المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408989
يتصفح الموقع حاليا : 427

البحث

البحث

عرض المادة

التشكيك في الإعجاز العلمي لقوله تعالى:)وإن يسلبهم الذبابُ شيئًا لا يستنقذوه منه((*)

التشكيك في الإعجاز العلمي لقوله تعالى:)وإن يسلبهم الذبابُ شيئًا لا يستنقذوه منه((*)

مضمون الشبهة:

يشكك الطاعنون في الإعجاز العلمي لقوله تعالى: )وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعُف الطالبُ والمطلوبُ(73)( (الحج)، زاعمين أن اختصاص الذباب بالذكر في الآية لا علاقة له بالإعجاز العلمي؛ إذ إن أي حشرة- كما يزعمون- لو سلبت الإنسان شيئًا فلا يستطيع أن يستنقذه منها، فلا يوجد مسوِّغ للقول بإعجاز علمي في هذه الآية.

 

وجه إبطال الشبهة:

لقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة مدى عجز الإنسان عن استنقاذ ما يسلبه الذباب منه؛ حيث زوَّده الله عز وجل بقدرة فائقة على المناورة أثناء الطيران؛ مما يعينها على الاستلاب من طعام الإنسان وشرابه والهروب بعيدًا في عملية استلاب حقيقية، كما أن الذباب يقوم بصب مادة من لعابه، وإنزيمات معدته على الطعام، فيفككه ويذيبه قبل أن يمتصه؛ أي يحوِّله إلى مادة أخرى تعجز كل وسائل العلم وأجهزته عن استنقاذه منه، هذا بالإضافة إلى سلب الذباب صحة الإنسان وقوته- بل ربما حياته- بما ينقله إليه من أمراض خطيرة عديدة، كالتيفود والكوليرا، وكل هذا يؤكد الإعجاز العلمي في الآية الكريمة، واختصاص الذباب دون غيره من الحشرات أو الحيوانات بهذا التحدي الإلهي المعجز.

 

التفصيل:

1)  الحقائق العلمية:

 

الذباب ينتمي لرتبة ثنائية الأجنحة، والتي تحتوي على 85 ألف نوع، فليس المقصود به الذبابة المنزلية التي نراها تروح وتجيء هنا وهناك وحسب، بل إن هناك أكثر من 40 ألف جنس من الذباب منتشر في جميع أرجاء العالم وبيئاته المختلفة، نذكر منها:

 

  1. ذبابة تسي تسي:

 

ومعنى تسميتها- حسب اللغة السيشوانية في بوتسوانا- الذبابة المدمرة للماشية، وتتخذ من قارة أفريقيا موطنًا أساسيًّا لها؛ حيث تنتشر في مساحة شاسعة تُقدر بنحو 10,5 مليون كم2، فيما يُعرف بـ "أحزمة تسي تسي"، وتُعد أخطر حشرة في العالم؛ ذلك بأنها تحمل جرثومة تريبا نسوما بروساي المميتة، فهي تصيب الماشية- لا سيما الأبقار- بمرض قاتل، وتنقل للإنسان مرض النوم.

 

  1. الذباب الأسود:

ينتشر هذا النوع من الذباب حول مجاري الأنهار، ويهاجم الإنسان والحيوان في شكل أسراب ضخمة، والذبابة السوداء صغيرة الحجم- أقصى طول لها لا يتعدى 0,5سم، قوية البنيان، لونها إما أسود أو رمادي.

 

  1. ذبابة الخيل:

منها نحو 3500 نوع، منتشر في كل المناطق الاستوائية ـ في الغابات والأحراش والمناطق المفتوحة ـ والمعتدلة في الكرة الأرضية، وتتميز بكبر حجمها (0,5: 2,5سم) وسرعة طيرانها، أما لونها فبني وأسود وأصفر وأخضر.

 

  1. الذباب القملي:

عبارة عن مجموعة من الحشرات الصغيرة (2,5: 10ملي) تشبه القمل والقراد، ويطلق على أفرادها اسم "البرغش"، ومنها نحو 200 نوع، وكلها طفيليات خارجية تتغذى على دم الحيوانات والطيور.

 

  1. ذبابة الرمل:

منها 700 نوع، وهي ذبابة صغيرة الحجم لا يتعدى طولها في أحسن الحالات (0,4 سم)، صفراء اللون أو بنية، تغطي جسمها شعيرات كثيفة.

