المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413526
يتصفح الموقع حاليا : 259

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء اشتمال القرآن الكريم على كلام زائد لا معنى له

                     ادعاء اشتمال القرآن الكريم على كلام زائد لا معنى له(*)

مضمون الشبهة:

ادعى المشككون أنه قد جاء في فواتح بعض سور القرآن الكريم ألفاظ لا معنى لها؛ فمثلا قوله )طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين (1)( (النمل)** ليس بمعجز ولا هو بالمبين كما يفهم من الآية، بل بالعكس هو شيء مبهم، فأين البيان فيه؟! ويزعمون أن فواتح السور المسماة ب "الحروف المقطعة" ليست من القرآن، وأنها رموز لمجموعات الصحف، التي كانت عند المسلمين الأولين قبل أن يوجد المصحف العثماني؛ فمثلا: حرف الميم كان يرمز لصحف المغيرة، والنون لصحف عثمان، والصاد لصحف سعد بن أبي وقاص، والهاء لصحف أبي هريرة رضي الله عنهم... وهكذا1.

ويقولون: إن الحروف المقطعة في القرآن قد أخذها عثمان رضي الله عنه من كلمات كان المسيحيون يستخدمونها باعتبارها لغة سرية للفرار من بطش الرومان بهم، وهذه الكلمات هي: "أبجد هوز حطي كلمن".

وجوه إبطال الشبهة:

قال المفسرون في فواتح السور أقوالا؛ أهمها: أنها حروف إعجاز وبيان، إن المتأمل للقرآن الكريم يجد فيه من البلاغة، وحسن النظم، وروعة البيان والأسلوب ما يأخذ بالألباب، ويستحوذ على المسامع والقلوب، ومن ذلك أن فواتح تسع وعشرين سورة في القرآن جاءت حروفا مقطعة، من أمثلة ذلك: "الم، المر، المص، ص، ق، كهيعص..."، وقد جاءت هذه الحروف المقطعة لتعجز العرب، وهم أهل الفصاحة والبلاغة، واللسان والبيان، ولكن المشككين ادعوا أنه يحتوى على كلام زائد لا معنى له، وقد رد عليهم المفسرون والعلماء قولهم هذا بوجوه عدة؛ من أهمها:

1) إن الآية الكريمة "طس" تنطق هكذا: "طا سين"؛ لأنها حروف، والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يعرف أسماء الحروف، فهي إذن دليل على أن القرآن من عند الله، لا من عند محمد صلى الله عليه وسلم.

2) إن أكثر السور المبدوءة بالفواتح نزلت في المرحلة التي بلغ فيها عتو المشركين أقصى المدى، فواجههم القرآن بالتحدي أن يأتوا بسورة من مثلة.

3)  للعلماء آراء وتوجيهات في هذه الحروف وتقديمها، ومقتضى هذه التوجيهات أن في ذلك حكمة بالغة وبلاغة باهرة وفصاحة كاملة.

التفصيل:

أولا. إن "طس" تنطق هكذا "طا سين"؛ لأنهما أسماء حروف، وفرق بين اسم الحرف ومسماه، فكل من الأمي والمتعلم يتكلم بحروف، يقول مثلا: كتب محمد الدرس، فإن طلبت من الأمي أن يتهجى هذه الحروف لا يستطيع؛ لأنه لا يعرف اسم الحرف، وإن كان ينطق بمسماه، وأما المتعلم فيقول: كاف تاء باء، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أميا لا يعرف أسماء الحروف.

لذلك كانت مسألة توقيفية، فالحروف "الم" نطقنا بها في أول البقرة بأسماء الحروف "ألف لام ميم"، أما في أول الانشراح فقلنا )ألم نشرح لك صدرك (1)( (الشرح) بنطق أصوات الحروف نفسها[1].

ولو كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف القراءة والكتابة لكان من الطبيعي أن ينطق بأسماء الحروف، فإذا جاء بها وهو أمي دل ذلك على أن هذا إعجاز من الله عز وجل[2].

ثانيا. إن أكثر السور المبدوءة بالفواتح "الحروف المقطعة" نزلت في المرحلة التي بلغ فيها عتو المشركين أقصى المدى، وأفحشوا في حمل الوحي على الافتراء، والسحر، والشعر، والكهانة، فواجههم القرآن بالتحدي وأعجزهم مجتمعين ومن ظاهرهم من الجن أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات، أو حتى بسورة واحدة مثله، ما داموا يزعمون أن محمدا افتراه وتقوله، فعجزوا جميعا أن يأتوا بسورة من مثله، مع أنه كتاب عربي؛ ألفاظه من لغتهم، وحروفه هي حروف معجمهم، تلك الحروف التي تقرأ مقطعة، مفردة أو مركبة فلا تعطى دلالة ما، لكنها حين تأخذ مكانها في القرآن الكريم يتجلى سرها وسحرها البياني، والبلاغي المعجز[3].

