المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409106
يتصفح الموقع حاليا : 258

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى بطلان حديث "العين حق"

دعوى بطلان حديث "العين حق"(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض أعداء السنة النبوية بطلان حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه الشيخان، والذي جاء فيه: «العين حق» وزاد مسلم: «ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين».

ويستدلون على ذلك بأن هذا الحديث يخالف العقل، فكيف تعمل العين من بعد، حتى تعل وتسقم؟ فلا يمكن أن يصيب شخص شخصا آخر بغير اتصال أوملامسة، ولا يمكن أن يؤثر في الحس المادي إلا حس مادي مثله نراه ونبصره بأعيننا.

رامين من وراء ذلك إلى إنكار هذا الحديث برواياته، تمهيدا للطعن في السنة جميعها.

وجوه إبطال الشبهة:

1)  إن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «العين حق» صحيح في أعلى درجات الصحة، فقد اتفق الشيخان على صحته، فضلا عن تعدد طرق الحديث وتنوعها، ووروده في أغلب كتب الحديث بأسانيد صحيحة، علاوة على تصريح القرآن الكريم بذلك، وكذلك الأحاديث الشريفة في التأكيد على ما للعين من تأثير واضح على الأشياء والأجسام الأخرى دون ملامسة أو اتصال.

2)  لقد كثرت الوقائع المشاهدة أمام أعيننا في كل زمان ومكان، بما لا يدع مجالا للشك أن للعين تأثيرا لا ينكر في تغير طبائع الأشياء، كما أن اختلاف الناس وتغير أحوالهم وتفاوت طبائعهم ليدل على أنهم يختلفون أيضا في الإضرار بأعينهم أو عدم الإضرار، ولا ينبغي لمن لا يملك الشيء أن ينكر وجود الشيء لدى من يملكه.

3)  لقد جاء العلم الحديث بما توصل إليه من نظريات وأساليب علمية حديثة، وبما قام به من تجارب علمية في هذا الشأن، فأثبت أن العين لها قدرة عظيمة على التأثير في طبائع الأشياء والأشخاص مما يؤكد صدق نبوة المصطفى صلى الله عليه وسلم.

التفصيل:

أولا. حديث «العين حق» حديث صحيح في أعلى درجات الصحة سندا، وتأثير العين أمر ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الأمم والملل:

إن ما يدعيه بعض المغرضين من أعداء سنة البشير النذير؛ من أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين حق» حديث باطل لا يصح؛ لأنه - في زعمهم - يخالف العقل؛ فلا يقبل العقل أن يصيب شخص شخصا آخر بغير اتصال أوملامسة، ولا أن يؤثر في الحسي المادي إلا حسي مادي مثله، نراه ونبصره بأعيننا، فلذلك فهم يتساءلون: كيف تعمل العين من بعد، حتى تعل وتسقم؟.

وفي الحقيقة كل هذا كلام باطل، ولا أساس له من الصحة؛ فحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ينكرونه هو حديث ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقينا؛ فقد رواه الشيخان، واتفقا على صحته، فقد رواه البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العين حق، ونهى عن الوشم»[1].

ومعنى العين: "نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر"[2].

وروى مسلم بنفس الطريق - أيضا - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «العين حق»[3].

وأخرج الإمام مسلم أيضا عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتمفاغسلوا»[4].

وللحديث شواهد أخرى كثيرة، وبطرق متعددة؛ منها:

ما رواه الحاكم في المستدرك: عن عامر بن ربيعة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا رأى أحدكم من نفسه، أو ماله، أو من أخيه ما يعجبه، فليبرك[5]؛ فإن العين حق»[6].

وروى ابن ماجه في سننه عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استعيذوا بالله؛ فإن العين حق»[7].

وجاء في صحيح ابن حبان عن سهل بن الأحنف، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «علام يقتل أحدكم أخاه، ألا بركت؟! إن العين حق توضأ له»[8].

