المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409159
يتصفح الموقع حاليا : 346

البحث

البحث

عرض المادة

دعوى خطأ القرآن في إخباره عن أكل النحل من الثمرات

دعوى خطأ القرآن في إخباره عن أكل النحل من الثمرات (*)

مضمون الشبهة:

يدَّعي بعض المغالطين أن القرآن الكريم أخطأ في إخباره عن أكل النحل من الثمرات؛ وذلك في قوله سبحانه وتعالى: )ثم كلي من كل الثمرات(  (النحل/٦٩)، وهذا في زعمهم يناقض العلم الحديث، الذي أثبت أن النحل لا يأكل من الثمار أو الفاكهة كما ذكر القرآن، وإنما يتغذى على رحيق الأزهار وحبوب اللقاح.

 

   ويستدلون على هذا بأن الثمار أو الثمرة تعني الجزء الصالح للأكل؛ كالموز والتفاح والبرتقال والبطاطس والخيار... إلخ؛ مستندين في ذلك إلى آيات من القرآن الكريم؛ منها قوله سبحانه وتعالى: )وَإِذْ قَالَ إِبرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ( (البقرة/١٢٦).

وجه إبطال الشبهة:

إن قول الله تعالى: )ثم كلي من كل الثمرات(  (النحل/٦٩)، يعني إلهامه سبحانه وتعالى للنحلة أن تأكل من كل الثمرات التي تشتهيها، والثمرات المقصودة في الآية هي الأزهار، كما أفادت ذلك كتب اللغة، وأقوال المفسرين، وعلم النبات، وهذه حقيقة علمية أثبتها العلم الحديث؛ حيث توصل إلى أن الشغالات من إناث نحل العسل تتغذى على رحيق الأزهار وحبوب اللقاح التي تشتهيها؛ ومن ثم، فإن الآيات التي استدلوا بها على دعواهم خطأ القرآن الكريم لا تُعد دليلاً بحال.

 

التفصيل:

1)  الحقائق العلمية:

من الثابت علميًّا في العصر الحديث أن الشغالات من إناث نحل العسل تتغذى على كل مل تشتهيه من رحيق الأزهار([1]) وحبوب اللقاح([2])؛ فيخرج من بطونها عسلاً شهيًّا.

 

وقد ألـهمت هذه الشغالات اختيار فرق من المستكشفات من بينهن يغادرن الخلية للبحث عن الأزهار الحاملة للرحيق، ثم يعدن لإخبار بقية الشغالات عن أمكنة وجود تلك الزهور، وعن أنواعها، وأنواع ما تحمله من رحيق، وتحدد لهن الموقع بدقة فائقة، عن طريق لغة تخاطبها، وهي الرقص، فتتحرك جامعات الرحيق من الشغالات إلى تلك المناطق، متنقلة من زهرة إلى أخرى؛ لجمع ما تستطيع جمعه من الرحيق وحبوب اللقاح، ومع تنقلها تحمل بعض حبوب اللقاح من زهرة إلى أخرى، فتعين على إخصابها؛ مما يؤدي إلى إنتاج الثمار والبذور التي تساعد على تكاثر النبات واستمرارية سلالاته.

 

وتتغذى الشغالات الجانية لعسل النحل على جزء مما تجمعه، ويتغذى عدد من أفراد خليتها على جزء آخر منه، ويمكنها الباقي من صناعة الشراب الشافي من العسل، والغذاء الملكي، والشمع، والسم.

 

 

صورة لتنقل النحل بين الأزهار

 

صورة لنحلة وهي تمتص الرحيق

وبالإضافة إلى الرحيق تجمع الشغالات حبوب اللقاح، ويبلغ متوسط ما تجمعه الشغالة الواحدة من تلك الحبوب نحو عشرين مليجرامًا في كل طلعة، وتجمع هذه الحبوب في سلات خاصة على أرجلها الخلفية، وتعود إلى خليتها مثقلة بما تحمله من الرحيق وحبوب اللقاح؛ لتفرغه في عيون خاصة بالخلية.

