المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415608
يتصفح الموقع حاليا : 147

البحث

البحث

عرض المادة

إنكار الإعجاز العلمي في قوله تعالى:) أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها

إنكار الإعجاز العلمي في قوله تعالى:) أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها((*)

 

مضمون الشبهة:

ينكر بعض المغالطين ما في قوله تعالى: ) أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها((الرعد: ٤١) من إعجاز علمي، ذاهبين إلى أن إنقاص الأرض الوارد في الآية لا علاقة له بما اكتشفه علماء الجيولوجيا من تناقص طول القطر القطبي عن طول القطر الاستوائي نتيجة لعوامل مختلفة، كالتجوية والتعرية.قائلين: إن تفسير إنقاص الأرض ـ في الآية ـ هو: موت العلماء، أو خراب الأرض حتى يكون العمران في ناحية منها، أو هو فتح بلاد المشركين وتصييرها ديار إسلام، وهذا ما قاله المفسرون، أما التفسير الجيولوجي فلا يصلح أن تُفسَّر به الآية، وإلا لكانت خطابًا للكفار بما لا يعرفون.

 

وجه إبطال الشبهة:

  • ثمة معنيان لإنقاص الأرض من أطرافها، الأول: معنوي، وهو ما قال به المفسرون من خراب الأرض وموت علمائها، والثانى: جيولوجي؛ فقد ثبت علميًّا أن هناك نقصًا مستمرًّا في الأرض من حيث هي تعني: كوكب الأرض، أو اليابسة التي نحيا عليها، أو التربة التي تغطي اليابسة، ولا يجوز أن نقصر تفسير الآية على المعنى الأول دون الثاني كما يريد بعض المغالطين؛ لأنه لا يوجد في الإشارة القرآنية إلى إنقاص الأرض بالمعنى الجيولوجي ما يتعارض مع ما قد ثبت من حقائق العلوم، كما أن إثبات صحة المعنى الثاني ـ الجيولوجي ـ لا يقتضي بالضرورة بطلان الأول ـ المعنوي ـ بل إنهما في الآية يتكاملان من غير تضاد.

 

التفصيل:

1)   الحقائق العلمية:

 

ترد لفظة "الأرض" في القرآن الكريم بمعنى الكوكب ككل ، كما ترد بمعنى اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحرية والمحيطية، وإن كانت ترد أيضًا بمعنى التربة التي تغطي صخور اليابسة، ولإنقاص الأرض من أطرافها في إطار كل معنى من تلك المعاني عددٌ من الدلالات العلمية التي منها ما يأتي:

 

أولا. في إطار دلالة لفظ "الأرض" على الكوكب ككل:

  • إنقاص الأرض من أطرافها، بمعنى انكماشها على ذاتها وتناقص حجمها باستمرار:

يُقدَّر متوسط قُطر الأرض الحالية بحوالي 12742 كم، ونصف ذلك؛ أي نصف قطر الأرض يساوي 6371 كم، ويقدر متوسط محيطها بنحو 40.042 كم، ويقدر حجمها بأكثر من مليون مليون كم3، وتفيد الدراسات أن أرضنا مرت بمراحل متعددة من التشكيل منذ انفصال مادتها عن سحابة الدخان الكوني التي نتجت عن عملية الانفجار العظيم، إما مباشرة أو بطريقة غير مباشرة عبر سديم الدخان الذي تولدت عنه مجموعتنا الشمسية، وبذلك خلقت الأرض الأولية التي لم تكن سوى كومة ضخمة من الرماد ذات حجم هائل.

 

ثمما لبثت تلك الكومة أن رجمت بوابل من النيازك الحديدية، وبحكم كثافتها العالية نسبيًّا اندفعت النيازك الحديدية إلى مركز تلك الكومة من الرماد حيث استقرت، مولدة حرارة عالية تعرف باسم حرارة الاستقرار، أدَّت إلى صهر كومة الرماد وإلى تمايزها إلى سبع أرضين على النحو الآتي:

 

  • لبُّ صلب داخلي.

 

  • نطاق لب الأرض السائل (الخارجي).

 

  • النطاق الأسفل من وشاح الأرض (الوشاح السفلي).

 

  • النطاق الأوسط من وشاح الأرض (الوشاح الأوسط).

 

  • النطاق الأعلى من وشاح الأرض (الوشاح العلوي).

 

  • النطاق السفلي من الغلاف الصخري للأرض (ما دون قشرة الأرض).