 

  1. ذبابة الإسطبل:

تعتبر واحدة من الذباب الواخز، واسعة الانتشار، تعيش في البيئات ذات الحرارة المعتدلة، وتنشط إبان فصلي الخريف والصيف.

 

 

  1. الذبابة النارية:

وهي نوع عجيب من الذباب يضيء ليلاً، ومنه نحو ألفي نوع، تقطن المناطق الاستوائية والمعتدلة، والعضو المسئول عن الإضاءة فيها يوجد تحت سطح الجسم، ويُعرف ضوؤه بـ "الضوء البارد"؛ نظرًا لأنه لا يشع أية حرارة.

 

  1. ذبابة الفاكهة:

ذبابة تهاجم الثمار في بداية النضج، وتضع بيضها بداخلها، وتتغذى يرقاتها على لب الثمار فتتلفها؛ الأمر الذي يؤدي إلى تدهور المحصول وتدهور جودته.

 

  1. الذبابة المنزلية:

وهي واحدة من أخطر الحشرات، وأكثرها إيذاء لبني الإنسان؛ وذلك لما تسببه من أمراض وعلل، وهي نهارية النشاط، تعمل طول النهار، ولا تهدأ إلا ليلاً؛ حيث تختفي تمامًا.

وهناك غير ذلك من الأنواع  كثير([1]).

 

 

 

 

صورة لبعض أنواع الذباب المختلفة

  • الذباب وما يسلبه من الإنسان:

الذباب المنزلي من الحشرات الشرهة، ويتغذى على القاذورات والأطعمة الملقاة في القمامة، كما أنه يقع على أي طعام أو شراب في المنزل ويسلب منه، بينما يعجز الإنسان عن مقاومته في أغلب الأحوال؛ وذلك لأن حركات الذبابة المنزلية على درجة عالية من التعقيد؛ إذ تبدأ في الاستعداد للطيران بتحديد العضلات التي سوف تستخدمها‏,‏ ثم تأخذ وضع التأهب للطيران، وذلك بتعديل وضع أعضاء التوازن فيالجهة الأمامية من الجسم‏,‏ حسب زاوية الإقلاع‏,‏ واتجاه الريح وسرعته، وذلك بواسطة خلايا حسية خاصة موجودة على قرون الاستشعار في مقدمة الرأس،‏ وهذه العملياتالمعقدة لا تستغرق أكثر من واحد من مئة من الثانية‏.‏

 

ومن الغريب أن الذبابة لهاقدرة على الإقلاع عموديًّا من المكان الذي تقف عليه‏,‏ كما أن لها القدرة على المناورة بالحركات الأمامية والخلفية والجانبية بسرعة فائقة لتغيير مواقعها‏,‏ وبعدطيرانها تستطيع الذبابة زيادة سرعتها إلى عشرة كيلو مترات في الساعة‏,‏ وهي تسلك في ذلك مسارًا متعرجًا، ثم تحط بكفاءة عالية على أي سطح، بغض النظر عن شكله‏,‏ وارتفاعه‏,‏واستقامته أو انحداره‏,‏ وملاءمته أو عدم ملاءمته لنزول شيء عليه‏.‏

 

ويساعد الذبابة على هذه القدرة الفائقة في المناورة جناحان ملتصقان مباشرة بصدرها بواسطة غشاء رقيق جدًّا مندمج مع الجناح،‏ ويمكن لأي من هذين الجناحين أن يعمل بشكل مستقل عن الآخر‏, وإن كانا يعملان معًا في أثناء الطيران على محور واحد إلى الأمام أو إلى الخلف، يدعمهما نظام معقد من العضلات يعين هذين الجناحين على أن يتما إلى مئتي خفقة في الثانية,‏ وعليها أن تستمر على ذلك لمدة نصف الساعة، وأن تتحرك لمسافة ميل كامل على هذه الحال‏.‏

 

وتستمد الذبابة مهاراتها الفائقة في الإقلاع‏ والطيران والهبوط من التصميم المثالي لجسدها‏ ولأجنحتها؛ إذ إن النهايات السطحية للأوردة المنتشرة في تلك الأجنحة تحمل شعيرات حساسة جدًّا لقياس ضغط الهواء واتجاه الرياح‏,‏ كذلك فإن أجهزة الحس الموجودة تحت الأجنحة‏, وخلف رأس الذبابة تقوم بنقل معلومات الطيران إلى دمائها باستمرار، ثم إلى رأسها الذي يرسل أوامره إلى العضلات باستمرار أيضًا لتوجيه الأجنحة في الاتجاه الصحيح‏,‏ وبذلك يتم توجيه الذبابة في أثناء الطيران بدقة وإحكام فائقين؛ مما يعينها على إصابة الهدف‏,‏ وتجنب المخاطر بكفاءة عالية.

