المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412536
يتصفح الموقع حاليا : 386

البحث

البحث

عرض المادة

إنكار إعجاز القرآن العلمي في قسمه بمواقع النجوم

إنكار إعجاز القرآن العلمي في قسمه بمواقع النجوم (*)

مضمون الشبهة:

ينكر بعض المغالطين الإعجاز العلمي في قوله تعالى: )فلا أقسم بمواقع النجوم (75)((الواقعة) قائلين: إن الآية لا تعدو أن تكون قسمًا بالنجوم، ولا علاقة بينها وبين ما يسمى بـ "مواقع النجوم"، أو أبعادها، أو الضوء المنبعث عنها إلى الأرض.

وجه إبطال الشبهة:

لقد أقسم الله عز وجل في كتابه الكريم بمواقع النجوم، وفي هذا القسم إشارة إلى أهمية المقسم به، وهذا ما توصل إليه العلم الحديث؛ إذ أثبت العلماء أننا لا نستطيع أن نرى النجوم من على سطح الأرض أبدًا، ولكننا نرى المواقع التي مرت بها، وهذه المواقع تتغير من لحظة لأخرى بسرعة تتناسب مع تحرك النجم في مداره، مع إضافة أن الكون بمجراته في توسع مستمر حتى الآن، فأقرب النجوم إلى الأرض -ألفا قنطورس- يصلنا ضوؤه بعد 4,3سنة ضوئية من انطلاقه؛ لذا كان القرآن معجزًا عندما أشار في قسمه إلى مواقع النجوم، لا إلى النجوم ذاتها، بل إنه أكد هذا القسم بقوله: )وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76)((الواقعة).

التفصيل:

1) الحقائق العلمية:

النجوم أجرام سماوية منتشرة بالسماء الدنيا، كروية أو شبه كروية، غازية وملتهبة، مضيئة بذاتها، متماسكة بقوة الجاذبية على الرغم من بنائها الغازي، هائلة الكتلة، عظيمة الحجم، عالية الحرارة بدرجة مذهلة، وتشع موجات كهرومغناطيسية على هيئة كل من الضوء المرئي وغير المرئي بجميع موجاته.

ويمكن بدراسة ضوء النجم الواصل إلينا التعرف إلى العديد من صفاته الطبيعية والكيميائية مثل: درجة لمعانه، شدة إضاءته، درجة حرارته، حجمه، متوسط كثافته، كتلته،تركيبه الكيميائي، مستوى التفاعلات النووية فيه، موقعه منا، سرعة دورانه حولمحوره، سرعة جريه في مداره، سرعة تباعده عنا أو اقترابه منا، إلى غير ذلك من صفات([1]).

 

 

 

صورة للنجوم في مجرة على هيئة القلم

 

وآلاف النجوم التي نراها بالعين والملايين التي نراها بالتلسكوب -بالإضافة إلى الشمس- هي غازات عملاقة، بداخلها أفران نووية تطلق كميات هائلة من كل أنواع الطاقة، وهي مصدر الضوء والطاقة في الكون.

وتتراوح أقطار النجوم بين نحو 450 مرة أصغر من قطر الشمس إلى نحو 1000 مرة منه، أما كتلة النجوم فتتراوح بين نحو واحد على عشرين من كتلة الشمس، وحتى خمسين مرة منهما، وتتراوح حرارة أسطح النجوم بين 3000 درجة مئوية و 50 ألف درجة مئوية.

وتبدو النجوم وكأنها ثابتة في مكانها، ولكن في الواقع لا يوجد شيء ثابت، فجميع المجرات والنجوم تتحرك، ونظرًا لبعدها الكبير جدًّا عن الأرض تبدو لنا النجوم ثابتة بالنسبة إلى النجوم الأخرى، ولكن مع طول الزمن يظهر لنا على الأرض اختلاف مواقع النجوم([2]).