 

  • النطاق العلوي من الغلاف الصخري للأرض (قشرة الأرض).

 

 

 

صورة قطاع في الأرض يوضح بنيتها الداخلية

 

وأدَّى هذا التمايز في التركيب الداخلي للأرض إلى نشوء دورات من تيارات الحمل، تندفعمن نطاق الضعف الأرضي (الوشاح الأعلى) غالبًا، ومن وشاح الأرض الأوسط أحيانًا، لتمزق الغلاف الصخري للأرض إلى عدد من الألواح التي شرعت في التحرك حركة دائبة حول نطاق الضعف الأرضي، وتنشأ عن حركة ألواح الغلاف الصخرى للأرض دورات من الثورات البركانية، والهزات الأرضية، والحركات البانية للجبال، كما نشأ عنها دحو الأرض؛ بمعنى: إخراج كل من غلافيها المائي والغازي من جوفها، وإخراج الصهارة الصخرية التي تكوِّن كتل القارات.

 

وتُشير حسابات ذلك الدحو إلى أن حجم الأرض البدائية كان على الأقل يصل إلى مائة ضعف حجم الأرض الحالية، وأن هذا الكوكب قد أخذ منذ اللحظة الأولى لخلقه في الانكماش علىذاته من كافة أطرافه.

 

وانكماش الأرض على ذاتها سنة كونية لازمة للمحافظة على العلاقة النسبية بين كتلتي الأرض والشمس، هذه العلاقة التي تضبط بُعد الأرض عن الشمس، ذلك البعد الذي يحكم كمية الطاقة الواصلة إلينا.

 

ويقدر متوسط المسافة بين الأرض والشمس بنحو مئة وخمسين مليونًا من الكيلو مترات، وإذا علمنا أن كمية الطاقة التي تصل من الشمس إلى كل كوكب من كواكب مجموعتها تتناسب تناسبًا عكسيًّا مع بُعد الكوكب عن الشمس، وكذلك تتناسب سرعة جريه في مداره حولها، بينما يتناسب طول سنة الكوكب([1]) تناسبًا طرديًّا مع بعده عن الشمس ـ اتَّضحت لنا الحكمة من استمرارية تناقص الأرض وانكماشها على ذاتها؛ أي: تناقصهامن أطرافها.

 

ولو زادت الطاقة التي تصلنا من الشمس عن القدر الذي يصلنا اليوم قليلًا لأحرقتنا، وأحرقت كل حي على الأرض، ولبخرت الماء، وخلخلت الهواء، ولو قلت قليلًا لتجمدنا وتجمد كل حي غيرنا على الأرض، ولقضي على الحياة الأرضية بالكامل.

 

ومن الثابت علميًّا أنالشمس تفقد من كتلتها في كل ثانية نحو خمسة ملايين من الأطنان على هيئة طاقة ناتجة من تحول غاز الإيدروجين بالاندماج النووي إلى غاز الهيليوم.

 

وللمحافظة علىالمسافة الفاصلة بين الأرض والشمس، لا بُدَّ  وأن تفقد الأرض من كتلتها قدرًا متناسبًا تمامًا مع ما تفقده الشمس من كتلتها، ويخرج ذلك عن طريق كل من فوهات البراكين وصدوع الأرض على هيئة الغازات والأبخرة وهباءات متناهية الضآلة من المواد الصلبة التي يعود بعضها إلى الأرض، ويتمكن بعضها الآخر من الإفلات من جاذبية الأرض والانطلاق إلى صفحة السماء الدنيا، وبذلك الفقدان المستمر من كتلة الأرض فإنها تنكمش على ذاتها، وتنقص من كافة أطرافها، وتحتفظ بالمسافة الفاصلة بينها وبين الشمس.

 

ولولا ذلك الانتقاص من أطراف الأرض لانطلقت من عقال جاذبية الشمس لتضيع في صفحة الكون وتهلكويهلك كل من عليها، أو انجذبت إلى قلب الشمس حيث الحرارة في حدود 15 مليون درجة مئوية؛ فتنصهر وينصهر كل ما بها ومن عليها.

 

ومن حكمة الله البالغة أن كمية الشهب والنيازك التي تصل الأرض يوميًّا تلعب دورًا مهمًّا في ضبط العلاقة بين كتلتي الأرض والشمس، إذا زادت كمية المادة المنفلتة من عقال جاذبية الأرض عن القدر المقنن لها([2]).