 

 

البنية التشريحية للذبابة

ويعين الذبابة في ذلك أيضًا عينان مركبتان‏,‏ لا يزيد حجم الواحدة منهما عن نصف المليمتر المكعب‏,‏ وتتكون كل عينمنهما من ستة آلاف عيينة سداسية لها القدرة على الرؤية في جميع الاتجاهات‏,‏ وكلواحدة من هذه العيينات مرتبطة مع ثماني خلايا عصبية مستقبِلة للضوء‏,‏ اثنان منها للألوان‏,‏ وستة متخصصة في ضبط تحركات الذبابة؛ لأنها تكشف كل شيء في المجال البصري لها، وبذلك يكون مجموع الخيوط العصبية في الواحدة من عيني الذبابة ما يُقدر بـ ‏48 ألف خيط عصبي، يمكنها معالجة أكثر من مئة صورة في الثانية الواحدة‏.

 

هذا بالإضافة إلى مليون خلية عصبية متخصصة بالتحكم في حركة الذبابة من أعلى إلى أسفل وبالعكس‏,‏ ومن الأمام إلى الخلف وبالعكس، كل ذلك يعين الذبابة على الانقضاض على الشراب أو الطعام فتحمل منه- بواسطة كل من فمها والزغب الكثيف المتداخل الذي يغطي جسمها- ما تحمل ثم تهرب مبتعدة([2]).

 

 

صورة مكبرة لخرطوم فم الذبابة

حتى لو استطاع الإنسان الإمساك بالذبابة التي سلبت شيئًا من طعامه فإنه يظل عاجزًا عن استخلاص ما سلبته الذبابة منه؛ وذلك لأن الذباب عندما يحط على شيء من الطعام، فإن كان سائلاً سلب قطرة منه، وأوصلها فورًا إلى جهازه الهضمي الذي يمتصها، ويحولها إلى جهازه الدوري ومنه إلى مختلف خلاياه‏,‏ وإن كان مادة صلبة صب عليها لعابه، وإنزيمات معدته وعصائرها الهاضمة فيفككها فورًا ويذيبها؛ أي يهضمها قبل أن يمتصها ويوصِّلها مهضومة إلى جهازها الهضمي ومنه إلى جهازها الدوري، ثم إلى مختلف خلايا جسم الذبابة؛ حيث يتحول جزء من هذا الطعام إلى طاقة‏,‏ ويتحول جزء آخر إلى مكونات الخلايا والأنسجة‏,‏ وإلى عدد من المركبات العضوية التي يستخدمها الجسم‏,‏ ويتحول الباقي إلى فضلات تتخلص منها الذبابة‏,‏ ولا سبيل أبدًا إلى استرجاع أي من ذلك([3])؛ حيث تعجز كل وسائل العلم وأجهزته عن الاستفادة منه؛ لأنه قد صار مهضوم طعام ذباب، ولم يعد جزيئة من سكر أو زعفران أو عسل أو دقيق أو غير ذلك([4]).

 

 

 

رسم يوضح أجزاء فم الذباب

 

 

صورة للجهاز الهضمي للذباب

  • سلب الذباب لصحة الإنسان:

من أهم الأمراض التي يسببها الذباب:

 

  1. مرض النوم الأفريقي SleepingSicknessAfrican:

 

يسببه طفيل من نوع المثقبات يُسمى "تريبانوسوما"، على شكل دودي وله زائدة سوطية يتحرك بواسطتها، وينقله إلى دم الإنسان ذبابة تسي تسي التي تستوطن أفريقيا الاستوائية جنوب الصحراء الكبرى، ويؤثر ذلك الطفيل على الجهاز العصبي المركزي تأثيرًا عنيفًا.

