المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413526
يتصفح الموقع حاليا : 268

البحث

البحث

عرض المادة

إنجيل برنابا

- لقد كتبنا خلاصة ما بينه المسيحيون في أناجيلهم الأربعة، واستنبطنا من نصوصها ما يدل على وجود إنجيل أصيل، هي منه الفرع من الأصل، على أن في ذلك كلاماً قد طويناه إلى موضعه من القول، وقد أيدنا في استنباطنا بعض الأحرار المسيحيين، واستنبطوا قريناً مما استنبطنا، وقبل أن نغادر الكلام في الأناجيل إلى الكلام في الرسائل يجدر بنا أن نتكلم في إنجيل جديد قد كشف عنه البحث العلمي، وقد حمل من الأمارات ما يدل على إنه في نشأته يمتد إلى أبعد أعماق التاريخ المسيحي، وأبعد أغواره، وهو يشبه الأناجيل القائمة في إنه قصة المسيح من ولادته إلى اتهامه. ويحكى محاوراته، ومناقشاته وخطبه، ولكن الكنيسة لم تعترف به وأنكرته، فليس معتبراً عند المسيحيين مصدراً دينياً، ولكنه متداول بين علماء الأمم الأوربية، وقد اتجهوا إليه بالبحث والعناية، والاهتمام، ولم يمنعهم من ذلك إنكار الكنيسة له. ذلك الإنجيل هو إنجيل برنايا، ومن الحق علينا أن ندرسه، ونعرف رأي المسيحيين فيه، وما يؤدي إليه النظر العلمي من غير أفتيات عليهم ولا تهجم، ومن غير أن نقحم أنفسنا فيما ليس لنا من إملاء عقيدة على القوم في دينهم.
برنابا:38- جاء ذكر برنابا في رسالة أعمال الرسل التي ينسب تدوينها إلى لوقا. فقد جاء في الإصحاح الرابع من تلك الرسالة: "ويوسف الذي دعى من الرسل برنابا الذي يترجم ابن الوعظ: وهو لاوى قبرصي الجنس، إذ كان له حقل باعه واتى بالدراهم، ووضعها عند أرجل الرسل"، وجاء في الإصحاح التاسع عند الكلام عن إيمان شاول - وهذا هو الذي أشتهر بعدئذ باسم بولس الرسول - إن برنابا هو الذي شهد له بالإيمان، وهو نص ما جاء فيه: "ولما جاء شاول إلى أورشليم حاول أن يلتصق بالتلاميذ، وكان الجميع يخافونه غير مصدقين إنه تلميذ، فأخذه برنابا وأحضره إلى الرسل. وحدثهم كيف أبصر الرب في الطريق. وإنه كلمه، وكيف جاهر في دمشق باسم يسوع" ولقد ذكر ذلك السفر أيضاً إنه كانت ترسله الكنيسة للوعظ والهداية، وفي الإصحاح الحادي عشر: "فسمع الخبر عنهم في آذن الكنيسة التي في أورشليم. فأرسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكية، الذي لما أتى، ورأى نعمة الله فرح ووعظ أن يثبتوا في الرب بعزم القلب. لأنه كان رجلاً صالحاً، وممتلئاً من الروح القدس والإيمان، فانضم إلى الرب جمع غفير ثم خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول، ولما وجده جاء به إلى أنطاكية ... "، ويزعمون أن الروح القدس خاطبه واختصه بالخطاب هو وبولس (شاول) من بين الأنبياء والمعلمين، فقد جاء في الإصحاح الثالث عشر من رسالة الأعمال: "وكان في أنطاكية في الكنيسة هناك أنبياء ومعلمون: برنابا وسمعان الذي يدعى نيجر.