المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412674
يتصفح الموقع حاليا : 257

البحث

البحث

عرض المادة

الاستحالة والغفران

مسألتا الاستحالة والغفران:114- أما مسألة الاستحالة فالأساس فيها ما علمت في شرح الشعائر النصرانية، من أن المسيحيين يأكلون يوم الفصح خبزاً ويشربون خمراً، ويسمون ذلك العشاء الرباني، ولقد زعمت الكنيسة أن ذلك الخبز يستحيل إلى جسد المسيح، وذلك الخمر يستحيل إلى دم المسيح المسفوك فمن أكلها وقد استحالا هذه الاستحالة فقد أدخل المسيح في جسده بلحمه ودمه، وذلك أمر غريب في العقل، لا يستطيع أن يستسيغه أحد بيسر وسهولة، بل لا يستطيع أن يستسيغه قط, إذ كيف يتحول الخبز لحماً، وكيف يصير لحد شخص معين معروف. وكيف يتحول الخمر دماً. وتصير دم شخص معين معروف؟ ذلك غريب. بل مستحيل التصور والقبول في العقل، ولكن الكنيسة فرضت على الناس قبوله ومنعتهم من مناقشته، وإلا عرضوا للطرد والحرمان. وهل ورد هذا الأمر في الكتب المقدسة، حتى يجب الأخذ به من غير تفسير أو تأويل. إنه أمر استقلت به الكنيسة وأعلنته وأبدته في أحد مجامعها، غير معتمدة في ذلك على نص صريح من الكتب المقدسة عندهم.ولقد خالفت في بعض شأنه الكنيسة الكاثوليكية غيرها من الكنائس، فالكنيسة الشرقية ترى أن العشاء الرباني لا يكون بالفطير، بينما تراه الكنيسة اللاتينية، ووجد من أحرار الفكر من ينكرون هذه الاستحالة، ويعتقدون أنها غير ممكنة في العقل ولا سائغة في الفكر.115- أما المسألة الثانية فهي مسألة امتلاك الكنيسة حق الغفران للمسيء في الدنيا، فقد قررته الكنيسة حقاً لنفسها في المجمع الثاني عشر أيضاً.وقد جاء في كتاب تاريخ الكنيسة في بيان قرار المجمع في هذا الشأن: "أنهى المجمع تعليمه فيما يتعلق بأمر الغفران فقال: "أن يسوع المسيح ما كان قد قلد الكنيسة سلطان منح الغفرانات. وقد استعملت الكنيسة هذا السلطان الذي نالته من العلا منذ الأيام الأولى، قد أعلم المجتمع المقدس، وأمر بأن تحفظ للكنيسة في الكنيسة هذه العملية الخلاصية للشعب المسيحي، المثبتة بسلطان المجامع".ثم ضرب بسيف الحرمان من يزعمون أن الغفرانات غير مفيدة، أو ينكرون على الكميسة سلطان منحها، غير إنه قد رغب في أن يستعمل هذا السلطان باعتدال واحتراز حسب العادة المحفوظة قديماً، والمثبتة في الكنيسة، لئلا يمس التهذيب الكنسي تراخ بفرط التساهل.
إفراط الكنيسة في استعمال حق الغفران:هذا قرار المجمع، وفيه تمكين للكنيسة من سلطان قوي جبار، وهو سلطان مسح الذنوب، وغفرانها مهما يكن مقدارها، ومهما تكن قد دنست النفس، واركست القلوب، ولكنه قد أوصى الكنيسة بالاعتدال والاحتراس، حتى لا يؤدي الإفراط في منح الغفران إلى ترك التهذيب الديني، وهجر تعاليم الكنيسة، والعبث بهدي الدين، فها أخذت الكنيسة بما أعطاها المجمع، وراعت حق الرعاية ما أوصاها به من عدم الإفراط في الإعطاء والمنح؟ لقد أتى حين من الدهر من بعد أن أعطى رجال الدين أنفسهم ذلك الحق، أن أفرطوا في أعطائه إفراطاً شديداً وأنشأوا له صكوكاً تباع وتشترى، فباعوها كأنها عرض من أعراض الدنيا، ومتعة من متعتها، وبذل العصاة في سبيلها المال، وما كان عليهم من حرج في أن يرتكبوا ما شاءوا من الموبقات، وينالوا ما تهوى الأنفس من معاص. مادام ذلك يفتدى بمال قل أو جل، وهذا نص صك الغفران الذي يباع بيع السلعة.
