المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409174
يتصفح الموقع حاليا : 383

البحث

البحث

عرض المادة

توهم صحة حديث "أحد أبوي بلقيس كان جنيا"

توهم صحة حديث "أحد أبوي بلقيس كان جنيا"(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض الواهمين صحة حديث «أحد أبوي بلقيس كان جنيا». ويستدلون بذلك على إباحة زواج الإنس بالجن؟!

رامين من وراء ذلك إلى إدخال أحاديث باطلة في السنة المطهرة.

وجها إبطال الشبهة:

1)  إن حديث «أحد أبوي بلقيس كان جنيا» حديث منكر، وعلته سعيد بن بشير، وهو ضعيف منكر الحديث، فكيف نعتمد عليه؟!

2)  لقد جعل الله - سبحانه وتعالى - أزواج بني آدم من أنفسهم من عالم الإنس، وليس من عالم الجن؛ تحقيقا لقوله تعالى: )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء( (النساء:١).

التفصيل:

أولا. إن حديث أحد أبوي بلقيس كان جنيا حديث منكر، وعلته سعيد بن بشير:

إن حديث «أحد أبوي بلقيس كان جنيا» حديث "منكر"، رواه ابن عدي في الكامل عن سعيد بن بشير عن قتادة عن النضر بن أنس بن نهيك عن أبي هريرة مرفوعا[1]، وعلته: سعيد بن بشير.

ذكر الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب": أن سعيدا هذا روى عن قتادة وغيره، وعنه الوليد بن مسلم وغيره.

وقال فيه محمد بن عبد الله بن نمير: منكر الحديث، ليس بشيء، ليس بقوي، يروي عن قتادة المنكرات.

وقال الساجي: حدث عن قتادة بمناكير. وقال الآجري عن أبي داود: ضعيف. وقال الميموني: رأيت أبا عبد الله يضعف أمره. وقال الدوري وغيره عن ابن معين: ليس بشيء. وقال ابن المديني: كان ضعيفا[2].

وأجمع فيه الرأي على ضعفه ابن حجر في التقريب، فقال: سعيد بن بشير الأزدي مولاهم، أصله من البصرة أو واسط: ضعيف[3].

وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين": سعيد بن بشير، يروي عن قتادة: ضعيف[4].

وقال البخاري في كتابه "الضعفاء الصغير": سعيد بن بشير عن قتادة، روى عنه الوليد بن مسلم: يتكلمون في حفظه[5].

وأورده الذهبي في "الميزان "، ثم أورد ما قاله فيه ابن نمير، وكذا يعقوب بن سفيان أنه: منكر الحديث، ثم قال: وذكره أبو زرعة في الضعفاء، وقال: لا يحتج به. ثم ساق هذا الحديث مما أنكر عليه[6].

ولقد ذكره ابن حبان في المجروحين: وقال: سعيد بن بشير من أهل دمشق، وكنيته أبو عبد الرحمن، يروي عن قتادة وعمرو بن دينار، وروى عنه الوليد بن مسلم والشاميون، مات سنة تسع وستين ومائة، وله يوم مات تسع وثمانون سنة كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ، يروي عن قتادة ما لا يتابع عليه[7].

ومما يؤكد ضعف هذا الحديث أن له علة أخرى متمثلة في: الوليد بن مسلم الدمشقي: ذكره ابن حجر في "طبقات المدلسين" في المرتبة الرابعة، وعدتهم اثنا عشر نفسا، كان الوليد بن مسلم رقم (11) في هذه المرتبة، تلك المرتبة التي قال عنها في المقدمة الرابعة: "من اتفق على أنه لا يحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لكثرة تدليسهم على الضعفاء والمجاهيل" ثم قال عن الوليد بن مسلم: إنه موصوف بالتدليس الشديد[8].

والرواية هنا مردودة؛ إذ لم يصرح فيها بالسماع كما ذكر الطبري في "جامع البيان"، فقد عنعن في إسناده، فلا تقوم الحجة به.

وبعد هذا التحقيق نعلم أن الحديث منكر، ولا يصح الاستدلال به، ولا بناء أحكام عليه[9].

ثانيا. لقد جعل الله - سبحانه وتعالى - أزواج بني آدم من أنفسهم من عالم الإنس، وليس من عالم الجن؛ تحقيقا لقوله تعالى: )يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء( (النساء: ١).

لقد جعل الله - سبحانه وتعالى - الزواج آية من آيات قدرته، حيث قال تبارك وتعالى: )ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها( (الروم: ٢١).

"ومن هنا نرى أن القرآن الكريم قيد الزوجية في بني آدم، وجعلها من أنفسهم، ولا يوجد استثناء واحد، أو حالة تدل على أن الإنس يتزوج من عالم الجن في الكتاب أو السنة، والحديث القائل بأن أحد أبوي بلقيس كان جنيا بالتحقيق كما بينا - حديث غير صحيح (منكر)[10].

"فإن قال قائل: وهل يجامع النساء الجن؟، فيقال: )لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان (56)( (الرحمن: ٥٦).

فإن مجاهدا روي عنه ما حدثني به محمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا سهل بن عامر، قال: حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد قال: إذا جامع الرجل ولم يسم، انطوى الجان على إحليله فجامع معه، فذلك قوله: )لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان (56)( (الرحمن: ٥٦)، وكان بعض أهل العلم ينتزع - أي يستدل - بهذه الآية في أن الجن يدخلون الجنة.