ولوكيوس القيرواني، ومنابن الذي تربى مع هيروكس رئيس الربع، وشاول.وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما، فهذا، إذ أرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية، ومن هناك سافرا في البحر إلى قبرص. ولما سارا في سلاميس ناديا بكلمة الله في مجامع اليهود. وكان معهما يوحنا خادماً" وقد استمر برنابا وبولس مصاحبين في التبشير بالديانة المسيحية في قبرص. وحدثت على أيديهما المعجزات، حتى زعم الناس أنهما الهان. وجاء فيه عن بيان وقع الخبر عليهما: فلما سمع الرسولان برنابا وبولس مزقا ثيابهما، واندفعا إلى الجمع صارخين وقائلين: "أيها الرجال لماذا تفعلون هذا؟ نحن بشر تحت آلام مثلكم. نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها، الذي في الأجيال الماضية ترك جميع الأمم، مع إنه لم يترك نفسه بلا شاهد".ومن هذا كله يتبين أن رسالة الأعمال تشهد أن برنابا كان من الرسل في اعتقادهم، الذين أخلصوا للدعوة إلى المسيحية، حتى باع كل ما يملك؟ وألقى بثمنه بين أيدي الرسل يتصرفون به في سبيل نشر الدعوة، وينفقونه في حاجات الجميع. وإنه هو الذي شهد لبولس بالإيمان. وإن الكنيسة أرسلتهما مبشرين بالمسيحية في قبرص بعد أن ارسلت برنابا وحده إلى أنطاكية، وأن برنابا كان رجلاً صالحاً ممتلئاً من الروح، وأن الروح القدس خصه بعناية من بين الرسل والمعلمين كما يعتقدون.وينص بولس في رسالته إلى أهل كولوسى في إصحاحها الرابع على أن مرقس صاحب الإنجيل ابن أخت برنابا: فيقول: "يسلم عليكم ارسترخص المأسور معي، ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله أن آتى إليكم فاقبلوه".ولقد كان مرقس هذا يصاحب وبولس قي سفرهما للدعاية والوعظ. ولقد افترقا بسبب إرادة برنابا أن يصحبهما ابن أخته في الطواف في المدن التي سبقت إليها الدعاية، ومخالفة بولس لذلك، ولذلك جاء في رسالة الأعمال في إصحاحها الخامس عشر ما نصه: "ثم بعد أيام قال بولس لبرنابا: لنرجع ونعتقد إخواننا في كل مدينة في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب، كيف هم؟ فأشار برنابا أن يأخذ معهما أيضاً يوحنا الذي يدعى مرقس، وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما من بمفيلية، ولم يذهب معهما للعمل لا يأخذانه معهما، فحصل بينهما مشاجرة، حتى فارق أحدهما الآخر، وبرنابا أخذ مرقس وسافر في البحر إلى قبرص، وأما بولس فاختار سيلا، وخرج مستودعاً من الأخوة إلى نعمة الله".ولقد أشرنا إلى الصلة بين برنابا ومرقس صاحب الإنجيل عند الكلام في إنجيل مرقس، ونقلنا من كتب المسيحيين ما يدل على أن مرقس هذا، وهو حجة عندهم باتفاق، كان ينكر أُلوهية المسيح، وهو وأستاذه بطرس، وقد نقلنا عن مروج الأخبار في تراجم الأبرار ما يدل على ذلك.
