المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413683
يتصفح الموقع حاليا : 203

البحث

البحث

عرض المادة

تلقى المسيحيين لقرارات مجمع نيقية

83-ولكن هل أمات ذلك الرأي الوحدانية التي كان يجاهر بها أريوس، وهل قضي ذلك المجمع القضاء المبرم عليها؟ إنه لو فرض أبعد الفروض عن الحق، وكانت كثرة المجمع العلم على غير رأي أريوس ما انتصروا عليه ولا قضوا على ما يدعو إليه لأن الآراء لا تنتصر بكثرة العدد بل بقوة الدليل وقوة تصور العقيدة، وقوة الاقتناع بها، وسهولة دخولها إلى العقل، واستساغته لها، ولذلك لم يقض المجمع على فكرة الوحدانية. بل ربما كانت المحاولة للقضاء عليها سبباً في شدة الاستمساك بها، والمبالغة في المحافظة عليها مما يراد بها.ولذلك أخذ البطارقة الذين لعنوا لاعتناقها يعملون الحيلة للاحتفاظ بها وحياطتها، واتخذوا الخديعة سبيلاً لذلك. فتقربوا من قسطنطين وأظهروا له الإقلاع عما كانوا عليه ليعودوا إلى ما كان لهم من مناصب. ويستطيعوا مناصرة فكرتهم. ولينالوا ثقة قسطنطين. ومن طريق هذه الثقة ينفذون إلى نفسه. ويقنعونه هو بالتوحيد. ليستطيع أن يخدمه بسلطانه قوته. كما خدم أُلوهية المسيح، أو على الأقل ليقف موقف الحياد ويترك الآراء تسير في مجراها الطبيعي. ولنقص عليك محاولة من محاولات الموحدين.مجمع صور يرفض بالإجماع قرار مجمع نيقية:يذكر ابن البطريق أن أوسابيوس أسقف نيقومدية كان موحداً من مناصري أريوس في المجمع العام قبل أن تبعده عنه كثرته. ولعن من أجل هذا وأراد أن يتقرب من قسطنطين "فأظهر إنه وافق على قرار الثمانية عشر والثلاثمائة فأزال عنه اللعنة قسطنطين. وجعله بطريرك القسطنطينية، فما أن ولى هذه الولاية حتى صار يعمل للوحدانية في الخفاء فلما أجتمع المجمع الإقليمي في صور حضره هو وبطريرك الإسكندرية الذي كان يمثل فكرة أُلوهية المسيح ويدعو إليها، وينفرد من بين البطاركة في المبالغة في الدعوة إليها، والحث عليها، ولعن كل من يقاومها.وانتهز أوسابيوس فرصة ذلك الاجتماع وأثار مقالة أريوس، ورأيه في المسيح وإنكار ألوهيته. وكان في ذلك المجمع كثيرون من الموحدين المستمسكين به، إذ لم يحتاطوا بإبعادهم، كما فعلوا في المجمع العام بنيقية. وأشتد النقاش بين رئيس كنيسة الإسكندرية، وبين المجتمعين، ولم يكتفوا بالنقاش القولي بل امتدت الأيدي إلى بطريرك الإسكندرية وعمدت إلى رأسه لإخراج الوثنية منها، فضربوه حتى أدموه، وكادوا أن يقتلوه، ولم يخلصه من أيديهم إلا ابن أخت الملك الذي كان حاضراً تلك الاجتماع، ولكن لما بلغ ذلك قسطنطين كرمه.
ما يستنبط من هذا:وما سقنا ذلك القصص لرضانا عن تأييد الرأي بالعصا وجمع اليد، ولكن سقناه ليتبين منه القارئ مقدار حماسة الموحدين من أهل المسيحية الأولى لعقيدة التوحيد، وإنهم في تلك الحماسة لا يأبهون لشيء، ولا يهمهم إغضاب ذوي السلطان أو إرضاءهم، وسقناه لتعلم أن الموحدين كما يظهر من رواية الكتب المسيحية، وكما يستنبط كانوا الكثرة الغالبة في المسيحيين، ففي مجمع نيقية كانوا الكثرة، وفي مجمع صور الخاص كانوا الجميع ما عدا رئيس كنيسة الإسكندرية. وإذا كانوا الكثرة في المؤتمرات خاصة وعامة، فلابد أن يكونوا الكثرة في جمهور المسيحيين.