المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413875
يتصفح الموقع حاليا : 271

البحث

البحث

عرض المادة

مجمع نيقية سنة 325

1- سبب انعقاده العام الاختلاف بينهم في شخص المسيح:79- أشتد الاختلاف بين الطوائف المسيحية الأولى، وتباعدت مسافات الخلف تباعداً شديداً، لا يمكن أن يكون معه وفاق، وكان الاختلاف يدور حول شخص المسيح، أهو رسول من عند الله فقط، من غير أن تكون له منزلة أكثر ممن له شرف السفارة بين الله وخلقه، أم له بالله صلة خاصة أكبر من رسول، فهو من الله بمنزلة الابن، لأنه خلق من غير أب، ولكن ذلك لا يمنع إنه مخلوق لله، أنه هو كلمته، ومن قائل إنه ابن الله، له صفة القدم، كما لله تلك الصفة، وهكذا تباينت نحلهم، واختلفت، وكل يزعم أن نحلته هي المسيحية الصحيحة التي جاء بها المسيح عليه السلام، ودعا إليها تلاميذه من بعده، ويظهر أن ذلك الاختلاف، وتلك النحل المتباينة المتنازعة، وقد ظهرت بعد أن دخلت طوائف مختلفة من الوثنيين من الرومان، واليونان، والمصريين، فتكون في المسيحية مزيج غير تام التكوين، غير تام الإتحاد والامتزاج، وكل قد بقى عنده عن عقائده الأولى ما أثر في تفكيره في دينه الجديد، وجعله يسير على مقتضى ما اعتنق من القديم من غير أن يشعر أو يريد.وممن دخل في ذلك الدين فلاسفة لهم آراء فلسفية أرادوا أن يفهموا ما اعتنقوه جديداً على ضوئها، وعلى مقتضى منطقها وتفكيرها.ولقد كانت تلك الاختلافات كامنة لا تظهر مدة الاضطهادات الرومانية، لأنهم شغلوا بدفع الأذى، ورد البلاء واستقبال المحن والكوارث، وكانوا يستسرون بدينهم ولا يظهرونه، ويخفون عقائدهم، ولا يعلنونها، حتى إذا رزقوا الأمان، ونزلت عليهم سحائب الاطمئنان ظهرت الخلافات الكامنة، وإذا هم لم يكونوا متفقين إلا في التعلق باسم المسيح، والاستمساك بالانتساب إليه، من غير أن يتفقوا على شيء في حقيقته، ولذا لما منحهم قسطنطين عطفه، واعتزم الدخول في النصرانية، ووجد هذا الاختلاف الشديد، أمر بعقد مجمع نيقية.الاختلاف الخاص الذي انعقد المجمع بعده:80- هذا هو السبب في عقد مجمع نيقية بشكل عام، لكن له سبباً خاصاً يتعلق بنوع من هذه الخلافات، وهو ما يسمونه في تاريخهم بدعة أريوس، كان هذا الرجل في مصر داعية قوى الدعاية، جريئاً فيها، واسع الحيلة، بالغ الأدب، قد أخذ على نفسه مقاومة كنيسة الإسكندرية فيما تبثه بين المسيحيين من أُلوهية المسيح وتدعو إليه، فقام هو محارباً ذلك، مقراً بوحدانية المعبود، منكراً ما جاء في الأناجيل مما يوهم تلك الأُلوهية.كلام أريوس:وقد قال في بيان مقالته ابن البطريق: "كان يقول أن الأب وحده الله والابن مخلوق مصنوع، وقد كان الأب إذ لم يكن الابن".ولم يكن بدعاً في القول بهذه الفكرة بين المسيحيين، بل إنها كانت معروفة مذكورة مشهورة من قبله، كما يقول المسيحيون أنفسهم.