هل برنابا من الحواريين الاثني عشر:39- هذا هو برنابا. قديس من قديسي المسيحيين باتفاقهم، ورسول من رسلهم، وركن من الأركان التي قامت عليها الدعاية للمسيحية الأولى، وقد وجد إنجيل باسمه يدل على إنه كان من الحواريين الذين أختصهم المسيح بالزلفى إليه، والتقرب منه، وملازمته في سرائه وضرائه، ولكن كتب المسيحيين غير هذا الإنجيل لا نعده من هؤلاء الحواريين وإن كانت تعده من الرسل الذين يبلغون مكانة الحواريين في هذا الدين بعد المسيح، ومهما يكن من شيء في هذا الأمر، وهو كونه من الحواريين أو ليس منهم، فإن برنابا حجة عند المسيحيين، وهو من الملهمين في اعتقاده، فإن صحت نسبة هذا الإنجيل إليه كان ما يشمله حجة عليهم، يدعوهم غلى أن يوازنوا بين ما جاء فيه وما جاء في غيره من كتبهم، ويؤخذ بما هو أقرب إلى التصور والتصديق، وأصح سنداً، وأقرب بالمسيحية الأولى رحماً.فلندرس الآن أقدم نسخة عرفت في العصر الحديث.اتفق المؤرخون على أن أقدم نسخة عثروا عليها لهذا الإنجيل، نسخة مكتوبة باللغة الإيطالية، عثر عليها كريمر أحد مستشاري ملك بروسيا، وذلك في سنة 1709 وقد انتقلت النسخة مع بقية مكتبة ذلك المستشار في سنة 1738 إلى البلاط الملكي بفيينا، وكانت تلك النسخة هي الأصل لكل نسخ هذا الإنجيل في اللغات التي ترجم إليها.ولكن في أوائل القرن الثامن عشر، أي في زمن مقارب لظهور النسخة الإيطالية وجدت نسخة اسبانية ترجمها المستشرق سايل إلى اللغة الإنجليزية، ولكن لم يعلم من تلك النسخة وترجمتها إلا شذرات أشار إليها الدكتور هوايت في إحدى الخطب، وقد قيل إن الذي ترجم النسخة الأسبانية إلى تلك اللغة مسلم نقلها من الإيطالية إلى الأسبانية.ولقد رجح أن النسخة الإيطالية هي الأصل للنسخة الأسبانية، وذلك إنها قد قدمت بمقدمة تذكر أن الذي كشف النقاب عن النسخة الإيطالية التي كانت أصلاً للنسخة الإسبانية راهب لاتيني اسمه فرامينو وإنه قص قصصها، فيقول: "إنه عثر على رسائل لايريانوس وفيها رسالة يندد فيها بما كتبه بولس الرسوا. ويسند تنديده إلى إنجيل برنابا، فدفعه حب الاستطلاع إلى البحث عن إنجيل برنابا. وقد وصل إلى مبتغاة لما صار أحد المقربين إلى البابا سكتس الخامس. فإنه عثر على ذلك الإنجيل في مكتبة هذا البابا، فأخفاه بين أردأنه، وطالعه، فاعتنق الإسلام" ويظهر أن تلك النسخة هي نفس النسخة التي عثر عليها سنة 1709.ويقول في ذلك الدكتور سعادة مترجم الإنجيل إلى العربية: "إذا تحريت التاريخ وجدت أن زمن البابا سكتس المذكور نحو مغيب القرن السادس عشر. وقد علمت مما مر بك بيانه أن نوع الورق الذي سطر فيه إنما هو ورق إيطالي يمكن تعيين أصله من الآثار المائية التي فيه، والتي يمكن اتخاذها دليلاً صادقاً على تاريخ النسخة الإيطالية والتاريخ الذي يحدسه العلماء "من كل ما تقدم بيانه يتراوح بين منتصف القرن الخامس عشر، والسادس عشر، وعليه فمن الممكن أن تكون النسخة الإيطالية هي عينها التي اختلسها فرامينو من مكتبة البابا على ما مرت الإشارة إليه".