وإذن تكون فكرة أُلوهية المسيح هي العارضة والأصل هو التوحيد كما يستنبط القارئ من المصادر المسيحية نفسها. وسقناه لتعلم أن قسطنطين كان يشجع دائماً المخالفين للتوحيد. وإن كان لا يظهر السخط على غيرهم أحياناً. وسقناه لتعلم أن مجمع صور كان يخالف كل المخالفة مجمع الثمانية عشر والثلاثمائة. وأخيراً سقناه لتعلم أن موطن الدعاية لألوهية المسيح كانت كنيسة الإسكندرية وحدها، فهي التي حاربت أريوس. وهي التي لعنته مرتين، ورئيسها هو الذي خالف في صور، ونال عقاب المخالفة جزاء وفاقا.فهل لنا أن نقول أن التثليث الذي اشتملت عليه فلسفة الإسكندرية كان يعلن على السنة بطاركتها. وإنهم كانوا يمثلون تلك الفلسفة بآرائهم أكثر من تمثيلهم لمسيحية المسيح عليه السلام؟ إن ذلك هو مفتاح التاريخ الصحيح فمن أراد أن يعرف كيف حالت المسيحية من توحيد إلى تأليه للمسيح، فليستعن به.
نشاط الموحدين:84- ولم ين الموحدون عن إعلان الاستمساك بعقيدتهم، وتخطئة الذين أعلنوا أُلوهية المسيح، ومعهم في ذلك الكثرة العظمى من المسيحيين، كما يدل على ذلك ما سننقله من تاريخ ابن البطريق، فلقد حاولوا أن يجذبوا قسطنطين ابن قسطنطين إلى رأيهم بعد أن مات أبوه، فاجتمعوا به. وحسنوا رأي الموحدين له، وبينوا له إنه صميم المسيحية، وأن الأساقفة الذين ناقضوه خالفوا وجه الحق، ولم يكونوا آخذين بتعاليم السيد المسيح التي بشر بها بين الأنام، ولكنه لم يعمل على نصرتهم، ولم يعاونهم في دعايتهم، مع أن أكثر المسيحيين في ذلك العصر كانوا موحدين.يقول ابن البطريق: "في ذلك العصر غلبت مقالة أريوس على القسطنطينية، وأنطاكية وبابل، والإسكندرية". وأسيوط قد علمت أن كنيستها كانت موحدة.ويقول في بيان الإسكندرية ومصر بعد الإجمال السابق "فأما أهل مصر والإسكندرية فكان أكثرهم أريوسيين، فغلبوا على كنائس مصر والإسكندرية وأخذوها، ووثبوا على اثناسيوس بطريرك الإسكندرية ليقتلوه، فهرب منهم واختفى".وقد كان على كثير من الكنائس رؤساء موحدون يستمسكون بالتوحيد ويحثون على الاستمساك به، وكلما ولي أسقف غير موحد ثاروا به، وهموا بقتله، وهذا ابن البطريق يقص علينا أن بطريق بيت المقدس لم يكن موحداً فيثور عليه الموحدين، ويهمون بقتله فيهرب منهم، فيقول في ذلك "وثب أهل بيت المقدس، من كان منهم أريوسيا على كورلس أسقف بيت المقدس ليقتلوه، فهرب منهم، فصيروا أراقليوس أسقفاً على بين المقدس، وكان أريوسيا".وهكذا نجد مغالبة قوية بين التوحيد وألوهية المسيح، الأولى تغالب بالكثرة وقوة الإيمان، وسعة الحيلة، والثانية بقوة السلطان، وبقايا الوثنية والذين كانوا متأثرين بها، ووجدوا مواءمة بينهما وبين ما يألفون، فابتغوها لقربها مما ألفوا وغرفوا. وأمكنته التقاليد من نفوسهم. ولكن قوة السلطان طمست نور المذهب الأول. إذ أنها احتاطت فجملت كل الأساقفة ممن لم يكونوا موحدين. واحتاطت أشد الاحتياط في ذلك، وأخذ أولئك يسيطرون على قلوب العامة بالرؤى والأحلام والهامات يزعمونها، حتى اختفى المذهب الحق في لجة التاريخ، ولم يبد على السطح ألا أُلوهية المسيح.

  • الثلاثاء PM 02:33
    2016-10-25
  • 3131
Powered by: GateGold