فالحديث صحيح سندا ولا غبار عليه، وهو في أعلى درجات الصحة، فقد رواه الشيخان، وروي من طرق كثيرة في أغلب كتب الحديث؛ مما يؤكد صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

أما من حيث المتن؛ فالحديث معناه صحيح ومستقيم، ولا مطعن في متنه على الإطلاق، فالعين حق: أي لها تأثير لا ينكر في الأشخاص والأشياء الأخرى، شهد بذلك القرآن الكريم، وتواترت الأحاديث النبوية الشريفة في بيان ذلك.

أما من القرآن نذكر ما يأتي:

  • قولهتعالى: )قلأعوذبربالفلق (1) منشرماخلق (2) ومنشرغاسقإذاوقب (3) ومنشرالنفاثاتفيالعقد (4) ومنشرحاسدإذاحسد (5)( (الفلق)،حيثأمراللهبالاستعاذةمنشرالحاسدوالعائن.
  • قوله تعالى على لسان يعقوب - عليه السلام - موصيا بنيه: )وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون (67)( (يوسف).

وقد ذكر الطبري في تفسير هذه الآية: وذكر أنه قال ذلك لهم؛ لأنهم كانوا رجالا لهم جمال وهيأة، فخاف عليهم العين إذا دخلوا جماعة من طريق واحد، وهم ولد رجل واحد، فأمرهم أن يفترقوا في الدخول إليها" [9].

وقال القرطبي - رحمه الله - في تفسيرها: "لما عزموا على الخروج خشي عليهم العين، فأمرهم ألا يدخلوا مصر من باب واحد، وكانت مصر لها أربعة أبواب، وإنما خاف عليهم العين؛ لكونهم أحد عشر رجلا لرجل واحد، وكانوا أهل جمال وكمال وبسطة، قاله ابن عباس، والضحاك، وقتادة وغيرهم"[10].

  • وقولهتعالى: )ولولاإذدخلتجنتكقلتماشاءاللهلاقوةإلاباللهإنترنأناأقلمنكمالا وولدا (39)( (الكهف).

قال القرطبي: "وروي أن من قال أربعا أمن من أربع: من قال هذه أمن من العين...[11].

  • وقوله: )وإنيكادالذينكفرواليزلقونكبأبصارهملماسمعواالذكرويقولونإنهلمجنون (51)( (القلم).

قال القرطبي في تفسيرها: "أخبر بشدة عداوتهم للنبي - صلى الله عليه وسلم - وأرادوا أن يصيبوه بالعين؛ فنظر إليه قوم من قريش، وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حججه. وقيل: كانت العين في بني أسد، حتى إن البقرة السمينة، أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها، ثم يقول: يا جارية، خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر.

وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم، فيقول: لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه! فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة.

فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعين فأجابهم، فلما مر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنشد:

قد كان قومك يحسبونك سيدا

وإخال أنك سيد معيون

فعصم الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم ـونزلت: )وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون (51)( (القلم).

وذكر نحوه الماوردي، وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا - يعني في نفسه وماله - تجوع ثلاثة أيام، ثم يتعرض لنفسه وماله، فيقول: تالله ما رأيت أقوى منه، ولا أشجع، ولا أكثر منه، ولا أحسن، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله، فأنزل الله تعالى هذه الآية"[12].

أما من السنة فالأدلة على حقيقة العين وتأثيرها، وكيفية الترقي والاسترقاء منها كثيرة جدا، تصل إلى حد التواتر؛ منها:

ما جاء في صحيح البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «أمرني النبي صلى الله عليه وسلم - أو أمر - أن يسترقى من العين»[13].

وفي صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت:«كان إذا اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رقاه جبريل قال: باسم الله يبريك، ومن كل داء يشفيك، ومن شر حاسد إذا حسد، وشر كل ذي عين»[14].

وقد صح عن أم سلمة - رضي الله عنها: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى في بيتها جارية في وجهها سفعة، فقال: استرقوا لها، فإن بها النظرة»[15].

