المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412358
يتصفح الموقع حاليا : 372

البحث

البحث

عرض المادة

دعوة بعض رجال الدين إلى الإصلاح

دعوة بعض رجال الدين إلى الإصلاح:حينئذ أخذت الأنظار المتربصة تحصى على رجال الدين ما يفعلون، ووجد من بينهم من استنكروا حالهم، وأخذوا يدعون زملاءهم إلى إصلاح حالهم، ليردوهم إلى حكم دينهم قبل أن يفوت الوقت، وقبل أن ينفض الناس، وقبل أن يحملهم العامة على الإصلاح.ولقد جاهر بذلك جيروم وهوس، ولكن كان نصيبها أن أعدما حريقاً بالنيران، وكان ذلك بقرار من مجمع كونستانس الذي انعقد من سنة 1414 إلى سنة 1418، ولقد قرر ذلك المجمع قتل هذين العالمين حرقاً بالنار، لأنهما دعوا الكنيسة إلى عدم الأخذ بما يسمى سر الاعتراف، مبينين أن الكنيسة ليس لها سلطان في محو الإثم أو تقريره، وإنما التوبة مع رحمة الله حتى تمحو الآثام، وتطهر النفس من الخطايا، وقد تقدم إلى المجمع يوحنا هوس ليدافع عن آرائه، وهذا ما قاله كاتب متعصب للكاثوليك في ذلك الدفاع:"لدى دخوله أخذ يعلن غواياته قبل انتظاره حكم المجمع على تعليمه فقر الرأي على إلقاء القبض عليه، وفوض المجمع إلى بعض أعضائه أن يفحصوا مؤلفاته وألحوا عليه أن يقلع عنها، ولكنهم لم يستفيدوا شيئاً ووجدوا في مؤلفاته فصولاً كثيرة تتضمن أضاليل، وقد خولوه الحرية ليوضح أقواله في كل منها، وحرضوه على الخضوع لحكم المجمع، وعرضوا عليه صورة الرجوع عن ضلاله، فأبى أن يمضيها، وبقى مصراً على غيه، ولم يشأ المجمع أن يتوصل معه إلى المضايقة الأخيرة، بل حاول مراراً أن يرده عن عناده فحكموا أولاً على كتبه بالتحريق رجاء أن يخيفوه بذلك، لكنه لبث مصراً على عناده، فحينئذ حطوه عن الدرجات المقدسة حطاً احتفالياً، وأسلموه لحكومته فحكمت عليه بالحرق حياً بمقتضى نواميس المملكة ثم نال جيروم تلميذه وقرينه في العناد هذا العقاب نفسه.أما المجمع فلم يطلب قط هذا العقاب بل ترك للقضاء المدني أن يعمل بموجب شرائع المملكة التي كانت تعطي الملك حقاً في أن يعاقب من يفسدون النظام المدني بينهم بتعاليم سيئة تقلق راحة الجمهور؟.هذا ما يقوله الكتاب المدافعون عن الكنيسة، ومهما يكن قولهم في براءتها من ثم أولئك الذين حاولوا من رجال الدين إصلاحاً، فمما لا شك فيه أنها لم تصغ إلى أقوالهم، بل عاقبتهم عليها بالحرمان، فسلبتهم المنصب الديني، ثم عاونت بذلك على قتلهم أفظع قتلة، إن لم تكن هي الفاعلة.
ابتداء الإصلاح من غير رجال الدين:118- كانت ارهاصات الإصلاح تبدو الوقت بعد الآخر، ويظهر به رجال استعدوا للفداء زمناً بعد زمن، وكانت البلاد التي تظهر فيها آراء الإصلاح في شمال أوربا وإنجلترا، وفرنسا، لأن فرنسا قد ذاق بعض ملوكها أذى الحرمان من الكنيسة، وأحس الفرنسيون بشدتها، وإنجلترا رأت من سلطان البابا عليها تدخلاً في شئونها، ولأن أمم شمال أوربا قد اقترنت حضارتها بالدين فكانت شديدة الغيرة عليه، قوية الرغبة في فهمه على وجهه، جاعلين قبلتهم الكنيسة ورجالها، فعثروا بما أوتوا من رغبة دينية وعقل فاحص على عيوبهم، فأرادوا أن يصلحوها من غير أن يهدموها، لذلك ظهرت حركات الإصلاح ووجدت آذاناً مصغية في تلك البقاع، ولم ينبثق فجر القرن السادس عشر حتى انبثقت معه أصوات قوية جريئة تدعو إلى إصلاح الكنيسة، وتنقد حالها وتندد بأعمالها، وتنشر عيوب القوامين عليها، وعساهم يصلحون أمرهم، ويعودون إلى آداب الدين وتهذيبه.