 

فكوكب الأرض في عملية انكماش مستمرة لأقطاره بسبب التبريد التدريجي بعد أن كان جمرة من نار... وباستمرار التبريد تقلص باطن الأرض فنقص حجمه، وصارت القشرة الجامدة تغطي سطحًا أقل في المساحة من ذي قبل، فتجعدت بارتفاع هنا وانخفاض هناك، تمامًا كما تتجعد قشرة البرتقالة عندما تجف وتنكمش([3]).

 

  • إنقاص الأرض من أطرافها بمعنى: تفلطحها قليلًا عند خط الاستواء:

في القرن السابع عشر الميلادي‏ أثبت نيوتن نقص تكوُّر الأرض، وعلله بأن مادة الأرض لا تتأثر بالجاذبية نحو مركزها فحسب‏, ولكنها تتأثر كذلك بالقوة الطاردة ‏(‏النابذة‏) الناشئة عن دوران الأرض حول محورها‏.

 

‏وقد نتج عن ذلك انبعاج بطيء في الأرض ولكنه مستمر عند خط الاستواء؛ حيث تزداد القوة الطاردة المركزية حتى تصل إلى ذروتها‏, ‏ وتقل قوة الجاذبية إلى المركز إلى أدني قدر لها‏.

 

ويقابل ذلك الانبعاج الاستوائي تفلطح‏ ـ انبساط‏ ـ غير متكافئ عند قطبي الأرض حيث تزداد قوتها الجاذبة‏,‏ وتتناقص قيمة القوة الطاردة المركزية‏، والمنطقة القطبية الشمالية أكثر تفلطحًا من المنطقة القطبية الجنوبية‏،‏ ويقدر متوسط قطر الأرض الاستوائي بنحو ‏12756.3‏ كم‏, ونصف قطرها القطبي بنحو ‏12713.6‏ كم، وبذلك يصبح الفارق بين القطرين نحو ‏42.7‏ كم‏, ويمثل هذا التفلطح نحو ‏0.33% من نصف قطر الأرض‏, مما يدل علي أنها عملية بطيئة جدًّا تقدر بنحو ‏1‏سم تقريبًا كل ألف سنة‏,‏ ولكنها عملية مستمرة منذ بدء خلق الأرض‏, وهي إحدي عمليات إنقاص الأرض من أطرافها([4])‏.‏

 

وهذه حقيقة عليمة مدهشة توصلت إليها البحوث العلمية الأخيرة؛ إذ ثبت أن سرعة دوران الأرض حول محورها وقوة طردها المركزي، يؤديان إلى تفلطح في القطبين وهو نقص في طرفي الأرض.

 

وكذلك فإن سرعة انطلاق جزيئات الغازات المغلفة للكرة الأرضية، إذا ما جاوزت قوة الجاذبية الأرضية، فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية، وهذا يحدث بصفة مستمرة، فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها([5])‏.

 

  • إنقاص الأرض من أطرافها، بمعنى اندفاع قيعان المحيطات تحت القارات وانصهارها، وذلك بفعل تحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض‏:‏

يمزق الغلاف الصخري للأرض بواسطة شبكة هائلة من الصدوع العميقة التي تحيط بالأرض إحاطة كاملة‏,‏ وتمتد لعشرات الآلاف من الكيلو مترات في الطول‏,‏ وتتراوح أعماقها بين‏65‏ كم تحت قيعان البحار والمحيطات  و‏120‏كم‏ على اليابسة.

 

وتقسم هذه الشبكة من الصدوع الغلاف الصخري للأرض إلي ‏12‏ لوحًا رئيسيًّا، وإلى عدد من الألواح الصغيرة نسبيًّا‏,‏ ومع دوران الأرض حول محورها تنزلق ألواح الغلاف الصخري للأرض فوق نطاق الضعف الأرضي متباعدة عن بعضها البعض‏,‏ أو مصطدمة مع بعضها البعض‏,‏ ويعين على هذه الحركة اندفاع الصهارة الصخرية عبر مستويات الصدوع، خاصة عبر تلك المستويات التصدعية التي تمزق قيعان البحار والمحيطات والتي تشكل محاور حواف أواسط المحيطات، فتؤدي إلى اتساع قيعان البحار والمحيطات وتجدد صخورها‏ باستمرار,‏ وذلك لأن الصهارة الصخرية المتدفقة بملايين الأطنان عبر مستويات صدوع أواسط المحيطات، تؤدي إلى دفع جانبي قاع المحيط يمنة ويسرة لعدة سنتيمترات في السنة الواحدة‏,‏ وينتج عن ذلك ملء المسافات الناتجة عن هذا التوسع بالطفوحات البركانية المتدفقة، والتي تبرد وتتصلب علي هيئة أشرطة متوازية تتقادم في العمر،‏ في اتجاه حركة التوسع‏, ‏ وينتج عن هذا التوسع اندفاع صخور قاع المحيط يمنة ويسرة‏, ‏ في اتجاهي التوسع ليهبط تحت كتل القارات المحيطة في الجانبين بنفس معدل التوسع (أي: بنصفه في كل اتجاه‏), وتستهلك صخور قاع المحيط الهابطة تحت القارتين المحيطتين، وذلك بالانصهار في نطاق الضعف الأرضي‏.‏