 

 

 

 

 

 

 

تغير مواقع النجوم مع الزمن

 

 

  • مواقع النجوم والاكتشافات العلمية الحديثة:

 

لم يكن متاحًا للإنسان قياس الأبعاد التي بينه وبين النجوم، عندما كان يستخدم مقاييس بسيطة، وعلى أشد الأحوال كان قياس تلك المسافات وتقديرها بالأيام، لكن لما جاء العلماء في العصر الحديث وأخذوا يدرسون النجوم والأجرام السماوية الأخرى ـ وجدوا أن السماء تتكون من تجمعات هائلة من النجوم والكواكب والأجرام الأخرى، وأسموا كل تجمع من تلك التجمعات بـ "المجرة".

يقول د. زغلول النجار: "والمجرات هي نظم كونية شاسعة الاتساع تتكون من التجمعات النجمية والغازات والغبار الكونيين "‏الدخان الكوني" بتركيز يتفاوت من موقع لآخر في داخل المجرة‏، وهذه التجمعات النجمية تضم عشرات البلايين إلى ملايين البلايين من النجوم في المجرة الواحدة‏، وتختلف نجوم المجرة في أحجامها‏، ودرجات حرارتها‏، ودرجات لمعانها‏، وفي غير ذلك من صفاتها الطبيعية والكيميائية‏، وفي مراحل دورات حياتها‏‏ وأعمارها".

وقد لاحظ العلماء أن هذه النجوم تبعد عنا مسافات شاسعة لا يمكن قياس أبعادها بالمقاييس التقليدية، فاتفق العلماء على وحدة قياس كونية تعرف باسم "السنة الضوئية"‏، وهي المسافة التي يقطعها الضوء بسرعته‏ (المقدرة بنحو الثلاث مئة ألف كيلو متر في الثانية‏)‏ في سنة من سنيننا الأرضية‏، وهي مسافة مهولة تقدر بنحو 9,5‏ مليون مليون كيلو متر.

ومجموعتنا الشمسية عبارة عن واحدة من حشد هائل للنجوم يسمَّى "المجرة"، وهي على هيئة قرص مفرطح يبلغ قطره مئة ألف سنة ضوئية، وسمكه نحو عشر ذلك، وتقعمجموعتنا الشمسية على بعد ثلاثين ألف سنة ضوئية من مركز المجرة، ومئة ألف سنة ضوئية من أقرب أطرافها، وتحتوي مجرتنا (درب اللبانة) (The Milky Way)‏على تريليون (‏أي مليون مليون‏)‏ نجم‏، وبالجزء المدرك من السماء الدنيا مئتا ألف مليون مجرة على الأقل‏، تسبح في ركن من السماء الدنيا يقدر قطره بأكثر من عشرين ألف مليون سنة ضوئية‏، وأقرب المجرات إلينا تعرف باسم "سحب ماجلان"(Magellanic Clouds‏) تبعد عنا بمسافة مئة وخمسين ألف سنة ضوئية‏.

وأقرب هذه النجوم إلينا هي الشمس التي تبعد عنا بمسافة مئة وخمسين مليون كيلو متر، فإذا انبثق منها الضوء بسرعته المقدرة بنحو ثلاث مئة ألف كيلو متر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس، فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث الدقيقة تقريبًا؛ أي إن هذه المسافة الهائلة يمكن التعبير عنها بالقول: إن الشمس تبعد عنا ثماني دقائق ضوئية، وذلك بوحدة القياس المسماة "السنة الضوئية"، ويلي الشمس في القرب إلينا النجم المسمَّى "ألفا قنطورس"، ويبعد عنا مسافة 4,4 سنة ضوئية؛ أي ما يعادل 42 مليون مليون كيلو متر تقريبًا، وهناك نجم الشعرى اليمانية، وهو أسطع النجوم التي نراها في السماء وليس أقربها، يقع على بعد 9سنوات ضوئية، بينما يبعد عنا النجم القطبي بنحو 400‏ سنة ضوئية‏، ومنكب الجوزاء يبعد عنا بمسافة 1600‏ سنة ضوئية‏، وأبعد نجوم مجرتنا‏ (درب اللبانة‏)‏ يبعد عنا بمسافة ثمانين ألف سنة ضوئية‏.