وروي عن عبيد بن رفاعة قال: قالت أسماء (بنت عميس): «يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين، أفأسترقي لهم؟ قال: نعم؛ فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين»"[16].

وروى الطيالسي عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس - يعني العين»[17].

وروى البخاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة»[18].

قال ابن حجر في "الفتح": قوله (باب العين حق): أي الإصابة بالعين شيء ثابت موجود، أو هو من جملة ما تحقق كونه. قال المازري: أخذ الجمهور بظاهر الحديث، وأنكره طوائف المبتدعة لغير معنى؛ لأن كل شيء ليس محالا في نفسه، ولا يؤدي إلى قلب حقيقة، ولا إفساد دليل، فهو من متجاوزات العقول، فإذا أخبر الشرع بوقوعه لم يكن لإنكاره معنى، وهل من فرق بين إنكارهم هذا وإنكارهم ما يخبر به من أمور الآخرة؟!"[19].

وجاء في "فتح الباري" أيضا: قوله: «فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» إشارة إلى الرد على من زعم من المتصوفة أن قوله: «العين حق» يريد به القدر: أي العين التي تجري منها الأحكام، فإن عين الشيء حقيقته؛ والمعنى أن الذي يصيب من الضرر بالعادة عند نظر الناظر؛ إنما هو بقدر الله السابق لا بشيء يحدثه الناظر في المنظور، ووجه الرد أن الحديث ظاهر في المغايرة بين القدر وبين العين، وإن كنا نعتقد أن العين من جملة المقدور، لكن ظاهره إثبات العين التي تصيب، إما بما جعل الله تعالى فيها من ذلك، وأودعه إياها، وإما بإجراء العادة بحدوث الضرر عند تحديد النظر، وإنما جرى الحديث مجرى المبالغة في إثبات العين، لا أنه يمكن أن يرد القدر شيء؛ إذ القدر عبارة عن سابق علم الله، وهو لا راد لأمره. أشار إلى ذلك القرطبي، وحاصله: لو فرض أن شيئا له قوة بحيث يسبق القدر لكان العين، لكنها لا تسبق، فكيف غيرها؟![20].

قال النووي "ومذهب أهل السنة أن العين إنما تفسد وتهلك عند نظر العائن بفعل الله تعالى، أجرى الله - سبحانه وتعالى - العادة أن يخلق الضرر عند مقابلة هذا الشخص لشخص آخر، وهل ثم جواهر خفية أم لا؟ هذا من مجوزات العقول، لا يقطع فيه بواحد من الأمرين، وإنما يقطع بنفي الفعل عنها وبإضافته إلى الله تعالى. فمن قطع من أطباء الإسلام بانبعاث الجواهر فقد أخطأ في قطعه، وإنما هو من الجائزات. هذا ما يتعلق بعلم الأصول، أما ما يتعلق بعلم الفقه، فإن الشرع ورد بالوضوء لهذا الأمر في حديث سهل بن حنيف لما أصيب بالعين عند اغتساله، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عائنه أن يتوضأ"[21].

ثانيا. كثرة الوقائع المشاهدة في كل زمان ومكان مما يثبت تأثير العين الذي لا ينكر.

كثيرة هي تلك الوقائع والمشاهد التي تؤكد حقيقة العين، وظهور أثرها في الأشياء والأجسام، مما يصدق على صحة الأحاديث الواردة في هذا الباب، وقد شرح هذه الوقائع والمشاهد كما رآها أو سمعها كثير من العلماء مثل ابن القيم وابن حجر وابن قتيبة، فابن القيم يرد على من أنكر العين، ويقول: "فأبطلت طائفة ممن قل نصيبهم من السمع والعقل أمر العين، وقالوا: إنما ذلك أوهام لا حقيقة لها، وهؤلاء من أجهل الناس بالسمع والعقل، ومن أغلظهم حجابا، وأكثفهم طباعا، وأبعدهم عن معرفة الأرواح والنفوس، وصفاتها وأفعالها وتأثيراتها، وعقلاء الأمم على اختلاف مللهم ونحلهم لا تدفع أمر العين، ولا تنكره، وإن اختلفوا في سببه، وجهة تأثير العين.