 

وكما يصطدم قاع المحيط بكتل القارتين أو القارات المحيطة بحوض المحيط أو البحر‏, فإن العملية التصادمية قد تتكرر بين كتل قاع المحيط الواحد، فتتكون الجزر البركانية وينقص قاع المحيط.

 

‏كذلك يمكن أن تحدث عملية التصدع والتباعد في أواسط القارة، فتؤدي إلى فصلها إلى كتلتين قاريتين ببحر طولي، مثل: البحر الأحمر، ويظل هذا البحر الطولي في الاتساع حتى يتحول إلى محيط في المستقبل البعيد، وفي كل الحالات تستهلك صخور الغلاف الصخري للأرض عند خطوط التصادم‏, ‏ وتتجدد عند خطوط التباعد‏, وهي صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها‏.

 

‏وتتخذ ألواح الغلاف الصخري للأرض في العادة أشكالًا رباعية يحدُّها من جهة خطوط انفصام وتباعد‏, ‏يقابلها في الجهة الأخرى خطوط التحام وتصادم‏, وفي الجانبين الآخرين حدود انزلاق‏, ‏تتحرك عبرها ألواح الغلاف الصخري منزلقة بحرية عن بعضها البعض‏، وتحرك ألواح الغلاف الصخري للأرض يؤدي باستمرار إلى استهلاك صخور قيعان كل محيطات الأرض‏, ‏ وإحلالها بصخور جديدة‏, ‏ وعلى ذلك فإن محاور المحيطات تشغلها صخور بركانية ورسوبية جديدة قد لا يتجاوز عمرها اللحظة الواحدة‏, ‏ بينما تندفع الصخور القديمة‏ ـ ‏ التي قد يتجاوز عمرها المئتي مليون سنة‏ ـ‏ عند حدوث تصادم قاع المحيط مع القارات المحيطة به‏, ‏ والصخور الأقدم عمرًا من ذلك تكون قد هبطت تحت كتل القارات وهضمت في نطاق الضعف الأرضي وتحولت إلى صهارة‏, ‏ وهي صورة رائعة من صور إنقاص الأرض من أطرافها‏.

 

 

 

خريطة للعالم توضح الصدوع في قيعان المحيطات

 

ويبدو أن هذه العمليات الأرضية المتعددة كانت في بدء خلق الأرض تتم بمعدلات أشد عنفًا من معدلاتها الحالية؛ وذلك لتمتُّع جوف الأرض عند بدء الخلق بدرجات حرارة تفوق درجاتها الحالية، وذلك بسبب الكم الهائل من الحرارة المتبقية عن الأصل الذي انفصلت منه الأرض‏, ‏ والكم الهائل من العناصر المشعة الآخذة في التناقص باستمرار، بتحللها الذاتي منذ بدء تجمد مادة الأرض([6])‏‏.‏

 

ثانيًا.‏ في إطار دلالة لفظ "الأرض" على اليابسة التي نحيا عليها‏:‏

في هذا الإطار نجد معنيين علميين واضحين نوجزهما فيما يأتي:‏

 

  • ‏إنقاص الأرض من أطرافها، بمعني أخذ عوامل التعرية المختلفة من المرتفعات السامقة، وإلقاء نواتج التعرية في المنخفضات من سطح الأرض حتى تتم تسوية سطحها‏:‏

فسطح الأرض ليس تام الاستواء، وذلك بسبب اختلاف كثافة الصخور المكونة للغلاف الصخري للأرض‏, ‏ وكما حدث انبعاج في سطح الأرض عند خط الاستواء‏, ‏ فإن هناك نتوءات عديدة في سطحها حيث تتكون قشرتها من صخور خفيفة‏, ‏وذلك من مثل: كتل القارات والمرتفعات البارزة على سطحها‏, وهناك أيضًا انخفاضات مقابلة لتلك النتوءات؛ حيث تتكون قشرة الأرض من صخور عالية الكثافة نسبيًّا، وذلك من مثل: قيعان المحيطات والأحواض المنخفضة على سطح الأرض‏.