فإذا كان هذا بالنسبة إلى النجوم التي نشاهدها، فكيف بالنجوم التي لا نشاهدها ونحتاج إلى تلسكوبات وأجهزة متطورة لكي نشاهدها؟! فهناك مجرات تبعد عنا أكثر من بليون (ألف مليون) سنة ضوئية، ولقد أسهمت المراصد الفضائية حديثًا في اكتشاف نجوم ومجرات، وأشباه نجوم قد حدثت وتـمت فعلاً منذ بلايين السنين، وإن الله وحده هو العليم بحالها الآن، فلم يكن الإنسان قد وجد بعد على الأرض عندما انطلق الضوء من هذه النجوم منذ عشرة بلايين سنة ضوئية.

ومما اكتشف أيضًا أن هذه النجوم مع تباعدها فإنها تتحرك بسرعات هائلة جدًّا منتقلة من موقعها الحالي إلى موقع جديد وهكذا باستمرار؛ الأمر الذي يجعل هذا الأمر مثيرًا للدهشة.

أي إنه لا يمكن لنا رؤية النجوم من على سطح الأرض أبدًا، ولا بأي وسيلة مادية، وكل الذي نراه من نجوم السماء هو مواقعها التي مرت بها ثم غادرتها‏، إما بالجري في الفضاء الكوني بسرعات مذهلة‏، أو بالانفجار والاندثار‏، أو بالانكدار والطمس‏. فالشمس التي تبعد عنا بمسافة مئة وخمسين مليون كيلو متر‏، إذا انبثق منها الضوءبسرعته المقدرة بنحو ثلاث مئة ألف كيلو متر في الثانية من موقع معين مرت به الشمس، فإن ضوءها يصل إلى الأرض بعد ثماني دقائق وثلث الدقيقة تقريبًا‏، بينما تجري الشمس بسرعة تقدر بنحو 19 كيلو مترًا في الثانية في اتجاه نجم النسر الواقع (Vega‏)فتكون الشمس قد تحركت لمسافة لا تقل عن عشرة آلاف كيلو متر عن الموقع الذي انبثق منه الضوء.

وتدور الشمس حول نفسها مرة كل 27 يومًا في المتوسط، وتجري مع الشمس مجموعتها الشمسية بسرعة فائقة تبلغ 220 كيلو مترًا في الثانية منتمية لمجرتنا، وكل النجوم الأخرى تدور حول نفسها وحول المجرة التي تنتمي إليها، وتتباعد المجرات عن بعضها في فضاء الكون السحيق، وهكذا فنحن من على سطح الأرض لا نرى النجوم أبدًا، ولكننا نرى صورًا قديمة للنجوم انطلقت من مواقع مرت بها، وتتغير هذه المواقع من لحظة إلى أخرى بسرعات تتناسب مع سرعة تحرك النجم في مداره‏، ومعدلات توسع الكون، وتباعد المجرات عنا‏، ويتحرك بعضها بسرعات تقترب أحيانًا من سرعة الضوء، وأبعد نجوم مجرتنا عنا -كما ذكرنا- يصلنا ضوؤه بعد ثمانين ألف سنة من لحظة انبثاقه من النجم‏، بينما يصلنا ضوء بعض النجوم البعيدة عنا بعد بلايين السنين‏، وهذه المسافات الشاسعة مستمرة في الزيادة مع الزمن؛ نظرًا لاستمرار تباعد المجرات عن بعضها بعضًا في ضوء ظاهرة اتساع الكون.

ومن النجوم التي تتلألأ أضواؤها في سماء ليل الأرض ما قد انفجر وتلاشى أو طمس واختفى منذ ملايين السنين‏؛ لأن آخر شعاع انبثق منها قبل انفجارها أو طمسها لم يصل إلينا بعد‏، والضوء القادم منها اليوم يعبر عن ماضٍ قد يقدر بملايين السنين([3]).