 

 

صورة لنحلة وهي عائدة إلى الخلية محمَّلة بحبوب اللقاح

ولقيام شغالات النحل بهذه المهمة خير قيام فقد زُوِّدت بحواس متطورة للبصر والشم والتذوق، وبأجهزة خاصة لتقدير المسافات والاتجاهات والأزمنة، بواسطة ما يُعرف باسم "الساعة الحيوية"، ومن هذه الأجهزة: ثلاثة عيون بسيطة، وزوج من العيون المركبة التي تحتل مكانًا مناسبًا من رأسها، وتتكون كل عين منها من  4000 - 5000 عوينة متجانسة، وهذا النظام الإبصاري المعقد والمكون من العيون المركبة والبسيطة يعين النحلة على الرؤية من مسافات بعيدة ومرتفعات شاهقة؛ حيث تستطيع شغالة النحل الطيران لمسافة تتراوح بين 11,7 كم ذهابًا، ومثلها إيابًا من الخلية وإليها، بسرعة تصل إلى 24 كم/ساعة في الذهاب، ونصف ذلك في الإياب، وقد أُعطيت عيون النحلة القدرة على تمييز عدد من أطياف النور الأبيض، بالإضافة إلى الأشعة فوق البنفسجية التي لا تراها عين الإنسان؛ وبذلك تستطيع تمييز ألوان الزهور بدقة فائقة، كما أُعطيت قدرات عالية لكل من حاستي الشم والتذوق؛ لتمايز بين الزهور بواسطة روائحها، وروائح ما بها من الرحيق، ومن حبوب اللقاح، ولتمايز بين طعوم ما بها من سكريات، فتقبل على المناسب منها، وتتجنب غير المناسب.

 

كذلك زُوِّدت شغالات النحل بزوجين من الأجنحة الغشائية موزعين على جانبي جسمها، وبفم قارض لاعق، وبزوج من قرون الاستشعار التي يتألف الواحد منها من (11 - 12) عقلة، تحتوي العُقَل الست الأولى منها على حفرة صغيرة، يحف بها من أسفل أقراص سمعية مرنة، يتصل كل منها بعصب حسي دقيق، وبمراكز لكل من اللمس والشم، ويبلغ عدد المراكز الحسية على قرن الاستشعار الواحد ما يصل إلى نحو ألفين وأربع مئة مركز، كل هذه التجهيزات أعانت الإناث من شغالات النحل على جمع أكبر قدر ممكن من رحيق الأزهار وحبوب اللقاح([3]).

 

 

 

صورة تشريحية لجسم النحلة الشغالة

 

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:

إن خلق الله سبحانه وتعالى للنحل آية من الآيات الكونية الدالة على عظيم خلقه ودقيق إبداعه في صنعه؛ ففيه من العجائب ما يبهر العقول ويحيِّر الألباب، من ذلك هدايته وإلهامه سبحانه وتعالى لشغالة النحل أن تأكل من كل ما تشتهيه من رحيق الأزهار وحبوب اللقاح، قال الله سبحانه وتعالى: ) ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً( (النحل/٦٩).

 

وهنا أثار الطاعنون شبهتهم قائلين: إن القرآن أخطأ في إخباره عن أكل النحلة من الثمرات؛ لأن العلم الحديث قد أثبت أن النحل لا يأكل من الثمار أو الفاكهة، وإنما يتغذى على رحيق الأزهار وحبوب اللقاح، كما يستدلون على تلك الدعوى بآيات من القرآن الكريم نفسه.

 

والجواب عن هذه الشبهة يتبين مما يأتي:

 

  • من الدلالات اللغوية في الآية الكريمة:

 

الثمر: حمل الشجر؛ أي ما ينتجه الشجر([4]).

 

قال ابن فارس: "الثمر هو شيء يتولد عن شيء متجمعًا، ثم يُحمل عليه غيره استعارة؛ فالثمر معروف، يقال: ثمرة وثمر وثمار وثمر"([5]).

 

 

 

  • من أقوال المفسرين في الآية الكريمة:

 

يقول ابن عطية: "و "مِنْ" للتبعيض؛ أي: كلي جزءًا أو شيئًا من كل الثمرات، وذلك أنها إنما تأكل النوار([6]) من الأشجار"([7]).