 

‏ويبلغ ارتفاع أعلى قمة على سطح الأرض، وهي قمة جبل إفرست في سلسلة جبال الهيمالايا‏ 8840م‏ فوق مستوى سطح البحر‏, ويقدر منسوب أخفض نقطة على اليابسة وهي حوض البحر الميت بحوالي 395‏م تحت مستوى سطح البحر‏, ويبلغ منسوب أكثر أغوار الأرض عمقًا حوالي ‏11020م وهو غور ماريانا في قاع المحيط الهادي بالقرب من جزر الفلبين‏,‏ والمسافة بين أعلى نقطة على سطح الأرض وأخفض نقطة عليها، هو أقل من عشرين كيلو مترًا (19860‏م),‏ وهو فارق ضئيل إذا قورن بنصف قطر الأرض‏ المقدر بحوالي 12742 كم في المتوسط.‏

 

ويبلغ متوسط ارتفاع سطح الأرض حوالي 840‏م فوق مستوى سطح البحر، بينما يبلغ متوسط أعماق المحيطات حوالي أربعة كيلو مترات تحت مستوى سطح البحر ‏(3729‏ م إلى ‏4500‏ م تحت مستوى سطح البحر‏).

 

وهذا الفارق البسيط هو الذي أعان عوامل التعرية المختلفة على بري صخور المرتفعات وإلقائها في منخفضات الأرض في محاولة متكررة لتسوية سطحها...‏ فإذا بدأنا بمنطقة مرتفعة ولكنها مستوية يغشاها مناخ رطب‏, ‏ فإن مياه الأمطار سوف تتجمع في منخفضات المنطقة على هيئة عدد من البحيرات والبرك، ‏حتى يتكون للمنطقة نظام صرف مائي جيد‏.

 

وعندما تجري الأنهار فإنها تنحر مجاريها في صخور المنطقة حتى تقترب من المستوى الأدنى للتحات فتسحب كل مياه البحيرات والبرك التي تمر بها‏,‏ وكلما زاد النحر إلى أسفل تزايدت التضاريس تشكلًا وبروزًا‏,‏ وعندما تصل بعض المجاري المائية إلى المستوى الأدنى للتحات، فإنها تبدأ في النحر الجانبي لمجاريها بدلًا من النحر الرأسي، فيتم بذلك التسوية الكاملة لتضاريس المنطقة على هيئة سهول مستوية‏ (أو سهوب‏)‏ تتعرج فيها الأنهار‏,‏ وتتسع مجاريها‏,‏ وتضعف سرعات جريها‏ وقدراتها على النحر‏,‏ وبعد الوصول إلى هذا المستوى أو الاقتراب منه يتكرر رفع المنطقة وتعود الدورة إلى صورتها الأولى‏.

 

‏وتعتبر هذه الدورة ـ‏ التي تعرف باسم "دورة التـسهب" (Pene PlanationCycle)‏ صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها‏، وينخفض منسوب قارة أمريكا الشمالية بهذه العملية بمعدل يصل إلى ‏0.03‏ من المليمتر في السنة.

 

  • إنقاص الأرض من أطرافها، بمعني: طغيان مياه البحار والمحيطات على اليابسة‏:‏

من الثابت علميًّا أن الأرض قد بدأت منذ القدم بمحيط غامر‏, ثم بتحرك ألواح الغلاف الصخري الابتدائي للأرض، والثورات البركانية المصاحبة له بدأت جزر بركانية عديدة في التكوُّن في قلب هذا المحيط الغامر‏,‏ وبتكرار تصادم تلك الجزر تكوَّنت القارة الأم، التي تفتَّتت بعد ذلك إلى القارات السبع الحالية.

 

وتبادل الأدوار بين اليابسة والماء سنة أرضية، تُعرف باسم "دورة التبادل بين المحيطات والقارات"، وبواسطتها تحوَّلت أجزاء من اليابسة إلى بحار أو العكس، ومن نماذجها المعاصرة كل من البحر الأحمر‏,‏ وخليج كاليفورنيا‏,‏ وهي صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها.