 

وعندما تلدغ الذبابة الجسم بفمها الذي يشبه الإبرة المجوفة يتورم مكان اللدغة ويحمر، وبعد ذلك تتورم الغدد الليمفاوية الموضعية وتتضخم تضخمًا كبيرًا، وسرعان ما تظهر الأعراض الأخرى للمرض، وهي ارتفاع درجة الحرارة والقشعريرة والصداع الشديد، وإذا لم يُعالج المريض في هذا الطور من المرض يدخل في غيبوبة تنتهي غالبًا بالوفاة.

 

وذبابة تسي تسي الناقلة لمرض النوم الأفريقي تتغذى على الدم، شأنها شأن البعوضة الناقلة لمرض الملاريا، ولهذه الذبابة القاتلة نوعان: نوع يهاجم الإنسان، ونوع يهاجم الحيوان.

 

وتُكافح تلك الذبابة بالمبيدات، وبطرق أخرى، مثل: الإشعاع الذي يسبب تعقيم الذكور؛ فينقطع نسل تلك الذبابة.

 

والمناطق الموبوءة تصل مساحتها إلى عشرة ملايين متر مربع، وتجتاحها- بسسب المرض- المجاعات، وقلة الأرزاق والمزروعات والتربية الحيوانية؛ لذلك فإن مكافحة الذبابة لا تقضي على المرض في الإنسان فحسب، ولكنها تقضي على الفقر والمجاعات أيضًا.

 

  1. حمى التيفود:

 

هي نتيجة العدوى ببكتيريا السالمونيلا التي اكتُشفت عام 1880م، وطول الجرثومة 1/ 250 من الملليمتر، وعرضها 1/ 2000 من الملليمتر، وبالرغم من صغر حجم الجرثومة فإن لها شعيرات تتحرك بواسطتها، وتهاجم الجهاز الهضمي، وتخرج في براز المريض، وتنتقل العدوى بواسطة يد المريض نفسه- إذا لم يغسلها جيدًا- أو بواسطة الذباب المنزلي الذي يقع على براز المريض المحتوي على الجراثيم.

 

ويشكو مريض التيفود من ارتفاع درجة الحرارة، وصداع، وآلام بالبطن مصحوبة بإسهال أو بإمساك، ويظهر على الجلد طفح وردي من اليوم السابع إلى العاشر من المرض، كما يشكو المريض من ضعف عام ودوخة، ويبتدئ المريض في التحسن بعد أربعة أسابيع إلا إذا عُولج فينتهي المرض بعد أيام من العلاج.

 

 

 

 

  1. الكوليرا:

 

مرض يسببه ميكروب نشيط الحركة، وله زائدة دقيقة تساعده على الحركة، ولميكروب الكوليرا أنواع متعددة، وتُعتبر منطقة غرب البنغال هي الأرض الأم للكوليرا، ومنها يبدأ وباء الكوليرا ليشمل مساحات واسعة من العالم في جميع القارات.

 

وتوجد ميكروبات الكوليرا في براز المريض، فإذا تبرَّز في مواد الماء لوَّثها بالميكروب، وينتقل المرض لمن يشرب من هذا الماء، وإذا تبرَّز في العراء وقع عليه الذباب وتعلَّق بأرجله، وبعد ذلك يقع الذباب على الأطعمة في الأسواق والمنازل فيلوِّثها، فتصير هذه الأطعمة مصدرًا للعدوى بمرض الكوليرا.

 

ومن علامات هذا المرض: أن له فترة حضانة من 1: 5 أيام، وبعدها يبدأ الإسهال ببراز مائي بكميات كبيرة جدًّا، تسبب جفافًا بالجسم، وغالبًا يكون القيء مصاحبًا للإسهال، وإذا لم يُسعف بالعلاج بإعطائه سوائل بالوريد وغذاء ومضادات حيوية، فإنه سرعان ما يموت، والجسم في حالة جفاف شديد.

 

  1. الزحال (الدوسنتاريا):

 ميكروب المرض يوجد في براز المريض؛ وبالتالي ينقله الذباب، وقد ينتقل بواسطة الإنسان إذا لم يغسل يديه جيدًا بعد قضاء الحاجة، ومن أهم علامات المرض الدوسنتاريا الحادة، وخروج براز مدمَّم مع مخاط كثير، وعملية التبرز تكون مصحوبة بآلام شديدة.

 

والدوسنتاريا أنواع، من أهمها:

 

  • الدوسنتاريا الباسيلية.

