المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415166
يتصفح الموقع حاليا : 195

البحث

البحث

عرض المادة

الطعن في حديث تحديد جنس الجنين في اليوم الثاني والأربعين

الطعن في حديث تحديد جنس الجنين في اليوم الثاني والأربعين (*)

 

مضمون الشبهة:

يزعم منكرو الإعجاز العلمي في القرآن والسنة أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك...» يتعارض مع ما أثبته علماء الوراثة في العصر الحديث من أن جنس الجنين ـ ذكرًا أو أنثى ـ يتحدد منذ اللحظة الأولى التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبييضة.

 

وجه إبطال الشبهة:

يتحدد جنس الجنين منذ لحظة التقاء الحيوان المنوي بالبييضة حين تلقيحه إياها، ولكن يظل الجنين غير محدد الملامح، ولا يأخذ صورته الآدمية، ومن ثم لا تبدو عليه أية علامة تحدد جنسه حتى اليوم الثاني والأربعين من التلقيح؛ حيث يأتي الملك فيسأل ربه عن جنسه، فيخبره الله ليكتبه عنده، ثم تبدأ ملامح الآدمية في الظهور، ومنها الأعضاء التناسلية الخارجية التي تبدأ في الظهور منذ ذلك اليوم.

 

فالحديث يخبر عن عدم معرفة الملك جنس الجنين في ذلك الوقت، ولم يخبر الحديث من قريب أو بعيد أن جنس الجنين لم يحدد حتى ذلك اليوم؛ ومن ثم فلا تعارض بين هذا الحديث وما اكتشفه العلم الحديث من كون تحديد جنس الجنين يكون في اللحظة الأولى من عمره.

 

التفصيل:

1)  الحقائق العلمية:

 

إن الأعضاء التناسلية الخارجية للجنين تكون متشابهة بين الذكور والإناث في بادئ الأمر، ولا يمكن التفريق بينهما إلا بعد اليوم الثاني والأربعين من تلقيح الحيوان المنوي للبويضة.

 

يقول كريم نجيب الأغر: الأعضاء التناسلية الخارجية تكون متماثلة إلى نهاية الأسبوع التاسع مع أن الغدتين التناسليتين للجنين قد بدأتا في التميز داخل بطن الجنين ابتداء من الأسبوع السابع تحت تأثير الصبغي (صy)، ومن ثم يبدأ التميز البطيء للذكورة أو الأنوثة الخارجية تدريجيًّا إلى أن يتحقق نهائيًّا في الأسبوع الثاني عشر، وذلك بعد أن تكتمل الصورة الآدمية للجنين ويتخلق العظام واللحم، ويتكون الجلد.

 

وتفصيل ذلك أن البدايات الأولية للأعضاء التناسلية الخارجية تكون متشابهة في بادئ الأمر بين الذكور والإناث، وتبدأ بالتطور قبل اليوم الثاني والأربعين في الأسبوع الرابع، إلا أن الحديبة التناسلية والانتفاخ الشفري العجزي، والطيات البولية التناسلية المنشئة للخواص الجنسية المميزة، لا تظهر إلا في الأسبوع التاسع، ومن ثم يبدأ التميز البطيء.

 

والدليل الإضافي على أن تميز الشكل الخارجي للأعضاء التناسلية للجنين يأتي زمنيًّا بعد تميز الجلد، هو: أن الأعضاء التناسلية الخارجية تتكون من نتوءات في الجلد.

 

 

 

 

 

نرى في هذه الرسومات تطور الأعضاء التناسلية للذكر والأنثى، ونرى في الرسمين (A,B) كيف أن عضو الجنين ـ ذكرًا كان أو أنثى ـ يتبع خط التطور نفسه، ويكون متماثلًا من الأسبوع الرابع إلى الأسبوع السابع على النحو الذي جاء في الرسمين (A,B)، وتبدأ الأعضاء تتمايز ابتداء من الأسبوع التاسع، والرسومات (D,F,H) تمثل تطور الجهاز التناسلي الأنثوي في الأسابيع (9 ـ 11 ـ 12) على التوالي، والرسومات (C,E,G) تمثل تطور الجهاز التناسلي الذكري في الأسابيع (9 ـ 11 ـ 12) على التوالي، فنرى باختصار كيف أن قضيب الرجل يحافظ على طوله وتكبر حشفته، بينما ترتفع قاعدته عن كيس الصفن، كذلك فإن الفتحة البولية تلتحم وتصعد، أما عند الأنثى فإن الحشفة تتحجم لتصبح فيما بعد البظر، كذلك فإن طول القطيب يقصر ويحافظ على مكان قاعدته (ملتقى الشفرين الخلفيين)، وأما الفتحة البولية فتنزل إلى الأسفل وتتألف منها الفتحة البولية للأنثى وغشاء البكارة

