلناماهيتها,وليسبلازمأبداأننطبقهذهالقواعدعلىالسنةبعدماتبين لنا كم كانت درجة العناية بها، فما قواعد السياسة وطبيعة العمران بأدق من القواعد التي وضعت من أجل التثبت من صحة الحديث.

 

 

(*) السنة المطهرة بين أصول الأئمة وشبهات صاحب فجر الإسلام وضحاه, د. سيد أحمد رمضان المسير، دار الطباعة المحمدية، القاهرة، ط1، 1402هـ/ 1981م.

[1]. دفاع عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم, علاء الدين رجب أبو زرد، دار الصابوني، القاهرة، ط1، 1428هـ/ 2007م، ص33 بتصرف.

[2]. الطبقات الكبير، ابن سعد، تحقيق: د. علي محمد عمر، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2002م، (2/ 328).

[3]. دفاع عن الحديث النبوي, د. أحمد عمر هاشم، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1421هـ/ 2000م، ص86 بتصرف.

[4]. المدخل لدراسة السنة النبوية, د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، مصر، ط5، 1425هـ/ 2004م، ص84: 88 بتصرف.

[5]. مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون، دار القلم، بيروت، ط6، 1406هـ/ 1986م، ص9 بتصرف.

[6]. تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي, السيوطي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، مكتبة دار التراث، القاهرة، ط2، 1392هـ/ 1972م، (1/ 276).

  • الجمعة PM 03:54
    2020-10-16
  • 1118
Powered by: GateGold