ثم قال ابن القيم أيضا: "ولا ريب أن الله - سبحانه وتعالى - خلق في الأجسام والأرواح قوى وطبائع مختلفة، وجعل في كثير منها خواص وكيفيات مؤثرة، ولا يمكن لعاقل إنكار تأثير الأرواح في الأجسام؛ فإنه أمر مشاهد محسوس، وأنت ترى الوجه يحمر حمرة شديدة إذا نظر إليه من يحتشمه ويستحي منه، ويصفر صفرة شديدة عند نظر من يخافه إليه، وقد شاهد الناس من يسقم من النظر وتضعف قواه، وهذا كله بواسطة تأثير الأرواح، ولشدة ارتباطها بالعين ينسب الفعل إليها، وليست هي الفاعلة؛ وإنما التأثير للروح، والأرواح مختلفة في طبائعها وقواها وكيفياتها وخواصها، فروح الحاسد مؤذية للمحسود أذى بينا؛ ولهذا أمر الله - سبحانه وتعالى - رسوله أن يستعيذ به من شره. وتأثير الحاسد في أذى المحسود أمر لا ينكره إلا من هو خارج عن حقيقة الإنسانية، وهو أصل الإصابة بالعين؛ فإن النفس الخبيثة الحاسدة تتكيف بكيفية خبيثة، وتقابل المحسود، فتؤثر فيه بتلك الخاصية، وأشبه الأشياء بهذا الأفعى، فإن السم كامن فيها بالقوة، فإذا قابلت عدوها، انبعثت منها قوة غضبية، وتكيفت بكيفية خبيثة مؤذية، فمنها ما تشتد كيفيتها وتقوى حتى تؤثر في إسقاط الجنين، ومنها ما تؤثر في طمس البصر، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأبتر، وذي الطفيتين[22] من الحيات: «إنهما يطمسان البصر، ويستسقطان الحبل»[23].

وذكر أيضا: "والتأثير غير موقوف على الاتصالات الجسمية، كما يظنه من قل علمه ومعرفته بالطبيعة والشريعة، بل التأثير يكون تارة بالاتصال، وتارة بالمقابلة، وتارة بالرؤية، وتارة بتوجه الروح نحو من يؤثر فيه، وتارة بالأدعية والرقى والتعوذات، وتارة بالوهم والتخيل، ونفس العائن لا يتوقف تأثيرها على الرؤية، بل قد يكون أعمى، فيوصف له الشيء فتؤثر نفسه فيه وإن لم يره، وكثير من العائنين يؤثر في المعين بالوصف من غير رؤية، وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: )وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر( (القلم:51) [24].

وقد بين ابن حجر في "الفتح" ما قد يشكل على البعض في ذلك، فقال: " وقد أشكل ذلك على بعض الناس فقال: كيف تعمل العين من بعد حتى يحصل الضرر للمعيون؟ والجواب: أن طبائع الناس تختلف، فقد يكون ذلك من سم يصل من عين العائن في الهواء إلى بدن المعيون، وقد نقل عن بعض من كان معيانا أنه قال: إذا رأيت شيئا يعجبني وجدت حرارة تخرج من عيني. ويقرب ذلك بالمرأة الحائض تضع يدها في إناء اللبن فيفسد، ولو وضعتها بعد طهرها لم يفسد، وكذا تدخل البستان فتضر بكثير من الغروس من غير أن تمسها يدها، ومن ذلك أن الصحيح قد ينظر إلى العين الرمداء فيرمد، ويتثاءب واحد بحضرته فيتثاءب هو، أشار إلى ذلك ابن بطال" [25].