 

 

 

 

رسم تخطيطي لتوضيح الوضع الظاهري لنجم يرى من فوق سطح الأرض وهو وضع مغاير تماما لموضعه الحقيقي من الكون

 

 

لقد ثبت علميًّا أن الضوء مثل المادة ينحني في أثناء مروره في مجال تجاذبي مثل الكون. وعليه؛ فإن موجات الضوء تتحرك في صفحة السماء الدنيا في خطوط منحنية، وحينما ينعطف الضوء الصادر من النجم في مساره إلى الأرض، فإن الناظر من الأرض يرى موقعًا للنجم على استقامة بصره، وهو موقع يغاير موقعه الذي صدر منه الضوء؛ الأمر الذي يؤكد مرة أخرى أن الإنسان من فوق سطح الأرض لا يمكنه أن يرى النجوم أبدًا.

ثم إن النجوم في داخل المجرة الواحدة مرتبطة مع بعضها بالجاذبية المتبادلة بينها، التي تحكم مواقع النجوم وكتلها، فمواقع النجوم على مسافات تتناسب طرديًّا مع كتلها، ومرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقوى الجاذبية التي تمسك بها في تلك المواقع، وتحفظ السماء أن تقع على الأرض إلا بإذن الله.

كما أثبتت دراسات الفلك ودراسات كل من الفيزياء الفلكية والنظرية، أن الزمان والمكان شيئان متواصلان، ومن هنا كانت مواقع النجوم المترامية الأبعاد تعكس أعمارها الموغلة في القدم، التي تؤكد أن الكون الذي نحيا فيه ليس أزليًّا، بل كانت له بداية يحددها الدارسون باثني عشر بليونًا من السنين على أقل تقدير، ومن هنا كان في القسم بمواقع النجوم إشارة إلى قدم الكون مع حدوثه، وهي حقائق لم يتوصل إليها العلم المكتسب إلا بنهاية القرن العشرين([4]).

 

  • كيفية تحديد مواقع النجوم:

o     زاوية اختلاف المنظر أو التزيُّح(Trigonometric Parallax):

 

يستخدم الفلكيون زاوية اختلاف المنظر أو التزيح من أجل قياس أبعاد النجوم القريبة منا، فعندما تقوم بتوجيه بصرك نحو إحدى البنايات مثلاً، فإنك سترى بيوتًا أو علامات أخرى بعيدة خلف البناية، ولو تحركت قليلاً إلى اليمين أو اليسار، ونظرت إلى البناية نفسها، سترى أن العلامة التي كانت تقع خلف البناية قد تحركت ظاهريًّا وأصبحت في مكان آخر، وستجد بذلك أنك صنعت مثلثًا متساوي الساقين، قاعدته هي المسافة التي تقع بين النقطتين اللتين وقفت عندهما، ولو قست الزاوية التي تراها من كل جانب لاستطعت أن تجد زوايا هذا المثلث، وإذا قست المسافة بين النقطتين اللتين وقفت عندهما، فيمكن من خلال حساب المثلثات أن تعرف بعد هذه البناية.

 

 

 

 

 

صورة تبين كيفيةحساب بعد النجوم عن الأرض من خلال استخدام زاوية اختلاف المنظر أوالتزيح

فعندما يقوم الفلكيون بقياس البعد (D)لنجم ما عنا، فإنهم يعتبرون المسافة الفاصلة بين طرفي مدار الأرض حول الشمس قاعدة للمثلث، وهذه المسافة تساوي 300 مليون كيلو متر؛ وذلك لأن متوسط نصف قطر مسار الأرض حول الشمس (AU) يساوي 150 مليون كيلو مترًا.

ووفقًا لهذه الطريقة يتم قياس الاختلاف في زاوية المنظر (θ) عند رصد النجم من موقعين على طرفي قطر دائرة الأرض حول الشمس، وفي الحالتين يتم قياس الزاوية عندما يقع النجم البعيد مع القريب على خط النظر.