الكلام في صحة تسمية هذا الإنجيل:

40

- أقدم نسخة معروفة إذن هي النسخة الإيطالية التي عثر عليها في فجر القرن الثامن عشر، ولكن وجودها يمتد إلى منتصف القرن الخامس عشر أو أول القرنالسادس عشر، وقد وجدت في جو مسيحي خالص، فلا مظنة لأن تكون مدخولة عليهم.فأول من عثر عليها في خزانة كتبه رئيس ديني خطير. وكاشفها راهب، ولما تداولتها الأيدي انتقلت إلى مستشار مسيحي من مستشاري ملك بروسيا، ثم آلت إلى البلاط الملكي بفيينا فلا مظنة لأن تكون مدخولة عليهم، وهي منسوبة لقديس من القديسين هو برنابا ولم يعرف بهذا الاسم سواه، له مثل مكانته الدينية. ولقد كان وجود إنجيل له أمرا معروفاً بين العلماء بهذا الدين. فهذا فرامينو يقول إنه أطلع على رسالة لاربانوس يستنكر ما كتب بولس مستشهداً على استنكاره بإنجيل برنابا.ويذكر التاريخ أن هناك أناجيل كثيرة حرمت قراءتها الكنيسة - كما أشرنا من قبل، ويقول الدكتور سعادة: "يذكر التاريخ أمراً أصدره البابا جلاسيوس الأول الذي جلس على الأريكة البابوية سنة 492 ميلادية يعدد فيه أسماء الكتب المنهي عن مطالعتها، وفي عدادها كتاب يسمى إنجيل برنابا، ويذهب بعض العلماء المدققين إلى أن أمر البابا جلاسيوس المنوه عنه إنما هو برمته تزوير".ولكن التاريخ اصح وأصدق من قول هؤلاء العلماء، وإن كانوا محققين، فأقول العلماء والمؤرخين تترى في تحريم قراءة أناجيل كثيرة. فإذا فعل ذلك البابا جلاسيوس فقد سار على سنة إسلامه، وجرى على سنته من بعده أخلاف، وإذا صح ذلمك الأمر - كما يشهد التاريخ، وكما تنبئ عنه المقدمات والنتائج، فإن إنجيل برنابا كان معروفاً متداولاً قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من قرنين.وزعم الدكتور سعادة بأنه لو كان معروفاً في ذلك الإبان لعرفه النبي - صلى الله عليه وسلم - واحتج به، أو أخذ منه - زعم باطل - لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ولم يقم في البلاد التي سادتها المسيحية آمادا تمكنه من المعرفة والإطلاع، ولأن مضى قرنين من الزمان بعد التحريم يجعل التحريم ينتج أثره، فيخفي ما كان ذائعاً، ويدفن ما كان معلوماً مشهوراً فمائتان من السنين تكفي لطمس الموجود، وتعقبه آثار المفقود.وإن المسيحيين يجدون فيما اشتمل عليه ذلك الإنجيل أخباراً دقيقة عن التوراة حتى لقد يقول الدكتور سعادة: "إنك إذا أعملت النظر في هذا الإنجيل وجدت لكاتبه الماماً عجيباً بأسفار العهد القديم لا تكاد تجد لها مثيلاً بين طوائف النصارى إلا في أفراد قليلين من الأخصائيين الذين جعلوا حياتهم وقفاً على الدين، كالمفسرين، حتى إنه لينذر أن يكون بين هؤلاء أيضاً من له إلمام بالتوراة يقرب من إلمام كاتب إنجيل برنابا".
ترجيح صدق النسبة في هذا الإنجيل:41- هذه بينات شاهدة - وإن لم تبلغ اليقين والجزم - بأن نسبة هذا الإنجيل إلى برنابا نسبة يرجح أن تكون صحيحة، لأنه وجدت نسخته الأولى في جو مسيحي خالص، وكان معروفاً قبل ذلك بقرون أن لبرنابا إنجيلاًَ، وهو يدل على أن كاتبه على المام تام بالتوراة التي لا يعرفها الرجل المسيحي غير الاختصاصي في علوم الدين، بل يندر من يعرفها من المختصين، وإن برنابا كان من الدعاة الأولين الذين عملوا في الدعوة عملاً لا يقل عن عمل بولس، كما تذكر رسالة أعمال الرسل، فلابد أن تكون له رسالة أو إنجيل.