 

وهذا ما ذكره القرطبي([8]) وابن جزي الغرناطي([9]) في تفسيريهما.

 

وقال أبو حيان الأندلسي: "وظاهر "مِنْ" في قوله: )ثم كلي من كل الثمرات(  (النحل/٦٩)،أنها للتبعيض، فتأكل من الأشجار الطيبة والأوراق العطرة أشياء يولد الله منها في أجوافها عسلاً"([10]).

 

ومن خلال أقوال المفسرين نلحظ أولاً: أن لفظ "مِنْ" جاء بمعنى التبعيضية؛ فأفادت أن إلهام الله سبحانه وتعالى للنحل كان بأن تأكل جزءًا من الثمار، وليس كل الثمار، وهذا الجزء هو ما تأخذه النحلة من رحيق الأزهار وحبوب اللقاح.

 

وهي تحتمل معنيين آخرين:

  1. أن يُراد بها ابتداء الغاية؛ والمعنى المقصود: أن النحل يأكل الرحيق، ويكون أكلها مبتدأ من هذه الأزهار، وليس من مكان آخر، وهذا المعنى والذي قبله يُعدان من أشهر معاني حرف الجر (مِنْ).

 

  1. أن يُراد بها بيان الجنس؛ ويكون المعنى بيان ما ألهمه الله للنحل أن يأكله، وهو الثمرات، وليس أي جنس آخر من أجناس الطعام، كقوله سبحانه وتعالى: )ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندس وإستبرق ((الكهف/٣١).

 

وكل هذه المعاني صحيحة لا تعارض بينها، واتساع اللغة العربية يضيف إلى آيات القرآن الكريم آفاقًا كثيرة من المعاني والدلالات البديعة الجميلة.

 

يقول الخطيب الشربيني: "لفظ "مِنْ" هذا للتبعيض، أو لابتداء الغاية"([11]).

 

كما نلحظ من أقوال المفسرين تفسيرهم كلمة "الثمرات" بالأزهار؛ لأنها نتاج الأشجار وتتولد عنها، وحمل الشجر ثمرات، فتعتبر الأزهار من حمل الأشجار، وهذا يؤيد ما جاء في اللغة؛ ومن ثم فإطلاق كلمة "الثمرات" على الأزهار هو من المجاز المعروف، باعتبار ما سيكون([12])، تمامًا كقوله تعالى:) ودخل معه السجن فتيان قال أحدهما إني أراني أعصر خمرًا( (يوسف/ 36)، وإنما يعصر العنب، ولكن أطلق عليه الخمر باعتبار ما سيكون عليه عصير العنب بعد وقت، وهكذا أطلق على الأزهار "ثمار"، باعتبار ما ستؤول  إليه من الثمار النافعة، بقرينة المشاهد المحسوس من معاينة كل الناس أن النحل إنما يقف على الأزهار، ولا يأكل من الثمرات الحقيقية شيئًا.

 

ومن الملاحظ أن معظم المفسرين القدماء لم يتطرقوا لمعنى كلمة الثمرات في الآية التي معنا؛ ظنًّا منهم أن معناها واضح لا لبس فيه، ولكن هناك قلة من هؤلاء المفسرين علموا بمدى التردي اللغوي في عصرهم، فقاموا بتفسير تلك الكلمة، وقد سبق ذكرهم([13]).

 

أما عن تعريف كلمة "الثمرات" من الناحية العلمية، فيقول الدكتور السيد المليجي- أستاذ علم النبات- : "الثمرة هي مبيض الزهرة بعد تمام إخصابه بحبوب اللقاح"([14]).