بعد النجم هو:

 

 

 

o     نجوم باقي المجرات والمجرات البعيدة:

 

أما النجوم البعيدة نسبيًّا، والموجودة في مجرات غير مجرتنا فتقاس أبعادها عن طريق مقارنة شدة لمعانها مع شدة لمعان نجم قريب في داخل مجرتنا، ويراعى هنا أن يكون للنجمين الخصائص الطيفية نفسها (Same spectral class).

 

 

 

هذا؛ ويصعب تمييز النجوم عن بعضها بعضًا في داخل المجرات البعيدة، وعندها نستطيع فقط حساب بعد هذه المجرات، ويتعذر تحديد مواقع النجوم في داخلها، ومن أجل قياس بعد هذه المجرات، يقوم الفلكيون بقياس الحيود نحو الأحمر أو الإزاحة الحمراء (DopplerRed shift) لأطياف هذه المجرات، فلقد لاحظ الفيزيائيون أن الأطياف الواصلة من الأجسام التي تتحرك مقتربة منا يحصل لها حيود نحو الأزرق، أما إذا كان هذا الجسم يبتعد عنا فإن موجات الطيف الواصلة منه سوف تطول؛ أي إن الطيف سيحيد نحو الأحمر (Red shift)، وتستطيع أجهزة قياس الطيف تحديد بعد الجرم السماوي المرصود من خلال تحديد حيود الطيف، ومن ثم معرفة بعد الجرم المرصود.

o     انحراف الأشعة الواردة من النجوم:

 

إن مسارات الأشعة الواردة من النجوم البعيدة ليست مستقيمة؛ حيث إن للنجوم والمجرات والعناقيد التي تعترض الأشعة قوة جذب؛ الأمر الذي يجعلها تعمل كعدسة جاذبة (Gravitational lens) تكسر مسار الشعاع بما يشبه تأثير العدسة المجمَّعة على مسار الضوء، عندما يقع كل من العدسة والمصدر والراصد تمامًا على خط مستقيم، فعندما لا يقع كل من العدسة والمصدر والراصد تمامًا على الخط نفسه، تتجزَّأ الحلقة إلى صورتين أو أكثر. وفي الحالتين فإن الراصد لا يرى المصدر، وإنما يرى صورته فقط([5]).

 

 

 

 

 

صورة لتلسكوب راديوي عملاق صُمِّم لرصد النجوم الخافتةالبعيدة ودراستها

 

 

 

2) التطابق بين الحقيقة العلمية وإشارات القرآن الكريم:

 

يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: )فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76)((الواقعة) إلى إحدى حقائق الكون المبهرة، التي مؤداها أنه نظرًا للأبعاد الشاسعة التي تفصل نجوم السماء عن أرضنا، فإن الإنسان على هذه الأرض لايرى النجوم أبدًا، ولكنه يرى مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها، ليس هذا فحسب؛ بل إن الدراسات الفلكية الحديثة قد أثبتت أن نجومًا قديمة قد خفتت أو تلاشت منذ أزمنة بعيدة، والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها، لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى اليوم الراهن، ومن هنا كان هذا القسم القرآني بمواقع النجوم، وليس بالنجوم ذاتها على عظم قدرها.

وإدخال "لا" النافية للجنس على فعل القسم "لا أقسم" من أجل المبالغة في توكيد القسم؛ بمعنى أنه لا يقسم بالشيء إلا تعظيمًا له، كأنهم ينفون ما سوى المقسم عليه، فيفيد تأكيد القسم به، وقيل: لا هنا للنفي؛ بمعنى لا أقسم، إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسمأصلاً، فضلاً عن هذا القسم العظيم([6]).

