المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413984
يتصفح الموقع حاليا : 271

البحث

البحث

عرض المادة

كشف شبهات الصوفية

أولا: الدعاء والذبح والنذر والاستغاثة بغير الله* النذر نوع من أنواع العبادة التي هي حق لله وحده، لا يجوز صرْفُ شيء منها لغيره، فمن نذر لغيره فقد صرف نوعًا من العبادة ـ التي هي حق الله تعالى ـ لمن نذر له، وصرف نوعٍ من أنواع العبادة نذرًا أو ذبحًا أو غير ذلك لغير الله يعتبر شركًا مع الله غيره داخلًا تحت عموم قول الله - سبحانه وتعالى -: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} (المائدة: 72) وكل من اعتقد من المكلفين المسلمين جواز النذر والذبح للمقبورين؛ فاعتقاده هذا شرك أكبر مخرج عن الملة.* النذر لغير الله شرك، والذبح لغير الله شرك؛ لقول الله سبحانه: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ} (البقرة:270) وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ} (الأنعام: 162، 163) الآية، وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «لعنَ اللهُ مَن ذبحَ لغيرِ اللهِ» (رواه مسلم).والنذر داخل في قوله تعالى: {وَنُسُكِي}.* إن الاستغاثة بالأموات أو الغائبين ودعاءهم من دون الله أو مع الله شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام، سواء كان المستغاث به نبيًا أم غير نبي، قال - سبحانه وتعالى -: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (المؤمنون: 117)، وقوله - عز وجل -: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (فاطر: 13، 14).* أما من استغاث بالله وسأله سبحانه ـ وحده ـ متوسلًا بجاههم أو طاف حول قبورهم دون أن يعتقد فيهم تأثيرًا وإنما رجا أن تكون منزلتهم عند الله سببًا في استجابة الله له فهو مبتدع آثم مرتكب لوسيلة من وسائل الشرك، ويخشى عليه أن يكون ذلك منه ذريعة إلى وقوعه في الشرك الأكبر.* التوحيد هو إفراد الله بالعبادة، وهو دين الرسل الذي أرسلهم الله به إلى عباده. فأولهم نوح - عليه السلام - أرسله الله إلى قومه لما غلوا في الصالحين ودًا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا، وآخر الرسل محمد - صلى الله عليه وآله وسلم -، وهو الذي كسر صور هؤلاء الصالحين، أرسله إلى قوم يتعبدون ويحجون ويتصدقون ويذكرون الله كثيرًا، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله.يقولون: نريد منهم التقرب إلى الله، ونريد شفاعتهم عنده؛ مثل الملائكة، وعيسى، ومريم، وأناس غيرهم من الصالحين.فبعث الله إليهم محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم - عليه السلام -، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق الله لا يصلح منه شيء لغير الله لا لملك مقرب، ولا لنبي مرسل فضلًا عن غيرهما، وإلا فهؤلاء المشركون مقرون يشهدون أن الله هو الخالق وحده لا شريك له وأنه لا يرزق إلا هو، ولا يحيي إلا هو، ولا يميت إلا هو، ولا يدبر الأمر إلا هو، وأن جميع السموات السبع ومن فيهن والأرضين السبع ومن فيها كلهم عبيده وتحت تصرفه وقهره.فإذا أردت الدليل على أن هؤلاء الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يشهدون بهذا فاقرأ قوله تعالى: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} (يونس:31).فإذا تحققْتَ أنهم مُقِرُّون بهذا وأنه لم يُدْخِلهم في التوحيد الذي دعاهم إليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، وعرفت أن التوحيد الذي جحدوه هو توحيد العبادة. ثم منهم من يدعو الملائكة لأجل صلاحهم وقربهم من الله ليشفعوا له، أو يدعوا رجلًا صالحًا مثل اللات: أو نبيًا مثل عيسى وعرفت أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، قاتلهم على هذا الشرك ودعاهم إلى إخلاص العبادة لله وحده كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا} (الجن:18) وقال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} (الرعد:14) وتحققت أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قاتلهم ليكون الدعاء كله لله، والنذر كله لله، والذبح كله لله، والاستغاثة كلها لله، وجميع أنواع العبادات كلها لله، وعرفت أن إقرارهم بتوحيد الربوبية لم يدخلهم في الإسلام، وأن قصدهم الملائكة أو الأنبياء، أو الأولياء، يريدون شفاعتهم، والتقرب إلى الله بذلك هو الذي أحل دماءهم وأموالهم، عرفت حينئذٍ التوحيد الذي دعت إليه الرسل، وأبى عن الإقرار به المشركون، وهذا التوحيد هو معنى قولك: لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي يُقصَد لأجل هذه الأمور، سواء ملكًا، أو نبيًا، أو وليًا، أو شجرةً، أو قبرًا، أو جنيًا، لم يريدوا أن الإله هو الخالق الرازق المدبر، فإنهم يعلمون أن ذلك لله وحده. فأتاهم النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يدعوهم إلى كلمة التوحيد وهي (لا إله إلا الله) والمراد من هذه الكلمة معناها لا مجرد لفظها.