ولقد جاء في كتاب تاريخ الأمة القبطية ما نصه: "الذنب ليس على أريوس بل على فئات أخرى سبقته في إيجاد هذه البدع. فأخذ هو عنها. ولكن تأثير تلك الفئات لم يكن شديداً كما كان تأثير أريوس الذي جعل الكثيرين ينكرون سر الأُلوهية، حتى أنتشر هذا التعليم وهم".انتشار رأي أريوس وطرق محاربته:ولقد كان لرأي أريوس في اعتبار المسيح مخلوقاً لله مشايعون كثيرون، فقد كانت الكنيسة في أسيوط على هذا الرأي، وعلى رأسها ميليتوس، وكان أنصاره في الإسكندرية نفسها كثيرين من حيث العدد، أقوياء من حيث المجاهرة بما يعتقدون، كما كان لهذا الرأي مشايعون في فلسطين ومقدونية، والقسطنطينية.وقد أراد بطريرك الإسكندرية أن يقضي على هذه الفكرة، فلم يعمد إلى المناقشة والجدل، حتى لا يتسع الخرق على الراقع، وحتى لا يلحن بالحجة عليه أريوس، ولكنه عمد إلى لعنه وطرده من حظيرة الكنيسة.ويبنى ذلك على إنه رأي المسيح يتبرأ من أريوس وبلعنه، نفي من الكنيسة مرتين لهذا الرأي، وبحجة تلك الرؤى المنامية، ومن أمثلتهم قول البطريرك بطرس الذي أمر بنفيه: "أن السيد الكسيح لمن أريوس هذا فاحذروه، فإني رأيت المسيح في النوم مشقوق الثوب، فقلت له يا سيدي من شق ثوبك؟ فقال لي: أريوس، فاحذروا أن تدخلوه معكم".ولم يجد النفي وإعلان الرؤى والأحلام في القضاء على رأي أريوس وجمع الناس حول قوة الكنيسة، حتى إذا ولي أمر الكنيسة البطريرك إسكندر أخذ يعالج المسألة بنوع من الحيلة والصبر، فكتب إلى أريوس وزعماء هذا الرأي يدعوهم إلى رأي كنيسة الإسكندرية، ولكن محاولته لم تجد أيضاً، فعقد مجمعاً في كنيسته بالإسكندرية وحكم على أريوس بالحرمان منها فلم يخضع لهذا ولم يخنع، وغادر الإسكندرية إلى فلسطين.وقد كان مذهب عدم أُلوهية المسيح ذائعاً منتشراً، وكان أسقف مقدونية على مذهب أريوس أيضاً، ويعظ على أساسه، وفي الحق أننا نجد أن أسقف مقدونية وأسقف فلسطين، وكنيسة أسيوط، كل أولئك على رأي أريوس، وكنيسة الإسكندرية وحدها هي التي تحاربه، فالخلاف محصور إذن بين أريوس، ومعه أسيوط وفلسطين، ومقدونية وبين بطريرك الإسكندرية.
تدخل قسطنطين وجمع مجمع نيقيا:81- وقد تدخل قسطنطين إمبراطور الرومان في الأمر. فأرسل كتاباً إلى أريوس والإسكندر يدعوهما إلى الوفاق، ثم جمع بينهما، ولكنهما لم يتفقا، فجمع مجمع نيقية سنة 325.ويقول ابن البطريق المسيحي في وصف المجتمعين وعددهم ما نصه: "بعث الملك قسطنطين إلى جميع البلدان، فجمع البطاركة والأساقفة فأجتمع في مدينة نيقية ثمانية وأربعون وألفان من الأساقفة. وكانوا مختلفين في الآراء والأديان، فمنهم من كان يقول أن المسيح وأمه إلهان من دون الله، وهم البربرانية، ويسمون المريميين، ومنهم من كان يقول أن المسيح من الأب بمنزلة شعلة نار انفصلت من شعلة نار، فلم تنقص الأولى بانفصال الثانية منها، وهي مقالة سابليوس وشيعته، ومنهم من كان يقول: لم تحبل به مريم تسعة أشهر، وإنما مر في بطنها كما يمر الماء في الميزاب، لأن الكلمة دخلت في أذنها، وخرجت من حيث يخرج الولد من ساعتها، وهي مقالة البيان وأشياعه".