 

وعليه، فإن هذا هو المراد من الآية التي معنا، يقول الدكتور زغلول النجار: واضح الأمر أن المقصود بالثمرات هنا هي الزهور بما فيها من الخلايا التناسلية التي تنتجها النباتات المزهرة، والرحائق المصاحبة لها، وهذه الخلايا التناسلية منها الأنثوية (بويضات الزهور)، والذكرية (حبوب اللقاح أو غبار الطلع)، وباتحادهما تتم عملية إخصاب الزهور وإنتاج

الثمار المعروفة لنا في أغلب الأحوال؛ لأن بعض الثمار قد تنتج عن تضخم مبيض الزهرة وحده، أو الكأس وحده، أو غير ذلك من أجزاء الزهرة، ونستند في ذلك إلى قول الحق

تعالى: )وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارًا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين((الرعد/٣)([15]).

 

وعليه، فإن تعريف مثيري الشبهة لكلمة "الثمرات"- أنها الجزء الصالح للأكل؛ كالموز والتفاح والبطاطس والبرتقال... إلخ- هو تعريف لا يمت للغة العربية ولا للعلم الحديث بصلة.

 

أما عن الآيات التي استدلوا بها لمحاولة إثبات دعواهم بخطأ القرآن الكريم- ومنها قوله تعالى: )الذي جعل لكم الأرض فراشًا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقًا لكم( (البقرة/٢٢)، وقوله تعالى: )وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر( (البقرة/١٢٦)- فإنها لا تُعد دليلاً البتة على ما ادَّعوه؛ لما قد سبق بيانه حول دلالة كلمة الثمرات لغويًّا وعلميًّا؛ حيث إن كلمة "الثمرة" كلمة عامة تشمل كل ما يحمله الشجر من زهر أو ثمار يستفيد منها الإنسان؛ وبذلك فإن استخدامها هنا بمعنى الثمار أو الفاكهة لا يتنافى مع استخدامها هناك- أي: في الآية- طالما أن كتب اللغة قد نصت على هذا.

 

ومن خلال ما سبق يتبين أن قول الله تعالى: )ثم كلي من كل الثمرات(  (النحل/٦٩)،  يشير إلى حقيقة علمية، توصل إليها العلم حديثًا، وهي أن الشغالات من إناث عسل النحل تتغذى على كل ما تشتهيه من رحيق الأزهار وحبوب اللقاح، فيخرج من بطنها عسلاً شهيًّا.

 

ولقيام النحلة الشغالة بهذه المهمة فإنها تقضي وقتًا طويلاً من عمرها القصير في ذهاب وإياب بين الخلية والحقل؛ تلقح عرضًا ما تقف عليه من أزهار، وتجمع منها ما تستطيع من غذاء، مستعينة- لإرشاد زميلاتها إلى مكان الغذاء وهن في ظلام الخلية- بحركات راقصة تحدد المسافة وتعين الاتجاه، مستفيدة من موقع الشمس من خلال ضوئها المرئي والمستقطب، والزهرة من جانبها لا تكف عن إغراء النحلة وجذبها بعطرها القوي، ورحيقها الحلو المذاق، وبحبوب لقاحها ذات القيمة الغذائية العالية، وأمن هذا الترابط بينهما المصدر الغذائي الكامل للنحلة والتلقيح الخلطي المضمون للزهرة؛ لكي تنتج الثمرة، إلا أن النحلة لا تقترب من زهرة أو تطير مسافات بعيدة تبحث عنها إلا إذا كانت موثقة ضمن برمجتها الفطرية، التي تشمل رائحة الزهرة، ولونها، وتصميمها، ومرونة تمايلها، وسعة عطائها، ومدى بعدها، ويسر تناولها، وسلامة نتاجها، وتركيز فروزها،  وثراء حبوب لقاحها، وروائح تنثر عليها وحولها، وأشعة تنعكس عليها وتكشف عما خفي من رحيقها، وأشياء أخرى غير معروفة الله أعلم بها؛ حفاظًا على النحلة من زهرة تميتها وأخرى تعبث بها.