ومن المعروف أن جنس الجنين يتحدد حين يلتقي الحيوان المنوي بالبويضة، لكن هناك احتمال أن تتطور الأعضاء التناسلية الخارجية للجنين في وضع مغاير لوضع جنس الجنين الوراثي الذي قدر في مرحلة النطفة، فقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه ذكر، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كأنثى، وقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه أنثى، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كذكر، وهناك عدة أسباب علمية لهذا الانحراف، فالحاصل أن التاريخ الجنسي للإنسان يتبع ثلاث مراحل:

 

المرحلة الأولى:هي المرحلة الخلوية؛ حيث تحدد صفات الخلايا الجنسية، هل هي ذكرية أم أنثوية؟ تبعًا لطبيعة الحيوان المنوي الذي سيخصب البويضة؛ هل هو حامل لشارة الذكورة (y)، أم لشارة الأنوثة (x) فإذا كان حاملًا لشارة الذكورة (y) أصبحت الخلايا ذكرية، وإذا كان حاملًا لإشارة الأنوثة (x) أصبحت الخلايا الجنسية خلايا جنسية أنثوية.

 

المرحلة الثانية:وتتبع المرحلة الأولى مرحلة التمايز الجنسي للأعضاء الداخلية.

 

ففي البداية تتماثل أجنة الجنسين، ويكون الجنين واحد الهيئة في الجنسين بمرحلة تعرف بمرحلة عدم التمايز (Indifferent stage)، وتوجد في الجنين أعضاء أولية، بهيئة قناتين في كل جنب من تجويف البطن في مقدمة كتلة الظهر، ينشأ منها الأعضاء الجنسية للنوعين، ففي حال كان الجنين يحمل خلايا جنسية ذكرية تتطور أعضاء جنسية داخلية ذكرية تحت تأثير مورِّث (gene) ذات صفات سائدة (Dominant) يقبع على طرف الذراع القصير للصبغية الجنسية السائدة المميزة للذكور(y ) في منطقة تسمى منطقة تحديد الجنس (chromosome: Srysex Determining Region of y )، ويحتوي على توجيهات وراثية تحددذكورة الأعضاء التناسلية الداخلية؛ فتتكون عندئذٍ من (قناة

وولف wolffian Duct) الأعضاء الجنسية الداخلية في الذكور، وتشمل: الحويصلات المنوية  (Seminal Vesicles)والبربخ (Epididymis)والوعاء الناقل (VasDeference), والخصية (Testis)، وإذا كانت الخلايا الجنسية أنثوية تتكون من قناة مولر (Mullerian Duct)الأعضاء الجنسية الداخلية في الإناث، وتشمل الرحم، وقناتيه، وعنقه، والمنطقة أعلى المهبل، ولا تتمايز الأعضاء الجنسية الداخلية إلا في الأسبوع السابع.

 

 

 

الغدتان التناسليتان

 

 

 

 

 

صورة توضح تطور الأعضاء التناسلية الداخلية للجنين

 

المرحلة الثالثة:هي مرحلة تمايز الأعضاء التناسلية الخارجية إلى أعضاء تناسلية أنثوية أو أعضاء تناسلية ذكرية، ويبدأ هذا التمايز في نهاية الأسبوع التاسع، وينتهي في الأسبوع الثاني عشر.

 

إن تمايز الأعضاء التناسلية قد ابتدأ قبل هذه المرحلة (أي المرحلة الثالثة) وهو الآن في طور التفصيل؛ أي إن التمايز الجنسي قد ابتدأ في المرحلة الثانية كتطور تحضيري خفي، لم تظهر تفصيلاته للناظر، وها هو الآن يظهر بالتفصيل.

