المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412338
يتصفح الموقع حاليا : 285

البحث

البحث

عرض المادة

الادعاء أن القرآن الكريم خالف قواعد اللغة فنصب الفاعل

              الادعاء أن القرآن الكريم خالف قواعد اللغة فنصب الفاعل(*)

مضمون الشبهة:

 يتوهم بعض المدعين أن القرآن الكريم خالف قواعد اللغة ونصب الفاعل في قولـــه ـ عز وجل ـ: )لا ينال عهدي الظالمين (124)( (البقرة) **، والصواب في ظنهم أن يقال: "الظالمون" بالرفع.

وجها إبطال الشبهة:

الأصل أن يأتي الفاعل مرفوعا وعلامة رفعه قد تكون أصلية أو فرعية، وهذا ما نلحظه في لغة القرآن الكريم، أما ما يتوهمه بعضهم من أن القرآن نصب الفاعل، فوهم باطل من وجهين:

1) أن الفعل )ينال( فعل متعد، بمعنى: يشمل أو يعم أو ينفع، كما في الآية، أي: لا يشمل عهدي الظالمين، فـ "عهدي" هنا فاعل، والظالمين مفعول، به مثال ذلك: أن يقول الوالد لأبنائه: لا ينال رضاي العاقين، والفعل: )ينال( يأتي أيضا بمعنى "يصل لـ"، فيكون معنى الآية: لا يصل عهدي للظالمين؛ وعليه فلفظة "الظالمين" منصوبة على نزع الخافض، أو: لا يصل الظالمين عهدي، إذا قدمنا المفعول وأخرنا الفاعل.

2)  أن الفعل: )ينال( يسند في اللغة إلى من يعقل وإلى ما لا يعقل، وكلا الاستعمالين صحيح فصيح.

التفصيل:

أولا. الفعل "نال" فعل متعد لمفعول واحد، قال الله عز وجل: )ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا( (الأحزاب: ٢٥)، فالفاعل "واو الجماعة" والمفعول "خيرا".

أما في هذه الآية )لا ينال عهدي الظالمين( (البقرة)، فالفاعل "عهدي" مرفوع بضمة مقدرة، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة المناسبة لـ "ياء المتكلم"، والمفعول به هو "الظالمين"، وعلامة نصبه الياء؛ لأنه جمع مذكر سالم، والمعنى: لا ينفع عهدي الظالمين، وليس في مجيء "الظالمين" منصوبا على المفعولية خلاف بين العلماء.

وقد جاء قوله عز وجل: )لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم( (الحج: ٣٧). على خلاف نسق آية البقرة التي نحن بصدد الحديث عنها؛ حيث جاءت على الترتيب الطبيعي: الفعل "ينال" ثم الفاعل "عهدي" ثم المفعول "الظالمين". أما في آية الحج: )لن ينال الله لحومها(، فإن الذي تلا الفعل هو المفعول "لفظ الجلالة"، وما بعده "لحومها" هو الفاعل، والمعنى: لن يصل الله لحومها ولا دماؤها، وكذلك قوله: )ولكن يناله التقوى منكم( فالضمير في "يناله" هو المفعول به، أما "التقوى" فهي الفاعل[1].

ثانيا. ربما التبس الأمر على هؤلاء المتوهمين حين زعموا هذا الزعم؛ لأنهم توهموا أن الفعل "ينال" لا يسند إلا لمن يعقل، وأنه إذا اجتمع عاقل وغير عاقل، فلا بد من إسناد الفعل "ينال" إلى العاقل؛ فيكون هو الفاعل، وهذا توهم خاطئ؛ لأن الفعل "ينال" له استعمالان صحيحان في اللغة العربية:

  1. أن يسند إلى من يعقل! فيكون بمعنى إدراك الشيء، والحصول عليه كما في قوله عز وجل: )لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون( (آل عمران: ٩٢).
  2. أن يسند إلى غير العاقل، أو إلى معنى من المعاني؛ فيكون بمعنى وصوله إلى المفعول به، كما في قوله عز وجل: )لن ينال الله لحومها ولا دماؤها( (الحج: ٣٧)، وقوله عز وجل: )أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب( (الأعراف: ٣٧). والملاحظ أن الاستعمالين معناهما واحد؛ ولذا قال العلماء: إن كل ما نالك فقد نلته، والعكس صحيح.