ويرد ابن قتيبة على من يقول: "وكيف تعمل العين من بعد، حتى تعل وتسقم؟" ويقولون: "هذا لا يقوم في وهم، ولا يصح على نظر"، فيرد ابن قتيبة ويقول: "ونحن نقول: إن هذا قائم في الوهم، صحيح في النظر من جهة الديانة، ومن جهة الفلسفة التي يرتضون بها، ويردون الأمور إليها، والناس يختلفون في طبائعهم، فمنهم من تضر عينه إذا أصاب بها، ومنهم من لا تضر عينه، ومنهم من يعض فتكون عضته معضة الكلب الكلب في المضرة، أو كنهشة الأفعى، لا يسلم جريحها، ومنهم من تلسعه العقرب، فلا تؤذيه وتموت العقرب...فما الذي ينكر من أن يكون في الناس ذو طبيعة في نفس ذات سم وضرر؟

فإذا نظر بعينه، فأعجبه ما يراه، وصل من عينه في الهواء شيء من تلك الطبيعة أو ذلك السم، حتى يصل إلى المرئي فيعله.

وقد زعم صاحب المنطق "أن رجلا ضرب حية بعصا، فمات الضارب، وأن من الأفاعي ما ينظر إلى الإنسان، فيموت الإنسان بنظره، وما يصوت، فيموت السامع بصوته" فهذا قول أهل الفلسفة[26].

"وقد اتفقت الأمم بالإجمال على أن للعين تأثيرا، فلا تجد أمة إلا وفيها من يعرف بذلك، ومن يصدقه ويعترف به، ويروي فيه الروايات الكثيرة العجيبة التي يستحيل أن تكون كلها كذبا، وأن يكونوا تواطئوا على الجهل والغلط والكذب فيها، بل يكاد يكون في كل بلدة من يعرف عنه الداء الوبيل، والناس يحكون عنه الأشياء الكثيرة، ويذكرون أنهم شاهدوها، أو حدثهم من شاهدوها" [27].

وخلاصة القول في ذلك: أن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "العين حق" حديث صحيح في أعلى درجات الصحة؛ لاتفاق الشيخين البخاري ومسلم على صحته، ولوروده بطرق كثيرة متنوعة في أغلب كتب الحديث بأسانيد قوية وصحيحة، هذا من حيث السند، أما من حيث المتن فقد أكد معناه القرآن الكريم في غير آية، وتواترت الأحاديث في شأن بيان تأثير العين بعد إرادة الله على المعين، ذلك ما لم تنكره أمة من الأمم، أو ملة من الملل من قبل.

ثالثا. العلم الحديث والتجربة المشاهدة تثبت أن للعين قوة خارقة في التأثير في الآخرين دون اتصال أوملامسة.

إنه ليس صحيحا ما زعمه هؤلاء المغرضون من أن أحاديث تأثير العين مردودة؛ بحجة أنها تخالف العلم، وما هي إلا خرافة؛ لأنه لا يمكن أن يصيب الشخص شخصا آخر بغير اتصال وملامسة، وشق عليهم أن يصدقوا أن العين تؤثر من بعد، حتى تعل وتسقم.

فقد أثبت العلم الحديث صدق ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - بشأن قدرة العين الخارقة في التأثير في الآخرين.

فتحت عنوان: (من شر حاسد إذا حسد) كتب الأستاذ فراس نور الحق - مدير موقع الإعجاز العلمي في القرآن والسنة - يقول:

" تقول الكاتبة والباحثة الإنجليزية والصحفية التي جمعت أخطر دراسات في مجال الطاقة (لين ماكتاجارات) في كتابها: "البحث عن سر قوة الكون": "لقد كشف العلم الحديث أن للعين قوى خارقة، كما أظهرت الدراسات أن هذه القدرات ليست حكرا على أحد، أو خاصية يتمتع بها أناس متميزون عن غيرهم، بل هي موجودة في معظم البشر، وأقل البشر شريطة أن يدرك قدراته، ويعرف الطرق لاستخدامها"[28].

