المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409027
يتصفح الموقع حاليا : 275

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء خلط القرآن الكريم بين مريم أخت موسى، ومريم أم المسيح

          ادعاء خلط القرآن الكريم بين مريم أخت موسى، ومريم أم المسيح(*)

مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين أن القرآن الكريم خلط بين "مريم أخت موسـى"، و "مريـم أم المسيـح"؛ حيـث قــال: )يا أخت هارون( (مريم:٢٨)، قاصدا أم المسيح - عليها السلام -، ولم يكن لمريم أم المسيح أخ اسمه هارون، وإنمـا كـان هـارون أخـا لموسـى - عليهما السلام - ولهما أخت اسمها مريم**.

وجها إبطال الشبهة:

نصت المعاجم العربية على أن الأخ من جمعك وإياه صلب، أو بطن، أو هما معا، أو رضاع. كما يكون الأخ بمعنى: القرين والشبيه في الخلال والصفات؛ لذلك فمعنى: يا أخت هارون، أي: يا شبيهة هارون في التقوى والورع، وقد يعني أنها من نسل هارون؛ لأن العرب اعتادوا أن ينسبوا الناس إلى قبائلهم بقولهم: يا أخا تميم، يا أخا هذيل.

وزعم بعض المشككين أن في قول القرآن عن مريم أم المسيح "يا أخت هارون"خلطا بين "مريم أخت موسى"، و "مريم أم عيسى"؛ ذلك أن هذه الأخيرة ليس لها أخ اسمه هارون، والصواب في زعمهم ألا يقول عن مريم أم عيسى "يا أخت هارون"؛ لأنه يوقع في الخلط واللبس.

وهذا الزعم مردود من وجهين:

1) أن تسمية القرآن لمريم بـ "أخت هارون" ليست خبرا من القرآن، بل حكاية لما قاله قومها عندما وجدوها تحمل ولدها. ونسبتها إلى هارون إما أن المراد منها أخوة النسب، بأن كان لها أخ اسمه هارون، وإما أنهم أرادوا هارون أخا موسى؛ لأنها كانت من نسله، من باب قول العرب للتميمي يا أخا تميم.

2) أن القرآن الكريم لم يخلط بين "مريم أخت موسى"، و "مريم أم المسيح"؛ وذلك للفارق الزمنى بينهما الحائل بين هذا الخلط.

التفصيل:

أولا. إن تسمية القرآن لمريم "أخت هارون" ليست خبرا من القرآن، بل حكاية لما قاله قومها عندما وجدوها تحمل ولدها، فاتهموها في عرضها وشرفها وعفافها.

واختلف المفسرون في نسبة مريم - عليها السلام - إلى هارون؛ فذهب بعضهم إلى أن المراد من الأخوة هنا أخوة النسب. فقوله تعالى: )يا أخت هارون( يحتمل أن يكون على حقيقته، فيكون لمريم أخ اسمه هارون كان صالحا في قومه، خاطبوها بالإضافة إليه زيادة في التوبيخ، أي: ما كان لأخت مثله أن تفعل فعلتك[1]، وكذلك قال الزمخشري في "الكشاف" وهو يسوق الوجوه الواردة في معنى قوله تعالى: )يا أخت هارون( فقال: "كان أخاها من أبيها من أمثل بنى إسرائيل، وإذا كان كذلك فلا شبهة إذن.

وذهب بعض المفسرين إلى أن هارون كان رجلا في ذلك الزمان مشهورا بالصلاح والعفة، فنسبها قومها إليه سخرية منها، وتهكما عليها، وتعريضا بما فعلت، واستهزاء بادعائها الصلاح والتقوى، والتبتل في العبادة، بينما هي في ظنهم قد حملت سفاحا. وقيل: هو رجل صالح أو طالح في زمانها شبهوها به؛ أي: كنت عندنا مثله في الصلاح، أو شتموها به، وذكر أن هارون الصالح تبع جنازته أربعون ألفا كلهم يسمى هارون؛ تبركا به وباسمه، فقالوا: كنا نشبهك بهارون هذا"[2].