ومنهم من كان يقول أن المسيح إنسان خلق من اللاهوت كواحد منا في جوهره، وإن ابتداء الابن من مريم، وإنه اصطفى ليكون مخلصاً للجوهر الإنسي صحبته النعمة الإلهية، وحلت فيه بالمحبة والمشيئة، ولذلك سمى ابن الله، ويقولون: الله جوهر قديم واحد، وأقنوم واحد، ويسمونه بثلاثة أسماء، ولا يؤمنون بالكلمة ولا بروح القدس، وهي مقالة بولس الشمشاطي بطريرك أنطاكية وأشياعه، وهم البوليقانيون.ومنهم من كان يقول أنهم ثلاثة آلهة لم تزل: صالح، وطالح، وعدل بينهما، وهي مقالة مرقيون اللعين وأصحابه، وزعموا أن مرقيون رئيس الحواريين، وأنكروا بطرس، ومنهم من كان يقول بأُلوهية المسيح وهي مقالة بولس الرسول ومقالة الثلاثمائة وثمانية عشر أسقفاً" أ. هـ. المراد منه.موقف قسطنطين من المتناظرين:اجتمع أولئك المختلفون، وسمع قسطنطين مثال كل فرقة من ممثليها، فعجب أشد العجب مما رأي وسمع، فأمرهم أن يتناظروا لينظر الدين الصحيح مع من، وأخلى داراً للمناظرة، ولكنه جنح أخيراً إلى رأي بولس، وعقد مجلساً خاصاً للأساقفة الذين يمثلون هذا الرأي وكانت عدتهم ثمانية عشر وثلاثمائة.انحيازه لرأي مؤلهي المسيح مع إنهم ليسوا الكثرة:ويقول في ذلك ابن البطريق: "وضع الملك للثلاثمائة والثمانية عشر أسقفاً مجلساً خاصاً عظيماً، وجلس في وسطهم وأخذ خاتمه، وسيفه، وقضيبه. فدفعه إليهم وقال لهم: قد سلطتكم اليوم على مملكتي، لتصنعوا ما ينبغي لكم أن تصنعوا مما فيه قوام الدين، وصلاح المؤمنين، فباركوا الملك، وقلدوه سيفه، وقالوا له: أظهر دين النصرانية، وذب عنه، ووضعوا له أربعين كتاباً فيها السنن والشرائع، منها ما يصلح للملك أن يعلمه ويعمل به، ومنها ما يصلح للأساقفة أن يعملوا به".العقيدة التي فرضها المجمع:وضع هذا المجمع المحدود من الأساقفة قرارات في العقدية والشرائع، ليقيدوا بها المسيحيين، ولا يهمنا إلا بيان العقيدة التي قررها المجمع وفرضها على المسيحيين.وقد ذكرها صاحب كتاب تاريخ الأمة القبطية، فقال عنها ما نصه: "إن الجامعة المقدسة والكنيسة الرسولية تحرم كل قائل بوجود زمن لم يكن ابن الله موجوداً فيه، وإنه لم يوجد قبل أن يولد، وإنه وجد من لا شيء. أو من يقول أن الابن وجد من مادة أو جوهر غير الله الأب، وكل من يؤمن إنه خلق، أو من يقول إنه قابل للتغيير، ويعتريه ظل دوران".
قراراته تؤيد برهبة السلطان:82- إذن قرر المجمع أُلوهية المسيح، وإنه من جوهر الله، وإنه قديم بقدمه، وإنه لا يعتريه تغيير ولا تحول، وفرضت تلك العقيدة على المسيحيين قاطبة مؤيدة سلطان قسطنطين، لاعنة كل من يقول غير ذلك والذين فرضوا هذا القول 318 أسقفاً، ويخالفهم في ذلك نحو سبعمائة وألف أسقف، وأن لم يكونوا متفقين فيما بينهم على نحلة واحدة، فهل ذلك المجمع لم يخل من نقد؟ إن باب النقد فيه متسع.

  • الثلاثاء PM 02:14
    2016-10-25
  • 5022
Powered by: GateGold