 

ليس هذا فقط، بل إن من الثابت علميًّا أن غالبية الماء العذب على اليابسة محجوز على هيئة تتابعات هائلة من الجليد فوق قطبي الأرض وقمم الجبال‏, ‏ يصل سمكها في القطب الجنوبي إلى أربعة كيلو مترات‏, ويقترب من هذا السمك قليلًا في القطب الشمالي ‏(3800‏ م‏), ‏وانصهار هذا السمك الهائل من الجليد سيؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات لأكثر من مئة متر‏,‏ وقد بدأت بوادر هذا الانصهار‏, ‏ وإذا تم ذلك فإنه سوف يُغرق أغلب مساحات اليابسة ذات التضاريس المنبسطة حول البحار والمحيطات، وهي صورة من صور إنقاص الأرض من أطرافها‏, ‏ وفي ظل التلوث البيئي الذي يعمُّ الأرض اليوم‏, ‏ والذي يؤدي إلى رفع درجة حرارة نطاق المناخ المحيط بالأرض مباشرة ـ بات انصهار هذا السمك الهائل من الجليد أمرًا محتملًا‏([7]).

 

 

 

لقد اكتشف العلماء حديثًا ظاهرة تآكل الأرض من أطرافها، وهذه الصورة التي التقطتها وكالة ناسا يقول العلماء عنها: إنها تمثل دليلًا على نقصان الأرض من أطرافها، فأطراف القارة المتجمدة تذوب وتنحسر ويتناقص حجمها، وعلماء الجيولوجيا يقولون: إن القشرة الأرضية عند نهاياتها أو أطرافها تتآكل أيضًا وتترسب هذه المواد في قاع المحيطات‏([8])

 

وقد حدث ذلك مرات عديدة في تاريخ الأرض الطويل الذي تردد بين دورات يزحف فيها الجليد من أحد قطبي الأرض أو منهما معًا في اتجاه خط الاستواء‏, وفترات ينصهر فيها الجليد فيؤدي إلى رفع منسوب المياه في البحار والمحيطات، وفي كلتا الحالتين تتعرض حواف القارات للغمر وللتعرية بواسطة مياه البحار والمحيطات فتؤدي إلى إنقاص الأرض (اليابسة)‏ من أطرافها‏.

 

 وذلك لأن مياه كل من البحار والمحيطات دائمة الحركة بفعل دوران الأرض حول محورها‏,‏ وباختلاف كل من درجات الحرارة والضغط الجوي‏,‏ وتباين نسب الملوحة من منطقة إلى أخرى‏، وتؤدي حركة المياه في البحار والمحيطات‏ من مثل: التيارات المائية‏,‏ وعمليات المد والجزر‏,‏ والأمواج السطحية والعميقة‏‏ إلى ظاهرة التآكل‏ (‏التحات‏)‏ البحري وهو الفعل الهدمي لصخور الشواطئ، وهو من عوامل إنقاص الأرض ‏(‏اليابسة‏)‏ من أطرافها‏([9])‏.‏

 

 

 

صورة لتآكل شواطئ البحار بفعل الأمواج

 

ثالثًا.‏ في إطار دلالة لفظ الأرض على التربة التي تغطي صخور اليابسة‏:‏

إنقاص الأرض من أطرافها، بمعني التصحر‏:‏

 

 أي: زحف الصحراء على المناطق الخضراء، وانحسار التربة الصالحة للزراعة في ظل إفساد الإنسان لبيئة الأرض، وقد بدأ زحف الصحاري على مساحات كبيرة من الأرض الخضراء‏ بسبب ندرة المياه, ‏ ونتيجة لموجات الجفاف وللجور على مخزون المياه تحت سطح الأرض‏, وبسبب الرعي الجائر، واقتلاع الأشجار، وتحويل الأرض الزراعية إلى أرض للبناء، الأمر الذي أدَّى إلى تملح التربة‏, وتعريتها بمعدلات سريعة تفوق بكثير محاولات استصلاح بعض الأراضي الصحراوية‏.

 

أضف إلى ذلك التلوث البيئي‏, والخلل الاقتصادي في الأسواق المحلية والعالمية‏, ‏ وتذبذب أسعار كل من الطاقة والآلات والمحاصيل الزراعية، الأمر الذي يجعل العالم يواجه أزمة حقيقية تتمثل في انكماش المساحات المزروعة سنويًّا بمعدلات كبيرة، خاصة في المناطق القارية وشبه القارية نتيجة لزحف الصحاري عليها‏, ‏ ويمثل ذلك صورة من صور خراب الأرض بإنقاصها من أطرافها‏‏([10]).‏

 

 

 

رسم يوضح حزام التصحر في قارة أقريقيا

 

2) التطابق بين الحقائق العلمية وما أشارت إليه الآية الكريمة:

في قوله تعالى: ) أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها((الرعد: 41) أشار المولى عز وجل  إلى إنقاص الأرض من أطرافها، وهي حقيقة جامعة لم يدركها الإنسان إلا مؤخرًا.