وقال قتادة: كان في ذلك الزمان في بنى إسرائيل عابد منقطع إلى الله - عز وجل - يسمى هارون، فنسبوها إلى أخوته من حيث كانت على طريقته قبل[3].

وقد ورد في المعاجم العربية أن الأخت قد يقصد بها: المثيلة، ويقال: أخو القبيلة؛ أي: أحد رجالها[4].

ثانيا. لم يخلط القرآن الكريم بين مريم أخت موسى، ومريم أم المسيح؛ وذلك للفارق الزمني بينهما الذي يحول بين هذا الخلط، فعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: «لما قدمت نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرءون )يا أخت هارون(، وموسى قبل عيسى بكذا وكذا؟ فلما قدمت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سألته عن ذلك. فقال: إنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم»[5]. ففي هذا تجهيل لأهل نجران - وكذلك لهؤلاء المدعين - بسبب طعنهم في القرآن أن ليس في القوم من اسمه هارون إلا هارون أخا موسى[6].

والمعنى أنه اسم وافق اسما. ويستفاد من هذا جواز التسمية بأسماء الأنبياء، وقد دل الحديث الصحيح أنه كان بين موسى وعيسى زمان مديد، وقال الزمخشري: كان بينهما - أي موسى وهارون - وبينه - أي المسيح - ألف سنة، أو أكثر، فلا يتخيل أن مريم كانت أخت موسى وهارون، وإن صح فكما قال السدي؛ لأنها كانت من نسله، وهذا كما تقول للرجل من قبيلة: يا أخا فلان[7]. فيكون نسبة مريم لـ "هارون" من قبيل التقريع والمبالغة منهم في تعييرها، فنسبوها إلى هارون على اسم النبي، فأنت من بيت صلاح ونشأت في طاعة الله، فكيف يصدر منك هذا الفعل؟ كما تقول لسيدة محجبة: أنت يصدر منك مثل هذا العمل الذي لا يتناسب ومظهرك، فتلومها على هذا السلوك الذي لا يتصور من مثلها[8].

ويحتمل أيضا أن يكون معنى "أخت هارون" أنها إحدى النساء من ذرية هارون أخى موسى؛ كقول أبي بكر: يا أخت بنى فراس، وقد كانت مريم من ذرية هارون أخي موسى من سبط لاوي، ففي إنجيل لوقا: "كان في أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة أبيا، وامرأته من بنات هارون واسمها أليصابات.. فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلا؟ فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله. وهوذا أليصابات نسيبتك[9] هي أيضا حبلى بابن في شيخوختها". (لوقا 1: 5 - 36)،[10] والعرب تستخدم هذا الأسلوب فتقول للتميمي: يا أخا تميم.

وبهذا الإيضاح يتبين عدم خلط القرآن بين "مريم أخت موسى"، و "مريم أم المسيح".

 

 

(*) حقائق الإسلام في مواجهة شبهات المشككين، د. محمود حمدي زقزوق، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، ط2، 1425هـ/ 2004م.

. www.saaid.net

[1]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج8، ج16، ص95.

[2]. الكشاف، الزمخشري، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، د. ت، ج2، ص508.

[3]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج11، ص100.

[4]. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1997م، مادة: أخا.

[5]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم وبيان ما يستحب من الأسماء (5721).

[6]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج8، ج16، ص95، 96.

[7]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، ج11، ص101.

[8]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، أخبار اليوم، القاهرة، ط1، 1991م، ج15، ص9073، 9074.

[9]. النسيبة: القريبة.

[10]. التحرير والتنوير، محمد الطاهر ابن عاشور، دار سحنون، تونس، د. ت، مج8، ج16، ص96.

 

  • الاثنين PM 03:32
    2020-09-07
  • 1292
Powered by: GateGold