 

  • الدوسنتاريا الأميبية.

 

الدوسنتاريا الباسيلية Bacillary Dysentery:

وتنقسم إلى أربعة أقسام رئيسية، تختلف في شدة الأعراض، وتكثر في المناطق الاستوائية؛ حيث يكثر الذباب، وأعراض المرض تختلف شدتها باختلاف نوع الميكروب المسبِّب للدوسنتاريا، إلا أن الأعراض الرئيسية هي: إسهال، وآلام أثناء التبرز، ومغص بالبطن، وبراز مدمَّم يحتوي على قيح، وترتفع درجة حرارة الجسم، ويشكو المريض من ضعف عام، ومن أهم المضاعفات: التهاب بالمفاصل، والتهاب بقزحية العين، والعلاج بقتل الميكروب بالمضادات الحيوية مع تعويض السوائل التي فقدها الجسم، وفي الحالات الشديدة في البلاد الاستوائية حيث لا يتوافر العلاج قد تحدث الوفاة بعد أيام قلائل.

 

الدوسنتاريا الأميبية Amoebic Dysentery:

هي إسهال مدمَّم أيضًا، ولكنه بسبب طفيل هو نوع من الأميبا، والبراز يكون مصحوبًا بقيح ومخاط كثير، وله رائحة كريهة، ويشكو المريض أيضًا من آلام بالبطن في منطقة القولون، وقد يحدث خراج بالكبد، والتهاب كبدي أميبي، ويعالج في الطب بأدوية تقتل الأميبا.

 

  1. مرض عمى النهر (داء الديدان الحلزونية) Onchocerciasis:

 هو مرض ينتقل بواسطة الذباب الأحدب، أو الذبابة السوداء (Simulium)، والذبابة صغيرة الحجم جدًّا (في حجم رأس الدبوس)، وطول الدودة الأنثى نحو نصفسنتيمتر، أما قطرها فهو 0,3 من الملي، أما الدودة الذكر فأقل في الطول من الدودة الأنثى، وتنتقل الإصابة بتلك الدودة من إنسان مريض إلى إنسان سليم بواسطة لدغة الذبابة التي تعيش على امتصاص دم الإنسان؛ وبذلك تصل اليرقات المعدية للدودة إلى الغدد اللعابية في الذبابة، فما تلدغ إنسانًا بعد ذلك إلا أعدته بتلك اليرقات، وتعيش تلك الذبابة في أفريقيا الاستوائية وجنوب الجزيرة العربية، ودول شمال أمريكا الجنوبية على شواطئ الأنهار، وتلدغ الذبابة الإنسان أثناء النهار فقط، وتنمو كل يرقة إلى دودة بالغة تستقر في جسم الإنسان المريض وتكون حولها ورمًا؛ لذلك نجد الإنسان الذي لدغته الذبابة المعدية يشكو من عدد من الأورام تحت الجلد، وكل ورم يحتوي على دودة حلزونية كاملة النمو، وتنتج هذه الديدان يرقات معدية تتحرك في أنحاء الجسم حتى تصل إلى العين، وقد تسبب العمى، وكثير من الناس في المناطق الموبوءة بتلك الذبابة فقدوا أبصارهم، وتصل اليرقة المعدية تحت الجلد، فتنمو إلى الدودة البالغة بعد 3 ـ 4 شهور، وتكون حويصلة تظهر على شكل ورم تحت الجلد، وتضع الدودة الأنثى يرقات معدية تنطلق تحت الجلد، ومنه إلى أعضاء الجسم، وخصوصًا العين، فإذا ماتت اليرقات في العين فإنها تسبب العديد من الأمراض في العين، تنتهي غالبًا بالعمى؛ ولذلك يُسمى المرض أحيانًا مرض "العمى النهري"، أو "عمى النهر".

 

 

 

دورة حياة الدودة الحلزونية بين الإنسان والذباب

  1. الإصابة بالدودة الحوامة (LoaLoa):

 تنتقل بواسطة ذبابة تُسمى (Chrysops)؛ أي "الذبابة ذات القرون" أو "الذبابة ذات العيون الذهبية"، وهي تعيش على امتصاص دم الإنسان، وتستوطن وسط أفريقيا فقط على شواطئ الأنهار؛ حيث الحرارة مرتفعة، والرطوبة عالية، ويمتص هذا الذباب دم الإنسان أثناء النهار فقط، وأثناء ذلك تنتقل اليرقات من دم الإنسان إلى الذبابة، فإذا لدغت إنسانًا بعد ذلك فإنها تنقل يرقات الدودة إليه.