وقد أوردت هذه الباحثة عدة شواهد ونماذج توفرت فيهم هذه الخاصية، فقالت: "ولعل أعجب القدرات على اختراق المادة بالنفس، امتلكها الشاب (ماثيو مانينغ) من قرية (لينتون) قرب مدينة كامبردج، فقد كان باستطاعته طوي الملاعق والسكاكين وتغيير شكلها بمجرد النظر، وكان ينظر إلى عقارب الساعة فيوقفها عن الحركة، ويستطيع إيقاف التيار الكهربائي... وثبتت لديه القدرة على التأثير في سريان الدم في الأوعية والشرايين، وكذلك التأثير على مرض السرطان.

ويعرف عن نابليون بونابرت أنه كان ذو نظرة (حسد ثاقبة) فقد عرف عنه أنه إذا ثبت نظره على خصمه سبب له متاعب كبيرة، وإذا نظر بنظرته الحاسدة إلى شيء ما حطم ذلك الشيء، ولم يكن بياض عينيه أبيض، بل كان لونه صفراويا.

أما أكثر هذه الحالات غرابة، وأكثرها مصداقية، وذات توثيق علمي، هي التجربة التي أجريت على (نيليا ميخايلوفا) التي كانت باستطاعتها، وبمجرد النظر من على بعد ستة أقدام أن تفصل بياض البيضة عن صفارها، مستخدمة في ذلك مقدرتها الخاصة جدا في تحريك الأجسام المادية عن بعد ودون أن تقربها.

وقد أجريت هذه التجربة وسط حشد من العلماء بجامعة ليننجراد، وباستخدام آلات التصوير لتسجيل الحدث لحظة بلحظة، وباستعمال العديد من الأجهزة التي تقيس الضغط والنبض، وأنواع الإشعاعات التي تسود المخ أثناء التجربة، وقد نجحت السيدة نيليا في فصل صفار البيضة عن بياضها خلال نصف ساعة، وقد كشفت الملاحظة وأجهزة القياس على جسد السيدة نيليا عن الآتي:

  • نشاطغيرمنتظمفيالقلبمعزيادةالنبض (240).
  • ارتفاعشديدفينسبةالسكر.
  • فقدترطلينمنوزنها.
  • خرجتمنالتجربةتعانيمنالضعفبشكلعام.
  • أصيبتبمايشبهفقدانالبصرالمؤقت.
  • تعانيمنآلامشديدةفيالأطراف.
  • وظلتلعدةأيامبعدالتجربةغيرقادرةعلىالنوم.
  • فقدتقدرتهاعلىالتذوق.

ولقد كان اكتشاف حالة السيدة (نيليا) كان بفضل العالم البيولوجي (إدوارد فاموف)، الأستاذ بجامعة موسكو - الذي أعد دراسات على قدراتها، وذلك باستخدام عيدان الثقاب التي تستطيع (نيليا) تحريكها بتمرير يدها عليها، وهي مبعثرة على طاولة، ثم باستخدام لوح زجاجي بين يديها وبين عيدان الثقاب.

فمن أخبر محمدا - صلى الله عليه وسلم - قبل ألف وأربعمائة سنة عن الطاقة التي تولدها العين؟... إنه الله خالق الكون رب العالمين[29].

وكان من رواد هذا المجال الدكتور هيروشيموتوياما (وهو عالم ياباني حصل على Ph.D في علم وظائف الأعضاء، وعلى Ph.D في علم النفس، وهو مدير معهد علم النفس الديني بطوكيو) الذي أجرى العديد من التجارب العلمية حول الموضوع - نشرت خلال السبعينات من هذا القرن - نلخصها فيما يلي: ميز هيروشيموتوياما بين الشخص العادي، وشخص غير عادي سماه Psi-ability له قدرة طاقية نفسية داخلية، ونستسمحه أن نسميه مؤقتا (الشخص النفسي) فوجد أن الشخص النفسي يمكنه التحكم في بعض وظائف لا إرادية للجهاز مثل سرعة ضربات القلب، وسرعة التنفس، وبعضهم استطاع أن يوقف ضربات قلبه خمس ثوان.