هذه بينات تشهد بأن الإنجيل الذي كشف وعرف صحيح النسبة، ليس للمسلمين يد فيه، وإن من ينحله للمسلمين كمن يحمل في يده شيئاً يظن في جملة اتهاماً له. فيسند ملكيته إلى غيره نفياً للتهمة عن نفسه. فهل يقبل منه ذلك النفي من غير حجة ولا دليل سوى أن فيه اتهاماً له؟ وهل يقر القضاء ذلك النفي؟.قد يقول قائل: أن هذه البينات كلها مرجحة وليست يقينية، ونحن نقول أن أكثر مسائل التاريخ ترجيح، وليست يقينية جازمة، فإذا كانت نسبة إنجيل برنابا إليه ظنية تقبل الإحتمال فانا نأخذ بذلك الظن، لأنه المأخذ في أكثر مسائل التاريخ، والاحتمال الذي لا ينشأ عن دليل لا يلتفت إليه، بجوار الاحتمال الناشئ عن دليل، ووجود ذلك الإنجيل بلغة مسيحية وبين ظهراني المسيحيين، وفي مكاتبهم الخاصة دليل على أن المسلمين ليست لهم يد فيه، ولذلك رجح جمهور المحققين إنه بيس لهم يد في إنشائه.ولكن زعم بعضهم أن أصله عربي، وهو زعم ليس له دليل، وعلى مدعى ذلك الأصل أن يبرزه، ويبين تاريخ تدوينه، ومقدار نسبته.ولكن الدكتور سعادة يزعم أن أصله عربي بدليل إنه وجد على النسخة الإيطالية تعليقات عربية، وإنه صرح في التبشير باسم النبي، مع أن المعهود في البشارات الرمز لا النص.ونحن نرد الأول بأن وجود تعليقات عربية يدل فتخذ على أن بعض من قرأ هذه النسخة يعرف العربية على ضعف فيها لأنه مستقيم التعبير أحياناً قليلة، وسقيم العبارة في أحيان كثيرة، ومن الغريب أن يتخذ من التعليقات العربية دلالة على أصله الإسلامي، ولا يتخذ من صلبه الإيطالي دليلاً على أصله المسيحي.أما كون التبشير بالنبي - صلى الله عليه وسلم - صريحاً فيه وليس بتلميح فنحن لا نسلم بأن كل التبشيرات في الكتب الدينية تلميح. نعم بعضها رمز وتلميح، ولكن معنى ذلك نفي الصريح، وعلى فرض أن كل تبشير تلميح لا تصريح، فالنص الإيطالي الذي بين أيدينا ترجمة لا نص، وعسى أن يكون المترجم فهم المعنى، فلم يسعفه في لغته التلميح، فنطق بالتصريح كما يفعل المسيحيون في كثير مما ترجموا من كتب أصلها عبري.ومن المؤكد أن ذلك الإنجيل لم يكن معروفاً عند المسلمين في غابرهم وحاضرهم، لأن المناظرات بينهم وبين المسيحيين كانت قائمة في كل العصور، ولم يعرف أن أحداً أحتج على مناظرة المسيحي بهذا الإنجيل، مع إنه فيه الحجة الدامغة التي تفلح المسلم على المسيحي، فدعوى وجود نسخة عربية كانت هي الأصل للنسخة الإيطالية، فوق إنها لا دليل عليها مطلقاً، ولو بطريق الوهم هي تناقض أخبار التاريخ الإسلامي مناقضة تامة، وإلا أحتج المجادل عن الإسلام بها. ففيها أقوى دليل، والتاريخ لم يحفظ ذلك، وهذى سجلاته ليستنبطوها. وليعرفوا دخائلها، فلن يجدوا شيئاً يمكن دعواهم ويثبت قضيتهم.قيمة إنجيل برنابا من حيث ما أشتمل عليه:42- وإنجيل برنابا هذا يمتاز بقوة التصوير، وسمو التفكير، والحكمة الواسعة، والدقة البارعة، والعبارة المحكمة، والمعنى المنسجم، حتى إنه لو لم يكن كتاب دين لكان في الأدب والحكمة من الدرجة الأولى، لسمو العبارة وبراعة التصوير.ولماذا أنكره المسيحيون مع أن قوة النسبة فيه لا تقل عن قوة النسبة في كتبهم الأربعة كما ذكرنا، إن لم تكن أقوى؟ الجواب عن ذلك أن المسيحيين رفضوه لأنه خالف أناجيلهم ورسائلهم في مسائل جوهرية في العقيدة.ولقد كنا نظن أن ظهور ذلك الإنجيل كان يحمل الكنيسة على التفكير من جديد في مصادر الدين، لتعرف أي الكتب أقرب نسياً بالمسيحية الأولى، أذلك الإنجيل بما خالف، أم الرسائل والأناجيل التي توارثتها؟ ولكنهم سارعوا إلى الرفض والإنكار. كما سبق أسلافهم إلى إنكاره من قبل.