 

وقد وردت لفظة الأرض في القرآن الكريم بمعنى الكوكب ككل، كما وردت بمعنى اليابسة التي نحيا عليها من كتل القارات والجزر البحرية والمحيطة، وإن كانت ترد أيضًا بمعنى التربة التي تغطي صخور اليابسة.

 

فهل يقتصر معنى إنقاص الأرض من أطرافها على الدلالة المعنوية فقط، أم أنه يشتمل على الحقائق العلمية الحديثة؟ وهل تتطابق هذه الحقائق مع ما أشار إليه القرآن الكريم؟

 

وللإجابة عن هذه الأسئلة لا بُدَّ  من التعرف على بعض أقوال المفسرين في الآية، وذكر بعض الدلالات اللغوية للألفاظ الواردة بها:

 

  • من أقوال المفسرين:

في تفسير قوله تعالى: )أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها( (الرعد: 41)، ذكر ابن كثير : قول ابن عباس رضي الله عنهما : أو لم يروْا أنا نفتح لمحمد صلى الله عليه وسلم الأرض بعد الأرض، وفي رواية أخرى قال ابن عباس: إنقاصها من أطرافها هو خرابها بموت علمائها، وفقهائها، وأهل الخير منها. كذلك ذكر ابن كثير قول كل من مجاهد وعكرمة: إنقاص الأرض من أطرافها معناه: خرابها، أو هو موت علمائها‏‏([11]).

 

وذكرصاحبا تفسير الجلالين أن قوله تعالى: )أولم يروا ((الرعد:41)؛ أي: أهل مكة، )أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها((الرعد:41)نقصد أرضهم، )ننقصها من أطرافها((الرعد:41) بالفتح على النبي صلى الله عليه وسلم ([12]).

 

وقال صاحب الظلال رحمه الله  "وإن يد الله القوية لبادية الآثار فيما حولهم، فهي تأتي الأمم القوية الغنية ـ حين تبطر وتكفر وتفسد، فتنقص من قوتها وتنقص من ثرائها وتنقص من قدرها، وتحصرها في رقعة من الأرض ضيقة بعد أن كانت ذات سلطان وذات امتداد ، وإذا حكم الله عليها بالانحسار فلا معقب لحكمه ، ولا بُدَّ له من النفاذ"([13]).

 

ويوضِّح الشيخ الشعراوي أن تعريف الأرض في الآية: يجعلها مجهولة؛ لأننا حين نرغب في أن نعرف الأرض قد يتجه الفكر إلى الأرض التي نقف عليها، وبالمعنى الأوسع يتجه الفكر إلى الكرة الأرضية التي يعيش عليها كل البشر([14]).

 

فالآية لم تحدِّد معنى خاصًّا للإنقاص من أطراف الأرض، كما لم تنف إمكان وقوعه متنوعًا ماديًّا ومعنويًّا، ولكل مفسر للقرآن الكريم أن يجتهد في حدود العلوم والمعارف المتاحة في عصره.

 

  • من الدلالات اللغوية للآية الكريمة:

 

o     يَرَوْا: الرؤية بالعين تتعدَّى إلى مفعول واحد، وبمعنى العلم تتعدى إلى مفعولين... وقال ابن سيده: الرؤية: النظر بالعين والقلب([15]).

 

o     نأتي: الإتيان: المجيء([16]).

 

o     ننقصها: نقص الشيء نقصًا ونقصانًا: خس وقل، ويقال: نقص عقله أو دينه: ضعف، والشيء: صيَّره ناقصًا([17]). والنقص: الخسران في الحظ، والنقصان يكون مصدرًا ويكون قدر الشيء الذاهب من المنقوص. نقص الشيء ينقص نقصًا ونقصانًا... وأنقصه وانتقصه وتنقصه: أخذ منه قليلًا قليلًا([18]).

 

o     أطرافها: الأطراف من البدن: اليدان والرجلان والرأس... ومن المجاز: أطراف الأرض: أشرافها وعلماؤها... وقال الأزهري: أطراف الأرض: نواحيها، ونقصها من أطرافها: موت علمائها([19]). وطرف الشيء: جانبه، ويستعمل في الأجسام والأوقات وغيرهما([20]).