 

وهذا يبين سبب إهمالها لعديد من أنواع الأزهار، جزئيًّا أو كليًّا، فهي لا تمتص الرحيق من زهرة الكمثرى؛ لأن تركيز السكر فيه 20% وأقل، وهي نسبة متدنية مجهدة، وتكتفي منها بأخذ وفرة من حبوب اللقاح، ولا تحاول زيارة زهرة الخطمي إلا لمامًا؛ لخلوها من الرحيق، ثم لا تجد في حبوب اللقاح فيها ما تريد من مواد مغذية، وهكذا لا تزور أزهار الزيتون والطماطم وغيرها؛ لفقر في محتوياتها، ولا تبدد طاقتها وتضيع وقتها في التردد على بعض الزهور، مثل زهرة الفل ذات العطر الفواح؛ لخلوها من حبوب لقاح ورحيق، وتعرض عن زهرة العسل وأمثالها مع ما في رحيقها من وفرة وعطر لطيف؛ لقصر خرطومها وعجزه عن الوصول إلى مواضعه في العمق، ثم هي تبتعد عن زيارة زهرة الدفـلى وأشباهها؛ لـما فيها من سم قاتل.

 

والسبب في هذا كله أنه قد ثبت علميًّا أن الإرهاق الذي يصيب النحلة الشغالة جراء جمع طعامها يقلل من عمرها، ولو أنها جرت وراء كل زهرة تتفتح لانخفض معدل أعمارها إلى حد تشرف فيه على التلف، ولكنها تعلمت أن تبتعد عما لا يخدمها من أنواع الأزهار، ليس بطريق التجربة والخطأ؛ إذ لا وقت لديها للتجارب، ولا تدرك ما تفعل، ولكن بإعجاز إلهي أرشدها على نحو سليم لا فرصة فيه للخطأ ولا إرادة لها معه إلى ما ينبغي لها أن تقبل عليه أو تدبر عنه، وأودع في جيناتها الوراثية هذه القدرات الراسخة، وجعلها إرثًا عامًّا للأجيال الجديدة، كل بدوره على تعاقب السنين،  )قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى(50)( (طه)([16]).

 

وبعد، فإن قال قائل: كيف تستقيم تلك الحقائق مع قوله تعالى: )كل الثمرات( ؟! قلنا: لقد حمل أكثر المفسرين ذلك على التبعيض؛ لأن العموم في الآية غير مراد. قال ابن قتيبة: )ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ( (النحل/٦٩) ؛ أي: من الثمرات، و "كل" ها هنا ليس على العموم، ومثل هذا قوله تعالى: )تدمر كل شيء بأمر ربها( (الأحقاف/٢٥)([17]). وذكر الطاهر ابن عاشور في تفسيره أن (كل) هنا مستعملة في معنى الكثير، وهو استعمال وارد في القرآن الكريم والكلام الفصيح، قال تعالى: )ولو جاءتهم كل آية(  (يونس/٩٧)، وقال تعالى: )والشياطين كل بناء وغواص(  (ص/37)([18]).

 

ونخلص من ذلك إلى أن قوله تعالى: )ثم كلي من كل الثمرات(  (النحل/٦٩)، مطابق تمام المطابقة للغة وللعلم الحديث، فلو جاءت الآية بنص (كلي من رحيق الأزهار) لكان هناك خطأ؛ لأن النحل- كما ذكرنا- يتغذى على رحيق الأزهار وحبوب اللقاح، والعكس صحيح، وحاشا لله سبحانه أن يكون هناك أدنى خطأ في كتابه، فالقرآن الكريم قد شمل ما يتغذى عليه النحل في كلمة واحدة فقط- وهي الثمرات- في إعجاز لغوي وبياني وعلمي ليس له مثيل، وصدق الله العظيم حين قال: )أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا(  (النساء/82)([19]).

 

3)  وجه الإعجاز:

 

أثبت العلم حديثًا أن الشغالات من إناث النحل تتغذى على رحيق الأزهار وحبوب اللقاح التي تشتهيها، من خلال رحلة طويلة من عمرها القصير، تقضيها في ذهاب وإياب بين الخلية والحقل، دون أن تضل طريقها؛ لتسلم ما جمعته، ولتخبر بقية الشغالات عن أمكنة وجود تلك الزهور بدقة فائقة.

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة العلمية، فقال تعالى: )ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللاً(  (النحل/٦٩)، وقد عبر تعالى في هذه الآية عن غذاء النحل بكلمة واحدة، وهي "الثمرات"، التي تعني الأزهار لغة واصطلاحًا.