مخالفة إنجيل برنابا لما عليه المسيحيون:والأمور التي خالف ذلك الإنجيل فيها ما عليه المسيحيون الآن تتلخص في أربعة أمور:أولها: إنه لم يعتبر المسيح ابن الله، ولم يعتبره إلهاً، وقد ذكر ذلك في مقدمته فقال: "أيها الأعزاء أن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم، والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر. داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان لذي أمر به الله به دائماً، مجوزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم عنه إلا مع الأسى وهو السبب الذي لأجله اسطر ذلك الحق الذي رأيته".ويقول في آخر الفصل الثالث والتسعين: "أجاب الكاهن أن اليهودية قد اضطربت لآياتك وتعليمك حتى أنهم يجاهرون بأنك أنت الله، فاضطررت بسبب الشعب إلى أن آتي إلى هنا مع الوالي الروماني والملك هيرودس فنرجو من كل قلبنا أن ترضى بإزالة الفتنة التي ثارت بسببك، لأن فريقاً يقول إنك الله. وآخر يقول إنك ابن الله، ويقول فريق إنك نبي. أجاب يسوع: "وأنت يا رئيس الكهنة. لماذا لم تخمد الفتنة، وهل جننت أنت أيضاً، وهل أمست النبوات، وشريعة الله نسياً منسياً، أيتها اليهودية الشقية التي ضللها الشيطان" ولما قال يسوع هذا عاد فقال: "أني أشهد أمام السماء، وأشهد كل ساكن على الأرض إني برئ من كل ما قال الناس عني من أني أعظم من بشر، لأني بشر مولود من امرأة، وعرضه لحكم الله، أعيش كسائر البشر، عرضه للشقاء العام".ويقول في الفصل السبعين: "أجاب يسوع: وما قولكم أنت في؟ أجاب بطرس: إنك المسيح ابن الله. فغضب حينئذ يسوع. وانتهره بغضب قائلاً: أذهب. وانصرف عني. لأنك أنت الشيطان، وتريد أن تسئ إلى".(الأمر الثاني) : أن الذبيح الذي تقدم به إبراهيم الخليل عليه السلام للفداء هو إسماعيل، وليس بإسحق، كما هو مذكور في التوراة، وكما يعتقد المسيحيون. هذا نص ما جاء في إنجيل برنابا على لسان المسيح عليه السلام: "الحق أقول لكم إنكم إذا أمعنتم النظر في كلام الملاك جبريل تعلموا خبث كتبنا وفقهائنا، لأن الملاك قال: "يا إبراهيم. سيعلم العالم كله كيف يحبك الله ولكن كيف يعلم العالم محبتك لله. حقاً يجب عليك أن تفعل شيئاً لأجل محبة الله. أجاب إبراهيم: ها هو ذا عبد الله مستعد أن يفعل كل ما يريد الله، فكلم الله حينئذ إبراهيم قائلاً: "خذ ابنك بكرك واصعد الجبل لتقدمه ذبيحة". فكيف يكون إسحق البكر، وهو لما ولد كان إسماعيل ابن سبع سنين.(الأمر الثالث) : هو كما يقال الدكتور سعادة "بك": أن مسيا أو المسيح المنتظر ليس هو يسوع، بل محمد. وقد ذكر محمداً باللفظ الصريح المتكرر في فصول ضافية الذيول، وقال أنه رسول الله، وإن آدم لما طرد من الجنة رأى سطوراً كتبت فوق بابها بأحرف من نور "لا إله إلا الله محمد رسول الله" ولقد قال المسيح كما جاء في إنجيل برنابا: "أن الآيات التي يفعلها الله على يدي تظهر إني أتكلم بما يريد الله، ولست لحسب نفسي نظير الذي تقولون عنه، لأني لست أهلاً لأن أحل رباطات، أو سيور حذاء رسول الله الذي تسمونه مسياً الذي خلق قبلي. وسيأتي بعدي بكلام الحق. ولا يكون لدينه نهاية" وإنك لتجد في الفصلين الثالث والأربعين والرابع والأربعين كلاماً وافياً في التبشير بمحمد - صلى الله عليه وسلم - لأن التلاميذ طلبوا من المسيح عليه السلام أن يصرح لهم به. فصرح بما يطن حقيقته، ويبين ما له من شأن.