ولاحظ أن هؤلاء الأشخاص النفسيين هم من ذوي الطبائع التأملية، والرياضيات العقلية النفسية، وأنهم منطوون على أنفسهم، وأنهم قليلو الاختلاط بالناس، قليلو الحركة الحياتية، منهمكون في التأمل العقلي النفسي، وليس التأمل العقلي الرياضي، أو العلمي أو الفني.

 وتمكن هذا العالم من رصد وتسجيل بعض مؤشرات عن وظائف أعضاء هؤلاء الأشخاص مقارنة بالأشخاص العاديين، وقد ظهر من هذه المؤشرات معدل تدفق البلازما، وسرعة التنفس والمقاومة الجهدية الكهربية للجلد في شخص عادي وشخص نفسي.

ثم تمكن هذا العالم من ملاحظة ما يمكن أن ينتاب الشخص العادي من تأثير التركيز العقلي من الشخص النفسي عليه، فوجد أن التركيز العقلي من الشخص النفسي على شخص عادي يسبب له خللا في المقاييس الثلاثة التي قاسها، وهي معدل تدفق البلازما، وسرعة التنفس، والمقاومة الجهدية الكهربية للجلد.

 وقد استطاع أن يصمم أجهزة دقيقة لقياس الطاقة، فأثبت أن هناك انبعاثا للطاقة من جسد الشخص النفسي، وهي التي تسبب التأثير على الشخص العادي، وأنها تنبعث من بؤرات سماها (شاكرا) توجد على امتداد الحبل الشوكي مع المحور الطولي للإنسان، وأن أشدها نشاطا هي البؤرة الموجودة بين العينين، والتي تقابل تماما الغدة النخامية فيه، فأثبت تأثير التركيز العقلي من هذه البؤرة على الشخص العادي الذي تم عزله تماما في صندوق، ووضع في حجرة معزولة بالرصاص عن أي إشعاع يدخل من الخارج.

ولخص "هيروشيموتوياما" معلوماته على النحو التالي:

  • الأشخاصالعاديونغيرقادرينعلىبعثهذهالطاقة.
  • الأشخاصالمميزونيمكنهمإيقاظالانبعاثعنطريقالتركيز، أو أثناء ما تنتابهم من حالات نفسية غير مستقرة.
  • أقوىالنقاطالمؤثرةفي (الشاكرا) هيالبؤرةالتيعلىالجبهةبينالعينين[30].

مما سبق يتضح أن التجربة المشاهدة قد أكدت ما للعين من تأثير لا ينكر في الأشياء والأشخاص، وقد تواترت تلك التجارب أمام أعيننا كل يوم وفي كل زمان، وقد جاء العلم الحديث بنظرياته وتجاربه، وكل ما توصل إليه من أساليب علمية حديثة؛ ليثبت ما قد أكده النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان من أن للعين تأثيرا عظيما يؤثر في الآخرين، حتى إنها لتعل وتسقم، وإن دل ذلك على شيء؛ فإنما يدل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم. وعلى كذب من ادعى أن كلامه - صلى الله عليه وسلم - خرافات ومضار للعلم والعقل؛ بل هو عين العلم وصحيح العقل، فصدق المصدوق فيما بلغ عن رب العزة - عز وجل - وكذب من طعن في صدقه وبطلت شبهتهم.

الخلاصة:

  • إنحديث«العين حق» صحيح في أعلى درجات الصحة؛ فقد رواه الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، كما ورد في كثير من كتب السنة الأخرى بطرق متواترة صحيحة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
  • لقدكثرتآياتالقرآنالكريم،وتواترتالأحاديثالنبويةالشريفةفينفسمعنى الحديث، بأن العين حق، ولها قدرة عظيمة لا تنكر في التأثير في طبائع الأشياء والأجسام الأخرى من بعد دون اتصال أو ملامسة، حتى إنها لتعل الإنسان وتسقمه.
  • مامنأمةمنالأممإلاوأدركتماللعينمنهذهالخاصيةالخارقة،ولمنجدأمةمنالأمم،أوملةمنالمللأنكرت ذلك أو شكت فيه.
  • إنالواقعالمشاهدأمامأعيننافيكلزمانومكانليثبتبمالايدعمجالاللشكأنالعينلهاقدرةخارقةعلىالتأثيرفيالأشخاصوالأشياءالأخرى،وقدجاءالعلمالحديثبماأوتيمنوسائلحديثة،ونظرياتليؤكدصدقماجاءعنالنبي - صلىاللهعليه وسلم - من خلال التجارب العلمية، من أنه اتضح بما لا يدع مجالا للشك أن للعين القدرة على التأثير في المعين - بإذن الله - حتى إنها لتغير طبائع الأشياء، وتعل وتمرض الشخص الآخر.