 

 

 

 

 

(*) النحل في كتاب محمد، مقال منشور بموقع: الملحدين العرب www.el7ad.com.

 

[1]. الرحيق: هو عبارة عن محلول مائي غني بالكربوهيدرات التي أهمها السكريات، يُفرَز بواسطة غدد خاصة في الزهرة، توجد عادة في قاعدة السداة (أعضاء التذكير)، وهي غدد معقدة البناء تقوم على تنظيم عمليات تركيب الرحيق وتدفقه إلى داخل الزهرة باستمرار طول فترة حياتها.

 

[2]. حبوب اللقاح (غبار الطَّلْع): هي حبوب متناهية الصغر، الواحدة منها عبارة عن خلية ذَكَرِية كاملة داخل زهرة النبات، محاطة بغلاف داخلي هش وغلاف خارجي مقاوم لكل من التفكك والتعفن والحرارة العالية وكل من الحموضة والقلوية الشديدتين، وهذه الحبوب غنية بكل من البروتينات، والأحماض الأمينية، والفيتامينات والخمائر، بالإضافة إلى عدد من العناصر المعدنية.

 

[3]. من آيات الإعجاز العلمي: الحيوان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص98: 100 بتصرف. وانظر: النحل معجزة المعجزات، د. هاني عبد الحميد عبد السميع، مكتبة المعارف الحديثة، الإسكندرية، ص176: 178. مملكة الحيوان: دعوة مفتوحة إلى حدائق الإيمان، د. يوسف نوفل، مرجع سابق، ص362: 369. رحيق العلم والإيمان، د. أحمد فؤاد باشا، مرجع سابق، ص167: 170.

 

[4]. انظر: العين، تهذيب اللغة، لسان العرب، القاموس المحيط، تاج العروس، مادة: ثمر.

 

[5]. مقاييس اللغة، مادة: ثمر.

 

[6]. النُّوَّار: الزهور.

 

[7]. المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ابن عطية، تحقيق: عبد الله إبراهيم الأنصاري والسيد عبد العال السيد إبراهيم، مؤسسة دار العلوم للطباعة والنشر، قطر، ط1، 1405هـ/ 1985م، ج4، ص182.

 

[8]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج10، ص135.

 

[9]. انظر: التسهيل لعلوم التنزيل، ابن جزي الغرناطي، دار الضياء للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1430هـ/ 2009م، ج1، ص849.

 

[10]. البحر المحيط، أبو حيان الأندلسي، تحقيق: صدقي محمد جميل، دار الفكر، بيروت، 1420هـ، ج6، ص560.

 

[11]. تفسير السراج المنير، الخطيب الشربيني، دار الكتب العلمية، بيروت، ج2، ص192.

 

[12]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، مرجع سابق، ج10، ص135. وانظر: التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج7، ج14، ص207.

 

[13]. انظر: تفسير قوله تعالى عن النحل: )ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ( (النحل/٦٩)، ، مقال منشور بموقع: الإسلام سؤال وجواب www.islamqa.com. )ثُمَّ كُلِي( (النحل:69) .. ردًّا على شبهات الملحدين، مقال منشور بموقع: منتديات أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com.

 

[14]. علم النبات في القرآن الكريم، د. السيد عبد الستار المليجي، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2005م، ص31.

 

[15]. من آيات الإعجاز العلمي: الحيوان في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص98 بتصرف.

 

[16]. )ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ((النحل/٦٩)، لقمان إبراهيم القزاز، بحث منشور بموقع: موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة www.quran-m.com.

 

[17]. غريب القرآن، ابن قتيبة، مرجع سابق، ج1، ص246.

 

[18]. انظر: التحرير والتنوير، الطاهر ابن عاشور، مرجع سابق، مج11، ج23، ص265.

 

[19]. )ثُمَّ كُلِي(  .. ردًّا على شبهات الملحدين، مقال منشور بمنتديات: أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com.

  • الاربعاء PM 07:28
    2020-09-02
  • 1069
Powered by: GateGold