ثالثا. للعلماء آراء وتوجيهات في هذه الحروف وتقديمها، ومن أهم هذه التوجيهات الآتي:

  1. أنها حروف يتألف منها اسم الله الأعظم، ورووا عن سعيد بن جبير أنها أسماء الله تعالى مقطعة، لو عرف الناس تأليفها تعلموا اسم الله الأعظم، قال ابن عباس: إلا أنا لا نعرف تأليفه منها.
  2. أنها اسم ملك من ملائكته تعالى، أو نبي من أنبيائه.
  3. أنها دوال على أسماء الله الحسنى، أو مفاتيح لها، فما من حرف منها إلا وهو مفتاح اسم من أسماء الله تعالى، فالكاف من الكريم، أو الكبير، والهاء من الهادي، والعين من العزيز أو العليم أو العلي، والصاد من الصمد أو المصور، والألف من الله، والراء من الرحمن...، ونحو ذلك ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما من أن قوله تعالى: (آلم): أنا الله أعلم، وفي (الـمص): أنا الله أفصل، وفي (الر) أنا الله أرى.
  4. أنها أسماء للسور التي افتتحت بها، وقال الزمخشري. "وعليه - أي على هذا الوجه - إطباق الأكثر، ولا يعنى هذا عنده أنها أسماء السور حقيقة، بل هي التسمية بما افتتحت به واستهلت، ونظيره قولهم: فلان يروي "قفا نبك، عفت الديار"، وقول القائل: قرأت من القرآن "الحمد لله"، و " براءة" وقريب من قول من قال: إن الفواتح من أسماء القرآن، كـ "الفرقان".
  5. أنها أصوات للتنبيه كما في النداء، عمد إليها القرآن؛ ليكون في غرابتها ما يثير الالتفات، وقد تركوا ما ألفوا من ألفاظ التنبيه إلى ما لم يألفوا؛ لأنه لا يشبه كلام البشر، ولكي يكون أبلغ في قرع الأسماع، ثم اختلفوا فيمن يكون المقصود بهذا التنبيه، فأبو حيان يرى أنها تنبيه للمشركين إلزاما لهم بالحجة لسماع القرآن، على حين يتجه بها الرازي إلى تنبيه النبي صلى الله عليه وسلم لا المشركين.
  6. أنها من حروف حساب الجمل، أو ما يسمونه "حساب أبي جاد"، ويعنون به الأبجدية: "أبجد هوز حطي كلمن"، واتجهوا بدلالة الأعداد فيها إلى مدة الملة، أو مدة الأمم السابقة أو مدة الدنيا.
  7. أنها تشير إلى غلبة مجيئها في كلمات هذه السورة، فكل سورة بدئت بالحروف المفردة، فإن أكثر كلماتها وحروفها مماثل له.
  8. أنها سر من مكنون علمه تعالى، وجاء عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - عنه أنه قال: "في كتاب الله سر، وسر الله في القرآن في الحروف التي في أوائل السور"[4].

الأسرار البلاغية وأوجه الإعجاز في هذه الحروف المقطعة:

القرآن كتاب معجز، وأوجه الإعجاز فيه أكثر من أن يحصيها إنسان، ومن ذلك ما قد تنبه السلف إلى أن مجموع هذه الحروف المفردة التي جاءت في القرآن بغير المكرر منها، أربعة عشر حرفا هي نصف الحروف العربية، كما أطال بعضهم النظر في هذه الحروف، وكان ما آثار انتباههم أن ها نصف الحروف الهجائية، على أي وجه من الوجوه التي اصطلح عليها علماء اللغة بعد نزول القرآن بزمن طويل، ففيها خمسة مهموسة، وعدد المهموس من العربية عشرة، وفيها كذلك نصف الحروف المجهورة، وفيها ثلاثة من حروف الحلق هي: نصف الحروف الحلقية، كما أن فيها نصف الحروف غير الحلقية، وفيها نصف الحروف الشديدة، ونصف الحروف الرخوة، وفيها حرفان من الأحرف الأربعة المطبقة، ونصف الحروف الأخرى، المنفتحة غير المطبقة، وفيها الحروف المستعلية، ونصف الحروف المنخفضة، وقد ذهب قوم منهم الباقلاني إلى أن مجيء هذه الحروف على حد التصنيف مما تواضع عليه العلماء بعد العهد الطويل، هو من دلائل الإعجاز من حيث لا يجوز أن يقع هكذا إلا من الله عز وجل؛ لأن ذلك يجري مجرى علم الغيوب، وإن يكن في موضع آخر قد عدها معنى من معاني إعجاز القرآن ببديع نظمه وعجيب تأليفه وتناهيه في البلاغة[5].

بهذا الإعجاز يبطل القول بأن هذه الحروف لا معنى لها أو أنها من كلمات كان يستخدمها المسيحيون لغة سرية للفرار من بطش الرومان، أو أنها رموز لصحف بعض الصحابة.

  

 

(*) الفكر الاستشراقي: تاريخه وتقويمه، د. محمد الدسوقي، دار الوفاء، مصر، ط1، 1415 هـ/ 1995م. الاستشراق والقرآن العظيم، د. محمد خليفة، دار الاعتصام، القاهرة، ط1، 1994م. حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م. موسوعة القرآن العظيم، عبد المنعم الحنفي، مكتبة مدبولي، القاهرة، ط1، 2004م. مناهل العرفان، محمد عبد العظيم الزرقاني، مكتبة نزار مصطفى الباز، الرياض، 1417هـ/ 1996م. موقع أقباط مصر المتحدة، عزت أنداروس.

  1. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج17، ص10727.
  2. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج1، ص103 بتصرف.

[3]. الإعجاز البياني للقرآن الكريم، د. عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1984م، ط2، ص180.

[4]. الإعجاز البياني للقرآن الكريم، د. عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة، ط2، 1984م، ص143: 150 بتصرف.

[5]. إعجاز القرآن، الباقلاني، إعداد: ممدوح حسني محمد، دار الأمين، القاهرة، ط1، 1414هـ/ 1993م، ص58: 62.

 

  • الاثنين PM 03:59
    2020-09-07
  • 1232
Powered by: GateGold