صورة من صك الغفران:"ربنا يسوع المسيح يرحمك يا فلان، ويحلك باستحقاقات آلامه الكلية القداسة، وأنا بالسلطان الرسولي المعطي لي أحلك من جميع القصاصات، والأحكام والطائلات الكنسية التي استوجبتها، وأيضاً من جميع الإفراط والخطايا والذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة، ومن كل علة، وإن كانت محفوظة لأبينا الأقدس البابا، والكرسي الرسولي، وأمحو جميع أقذار المذنب وكل علامات الملامة التي ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة، وأرفع القصاصات التي كنت تلتزم بمكابدتها في المطهر وأردك حديثاً إلى الشركة في أسرار الكنيسة وأقرنك في شركة القديسين، وأردك ثانية إلى الطهارة والبر اللذين كانا عند معموديتك، حتى إنه في ساعة الموت يغلق أمامك الباب الذي يدخل منه الخطاة إلى محل العذاب والعقاب، ويفتح الباب الذي يؤدي إلى فردوس الفرح، وإن لم تمت سنين مستطيلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة، حتى تأتي ساعتك الأخيرة باسم الأب والابن والروح القدس".هذه صورة من صور صك الغفران تذكر إنها تمحو الآثام، وتغفر ذنوب العاصي ما تقدم منها وما تأخر، تغسله من ذنوبه الماضية حتى يصير طاهراً، ثم لا يصير قابلاً لأن تؤثر فيه الذنوب مهما يرتكب من خطايا، ومهما ينغمس في المعاصي. كان ذلك الصك جواز المرور إلى النعيم المقيم، لا يعوق حامله عائق، ولا يرده عن الوصول خازن أو حارس.هذا ما يدل عليه الصك، وهذا ما كانت تحاول الكنيسة أن تلقيه في روع الناس تمكيناً لسلطانها، ورغبة في نقودهم التي يبذلونها للكنيسة في سبيل الحصول على ذلك الصك الذي يكون سر الأمان، وطريق الوصول إلى الغاية.لقد ابتدأت الكنيسة صك الغفران بمسألة الاعتراف بالذنوب عند الموت والتوبة، ثم تولى القسيس مسح هذه الذنوب والشخص لم يودع الدنيا. ثم انتقلت من ذلك إلى أن جعلت لنفسها الحق في الغفران، والشخص قوي يستقبل الحياة، ولا يودعها ويقبل على متعها، ولا يدبر عنها، وغالت فجعلت لنفسها غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب، ثم أغرقت في المغالاة فأتخذها رجال الدين بابا من أبواب الكسب للكنيسة. ثم إنهم ينفقون ما يجمعون من مال فيما يحله الدين والأخلاق، وما قد بحرمانه، وبذلك طم السيل، حتى جاوز الحزام الطبيين.
