المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413777
يتصفح الموقع حاليا : 224

البحث

البحث

عرض المادة

توهم عدم مطابقة القرآن الكريم بين الصفة والموصوف في العدد

             توهم عدم مطابقة القرآن الكريم بين الصفة والموصوف في العدد(*)

مضمون الشبهة:

يزعم بعض المشككين أن في قوله عز وجل: )أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء( (النور: ٣١) (**) خروجا عن قواعد اللغة العربية؛ حيث استعمل المفرد "طفل" ووصفه باسم موصول للجمع هو "الذين"، والصواب في زعمهم أن يقال: "الأطفال" بصيغة الجمع؛ لأن اسم الموصول الذين يختص بالجمع.

وجه إبطال الشبهة:

الأصل أن يعرب اسم الموصول صفة لاسم قبله ما لم يكن في أول الكلام، ومتى جاء صفة يجب أن يطابق موصوفه في نوعه: التذكير أو التأنيث، وفي عدده: الإفراد والتثنية والجمع.

ويتوهم بعض من لا يتأمل قواعد اللغة مخالفة بين الاسم الموصول في عدده، والاسم الذي وصف به في قوله عز وجل: )أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء(؛ وذلك لأنه في ظنهم قد جاء باسم الموصول "الذين" وهو جمع صفة لـ "لطفل" وهو مفرد. والصواب في زعمهم أن يقال: "أو الطفل الذي"، أو أن يقال: "الأطفال الذين"؛ حتى تتحقق المطابقة بين اسم الموصول وموصوفه.

وللغويين والنحويين في الرد على هذه الشبهة كلام فصل نورده فيما يأتي:

أطلق الله كلمة "الطفل" في قوله تعالى عز وجل: )أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء( بصيغة المفرد ووصفه باسم موصول للجمع "الذين"؛ لأنه يريد بهذا الجمع الجنس، أو اشتراك الأطفال في غرائز متعددة، فلا يكاد يلحظ اختلاف بينهم، فكأنهم طفل واحد.

التفصيل:

أطلق الله كلمة "الطفل" في قوله عز وجل: أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء( (النور: ٣١) بصيغة المفرد، ووصف باسم موصول للجمع؛ لأنه يريد بهذا الجمع الجنس، أو اشتراك الأطفال في غرائز متعددة، وهذه سمة من سمات اللغة؛ حيث تعبر بالقليل من الألفاظ عن الكثير من المعاني، ومن هذا القبيل أنها تستخدم اللفظ المفرد للدلالة على المثنى وعلى الجمع، كما نقول هذا قاض عدل، وهذان قاضيان عدل، وهؤلاء قضاة عدل، ولم نقل: عدلان وعدول، فإذا اتحد الوصف في الجميع بدون هوى كان الوصف كالشيء الواحد، فالقضاة لا يحكم أحدهم بمزاجه وهواه بينما يمتنع الآخرون، وإنما الجميع يصدرون عن قانون واحد وميزان واحد. فالعدل واحد، وليس لكل واحد منهم عدل خاص به.

كذلك الحال في )الطفل( مع أن المراد الأطفال، لكن قال "الطفل"؛ لأن غرائزه مشتركة مع الكل، وليس له هوى، فكل الأطفال - إذن - كأنهم طفل واحد حيث لم يتكون لكل منهم فكره الخاص به، الجميع يحب اللهو واللعب، ولا شيء وراء ذلك، فالجمعية هنا غير واضحة لوجود التوحيد في الغرائز، وفي الميول.

بدليل أنه إذا كبر الأطفال وانتقلوا إلى مرحلة البلوغ وتكون لديهم هوى وفكر وميل يقول القرآن عنهم: )وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم( (النور: ٥٩) فنظر هنا إلى الجمع لعدم وجود التوحد في مرحلة الطفولة المبكرة.

ونظير هذا قوله عز وجل: )هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين (24)( (الذاريات)، فوصف "ضيف" وهي مفرد بالجمع "مكرمين"؛ ذلك لأن ضيف تدل أيضا على الجمع، فالضيف من انضاف على البيت، وله حق والتزامات لا بد أن يقدمها المضيف مما يزيد على حاجة البيت، والضيف في هذه الالتزامات واحد، سواء أكان مفردا أم جماعة؛ لذلك دل بالمفرد على الجمع([1]).

يعضد هذا القول ويدعمه، إذا تأملنا الآيات الأخرى في القرآن الكريم التي ذكرت فيها كلمة "الطفل"، وهي قوله تعالى: )ثم نخرجكم طفلا( (الحج: ٥)، وقوله: )هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا( (غافر: ٦٧)، وكذلك إذا تأملنا الآية التي معنا في قوله: )أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء( (النور: ٣١)؛ حيث إنه استخدم كلمة "الطفل" هنا بدلا من "أطفال" في هذه المواضع؛ لأن لفظة طفل توحي بمعنيين هما "الصغر والقلة"، والملاحظ في سياق هذه الآيات التي ذكرناها آنفا أنها تتحدث عمن هم في مرحلة الطفولة أو الصغر فعلا، ولم يتجاوزوها إلى مرحلة أخرى، كما أن إفراد هذه اللفظة في قوله عز وجل: )أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء( يوحي إلى أن المرأة لا بد ألا تتساهل في إبداء زينتها أمام كل الأطفال؛ ولهذا استخدم "الطفل" التي توحي بالقلة.