وفيما سبق ما يدل على مدى التطابق التام بين ما أشار إليه القرآن وما أثبته العلم الحديث؛ فالقرآن قبل ألف وأربع مئة سنة أقسم بمواقع النجوم، مؤكدًا نسبية وأهمية وتعاظم تلك المواقع، وأن الإنسان لا يمكن له رؤية النجوم من فوق الأرض، وكل ما يمكن أن يراه الإنسان هو صور نسبية لمواقع مرت بها النجوم، ثم يأتي العلم في نهاية القرن العشرين مؤكدًا ذلك كله!

  • من أقوال المفسرين:

يذكر شيخ المفسرين -الإمام الطبري- عند تفسيره لقوله عز وجل: )فلا أقسم بمواقع النجوم (75)((الواقعة) أن المقصود )بمواقع النجوم(؛ أي: بمساقط كواكب السماء ومغاربها، كما جاء في رواية عن قتادة والحسن، على أن الوقوع بمعنى السقوط والغروب، وتخصيصها بالقسم لما في غروبها من زوال أثرها، والدلالة على وجود مؤثر دائم لا يتغير.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة أنها منازلها ومجاريها، على أن الوقوع: النزول كما يقال: على الخبير سقطت، وهو شائع، والتخصيص لأن له عز وجل في ذلك من الدليل على عظيم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به نطاق البيان. وقال جماعة منهم ابن عباس: النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها([7]).

ويقول الإمام القرطبي: مواقع النجوم مساقطها ومغاربها في قول قتادة وغيره، وفي قول عطاء بن أبي رباح: منازلها، وفي قول الحسن: انكدارها وانتثارها يوم القيامة([8]).

ويشير ابن كثير إلى هذا المعنى مؤكدًا قيمة هذا القسم، وأن فيه دلالة على المقسم به فيقول: قال مجاهد: مواقع النجوم في السماء، ويقال مطالعها ومشارقها، وكذا قال الحسن وقتادة، وهو اختيار ابن جرير، وعن قتادة مواقعها: منازلها، وعن الحسن أيضًا أن المراد بذلك: انتثارها يوم القيامة، وقوله:)وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76)((الواقعة)؛ أي: وإن هذا القسم الذي أقسمت به لقسم عظيم، لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه([9]).

ويشير صاحب الظلال إلى أن السياق في سورة الواقعة تحدث عن حقيقة وجود الله عز وجل، غير أنه يلتفت التفاتة أخرى إلى المكذبين بهذا القرآن؛ فيربط بينه وبين هذا الكون في قسم عظيم من رب العالمين: )فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76) إنه لقرآن كريم (77) في كتاب مكنون (78) لا يمسه إلا المطهرون (79) تنزيل من رب العالمين (80)((الواقعة).

ولم يكن المخاطبون يوم ذاك يعرفون عن مواقع النجوم إلا القليل، الذين يدركونه بعيونهم المجردة؛ ومن ثم قال لهم: )وإنه لقسم لو تعلمون عظيم(، فأما نحن اليوم فندرك من عظمة هذا القسم المتعلقة بالمقسم به، نصيبًا أكبر بكثير مما كانوا يعلمون، وإن كنا نحن أيضًا لا نعلم إلا القليل عن عظمة مواقع النجوم.

وهذا القليل الذي وصلنا إليه بمراصدنا الصغيرة، والمحدودة المناظير، يقول لنا: إن مجموعة واحدة من مجموعات النجوم التي لا تحصى في الفضاء الهائل الذي لا نعرف له حدودًا -مجموعة واحدة هي المجرة التي تنتسب إليها أسرتنا الشمسية- تبلغ ألف مليون نجم!

ويقول الفلكيون: إن من هذه النجوم والكواكب التي تزيد على عدة بلايين نجم، ما يمكن رؤيته بالعين المجردة، وما لا يرى إلا بالمجاهر والأجهزة دون أن تراه، هذه كلها تسبح في الفلك الغامض؛ ولا يوجد أي احتمال أن يقترب مجال مغناطيسي لنجم من مجال نجم آخر، أو يصطدم بكوكب آخر، إلا كما يحتمل تصادم مركب في البحر الأبيض المتوسط بآخر في المحيط الهادي، يسيران في اتجاه واحد وبسرعة واحدة، وهو احتمال بعيد، وبعيد جدًّا إن لم يكن مستحيلاً. وكل نجم في موقعه المتباعد عن موقع إخوته، قد وضع هناك بحكمة وتقدير، وهو منسق في آثاره وتأثراته مع سائر النجوم والكواكب؛ لتتوازن هذه الخلائق كلها في هذا الفضاء الهائل.