سلوك رجال الدين الشخصي:116- وهل كان رجال الدين في سلوكهم الشخصي، وفي استمساكهم بعروة الأخلاق، وهدى الدين يستحقون أن يبذل الناس في طاعتهم ما يبذلون ويروضوا أنفسهم عل الخضوع لآرائهم، وقبولها بقبول حسن، متهمين العقول إن حاولت التمرد والعصيان، لأن حال رجال الدين بعيدة عن الظنة، منزهة عن الريبة، قد سموا بأنفسهم، حتى ساموا في العلو القديسين والشهداء والصالحين، وجعلوا أنفسهم عنوان العفة، وبخع النفس عن الشر، وافتدوا الفضيلة بأنفسهم أو عرضوا أنفسهم للفداء كما كانوا يرون أن المسيح قد فعل من قبل؟ لقد كانت حال رجال الدين تحوطها الريب من كل جانب، وتأخذهم الأنظار المتعقبة من كل ناحية من نواحي الحياة. حرموا على أنفسهم الزواج إذ سادت الرهبانية وسيطرت على نفوسهم، فجعلوا زواجهم حراما، لينصرفوا لخدمة كنيسة الرب، ويقوموا على سدانتها، ويرعوها حق رعايتها، ولكن ما أن توردت عليهم الأموال، وكثرت أمامهم أسباب النعيم، حتى فكهوا فيها مترفين وانغمسوا في الملاذ يستطيبون أطيبها، ويطلبون أشدها، ولما مكنوا لأنفسهم من السلطان، انتفع بعضهم في طلبها اندفاعاً، ومنهم من استهتر في سبيلها استهتاراً، وخرجت حال بعض أولئك المنغمسين في الخطايا من السر إلى الجهر، ومن التستر إلى التفحش، ومن الخفية إلى الإعلان، واتصل بعضهم بالنساء اتصال سفاح، بعد أن حرموا على أنفسهم النكاح؟ ولم تتمنع النساء المتصلات بهم من أن يعلن ذلك مفاخرات به، وجاء من ذلك الاتصال الآثم أولاد لا آباء لهم، ولكن لهم حظوة، لأن بعض رجال الدين عرفوا آباءهم، كما يعرفون أبناءهم، فيمكنون لهم بسلطانهم الديني سلطاناً دنيوياً.ولقد كانت تلك الحياة اللاهوتية العابثة الفاسقة ميزة أختص بها بعض رجال الطبقة العالية الدينية أنفسهم، أما التحوت من رجال الدين ففي فقر مدقع، وفي حياة هي أقرب إلى الدين المسيحي من حياة كبرائهم، وذوي السلطان فيهم وفي الشعب.
ابتداء الإصلاح:117- هذا سلطان الكنيسة، وتلك حال رجالها، يتدخلون في كل شيء، ينقبون عن القلوب، وقد سترها علام الغيوب، ويرهقون من يتهمونهم بأقصى أنواع العذاب، ويفرضون سلطانهم على الراعي والرعية، حتى يتململ من تحكمهم الملوك والأمراء، وذوو الفكر من الشعوب ويجبون الإتاوات ويفرضون الضرائب حتى كأنهم الحياة العشارون لا رجال الدين المهذبون، ويعطون أنفسهم حق مسح الخطايا بعد اعتراف المذنب في آخر أيامه في الدنيا، وأول أيامه في الآخرة، ثم يغالون، فيمنحون أنفسهم حق غفران الذنوب السابقة واللاحقة للقوي الصحيح، ويكتبون في ذلك صحوكاً يبيعونها بثمن قليل أو كثير، ثم يقضون أو بعضهم حياة كلها لهو، وحولهم الناس ينظرون.ولقد بلغ السيل الزبى في العصر المشهور في التاريخ الأوربي بعصر النهضة، وفيه نهضت الإرادة الإنسانية، والعقل الإنساني يفرضون وجودهما، وفيه استطاع الأوربيون أن يروا نور الله في الإسلام، والتدين الحقيقي فيما يدعو إليه هذا الدين، إذا اتصل الشرق بالغرب فيما قبس الغرب من دراسات يلقاها على أساتذة من المسلمين بشكل خلص، ومن الشرقيين بشكل عام، وفيه أعلم أن لا سلطان لأحد من رجال الدين على القلب، وأن لا وساطة بين الله والعبد، وأن الله قريب ممن يدعوه، ويجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

  • السبت PM 02:21
    2016-11-12
  • 3608
Powered by: GateGold