ذكر من قال ذلك:

حدثني أبو حميد أحمد بن المغيرة الحمصي قال: حدثني أبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي قال: حدثني أرطأة بن المنذر قال: سألت ضمرة بن حبيب: هل للجن من ثواب؟ قال: نعم، ثم نزع بهذه الآية )لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان (56)( (الرحمن: ٥٦)، فالإنسيات للإنس، والجنيات للجن"[11].

وعليه، فلو وقع النكاح بين الجن والإنس، فلا يمكن أن يحدث التآلف والانسجام بين الزوجين لاختلاف الجنس، فتصبح الحكمة من الزواج لاغية؛ إذ لا يتحقق السكن والمودة المشار إليهما في الآية الكريمة[12].

ومن المعلوم "أن الله سبحانه خلق الزوجية لكل شيء، فعلى سبيل المثال: للبقر زوجية، وللماعز زوجية، وللإبل زوجية، وفي النبات كذلك، وفي الإنسان؛ تحقيقا لقوله تعالى: )ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون (49)( (الذاريات).

تلك الزوجية التي أظهرها الله - سبحانه وتعالى - لأعين العلماء من تحت عدسات المجاهر التي تكبر الأشياء مئات وآلاف المرات حتى رأوا أن كل كائن حي يعمل في نوايا خلاياه أمشاجا يسمونها "كروموسومات" وما هي إلا خرائط دقيقة غاية الدقة. وتحمل هذه الخرائط أو الأمشاج أو السجلات الوارثية مواقع محددة تبدو كأنها خيوط تحمل حبات كحبات العقود المتراصة، وأن هذه "الحبات" التي يسمونها "الجينات" قد جاءت بدورها أزواجا.

وجعل الله تعالى لكل شيء خريطة خاصة به تحدد صفاته، فالإنسان يحدد صفاته (23) زوجا من الأمشاج، بينما القرد (21) زوجا، والبقرة (30) زوجا، وفوق ذلك الاختلاف في أعداد الأمشاج، اختلاف الأبعاد الجينية من نوع لآخر على هذه الأمشاج"[13].

وهذا برهان على أن كل شيء خلق منفصلا بزوجية تخصه بعيدا عن الآخر.

الخلاصة:

  • إنالحديثالذيبنيتعليهالشبهة«أحدأبويبلقيسكانجنيا»حديث "منكر"،وعلته: سعيدبنبشير،الذي أجمع علماء الحديث على تضعيفه؛ فلقد ذكره النسائي في "الضعفاء والمتروكين"، والبخاري في كتابه "الضعفاء الصغير"، وابن حبان في "المجروحين" وغيرهم من العلماء، كما أن في سند الحديث الوليد بن مسلم الدمشقي، وهو أيضا من المدلسين، فكيف يعتمد على هذا الحديث وهو منكر السند؟!!
  • إنالله - سبحانهوتعالى - جعلمنآياتهأنيكونأزواجبنيآدممـنأنفسهـم،يقولعزوجل:)ومنآياتهأنخلقلكممنأنفسكمأزواجالتسكنواإليهاوجعلبينكممودةورحمةإنفيذلكلآياتلقوميتفكرون (21)( (الروم)،ولذلكفإنزواجالإنسيبجنيةلايستقيم؛ لاختلاف الجنس الذي يعوق وجود السكن والمودة، واللذان هما مقصودا الزواج، كما أن العلماء أثبتوا أن لكل جنس جيناته الخاصة به وبطبيعته، وبه ينتفي أن يكون هناك زواج بين الإنس والجن، فضلا عن وجود تناسل بينهما، كما أن أصحاب هذه الشبهة لا يملكون دليلا من القرآن أو السنة، وقد اتضح لنا بطلان ما استندوا إليه، بما تبطل هذه الشبهة من أساسها.

 

 

(*) دفاع عن السنة المطهرة، علي إبراهيم حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م.

[1]. أخرجه ابن عدي في الكامل، (3/372). كما أخرجه بهذا الإسناد الإمام الطبري في جامع البيان، عند تفسير قوله تعالى: ) قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة (، (19/ 472).

[2]. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، دار الفكر، بيروت، ط1، 1404هـ/ 1984م، (4/ 8، 9) بتصرف.

[3]. تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، تحقيق: أبي الأشبال صغير أحمد شاغف الباكستاني، دار العاصمة، السعودية، ط1، 1416هـ، ص374 بتصرف.

[4]. الضعفاء والمتروكين، النسائي، نقلا عن: دفاع عن السنة المطهرة، علي حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص145.

[5]. الضعفاء الصغير،البخاري، نقلا عن: دفاع عن السنة المطهرة، علي حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص145.

[6]. ميزان الاعتدال في نقد الرجال، الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار المعرفة، بيروت، د. ت، (2/ 129،128) بتصرف.

[7]. كتاب المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، ابن حبان، تحقيق: محمود إبراهيم زايد، دار الوعي، سوريا، ط2، 1402هـ، (1/ 315) بتصرف.

[8]. طبقات المدلسين، ابن حجر، مكتبة المنار، الأردن، ط1، د. ت، (1/ 51) بتصرف.

[9]. دفاع عن السنة المطهرة، علي حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص146.

[10]. دفاع عن السنة المطهرة، علي حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص146.

[11]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن الطبري، تحقيق: أحمد محمد شاكر، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1420هـ/ 2000م، (23/ 65).

[12]. عالم الجن والشياطين، د. عمر سليمان عبد الله الأشقر، دار السلام، القاهرة، 1426هـ/ 2005م، ص31 بتصرف.

[13]. دفاع عن السنة المطهرة، علي حشيش، دار العقيدة، القاهرة، ط1، 1426هـ/ 2005م، ص146.

 

  • الخميس PM 10:28
    2020-10-15
  • 1179
Powered by: GateGold