الرد على الشبهات من طريقين: مجمل، ومفصل.أما المجمل فعن عائشة - رضي الله عنهما - قالت: تلا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - هذه الآية: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (آل عمران: 7)، قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فإذا رأيتِ الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى اللهُ فاحذروهم». (رواه البخاري)فحذرنا نبينا - صلى الله عليه وآله وسلم - من الذي يتبع المتشابه من القرآن أو من السنة وصار يُلَبِّس به على باطله فهؤلاء الذين سماهم الله ووصفهم بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}.وكان سبب تحذير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - هو الخشية من أن يضلونا عن سبيل الله باتباع هذا المتشابه، فحذرنا من سلوك طريقهم، وحذرنا منهم.مثال ذلك: إذا قال لك: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس:62) أو استدل بالشفاعة أنها حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله أو ذكر كلامًا للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره، فجاوبه بقولك: إن الله ذكر أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، والله - سبحانه وتعالى - ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية، وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: {هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} (يونس:18) وهذا أمر مُحكَمٌ بَيِّنٌ، لا يقدر أحد أن يغير معناه، وما ذكرتَه لي من القرآن أو كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا أعرف معناه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يخالف كلام الله - عز وجل -.
وأما الجواب المفصل: فإن لهم شبهات كثيرة، منها:الشبهة الأولى: قولهم: نحن لا نشرك بالله، ونشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولكننا مذنبون، والصالحون لهم جاه عند الله، ونطلب من الله بهم.الجواب: اعلم أن الذين قاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - واستباح دماءهم ونساءهم مقرون بذلك، ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئًا، وإنما أرادوا الجاه والشفاعة، ولم يُغْنِهم هذا التوحيد شيئًا.وقد ذكر الله - عز وجل - في محكم كتابه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء:25).وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} (الذاريات:56).وقال تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (آل عمران:18).وقال تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (البقرة:163).وقال تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (العنكبوت:56) إلى غيرها من الآيات الكثيرة الدالة على وجوب توحيد الله - عز وجل - في عبادته، وأن لا يعبد أحد سواه.الشبهة الثانية: قولهم: إن الآيات التي ذكرتها نزلت فيمن يعبد الأصنام، وهؤلاء الأولياء ليسوا بأصنام.الجواب: اعلم أن كل من عبد غير الله فقد جعل معبوده وثنًا فأي فرق بين من عبد الأصنام وعبد الأنبياء والأولياء؟!فالكفار منهم من يدعو الأصنام لطلب الشفاعة، ومنهم من يعبد الأولياء، والدليل على أنهم يدعون الأولياء قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ} (الإسراء: 57) (أي أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم). وكذلك يعبدون الأنبياء كعبادة النصارى المسيح ابن مريم والدليل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (المائدة:116)، وكذلك يعبدون الملائكة كقوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} (سبأ:40).فبهذا تبين تلبيسهم بكون المشركين يعبدون الأصنام وهم يدعون الأولياء والصالحين من وجهين: الوجه الأول: أنه لاصحة لتلبيسهم؛ لأن مِن أولئك المشركين مَن يعبد الأولياء والصالحين.الوجه الثاني: لو قدَّرنا أن أولئك المشركين لا يعبدون إلا الأصنام فلا فرق بينهم وبين المشركين لأن الكل عبَد من لا يغني عنه شيئًا.وبهذا عرفنا أن الله كفَّر مَن قصد الأصنام، وكفر أيضًا من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على هذا الشرك ولم ينفعهم أن كان المعبودون من أولياء الله وأنبيائه.