الدعوة الهادئة:وقد ظهر في فجر القرن السادس في أزمان متقاربة أصوات رجال مصلحين، ومن أشدها ظهوراً صوت أرزم، وقد ظهر بالأراضي المنخفضة، وعاش من سنة 1465 إلى سنة 1536. وقد أخذ يدعو الناس إلى قراءة الكتاب المقدس عندهم، وإلى تهذيب عقولهم، وتنمية مداركهم، ليستطيعوا فهمه، والانتفاع به، وإدراك مراميه وغاياته، وأخذ يدعو إلى إصلاح الكنيسة، وظهر إنه لم يوجه دعوته إلى الشعب، بل وجهها إلى الحكام المستنيرين، وإلى رجال الكنيسة أنفسهم، فقدان البابا ليو العاشر صديقه، وكان ممن يقدرون آراءه، ويعجبون بتفكيره ويوافقون بالأولى على وجهة نظره، وقد سار في طريق الإصلاح السلمي مجتهداً الاجتهاد كله في أن يحافظ على مركز البابا وقداسته، حريصاً على ألا ينال أحد منهما، وإلا يخلط دعاة الإصلاح بين إصلاح الكنيسة ومراكز رجالها، وما يستحقون من إجلال وتقديس، فهو يرى أن الإصلاح واجب على أن تقوم به الكنيسة في داخلها، أو يعاونها الحكام على إصلاح نفسها، ولذلك عندما رأى ثورة لوثر العنيفة، وما أدت إليه من مس سلطان الكنيسة ونقص ما لها من قداسة، نبذ آراءه ولم يعاونه.وظهر كذلك في هذا الإبان تومس مور من 1478 إلى 1535، وقد ظهر بإنجلترا، ودعا إلى إصلاح الكنيسة أيضاً بالطريق السلمي، ولذلك دعا بنفسه إلى وجوب احترام سيادة البابا، وأن يكون له السلطان الديني على الجميع.
النقد العنيف:119- ولكن دعوات أولئك السلمية لم تفد فائدتها، ولم تنتج ثمراتها، وإن شئت فقل أنة تحول الأفكار وانتقال الفكرة إلى الشعوب، واصطدام الكنيسة بالمفكرين وبعض الأمراء جعل نقد الكنيسة عنيفاً، وجعل خطوات الدعاة أسرع مما يريد أولئك السلميون.وأشد من ظهر من أولئك تأثيراً وأقوالهم نفوذاً: مارتن لوثر وزونجلي، وكلفن، ولنتكلم عن كل واحد من هؤلاء بكلمة موجزة.لوثر:أما مارتن لوثر، فقد ولد سنة 1482 من أبوين فقيرين، ولكن أباه أجهد نفسه، وأراد أن يصل به إلا أقصى درجات الثقافة، ومكن له ليكون قانونياً، فأرسله إلى الجامعة، ولكنه عجز عن إتمام دراسته القانونية، وعكف على دراسة اللاهوت، وانصرف إليها لأنه أحس بنزعة دينية قوية تدفعه إلى الانقطاع لذلك، وقد كان شديد التورع، مبالغاً في تقدير سيئاته، قد سيطرت على مشاعره نفسه اللوامة، حتى لقد قال بنفسه إنه لن ينجو من عذاب الجحيم إلا برحمة الرب الرحيم، وكان لهذا الإحساس الديني الدقيق، وذلك النزوع اللاهوتي موضع رعاية رجال الكنيسة، حتى لقد أوصوا به خيراً أولى الأمر من رجال الدنيا، فعين مدرساً للفلسفة، وظل عاكفاً على هذه الدراسة التي كان يشك في صلاحيتها، إذ كان يدرس فلسفة أرسطو، وما كان في نظره إلا من عبدة الأوثان، ويجب أن يلاحظ أن دراسة الفلسفة في ذلك العصر كانت تحت ظل الدين، وفي خدمته، ويقوم بها رجال الدين أنفسهم، ولذلك لم تكن دراسته الفلسفية مبعدة عن دراسته الدينية، بل كانت تتميماً لها.