 

وفي الثدييات على وجه العموم، وعند الإنسان على وجه الخصوص إذا لم تظهر

خصية وتفرز هرمونات الذكورة كهرمون التستسترون (testosterone) وهرمون أندروستنديون (Androstenedion)، والهرمون المثبط لقناة مولر (Anti-MullerianHormone: AMH)، تتكون أعضاء تناسلية خارجية أنثوية تلقائيًّا (Default Pathway)، وتضمر قناة وولف، وينتج المبيض هرمون الأنوثة الأستروجين (Estrogen)، ومهمته تكميل قناة مولر، والخصائص الأنثوية الثانوية؛ كنضوج الثدي عند البلوغ.

 

 

 

وليس ذلك السبب الوحيد لكي تتطور أعضاء تناسلية خارجية أنثوية، بل هناك أسباب أخرى تحول دون تمايز الأعضاء التناسلية الخارجية إلى أعضاء تناسلية ذكرية، مثل عدم تفاعل هرمون الذكورة التستسترونtestosteroneجيدًا في الجسم، فيخلق لدى الجنين الذكر وراثيًّا أعضاء تناسلية أنثوية.

 

ومن تلك الأسباب عدم تأثر الأعضاء التناسلية للجنين لوجود هرمون الذكورة ولديها مناعة لمفعوله؛ وقد يكون ذلك لعيب في نظام الجنين الاستقبالي للهرمون (Androgen Receptor Mechanism) الذي لا يسمح له بالتعرف على الهرمون الذكري والتفاعل معه حتى تسير الأعضاء التناسلية إلى شكل الذكورة، وقد يكون ذلك عائدًا لنقص في إنزيم ريدوكتاز (Reductase 55) اللازم لتحويل هرمون التستسترون (testosterone) إلى مادة دي هايدرو تستسترون (testosteroneDY- Hydro -) تلك المادة الأساسية لتحويل الأعضاء التناسلية الخارجية من الأنوثة إلى الذكورة.

 

ومن تلك الأسباب أيضا نقص هرمون التستسترون لدى الجنين الذكر وراثيًّا؛ وذلك لأن الأعضاء التناسلية للجنين غير قادرة على إنتاج هرمون التستسترون، لعدم تجاوب الخصية لدى الجنين مع هرمون أل أتش (LH) اللازم لوظيفة الخصية الحيوية لتمكينها من إنتاج هرمون التستسترون الذكري، فتسير الأعضاء التناسلية في خطها المرسوم عند عدم وجود التستسترون؛ ولذلك تتجه إلى تكوين أعضاء تناسلية أنثوية خارجية كالمهبل، رغم وجود الخصية مختبئة في الشفرين أو في القناة الإربية (Inguinal Canal).

 

وقد ينقص الجنين الذكر وراثيًّا هرمون الأم آي أس (Mullerian Inhibitingsubstance: mis) الذي يقمع تطور الأنابيب التي سينشأ منها الرحم (Paramesonephric Ducts)؛ مما يؤدي إلى جنين يحمل علامات الذكورة خارجيًّا بالإضافة إلى رحم وقنوات فالوب.

 

كما أن هناك احتمالًا أن يحصل العكس؛ أي أن يكون الجنين أنثى وراثيًّا، حاملًا صبغيات (س س xx)، ولكن تتخلّق لديه أعضاء ذكرية، وذلك لأن الغدة الكظرية (Suprarenal Gland) (فوق الكلية) تفرز في بعض الحالات هرمون الذكورة، فتتراكم لديه، ويتجه خط سير الأعضاء نحو الذكورة، وينمو البظر نموًّا كبيرًا لدرجة أنه يصبح مشابهًا للقضيب، ويلتحم الشفران الكبيران مما يجعلهما يشبهان كيس الصفن ـ أي الكيس الذي يحوي الخصيتين ـ ويحتفظ الجنين مع هذا بالرحم والمبيض([1]).

 

إن الحقيقة العلمية الثابتة التي توصل إليها العلم الحديث هي أن تشكيل الأعضاء التناسلية الخارجية (الفرج) في الجنين، والتي بها يتم التمييز بين الذكر والأنثى، لا يبدأ إلا بعد الليلة الثانية والأربعين، حيث إنه في هذه الليلة تبدأ الصورة الآدمية للجنين بالظهور، وقبلها لا تكون معالم الآدمية واضحة؛ يقول البروفيسور "جولي سمسن": "وعند نهاية الأسبوع السادس وقبل اليوم الثاني والأربعين لا تكون صورة الوجه واضحة أو شبيهة بصورة وجه الإنسان"([2]).