الشبهة الثالثة: قولهم: الكفار يريدون من الأصنام أن ينفعوهم أو يضروهم، ونحن لا نريد إلا من الله والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ونحن لا نعتقد فيهم ولكن نتقرب بهم إلى الله - عز وجل - ليكونوا شفعاء.الجواب: اعلم أن هذا قول الكفار سواءً بسواء حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} (الزمر:3) وقوله تعالى: {هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} (يونس:18).
الشبهة الرابعة: قولهم: نحن لا نعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة.الجواب: اعلم إن الله فرض عليك إخلاص العبادة له وهو حقه على الناس، حيث قال تعالى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (الأعراف:55).والدعاء عبادة، وإذا كان عبادة فإن دعاء غير الله شركٌ بالله - عز وجل - والذي يستحق أن يُدعى ويُعبد ويُرجى هو الله وحده لا شريك له.فإذا علمنا أن الدعاء عبادة، ودعونا الله ليلًا ونهارًا، خوفًا وطمعًا، ثم دعونا في تلك الحاجة نبينًا - صلى الله عليه وآله وسلم - أو غيره فقد أشركنا في عبادة الله غيره.وقال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر} (الكوثر:2) فإذا أطعنا الله ونحرنا له، فهذه عبادة لله، فإذا نحرنا لمخلوق ـ نبي، أو جني أو غيرهما ـ فقد أشركنا في العبادة غير الله.والمشركون الذين نزل فيهم القرآن، كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات، وما كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وهم مقرون أنهم عبيد لله وتحت قهره، وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة وهذا ظاهر جدًا.
الشبهة الخامسة: قولهم: أنتم تنكرون شفاعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -.الجواب: نحن لا ننكر شفاعة الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا نتبرأ منها، بل هو - صلى الله عليه وآله وسلم -، الشافع المشفع ونرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {قُل للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} (الزمر:44).ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال - عز وجل -: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} (البقرة:255) ولا يشفع إلا من بعد أن يأذن الله فيه كما قال - عز وجل -: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} (الأنبياء:28).والله لا يرضى إلا التوحيد كما قال - عز وجل -: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ} (آل عمران:85).فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد، فاطلب الشفاعة من الله، فقل: اللهم لا تحرمني شفاعة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، اللهم شفِّعْهُ فِيَّ، وأمثال هذا.
الشبهة السادسة: قولهم: إن الله أعطى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الشفاعة، ونحن نطلبه مما أعطاه الله.الجواب: اعلم أن الله أعطى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الشفاعة ونهانا عن هذا فقال: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن:18).واعلم أن الله سبحانه وتعالى أعطى النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الشفاعة ولكنه - صلى الله عليه وآله وسلم - لا يشفع إلا بإذن الله، ولا يشفع إلا لمن ارتضاه الله، ومن كان مشركًا فإن الله لا يرتضيه فلا يأذن أن يشفع له كما قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى} (الأنبياء:28).واعلم أن الله تعالى أعطى الشفاعة غير النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فالملائكة يشفعون، والأفراط (1) يشفعون، والأولياء يشفعون. فهل نطلب الشفاعة من هؤلاء؟فإن كنت تريد من الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الشفاعة فقل: «اللهم شفع فيَّ نبيك محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -».وكيف تريد شفاعة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وأنت تخالف أمره وتدعوه - صلى الله عليه وآله وسلم - مباشرة، ودعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة.