 

ويشكو المصاب بتلك الدودة من إحساس حركة تلك الديدان تحت جلده، فهذه الديدان جوَّالة داخل الجسم لا تهدأ أبدًا، وقد تصل إلى ما تحت ملتحمة العين، فتشاهَد تجري تحتها.

 

طول الدودة البالغة ستة سنتيمترات، وقطرها أقل من نصف ملليمتر، ولا تسبب ضررًا بجسم الإنسان، ويرقات هذه الدودة تتحرك بنشاط في دم الإنسان، إلا أنها تختفي من الدم أثناء الليل، وما إن يطلع النهار حتى تعود إلى الدم من جديد. أما لماذا تترك الدم أثناء الليل وتعود إليه أثناء النهار؟ فلا يدري أحد السر في ذلك([5]).

 

وهكذا يقف الإنسان عاجزًا لا يستطيع أن يسترجع ما سلبه الذباب منه، سواء من طعامه وشرابه أو صحته.

 

2)  التطابق بين حقائق العلم والآية الكريمة:

 

يقول الله تعالى في محكم آياته: )إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب(73)((الحج). والاستلاب في اللغة هو الاختلاس، والسلب هو نزع الشيء من الغير على القهر. يقول الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية الكريمة:")وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه( (الحج:73)،الاستنقاذ والإنقاذ: التخليص. قال ابن عباس: كانوا يُطْلون أصنامهم بالزعفران فتجف، فيأتي فيختلسه. وقال السدي: كانوا يجعلون للأصنام طعامًا فيقع عليه الذباب فيأكله. )ضعف الطالب والمطلوب(73)( (الحج)، قيل: الطالب الآلهة، والمطلوب الذباب. وقيل بالعكس. وقيل: الطالب عابد الصنم، والمطلوب الصنم، فالطالب يطلب إلى هذا الصنم بالتقرب إليه، والصنم المطلوب إليه. وقد قيل:  )وإن يسلبهم الذباب شيئًا((الحج:73)، راجع إلى ألمه في قرص أبدانهم حتى يسلبهم الصبر لهم والوقار معها. وخُصَّ الذباب لأربعة أمور تخصه: لمهانته، وضعفه، ولاستقذاره، وكثرته، فإذا كان هذا الذي هو أضعف الحيوان وأحقره لا يقدر من عبدوه من دون الله عز وجل على خلق مثله ودفع أذيته، فكيف يجوز أن يكونوا آلهة معبودين وأربابًا مطاعين"([6])؟! 

 

ويقول الإمام ابن كثير: "أخبر تعالى أنه لو اجتمعت آلهتهم كلها ما استطاعوا خلق ذبابة، بل لو استلبتهم الذبابة شيئا من حقير المطاعم وطارت لما استطاعوا إنقاذ ذلك منها، فمن هذه صفته وحاله كيف يُعبد ليرزق ويستنصر"([7])؟!

 

ويقول رحمه الله في موضع آخر: ")وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه((الحج:73)؛‏ أي: هم عاجزون عن خلق ذباب واحد‏,‏ بل أبلغ من ذلك عاجزون عن مقاومته والانتصار منه‏,‏ لو سلبها شيئًا من الذي عليها من الطيب‏,‏ ثمأرادت أن تستنقذه منه لما قدرت على ذلك‏,‏ هذا والذباب من أضعف مخلوقات الله وأحقرها‏؛ ولهذا قال‏: )ضعف الطالب والمطلوب (73) ((الحج) "([8]).

 

وهكذا يؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة العلمية التي لم يكن للناس أي علم بها قبل العصر الحديث، وهي أن الإنسان يعجز عن استعادة شيء سلبه الذباب منه؛ حيث يتمتع الذباب بقدرة فائقة على المراوغة والمناورة أثناء الطيران بدقة وإحكام فائقين؛ مما يعينه على إصابة هدفه وتجنب المخاطر بكفاءة عالية، مما يعين الذباب على الانقضاض على الطعام والشراب، فتحمل منه بواسطة كل من فمها والزغب الكثيف المتداخل الذي يغطي جسمها ـ ما تحمل، ثم تهرب مبتعدة في عملية استلاب حقيقية بمعنييها: الاختلاس، أو نزع الشيء على القهر.