فهذا طرف من عظمة مواقع النجوم، وهو أكبر كثيرًا جدًّا مما كان يعلمه المخاطبون بالقرآن أول مرة، وهو في الوقت ذاته أصغر بما لا يقاس من الحقيقة الكلية لعظمة مواقعالنجوم! فالأمر أوضح وأجلى من أن يحتاج إلى قسم )وإنه لقسم لو تعلمون عظيم(، وهذا التلويح بالقسم والعدول عنه أسلوب ذو تأثير في تقرير الحقيقة التي لا تحتاج إلى القسم؛ لأنها ثابتة واضحة([10]).

ومن ثم؛ فالمقصود بمواقع النجوم لدى جمهور المفسرين أنها المطالع والمساقط، أو الانتشار والانكدار يوم القيامة، أو السماء، أو الأنواء التي يزعم أهل الجاهلية أنهم يمطرون بها، فضلاً عن قول بعضهم بأنها نجوم القرآن.

ومن ثم فإن هذا المعنى القرآني العظيم يشير إلى ثلاثة معان لهذه المواقع:

 

  • المعنى الأول: أن بين النجوم مسافات يستحيل على العقل تصورها؛ فبين الأرض وبعض المجرات -على سبيل المثال- عشرون ألف مليون سنة ضوئية، والمجموعة الشمسية طولها ثلاث عشرة ساعة ضوئية، ومجرة درب التبانة طولها مئة وخمسون ألف سنة ضوئية، إذا فهذه المسافات التي لا يعلمها إلا الله عز وجل تدل على عظمة هذا القسم.

 

  • المعنى الثاني: أن هذه النجوم ليس لها موقع واحد، بل لها مواقع، إذا فهي نجوم متحركة، وكل شيء يسبح في فلك خاص به:)كل في فلك يسبحون (33)((الأنبياء).

 

إن كلمة "مواقع" في هذه الآية هي سر إعجازها؛ فالموقع لا يعني أن صاحب الموقع موجود فيه، فالله عز وجل لم يقسم بالمسافات التي بين النجوم، ولكنه أقسم بالمسافات التي بين مواقع النجوم؛ وذلك لأن النجوم متحركة وليست ثابتة؛ لذلك قال عز وجل: )وإنه لقسم لو تعلمون عظيم(،فهذه المواقع وفق نظام عجيب؛ حيث يكون للنجم في كل ثانية موقع جديد.

  • المعنى الثالث: بين النجوم تجاذب؛ فالكتلة الأكبر تجذب الكتلة الأصغر، وثمة عامل آخر هو مرجع المسافة بينهما، فلو أن مواقع النجوم تغيرت لاختل توازن الكون، ولارتطمت النجوم بعضها ببعض، وأصبح الكون كتلة واحدة، هذه المواقع مدروسة بعنايةفائقة؛ حيث يكون محصلها دورانًا واستقرارًا([11]).

 

إذا فدلالات هذه الآية تشير إلى مدى التطابق بين الحقائق التي تم اكتشافها في القرن الماضي وبين إشارات القرآن الكريم الذي أنزله الله منذ قرون عديدة.

أليست هذه الآية تحمل كثيرًا من آيات الإعجاز في الكون؟! أليست ردًّا قويًّا على من ينكر إعجاز القرآن العلمي؟! وعليه فكيف ينكر الطاعنون الإعجاز العلمي في هذه الآية العظيمة؟!