(الأمر الرابع) : أن هذا الإنجيل يبين أن المسيح عليه السلام لم يصلب، ولكن شبه لهم. فألقى الله شبهه على يهوذا الأسخريوطي، ويقول في ذلك برنابا: "الحق أقول أن صوت يهوذا، ووجهه، وشخصه بلغت من الشبه بيسوع أن أعتقد تلاميذه والمؤمنون به كافة إنه يسوع، كذلك خرج بعضهم من تعاليم يسوع، معتقدين أن يسوع كان نبياً كاذباً، وإنما الآيات التي فعلها بصناعة السحر، لأن يسوع قال إنه لا يموت إلى وشك انقضاء العالم، لأنه سيؤخذ في ذلك الوقت من العالم".ثم يبين أن يسوع طلب إلى الله أن ينزل إلى الأرض بعد رفعه ليرى أمه وتلاميذه، فنزل ثلاثة أيام.ثم يقول: "ووبخ كثيرين ممن اعتقدوا إنه مات" وقام قائلاً: "أتحسبونني أنا والله كاذبون، لأن الله وهبني أن أعيش، حتى قبيل انقضاء العالم، كما قد قلت لكم، الحق أقول لكم إني لم أمت، بل يهوذا الخائن، احذروا، لأن الشيطان سيحاول جهده أن يخدعكم، ولكن كونوا شهودي في كل إسرائيل، وفي العالم كله، لكل الأشياء التي رأيتموها وسمعتموها".43- هذا هو إنجيل برنابا، وما خالف فيه بقية الأناجيل من مسائل جوهرية، وفي الحق إنه خالف المسيحية القائمة في خصائصها التي امتازت بها فإن تلك المسيحية امتازت بالتثليث، وبنوة المسيح وألوهيته، وكان هذا شعارها الذي بها تعرف، وعلامتها التي بها تتميز، وقد خالف كل هذا، وإذا كانت مخالفته للمسيحية القائمة في ذلك الأمر الجوهري ثابتة - وهو ينسب إلى قديس من قديسيهم - فقد كان من الحق إذن أن يحدث ظهوره وكشفه بين ظهراني المسيحيين في مكاتب من لا يتهمون بالكيد للمسيحية، ومن لا يتهمون بأنهم لا يرجون لها وقاراً - رجة فكرية عنيفة، اهتزت بسببها المشاعر والمنازع، فالكنيسة والمتعصبون من المسيحيين يرفضونه رفضاً باتاً، مادام قد أتى بما لا يعرفونه هم،ولا يعنون أنفسهم بدراسته دراسة علمية، ينتهون فيها إلى نقضه جملة، أو تبوله جملة، أو قبول بعضه، ورفض بعضه الذي يثبت بالدليل أن فيه مخالفة لتعاليم المسيح الصحيحة الثابتة بسند أقوى من سنده، ومتنها أقرب إلى العقل والفكر من متنه.ولكن العلماء الذين دأبهم التنقيب والبحث عكفوا على دراسته، وموازنة نصوصه بالتوراة والأناجيل ورسائل رسلهم، بل القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وانتهت دراسة جلهم بأنه بعيد أ، يكون قد استقى من القرآن الكريم، ومما هو مشهور عند المسلمين.وإن أجل خدمة تسدى إلى الأديان والإنسانية، أن تعني الكنيسة بدراسته، ونقضه، وتأتي لنا بالبينات الدالة على هذا النقض، وتوازن بين ما جاء فيه وما جاء في رسائل بولس، ليعرف القارئ والباحث أيهما أهدى سبيلاً، وأقرب إلى الحق، وأوثق به اتصالاً.






  • السبت AM 07:05
    2016-10-22
  • 4212
Powered by: GateGold