 

ومن ناحية ثانية فلو تمكن الإنسان من الإمساك بالذباب فإنه يعجز عن استرداد ما سلبه منه من طعام أو شراب؛ وذلك لأن الذباب يفرز الإنزيمات الهاضمة على جزيئات طعامه، فهو لا يملك جهازًا هضميًّا معقدًا، فيهضم الطعام في مكانه قبل أن يمتصه بخرطومه، فهو لا يمتصه إلا متحولاً مهضومًا متغيرًا تعجز كل وسائل العلم وأجهزته عن استنقاذه منه، أو إعادته لما كان عليه؛ لأنه قد صار مهضوم طعام ذباب وليس طعامًا.

 

ومن ناحية ثالثة فقد أثبت العلم أن الذباب ينقل أمراضًا عديدة للإنسان، ويسلبه قوته وصحته، وربما حياته أيضًا، ومن الأمراض التي ينقلها للإنسان: حمى التيفود، والدوسنتاريا بأنواعها، والسل المعوي، والكوليرا، والكثير من الأمراض والطفيليات، والعديد من الأمراض التي لم يكن الإنسان يعلم عنها شيئًا إلا مع بداية النهضة العلمية والتقدم التكنولوجي الهائل؛ مما يثبت إعجاز القرآن الكريم، وأن منزِّله عز وجل لم يختص الذباب عبثًا بهذه الحقائق، بل هو خالق كل شيء والعليم بكل شيء سبحانه وتعالى.

 

3)  وجه الإعجاز:

 

  لقد كشف العلم الحديث عن أسرار إعجازية جديدة لقوله تعالى:)وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه( (الحج:73)؛‏ حيث أثبت العلم أن حركة الذبابة المنزلية على درجة عالية جدًّا من التعقيد، فقد زوَّدها الخالق بالقدرة على المناورة أثناء الطيران بالحركات الأمامية والخلفية؛ حيث تستطيع تغيير مواقعها بدقة وإحكام فائقين مع تجنبها للمخاطر.

 

كما أثبت العلم أن الذباب لا يملك جهازًا هضميًّا معقدًا، فهو يمتص السوائل ويحوِّلها إلى جهازه الدوري ومنه إلى مختلف خلاياه، وأما الطعام الصلب فيصب عليه لعابه وإنزيمات معدته فيفككه ويذيبه؛ أي يهضم الطعام قبل أن يمتصه، فلا يمتصه إلا وقد صار مهضومًا تعجز كل وسائل العلم وأجهزته عن استنقاذه منه.

 

كما أثبت العلم أن الذباب لا يسلب الإنسان طعامه وشرابه فحسب، بل يسلبه صحته وقوته، وربما حياته أيضًا؛ حيث ينقل إلى الإنسان كثيرًا من الأمراض الخطيرة، مثل: حمى التيفود، والدوسنتاريا، والكوليرا، وغير ذلك من الأمراض الكثير.

 

كل هذا يثبت إعجاز القرآن العلمي وتحديه في قوله تعالى: )وإن يسلبهم الذباب شيئًا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب(73)((الحج).

 

 

 

(*) تأويل القرآن من أجل احتكار العلم، كامل النجار، مقال منشور بموقع: الحوار المتمدن www.ahewar.org.

 

[1]. انظر: موسوعة عالم الحشرات: أسراره وعجائبه، د. حسن عبد الله الشرقاوي، مكتبة جزيرة الورد، القاهرة، ص122: 133.

 

[2]. من آيات الإعجاز العلمي: الحيوان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص156: 158.

 

[3]. المرجع السابق، ص161.

 

[4]. مثل العاجز عن خلق الذباب، محمد عتوك، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة www.55a.net.

 

[5]. موسوعة الإعجاز العلمي في الحديث النبوي، د. أحمد شوقي إبراهيم، مرجع سابق، ج6، ص67: 70 بتصرف.

 

[6]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج12، ص97.

 

[7]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج2، ص276.

 

[8]. المرجع السابق، ج3، ص235.

 

  • الاربعاء PM 07:30
    2020-09-02
  • 1414
Powered by: GateGold