 

ومن ثم فإن المعاني العلمية التي ذكرناها آنفًا تعطي بُعدًا علميًّا رائعًا لمعنى إنقاص الأرض من أطرافها، ولا يتعارض ذلك أبدًا مع الدلالة المعنوية للتعبير القرآني عن خراب الأرض الذي استنتجه المفسرون بل يُكمله ويُجليه.

 

وعلى عادة القرآن الكريم تأتي الإشارة الكونية بمضمون معنوي محدد، ولكن بصياغة علمية معجزة، تبلغ من الشمول والكمال والدقة ما لم يبلغه علم الإنسان.

 

وقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة إنقاص الأرض من أطرافها، وناسب التعبير بصيغة المضارع "ننقصها" التجدد والاستمرار في الفعل نفسه كما أثبت ذلك العلم الحديث، وقد يرى القادمون في قوله تعالى:)أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها((الرعد: ٤١) فوق ما نراه نحن اليوم؛ ليظل القرآن الكريم مهيمنًا على المعرفة الإنسانية مهما اتسعت دوائرها، فالقرآن الكريم يخاطب الإنسان في كل زمان ومكان.

 

3) وجه الإعجاز:

أشارت الآية القرآنية إلى بعض الحقائق التي لا تتعارض مع الدلالة المعنوية للتعبير؛ إذ ثبت أن سرعة دوارن الأرض حول محورها، وقوة طردها المركزي يؤديان إلى تفلطح في القطبين، وهو نقص في طرفي الأرض، وكذلك ثبت أن سرعة انطلاق جزيئات الغازات المغلفة للكرة الأرضية، إذا ما جاوزت قوة جاذبية الأرض لها، فإنها تنطلق إلى خارج الكرة الأرضية، وهذا يحدث بصفة مستمرة فتكون الأرض في نقص مستمر لأطرافها.

 

وأيضًا فإن زحف التصحُّر على المناطق الخضراء يُعدُّ إنقاصًا للأرض من أطرافها. ومن الإعجاز العلمي في الآية أن الإشارة العلمية الدقيقة إلى حقيقة إنقاص الأرض تشمل كل هذه الأنواع من الإنقاص، كما تدل على استمرارية هذه العملية من خلال التعبير بالفعل المضارع "ننقصها" الدال على التجدد والاستمرار.

 

 

(*) نقض النظريات الكونية، أبو نصر عبد الله الإمام، مرجع سابق.

 

[1]. سنة الكوكب: هي المدة التي يستغرقها في إتمام دورة كاملة حول الشمس.

 

[2]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص153: 158.

 

[3]. المعارف الكونية بين العلم والقرآن، د. منصور محمد حسب النبي، مرجع سابق، ص452، 453 بتصرف.

 

[4]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص158، 159.

 

[5]. الموسوعة الذهبية في إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية، د. أحمد مصطفى متولي، مرجع سابق، ص236.

 

[6]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم،

 

د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص159: 161 بتصرف.

 

[7]. المرجع السابق، ص161، 162 بتصرف.

 

[8]. أطراف الأرض تتآكل، عبد الدائم الكحيل، بحث منشور بموقع:  المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com. منشور بموقع:  المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

 

منشور بموقع:  المهندس عبد الدائم الكحيل www.kaheel7.com.

 

[9]. من آيات الإعجاز العلمي: الأرض في القرآن الكريم، د. زغلول النجار، مرجع سابق، ص162، 163.

 

[10]. المرجع السابق، ص164.

 

[11]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، مرجع سابق، ج2، ص520 بتصرف.

 

[12]. تفسير الجلالين، جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، مكتبة الصفا، القاهرة، ط1، 1425هـ/ 2004م، ص254 بتصرف.

 

[13]. في ظلال القرآن، سيد قطب، مرجع سابق، ج4، ص2065.

 

[14]. تفسير الشعراوي، محمد متولي الشعراوي، مرجع سابق، ج12، ص7403 بتصرف.

 

[15]. لسان العرب، مادة: رأى.

 

[16]. لسان العرب، مادة: أتى.

 

[17]. المعجم الوسيط، مادة: نقص.

 

[18]. لسان العرب، مادة: تقص.

 

[19]. تاج العروس، مادة: طرف.

 

[20]. المفردات في غريب القرآن، الأصفهاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، دار المعرفة، بيروت، ص302.

 

  • الاربعاء AM 01:43
    2020-09-02
  • 2458
Powered by: GateGold