وبهـذا يتضـح أن الآيــة الكريمـة: )لا ينــال عهــدي الظالميــن (124)( (البقرة) تخلو من الخطأ النحوي ومن غيره من الأخطاء، و قد يكون هذا معروفا لخصوم القرآن، ولكن الحقد الدفين هو الذي أعماهم وطبع على قلوبهم؛ فلم يروا الحق إلا باطلا، ولم يروا الصواب إلا خطأ، وهكذا سولت لهم أنفسهم، وما دروا أنهم هم المخطئون[2].

الأسرار البلاغية في الآية الكريمة:

  • العلة البلاغية في تقديم المفعول على الفاعل في قوله: )وإذ ابتلى إبراهيم ربه( (البقرة: ١٢٤) العناية والاهتمام، فقد علل الموجهون ذلك بقاعدة نحوية تقرر وجوب تقدم المفعول على الفاعل إذا اتصل به ضمير يرجع إلى المفعول؛ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة، ويبين ابن عطية بلاغة ذلك فيقول: إن المفعول ههنا قد قدم على الفاعل للاهتمام؛ إذ كون الرب مبتليا معلوم، وإنما يهتم السامع بمن وقع عليه البلاء، وكون ضمير المفعول متصلا بالفاعل هو موجب تقديم المفعول متصلا بالفاعل، فإنما بني الكلام على هذا الاهتمام. ومعلوم أن القاعدة توظف في السياق تقديما وتأخيرا، فيختار لها الموضع المناسب والمعرض الحسن[3].
  • مبلغ الفصاحة وقوة البيان في هذه العبارة الموجزة )قال ومن ذريتي(، أي قال: واجعل من ذريتي أئمة للناس، وهو إيجاز في الحكاية عنه لا يعهد مثله إلا في القرآن.
  • ثم قال عز وجل: )لا ينال عهدي الظالمين(، أي: إنني أعطيك ما طلبت وسأجعل من ذريتك أئمة للناس، ولكن عهدي بالإمامة لا ينال الظالمين؛ لأنهم ليسوا بأهل لأن يقتدى بهم؛ ففي العبارة من الإيجاز ما يناسب ما قبلها، وإنما اكتفى في الجواب بذكر المانع من منصب الإمامة مطلقا وهو الظلم لتنفير ذرية إبراهيم منه؛ لكيلا يقعوا فيه فيحرموا هذا المنصب العظيم،[4] "فدل ذلك على أن منصب الإمامة والرياسة في الدين لا يصل إلى الظالمين، فهؤلاء متى أرادوا وجدان هذا المنصب وجب عليهم ترك اللجاج والتعصب للباطل"[5].

 

 

(*)عصمة القرآن وجهالات المبشرين، إبراهيم عوض، مكتبة زهراء الشرق، مصر، 2004م. رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، دار القلم، الكويت، ط1، 1402هـ/ 1982م .www.ebnmaryam.com www.islameyat.com.

[1]. حقائق القرآن وأباطيل خصومه، د. عبد العظيم المطعني، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1423هـ/ 2002م، القسم الثالث، ص20.

[2]. حقائق القرآن وأباطيل خصومه، د. عبد العظيم المطعني، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1423هـ/ 2002م، القسم الثالث، ص20.

[3]. التوجيه البلاغي للقراءات القرآنية، د. أحمد سعد محمد، مكتبة الآداب، القاهرة، ط2، 1421هـ/ 2000م، ص204، 205.

[4]. تفسير المنار، محمد رشيد رضا، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 1934م، ج1، ص456، 457.

[5]. التفسير الكبير المعروف بـ "مفاتيح الغيب"، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية،بيروت، د. ت، عند تفسير الآية.

 

  • الاثنين AM 03:29
    2020-09-07
  • 1145
Powered by: GateGold