3) وجه الإعجاز:

أقسم الله عز وجل في كتابه بمواقع النجوم، فقال: )فلا أقسم بمواقع النجوم (75) وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (76)((الواقعة)، وهذا القسم يدل على عظم المقسم به، وقد توصل العلم الحديث إلى أن للنجوم مواقع بعيدة جدًّا، ولا يمكن للعقل أن يتصورها أو حتى يتخيل تلك المسافات الشاسعة، ووصل العلماء إلى اكتشاف حقيقة أخرى وهي أن هذه النجوم تتحرك بسرعات هائلة جدًّا منتقلة من موقعها الحالي إلى موقع جديد وهكذا باستمرار؛ الأمر الذي يجعل هذا الأمر مثيرًا للدهشة، فمواقع النجوم هي الأماكن التي تمر بها في جريها عبر السماء، وهي محتفظة بعلاقاتها المحددة بغيرها من الأجرام في المجرة الواحدة‏، وبسرعات جريها ودورانها‏، وبالأبعاد الفاصلة بينها، وبقوى الجاذبية الرابطة بينها. واللفظة "مواقع" جمع موقع، يقال‏: وقع الشيء موقعه‏، من الوقوع؛ بمعنى السقوط‏، والمسافات بين النجوم مذهلة للغاية لضخامة أبعادها‏، وحركات النجوم عديدة وخاطفة‏، وكل ذلك منوط بالجاذبية‏، وهي قوة لا ترى‏، تحكم الكتل الهائلة للنجوم‏، والمسافات الشاسعة التي تفصل بينها‏، والحركات المتعددة التي تتحركها من دوران حول محاورها وجري في مداراتها المتعددة‏، وغير ذلك من العوامل التي لا نعلم منها إلا القليل!

وفي هذا دلالة على السبق القرآني بالإشارة إلى إحدى الحقائق الكونية العظيمة، وقد علمنا أن الإنسان من على سطح الأرض لا يرى النجوم أبدًا‏، ولكنه يرى مواقع مرت بها النجوم ثم غادرتها، أو أنه يرى مواقع لنجوم تلاشت واندثرت من أزمنة مديدة تتجاوز ملايين السنين، والضوء الذي انبثق منها في عدد من المواقع التي مرت بها لا يزال يتلألأ في ظلمة السماء في كل ليلة من ليالي الأرض إلى يومنا هذا.

كل هذه الحقائق قد جاءت على لسان رسول أمي قبل أكثر من ألف وأربع مئة عام ليكشف عن عظم مواقع النجوم وبديع صنع الله فيها، في وقت خلت فيه معارف الناس من أبسط هذه العلوم، الأمر الذي يدل -بلا شك ولا ريب- أن هذا القرآن هو كلام الخالق المبدع لهذا الكون، العليم بدقائقه وأسراره، وقد أنزله مشتملاً على علمه، على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ ليكون شاهدًا برسالته صلى الله عليه وسلم.

 

 

 

(*) نقض النظريات الكونية، محمد بن عبد الله الإمام، مرجع سابق.

 

[1]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص197- 198.

 

[2]. الكون ونجوم السماء، عبد السلام محمود، مرجع سابق، ص28.

 

[3]. مواقع النجوم، عادل الصعدي، بحث منشور بموقع: جامعة الإيمان www.jamataleman.org.

 

[4]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زعلول النجار، مرجع سابق، ص207- 208.

 

[5]. بعض أسرار القسم الرباني بمواقع النجوم، د. حسين يوسف راشد العمري، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.55a.net.

 

[6]. من آيات الإعجاز العلمي: السماء في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص196- 197.

 

[7]. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، مرجع سابق، ج23، ص146- 149 بتصرف.

 

[8]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج17، ص223- 224.

 

[9]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج4، ص298.

 

[10]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج6، ص3470-3471.

 

[11]. موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة: آيات الله في الآفاق، د. محمد راتب النابلسي، مرجع سابق، ص65-66.

 

  • الخميس AM 02:37
    2020-09-03
  • 1474
Powered by: GateGold