ويزيد هذا الرأي وجاهة إذا تأملنا قوله: )وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا( (النور: ٥٩)، فقد استخدم في هذه الآية "الأطفال" التي تدل على الجمع؛ لأن المقصود بها من تجاوزوا تلك المرحلة إلى مرحلة الرجولة أو الكبر، فهؤلاء الذين بلغوا الحلم يجب عليهم الاستئذان([2]).

ومن ثم فمجيء لفظة "الطفل" هنا مفردة قد أجازته قواعد اللغة، وتطلبته أساليب البلاغة العربية، وليس خطأ كما توهم بعضهم.

الأسرار البلاغية في الآية الكريمة:

  • في قوله تعالى: )ولا يبدين زينتهن( أطلق الحال وأراد المحل، فالمراد بالزينة مواقعها ومواضعها، كالرقبة والصدر وغيرهما، وفي المجاز مبالغة في الأمر بالتستر بإيقاع النهى علي إبداء الزينة، والمراد النهي عن إبداء موضعها، وفي ذلك حث للنساء على أن يحتطن في سترها، ويتقين الله بعدم كشفها.
  • وفي قوله تعالى: )وليضربن بخمرهن على جيوبهن( إرشاد إلى كيفية إخفاء بعض مواضع الزينة، فإن إرسال الخمر على الجيوب فيه ستر للنحور والصدور، واستعمال الضرب في الإرسال والإسدال استعارة تشعر بالقوة والشدة في إرسال الخمر، حتى تستر ما تحتها تمام الستر.
  • في قوله عز وجل: )غير أولي الإربة( (النور: ٣١) كناية عن عدم الرغبة الجنسية، وعدم الميل إلى الشهوة والتفكير فيها، وفي قوله عز وجل: )الذين لم يظهروا على عورات النساء( كناية عن عدم بلوغ الأطفال سن التمييز، وعدم معرفتهم للعورة والشهوة، ولما يدور بين الرجل والمرأة، وهكذا فإننا نلحظ أن القرآن الكريم يبعد الألفاظ الصريحة التي تخدش الحياء العام، وتشعل الغرائز، ويعبر عن ذلك بألفاظ وكنايات لطيفة لا تتصادم مع الذوق العام.
  • والمراد بالنهي في قوله عز وجل: )ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن( (النور: ٣١) النهي عن ضرب الأرض بالأرجل، لإظهار صوت الزينة الخفية كالخلخال وغيره، ويكون هذا أبلغ من النهي عن إبداء الزينة؛ لأن سماع صوت الشيء أضعف من رؤيته، فإذا نهي عن الأضعف، فما فوقه يكون منهيا عنه من باب أولى. ثم إن الضرب بالأرجل يدعو إلى لفت الأنظار مما يؤدي إلى كشف الأستار.
  • وتختم الآية الكريمة بأمر حاسم وملزم للمؤمنين بالتوبة في قوله تعالى: )وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون (31)( (النور)، وفي توجيه هذا الأمر إلى المؤمنين تلوين للخطاب بصرفه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى كل المؤمنين والمؤمنات بطريق التغليب، وأمر جميع المؤمنين بالتوبة فيه إشعار بأنه لا يخلو مؤمن من بعض الذنوب.

 

 

(*) www.marefa.org.

(**) يقول الصابوني في تفسير هذه الآية: قل يا محمد للمؤمنات أن يكففن أبصارهن عن النظر إلى ما لا يحل لهن النظر إليه، ويحفظن فروجهن عن الزنى وعن كشف العورات، وقال المفسرون: أكد ـ تعالى ـ الأمر للمؤمنات بغض البصر وحفظ الفروج، وزاد في التكليف على الرجال بالنهي عن إبداء الزينة إلا للمحارم والأقرباء، فقال عز وجل: ) ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ( أي: لا يكشفن زينتهن للأجانب إلا ما ظهر منها بدون قصد ولا نية سيئة؛ فإن كل بدن المرأة عورة، لا يحل لغير الزوج النظر إلى شيء منها إلا لضرورة كالعلاج، وتحمل الشهادة، ولذلك أمرهم الله ـ عز وجل ـ أن يلقين الخمار ـ وهو غطاء الرأس ـ على صدورهن؛ لئلا يبدو شيء من النحر والصدر، وفي لفظ الضرب مبالغة في الصيانة والتستر، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: يرحم الله النساء المهاجرات الأول، لما أنزل الله ) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( شققن مروطهن فاختمرن بها.

قال المفسرون: كانت المرأة في الجاهلية تمر بين الرجال مكشوفة الصدر، بادية النحر، حاسرة الذراعين، وربما أظهرت مفاتن جسمها وذوائب شعرها لتغري الرجال، وكن يسدلن الخمر من ورائهن فتبقى صدورهن مكشوفة، فأمرت المؤمنات بأن يلقينها من قدامهن حتى يغطين صدورهن بها، ويدفعن عنهن شر الأشرار، ولا يظهرن زينتهن الخفية التي حرم الله كشفها إلا لأزواجهن، وعدد سبحانه من يجوز إظهار العورات أمامهم إلى قوله عز وجل: ) أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء ( يعني الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا حد الشهوة، ولا يعرفون أمور الجماع لصغرهم، فلا حرج أن تظهر المرأة زينتها أمامهم. (صفوة التفاسير، محمد علي الصابوني، المطبعة العربية الحديثة، مصر، ج2، ص920، 921).

[1]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ص10258، 10259 بتصرف.

[2]. أسلوب الالتفات في البلاغة القرآنية، د. حسن طبل، دار الفكر العربي، القاهرة، 1998م، ص93 بتصرف يسير.

 

  • الاثنين PM 03:53
    2020-09-07
  • 1182
Powered by: GateGold