 

 

 

(*) مشكلات الأحاديث النبوية، عبد الله القصيمي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 2006م. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة، 1427هـ/ 2006م. التأويل دراسة موضوعية في الأحاديث النبوية، د. محمد رأفت سعيد، دار الوفاء، مصر، ط2، 1425هـ/ 2004م.

[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: العين حق، (10/ 213)، رقم (5740).

[2]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (10/ 210).

[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: الطب والمرض والرقى، (8/ 3307)، رقم (5597).

[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب السلام، باب: الطب والمرض والرقى، (8/ 3307)، رقم (5598).

[5]. يبرك: يدعوا بالبركة.

[6]. صحيح: أخرجه الحاكم في مستدركه، كتاب: الطب، (4/ 240)، رقم (7500). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تعليقه على المستدرك.

[7]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطب، باب: العين، (2/ 1159)، رقم (3508). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (3508).

[8]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب: الرقى والتمائم، (13/ 469)، رقم (6105). وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن أبي أمامة.

[9]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (16/ 165).

[10]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (9/ 226).

[11]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (10/ 407).

[12]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (18/ 254، 255).

[13]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: رقية العين، (10/ 210)، رقم (5738).

[14]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: السلام، باب: الطب والمرض والرقي، (8/ 3307)، رقم (5595).

[15]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الطب، باب: رقية العين، (10/ 210)، رقم (5739).

[16]. صحيح: أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب: الطب، باب: العين، (2/ 1160)، رقم (3510). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه برقم (2829).

[17]. حسن: أخرجه الطيالسي في مسنده، كتاب: ما روى عبد الرحمن بن جابر عن جابر، ص242، رقم (1760). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (747).

[18]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: رقم (10)، (6/470)، رقم (3371).

[19]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (10/ 214،213).

[20]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (10/ 214).

[21]. شرح صحيح مسلم، النووي، تحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض، مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة، ط2، 1422هـ/ 2001م، (8/ 3309).

[22] . الأبتر: الثعبان مقطوع الذنب، وذو الطفيتين: هي أفعى يكون على ظهرها خطان أسودان.

[23]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: بدء الخلق، باب: قوله تعالى: ) وبث فيها من كل دابة (، (6/ 399)، رقم (3297).

[24]. زاد المعاد في هدي خير العباد، ابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط8، 1405 هـ/ 1985م، (4/ 165: 167).

[25]. فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: محب الدين الخطيب وآخرين، دار الريان للتراث، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1986م، (10/ 210).

[26]. تأويل مختلف الحديث، ابن قتيبة، تحقيق: أبي المظفر سعيد بن محمد السناري، دار الحديث، القاهرة، 1427هـ/ 2006م، ص 424: 426.

[27]. مشكلات الأحاديث النبوية، عبد الله القصيمي، مؤسسة الانتشار العربي، بيروت، ط2، 2006م، ص99.

[28]. العين والقدرات الخارقة، د. محمد السقا، مقال بموقع: اسم الله.

[29]. "من شر حاسد إذا حسد"، مقال بموقع موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، فراس نور الحق، نقلا عن: العين والقدرات الخارقة، د. محمد السقا، مقال بموقع: اسم الله.

[30]. العين والقدرات الخارقة، د. محمد السقا، مقال بموقع: اسم الله.

 

  • الجمعة AM 12:08
    2020-10-16
  • 1221
Powered by: GateGold