 

يقول حمدي عبد الله الصعيدي: أثبت العلم الحديث أن الخصية أو المبيض تنمو من الحدبة التناسلية في منطقة بين الصلب (العمود الفقري) والترائب (الأضلاع)، ثم تنزل تدريجيًّا إلى الحوض ابتداء من الأسبوع العاشر للحمل حتى تصل إلى الحوض في الشهر السابع، ثم تواصل الخصية نزولها في الشهر التاسع إلى كيس الصفن خارج الجسم.

 

وقد تبين أن الأطباء لا يمكنهم معرفة الجنين إلا بعد مضي أربعة أشهر على

الأقل عندما يمكن أن تغرز إبرة لسحب نقطة من السائل الأمنيوسي لفحص خلايا الجنين، هل تحمل شارة الذكورة (Y) أو تحمل شارة الأنوثة (X).

 

أما في الجنين ذاته فإنه لا يمكن تمييزه ـ ولو نزل سقطًا وشُرِّح تشريحًا كاملًا ـ  حتى نهاية الأسبوع السادس الرحمي؛  فغدد التناسل، وهي: الخصية (في الذكر) والمبيض (في الأنثى)  تتشابهان تمامًا في هذه المرحلة المبكرة من النمو، ولا يمكن التمييز بينهما.

 

وفي بداية الأسبوع السابع تبدأ الخصية بالنمو قبل المبيض ويظهر فيها نسيج خاص، كما أنها تلف بغلالة بيضاء تدعى "اللفافة البيضاء"، ويصعب التفريق بين الذكر (Male) والأنثى (Female)، من حيث الأعضاء التناسلية الظاهرة (External sexualorgans)، حتى بداية الشهر الرابع من الحمل، وعندها يمكن التمييز بينهما.

 

أما بداية تكون هذه الأعضاء فتبدأ في الأسبوع الرحمي السادس (42 يومًا) وتستمر في النمو، ولكن التمييز لا يظهر إلا في بداية الشهر الرابع.

 

وإذا كان من الثابت علميًّا أن جنس المولود يتحدد في اللحظة الأولى التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبويضة، إلا أن التكوين والتصوير الجنسي  يتحدد ـ كما سبق بيانه ـ في خلال الأسبوع السادس؛ أي: بعد مرور اثنتين وأربعين ليلة([3]).

 

2)  التطابق بين الحقائق العلمية وما أشار إليه الحديث الشريف:

روى الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكًا فصورها، وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها، ثم قال: يا رب أذكر أم أنثى؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك...»([4]).

 

وهذا الحديث قد أشار إلى حقائق علمية مهمة لم يكتشفها العلماء إلا في العصر الحديث بعد اكتشاف الأجهزة التي يمكن من خلالها مراقبة الجنين ومتابعة تطوراته في رحم الأم.

 

حيث أخبر الحديث الشريف أنه لا تظهر ملامح الذكورة أو الأنوثة على الجنين إلا بعد اليوم الثاني والأربعين، عندها فقط تبدأ الأعضاء التناسلية في الظهور، ويمكن التفرقة بين الذكر والأنثى، لذلك يسأل الملك الموكل بالرحم المولى سبحانه وتعالى عن نوع الجنين فيخبره الله سبحانه وتعالى، ثم تبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية في التشكيل.

 

وقد أثبت العلم الحديث أن الجنين لا يمكن تمييزه ـ ولو نزل سقطًا وشرح تشريحًا كاملًا ـ حتى نهاية الأسبوع السادس الرحمي؛  فغدد التناسل؛ وهي: الخصية (في الذكر)، والمبيض (في الأنثى)  تتشابهان تمامًا في هذه المرحلة المبكرة من النمو، ولا يمكن التمييز بينهما.

 

ويبدأ تكون هذه الأعضاء في الأسبوع السادس (42 يومًا) وتستمر في النمو، ولكن التمييز لا يظهر إلا في بداية الشهر الرابع.