الشبهة السابعة: قولهم: نحن لا نشرك بالله شيئًا ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك. فالشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام.الجواب: اعلم أن عُبَّاد الأصنام لا يعتقدون أنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها، وإن القرآن يكذب من قال أنهم كانوا يعتقدون غير ذلك. وأن عُبَّاد الأصنام هم من قصد خشبة، أو حجرًا، أو بنية على قبر أو غيره، يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى ويدفع الله عنا ببركته أو يعطينا. وأن فعلكم عند الأحجار والأبنية التي على القبور وغيرها هو نفس فعلهم، وبهذا يكون فعلكم هو عبادة الأصنام.وقولكم: الشرك عبادة الأصنام، هل هذا يعني أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟ فهذا يرده ما ذكر الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو الصالحين.
الشبهة الثامنة: قولهم: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحرًا، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟الجواب: اعلم أن العلماء أجمعوا على أن من كفر ببعض ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - وكذَّب به، فهو كمن كذب بالجميع وكفر به، ومن كفر بنبي من الأنبياء فهو كمن كفر بجميع الأنبياء لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ ِوَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} (النساء: 150 - 151) وقوله تعالى في بني إسرائيل: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ} (البقرة:85).فمن أقر بالتوحيد وأنكر وجوب الصلاة فهو كافر، ومن أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة فإنه يكون كافرًا، ومن أقر بوجوب ما سبق وجحد وجوب الصوم فإنه يكون كافرًا، ومن أقر بذلك كله وجحد وجوب الحج فإنه كافر والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ (يعني من كفر بكون الحج واجبًا أوجبه الله على عباده) فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران:97).ومن أقَرَّ بهذا كله، ولكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالإجماع لقول الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} (التغابن:7).فإذا أقررت بهذا فاعلم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من هذا الأمور كفَر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل! فمنكر التوحيد أشد كفرًا وأبين وأظهر.وها هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويؤذِّنون ويصلون وهم إنما رفعوا رجلًا، وهو مسيلمة الكذاب، إلى مرتبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكيف بمن رفع مخلوقًا إلى مرتبة جبار السماوات والأرض، يدعوه ويذبح له ويستغيث به ويعتقد فيه النفع والضر؟ أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوقًا إلى منزلة مخلوق آخر؟!وقد أجمع العلماء على كفر بني عبيد القداح (الفاطميين) الذين الذين ملكوا المغرب ومصر وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعات ويدَّعون أنهم مسلمون، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهم واستنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.وإذا كان الكفار الأولون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر من الشرك والتكذيب والاستكبار فما معنى ذِكر أنواع من الكفر في (باب حكم المرتد)؟ كل نوع منها يُكَفّر حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزاح واللعب، فلولا أن الكفر يحصل بفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيمًا في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة.وقد حكم الله تعالى بكفر المنافقين الذين قالوا كلمة الكفر مع أنهم كانوا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يصلون ويزكون ويحجون ويجاهدون ويوحدون، فقال الله تعالى فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} (التوبة:74).وحكم الله تعالى بكفر المنافقين الذين قالوا كلمةً ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فقال الله تعالى فيهم: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (التوبة: 96).ومن الدليل على أن الإنسان قد يقول أو يفعل ما هو كفر من حيث لا يشعر قول بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم لموسى عليه الصلاة والسلام: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} وقول أصحاب النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -: «اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط» فقال: «الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} (الأعراف: 138) لتركبن سنة من كان قبلكم». (رواه الترمذي وصححه الألباني). وهذا يدل على أن موسى ومحمدًا ـ عليهما الصلاة والسلام ـ قد أنكروا ذلك غاية الإنكار.

  • الجمعة PM 09:40
    2016-03-11
  • 2899
Powered by: GateGold