ولقد دفعته نزعته الدينية الخالصة، وإجلاله للكنيسة ورجالها إلى أن يحج إلى روما، ليتيمن بلقاء رجال الدين، ولكي تحل عليه بركات روما موطن المسيحية ومقر الكنيسة المقدسة، ولكنه ما أن وطنت قدماه أرض روما حتى رأى ما صدم حسه، وأزعج نفسه، لقد توقع أن يرى النسك والعبادة والزهادة، فوجد مدينة لاهية عابثة، ووجد رجال الدين قد دنست بعضهم المفاسد، وحاطت بهم الريب، وظنت بهم الظنون، وجد جرأة على الخطايا، واستهانة بأحكام الدين. ووجد الذين تخيلهم قديسين صالحين، وإنهم ملائكة الله تسير على الأرض، قد انغمسوا في الرذيلة، ورتعوا في حماها زاعمين أن سحائب الرضوان قد نزلت عليهم، وغفر لهم سابق ذنوبهم ولاحقها، وأن بيدهم مفاتيح الملكوت في السماوات والأرض وسر التوبة، وأبواب الغفران، يغفرون لمن شاءوا ما تقدم من ذنبه وما تأخر.رأى لوثر كل هذا وه مرهف الحس الديني، ذو النفس اللوامة، الذي يرى أن خطايا الإنسان أكبر من أن يمحوها هو، وإنه لا سبيل لغفرانها ألا أن تسعها رحمة الله.لذلك شدة من هول ما رأي، وتحير بين ما تخيله في رجال الدين من زهادة، والواقع المستقر الذي صدمه صدمة عنيفة، ولكنه لم يلبث إلا قليلاً حتى أنتقل من الحيرة إلى الاستنكار، لذلك عاد إلى ألمانيا حانقاً مستنكراً بعد أن ذهب راضياً مقدساً.ولقد أخذ يعلن من ذلك الإبان أن التبرك بالمقدسات، والحج إليها وتكرار الصلاة لا يجدي العاصي، ولا يغنيه عن توبة نصوح، وقدم مطهر، ورجاء رحمة الرحيم، وأن أحداً من الخلق مهما تكن قدسيته لا يملك لأحد غفراناً، ولا يستطيع أن يستر ذنباً قد ارتكب.120- كان لوثر بعد عودته مأخوذاً بهذه الأفكار، قد استولت على نفسه، وسوغ له كل هذا إنه قد عرا ثقته برجال الدين ضعف، وإن لم يعتزم الثورة عليهم أو على آرائهم، ولكن الحوادث كانت تدفعه إلى أن يعلن استنكار آراء رجال الدين، والجهر بذلك. وذلك لأن البابا ليو أراد أن يعيد بناء كنيسة بطرس في روما، وذلك يحتاج إلى مقدار من المال غير يسير. فقرر أن يجمعه من صكوك الغفران ببيعها، فذهب الراهب تنزل إلى ألمانيا، ومعه تلك الصكوك التي نقلنا لك نموذجاً منها فيما أسلفنا من القول. وأخذ يعلن من أمرها. ويبالغ في قدسها وسرها.عندئذ ثار لوثر الذي لا يعرف أن شيئاً يستر الذنوب إلى الندم على ما كان، والإقلاع عنه فيما يكون، ورجاء رحمة الديان، والذي رأى في رجال الدين ما رأى، ثار لوثر على تلك الصكوك وكتب في بطلانها احتجاجاً علقه على باب الكنيسة.ولقد كان لذلك أثره في العامة والخاصة، ولم يكن من المعقول أن تقابل الكنيسة ذلك بالصمت أو الإغضاء، فقد أرسلت إليه تدعوه إلى الحضور لمحاكمته أمام محكمة التفتيش التي كانت تدبيراً اتخذته المجامع ذريعة للقضاء على مخالفيها.

  • السبت PM 02:28
    2016-11-12
  • 4054
Powered by: GateGold