 

لذلك قد يتساءل القارئ: لماذا يأتي الملك ليميز جنس الجنين، وقد تقدر جنسه في فترة إخصاب البويضة؛ وفقا للآية: )من نطفة خلقه فقدره (19)((عبس)؟

 

والجواب: إن هناك احتمالًا أن تتطور الأعضاء التناسلية الخارجية لجنس الجنين في وضع مغاير لوضع جنس الجنين الوراثي الذي قدر في مرحلة النطفة؛ فقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه ذكر، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كأنثى، وقد يتحدد جنس الجنين الوراثي أنه أنثى، وتتطور أعضاؤه التناسلية الخارجية كذكر، وهذا الحديث يلقي الضوء على الظاهرة، وهي أن جنس الجنين الوراثي (Geneticsex) قد يختلف عن جنس الجنين التشريحي (PHENOTYPIC SEX) ([5]).

 

وقد عرفنا الأسباب العلمية لهذا الانحراف، وذلك في الحقائق العلمية التي ذكرناها؛ وهذا يؤكد أن سؤال الملك في ذلك الوقت بالتحديد عن الإذكار والإيناث مع العلم بأن تقدير جنس الجنين قد حصل في وقت الإخصاب ـ يدل على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم ـ من خلال الوحي ـ بما يجري في جسم الجنين من تأثير الهرمون على التخلق الخارجي للأعضاء، وهذه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن مفهوم ظاهرة التوازن الهرموني لم يكن معروفًا إلا بعد اكتشاف التأثير الهرموني المخالف عما يجري لما قدرته الصبغيات ـ بإذن الله ـ وهذا لم يعرف أبدًا في العصور الغابرة، وإنما عرف في الآونة الأخيرة (في القرن العشرين)، وذلك بعد اكتشاف تقدير جنس الجنين من قبل الصبغيات، وبعد اكتشاف الهرمونات في تكوين الأعضاء التناسلية الخارجية([6]).

 

إن الحديث الشريف يدل دلالة واضحة على أن الأعضاء التناسلية الخارجية لا تظهر في الجنين إلا في هذا اليوم؛ فالبدايات الأولية للأعضاء التناسلية الخارجية تكون متشابهة في بادئ الأمر بين الذكور والإناث،وتبدأبالتطورقبلاليوم الثاني والأربعين ـ في الأسبوع الرابع ـ إلا أن الحديبة التناسلية، والانتفاخ الشفري العجزي، والطيات البولية التناسلية، المنشئة للخواص الجنسية المميزة، لا تظهر إلا في الأسبوع التاسع (أي بعد الليلة الثانية والأربعين)، كما أنه لا يمكن التفريق بين الأعضاء التناسلية الخارجية المذكرة والمؤنثة إلا بعد الأسبوع الثاني عشر؛ يقول البروفيسور "برساد": وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذه التطورات التي وصفت فيما تقدم، ومواعيدها في الحديث الذي رواه مسلم عن حذيفة. وذكر نص الحديث ثم قال: "فهذا الحديث الشريف يوضح أهمية اليوم الثاني والأربعين في حياة الجنين داخل الرحم، كما يبين التطورات الدقيقة التي تظهر بعد هذا اليوم"([7]).

 

إن الحديث يشير إلى تطور الأعضاء التناسلية الخارجية الذي يظهر في الأسبوع الثاني عشر، لا إلى تحديد الجنس التقديري الجيني الذي يتحدد مع عملية الإخصاب في مرحلة النطفة؛ حيث أشار القرآن الكريم إلى هذا في قوله سبحانه وتعالى: )وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى (45) من نطفة إذا تمنى (46)((النجم).

 

وإذا تأملت في الحديث الشريف وجدت أن سؤال الملك يتعلق بتحديد الأعضاء التناسلية الخارجية التي يفرق الناس بها بين الذكر والأنثى، وهذه لا تخلق إلا في الأسبوع الثاني عشر؛ أي بعد أن يأخذ الجنين صورته الآدمية .

 

أما قيام هذه الأجهزة بوظائفها فإنه يكون في مرحلة تالية؛ فخلق الأجهزة وإيجادها يسبق تهيئتها للقيام بوظائفها المتخصصة([8]).

 

يقول الدكتور السباعي حماد: لماذا يسأل الملك عن الجنس؟ يبدو أنه لا يعرف أن الجنس قد سبق وأن تحدد بنوع الحيمن، والملك عنده كل الحق، فهذه مسألة تحتاج إلى تقنيات معقدة لكشفها، وعنده الحق أيضًا في سؤاله؛ إذ لا يمكن  في اليوم الثاني والأربعين التفريق بين الذكر والأنثى لا داخليًّا ولا خارجيًّا من الناحية التركيبية، فكل جنين به زوجان من التراكيب الداخلية أنبوبية الشكل، واحد منهما مصيره إلى الجهاز الذكري، والآخر مصيره إلى الجهاز الأنثوي، والمظهر الخارجي واحد.

 

يكون الوجه على شكل قطع أو أوصال لا تلبث أن تلتحم في الأسبوع السابع، وكذلك الجنس الذي لا يمكن تمييزه ظاهريًّا عند اليوم الثاني والأربعين يبدأ في التمايز بعد هذا اليوم (بعد زيارة الملك).

 

وبعد سؤال الملك لله سبحانه وتعالى وكتابته ما أمره به في الأيام التالية تنمو قناة وتتراجع قناة، وتتميز الأعضاء الجنسية الخارجية تابعة للأنبوب الذي تطور داخليًّا؛ فإما قضيب وصفن، وإما بظر ومهبل، ويمكن للفاحص أن يفرق بين الجنسين فقط بعد زيارة الملك([9]).

 

وفي النهاية فإنه لا تعارض بين هذا الحديث الشريف وبين ما أثبته علماء الوراثة في العصر الحديث من أن جنس الجنين يتحدد حين يلتقي الحيوان المنوي بالبييضة؛ إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر في حديثه أن جنس الجنين يتحدد في هذا اليوم، وإنما ذكر أن الملك يسأل الله سبحانه وتعالى عن جنسه، وذلك لعدم علمه بنوعه؛ حيث إن أعضاءه الخارجية لم تكن قد ظهرت بعد، وليس فيه ما يميز جنسه، وقد أثبت العلم الحديث أن الجنين يظل حتى اليوم الثاني والأربعين ليس به من الأعضاء التناسلية الخارجية شيء.

 

3)  وجه الإعجاز:

إن الجنين قبل اليوم الثاني والأربعين لا تبدو عليه ملامح الآدمية، ولا يوجد به أعضاء مميزة لجنسه؛ فلم يخلق السمع أو البصر أو العظم أو الجسم بعد، ولم يخلق له أي من الأعضاء التناسلية في هذا الوقت، وإن كان قد حدد جنسه منذ تلقيح الحيوان المنوي للبويضة، لذلك لا يعرف الملك جنسه فيسأل المولى سبحانه وتعالى فيخبره عن الجنس، فتبدأ أعضاؤه التناسلية الخارجية منذ هذه اللحظة في التشكيل. بالإضافة إلى أن هناك احتمالًا أن تتطور هذه الأعضاء التناسلية الخارجية للجنين في وضع مغاير لوضع جنس الجنين الوراثي الذي قدر في مرحلة النطفة؛ لذلك يتأكد التحديد في ذلك الوقت الذي تبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية بعده مباشرة في الظهور.

 

 

 

(*) الرد على شبهات علمية في الحديث النبوي حول تكوين الجنين، مقال منشور بموقع: أتباع المرسلين www.ebnmaryam.com. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق.

 

[1]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق، ص363: 369.

 

[2]. بيِّنات الرسول صلى الله عليه وسلم ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، دار الإيمان، الإسكندرية، 2006م، ص175.

 

[3]. موسوعة الإعجاز العلمي في سنة النبي الأمي صلى الله عليه وسلم، حمدي عبد الله الصعيدي، مكتبة أولاد الشيخ، القاهرة، ط1، 2007م، ص283، 284 بتصرف.

 

[4]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: القدر، باب: كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وأجله وعمله وشقاوته وسعادته، (9/3759)، رقم (6602).

 

[5]. إعجاز القرآن في ما تخفيه الأرحام، كريم نجيب الأغر، مرجع سابق، ص366 بتصرف.

 

[6]. المرجع السابق، ص371 بتصرف.

 

[7]. بيِّنات الرسول سبحانه وتعالى ومعجزاته، عبد المجيد الزنداني، مرجع سابق، ص179.

 

[8]. آيات الإعجاز العلمي من وحي الكتاب والسنة، عبد الرحمن سعد صبي الدين، دار المعرفة، بيروت، ط1، 1429هـ/ 2008م، ص250، 251.

 

[9]. تأملات طبية إسلامية، د. السباعي حماد، كتاب الجمهورية، نوفمبر 2002م، ص24، 25.

 

  • الاربعاء PM 02:38
    2020-09-02
  • 4645
Powered by: GateGold