المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409160
يتصفح الموقع حاليا : 359

البحث

البحث

عرض المادة

قضيّة الصَّلب

ننتقل الآن لمناقشة قضية هامة وخطيرة هي قضية الصلب. . .وأقولها الآن- بأمانة- إن من أكبر معجزات القرآن أنه نفى نفيا قاطعا القول بصلب المسيح. لقد قالها في آية واحدة، هي الآية رقم 157 (1) من سورة النساء. لكن قضايا أخرى مثل القول بأن الله هو المسيح أو أن المسيح ابن الله، ذكرها القرآن في مواضع كثيرة وتكفل بالرد عليها باعتبارها كفرا صريحا. ولقد استغرق الحديث عن قضية التوحيد وما يرتبط بها نحو ثلث الكتاب الكريم. ومن المعلوم أن سورة الإخلاص التي تقول: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} {اللَّهُ الصَّمَدُ} {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} . - تعدل ثلث القرآن.ويحق لنا أن نقول: لو أن القرآن كان من عند غير الله وأن بشرا من الأرض قد افتراه كذبا على الله وادعى أنه أوحي إليه، أما كان الأولى به والأيسر لرواج دعوته أن يقول بصلب المسيح، باعتبار ذلك شائعا ومعروفا بين الناس. وفي تلك الحال فإنه يستميل النصارى إليه ويقلل من المشاكل والعقبات التي تعترض قبولهم الإسلام.إن الشواهد القريبة تبين أن تحول المسيحي من طائفة مسيحية إلى أخرى يمكن أن يحدث دون ضجة، وذلك لاشتراك تلك الطوائف في أصول عقائدية كثيرة. لقد بينت الشواهد البعيدة- في الزمن- أن تحول أصحاب العقائد التي شاعت في العالم الروماني الوثني إلى المسيحية كان يرجع بالدرجة الأولى إلى التشابه الكبير بين أصول تلك العقائد والعقيدة المسيحية التي شاركتها فكرة الإله المتجسد وأفكارا وطقوسا أخرى سوف نتحدث عنها بشيء من التفصيل فيما بعد.أما تحول المسيحي إلى الإسلام فإنه يعتبر انقلابا في حياته ومعتقداته لأنه غير مفاهيم وعقائد كثيرة ترسبت في عقله ووجدانه.لكن القرآن- كتاب الإسلام- لم يجار النصارى على معتقداتهم وما تعارفوا عليه، لكنه حدد المواقف تحديدا واضحا فجعل القول بأن " الله هو المسيح " أو أن " المسيح ابن الله " كفرا لا يقبل المغفرة. حتى إذا جاء الحديث عن قتل المسيح - وكم قتل اليهود من أنبياء قبله- نجد القرآن ينفي قتل المسيح وينفي صلبه نفيا قاطعا لا لشيء إلا لأن ذلك ما حدث فعلًا. فالقرآن لا يقول إلا الحق بصرف النظر عما إذا كان ذلك الحق يتفق وما شاع بين الناس وصار من المسلمات بينهم أم أنه جاء مخالفا لما توارثوه عبر قرون عديدة.وبما أن الصلب قضية، وما نناقشه هنا عبارة عن مجموعة من القضايا، فالأولى بنا أن نذكر بقاعدة بسيطة متفق عليها تحكم أحكام الناس في مختلف القضايا على مختلف المستويات- وهذه القاعدة تقول: كل ما تسرب إليه الاحتمال سقط به الاستدلال.فحين تختلف شهادة شاهدين أمام قاض في محكمة، فإن ما تفرضه عدالة المحكمة هو عدم الاعتداد بأي من الشهادتين إلى أن يأتي شاهد ثالث يؤيد شهادة أحد الشاهدين، وإلا امتنع صدور حكم عادل.والآن نذهب لمناقشة قضية الصلب كما تعرضها الأناجيل، وهي التي تبدأ بمجموعة من الأحداث الخاصة بمحاولة قتل المسيح إلى أن تنتهي بتعليق شخص يصرخ يائسا على الصليب، وما أعقب ذلك من تكفينه ودفنه.1- مسح جسد المسيح بالطيب:لقد اختلفت الأناجيل في هذه الحادثة البسيطة التي تعتبر مقدمة لأحداث الصلب. يقول إنجيل مرقس " كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه. . وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن فكسرت القارورة وسكبته على رأسه.وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا. لأنه كان يمكن أن يباع هذا بأكثر من ثلاثمائة دينار ويعطى للفقراء وكانوا يؤنبونها (14: 1-005) .وقد ذكر متى هذه الحادثة في (26: 6-9) ، ولوقا في (7: 36- 39) ، ويوحنا في (12: 1-6) مع اختلافات بينهم في توقيتاتها وعناصرها الرئيسية.يقول نينهام في هذه القصة: " نجد القديس يوحنا يذكرها مبكرا عما أورده القديس مرقس ببضعة أيام، وكذلك يضعها القديس لوقا في موقع مختلف تماما من سيرة يسوع. . فبينما نجدها في إنجيل مرقس قد حدثت في منزل سمعان الأبرص من قرية بيت عنيا. . نجدها في إنجيل يوحنا قد حدثت في بيت مريم ومرثا ولعازر " (1)ويمكن تلخيص اختلاف الأناجيل في هذه القصة كالآتي:مكان الحادث:في بيت سمعان الأبرص (مرقس ومتى) - (في بيت فريسي (لوقا) - في بيت الإخوة لعازر ومريم ومرثا (يوحنا) .شخصية المرأة:مجهولة (مرقس ومتى) - خاطئة (لوقا) - امرأة صديقة هي مريم أخت لعازر (يوحنا) .ماذا فعلت:دهنت رأس يسوع بالطيب (مرقس ومتى) - دهنت رجليه بالطيب (لوقا ويوحنا) .رد الفعل عند المشاهدين:اغتاظ قوم لإسرافها (مرقس) - اغتاظ التلاميذ (متى) - كان تساؤل الفريسي مع نفسه حول معرفة يسوع لشخصية المرأة (لوقا) - اغتاظ يهوذا الإسخريوطي لإسرافها (يوحنا) .
2- التحضير للعشاء الأخير:يقول مرقس: " وفي اليوم الأول من الفطير حين كانوا يذبحون الفصح قال له تلاميذه أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح.فأرسل اثنين من تلاميذه وقال لهما اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء اتبعاه. وحيثما يدخل فقولا لرب البيت إن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي فهو يريكما علية كبيرة مفروشة معدة. هناك أعدا لنا. فخرج تلميذاه وأتيا إلى المدينة ووجدا كما قال لهما. فأعدا الفصح. ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر " (14: 12-17) .ويقول نينهام: (إن أغلب المفسرين يعتقدون أن هذه الفقرة بأعدادها من رقم (12 إلى 16) إنما كانت في الواقع إضافة أدخلت فيما بعد إلى الرواية التي يتبعها القديس مرقس في هذا الجزء من إنجيله. ومن بين الأسباب لذلك الاعتقاد ما يأتي:1- وصف اليوم الذي قيل: إن القصة حدثت فيه بأسلوب لا يستخدمه اليهودي العادي الذي كان معاصرا لها.2- وصف أتباع يسوع في كل فقرة من هذا الإصحاح (الرابع عشر) بأنهم تلاميذه بينما أشير إليهم بإصرار في هذه الفقرة بأنهم الاثنا عشر.3- أن كاتب العدد 17 (الذي يقول: " ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر) لا يعلم شيئا عن رحلة التلميذين التي ذكرت في العدد 13، فلو كان كاتب العدد 17 يعلم محتويات تلك الفقرة لكان عليه أن يتحدث عن: (العشرة وليس الاثني عشر، أي أن العدد 17 كان يجب أن يقرأ هكذا: ولما كان المساء جاء مع العشرة) . . " (1) .ويختلف متى مع مرقس في قصة الإعداد للعشاء، إذ أنه يجعل التلاميذ جميعا- كما يقول جون فنتون في ص 414 من تفسيره- يشتركون في هذا الإعداد، فهو يقول: " قال يسوع لتلاميذه اذهبوا إلى المدينة إلى فلان وقولوا له. المعلم يقول إن وقتي قريب. عندك أصنع الفصح مع تلاميذي. ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح " (26: 18- 19) .
3- توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب:يقول جون فنتون: " يتفق متى مع مرقس (وكذلك لوقا 22: 8) في أن العشاء الأخير كان هو الفصح. وعلى العكس من ذلك نجد الإنجيل الرابع يجعل الفصح يؤكل في المساء بعد موت يسوع " ويرى أغلب العلماء أن توقيت كل من متى ومرقس (ولوقا) ، صحيح وأن يوحنا قد غير ذلك لأسباب عقائدية " (1) .ذلك أن يوحنا يقرر أن العشاء الأخير الذي حضره يسوع مع تلاميذه كان قبل الفصح؛ فهو يقول: " أما يسوع قبل عيد الفصح. . فحين كان العشاء. . قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها، ثم صب ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ " (13: 1- 5) .وكذلك يقرر يوحنا أنهم قبضوا على يسوع في مساء اليوم السابق لأكل الفصح، وذلك في قوله: " ثم جاءوا بيسوع من عند قيافا إلى دار الولاية، وكان صبح، ولم يدخلوا هم إلى دار الولاية لكي لا يتنجسوا فيأكلون الفصح " (18: 28) .إن اختلاف الأناجيل في العشاء الأخير وتوقيته ترتب عليه اختلافهم في نقطة جوهرية تعتبر واحدة من أهم عناصر قضية الصلب، ألا وهي تحديد يوم الصلب.فإذا أخذنا برواية مرقس ومتى ولوقا لكان يسوع قد أكل الفصح مع تلاميذه مساء الخميس، ثم كان القبض بعد ذلك بقليل في مساء الخميس ذاته، ولذلك يكون الصلب قد حدث يوم الجمعة.أما الأخذ برواية يوحنا فإنه يعني أن القبض كان مساء الأربعاء، وأن الصلب حدث يوم الخميس.هل حدث الصلب يوم الخميس أم يوم الجمعة؟ !!4- العشاء الأخير والتلميذ الخائن:يقول مرقس: " ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر، وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع الحق أقول لكم إن واحدا منكم يسلمني الأكل معي فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحدا فواحدا، هل أنا؟ وآخر، هل أنا؟ فأجاب وقال لهم. هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة. إن ابن الإنسان ماض كما هو مكتوب عنه. ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يسلم ابن الإنسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد " (14: 17- 21) .ولقد أدخل متى بعض التغييرات على رواية مرقس.ويقول لوقا: " فدخل الشيطان في يهوذا الذي يدعى الإسخريوطي وهو من جملة الاثني عثر. فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم. . وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلوا من جمع.ولما كانت الساعة اتكأوا الاثني عشر رسولا معه. . وقال لهم شهوة اشتهيت أن آكل الفصح معكم. . ولكن هو ذا يد الذي يسلمني هي معي على المائدة. . فابتدأوا يتساءلون فيما بينهم من ترى منهم هو المزمع أن يفعل هذا " (22: 22-23) .أما رواية يوحنا ففيها اختلاف يسهل ملاحظته- عما روته الأناجيل الثلاثة الأخر، فهو يقول: " لما قال يسوع: هذا اضطرب بالروح وشهد وقال الحق الحق أقول لكم إن واحدا منكم سيسلمني. فكان التلاميذ ينظرون بعضهم إلى بعض وهم محتارون من قال عنه. . أجاب يسوع هو ذاك الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه. . فغمس اللقمة وأعطاها ليهوذا سمعان الإسخريوطي. فبعد اللقمة دخله الشيطان.فقال له يسوع: ما أنت تعمله فاعمله بأكثر سرعة.فذاك لما أخذ اللقمة خرج للوقت وكان ليلا " (13: 21-30) .وبصرف النظر عن اختلاف الأناجيل في إجابة المسيح لتلاميذه عمن يكون الخائن، إذ قال إنجيل لوقا: " الذي يغمس في الصحفة " بينما قال إنجيل يوحنا: " الذي أغمس أنا اللقمة وأعطيه " - لكن النقطة الهامة التي تتعلق بخيانة يهوذا هي اختلاف الأناجيل في حادثة دخول الشيطان فيه. فها هو يقرر أن الشيطان دخل يهوذا قبل العشاء الأخير بيوم على الأقل (لوقا 22: 3-7) ، بينما يقرر يوحنا أن الشيطان دخل يهوذا بعد أن أعطاه يسوع اللقمة (يوحنا 13: 27) أثناء العشاء الأخير.هذا- ونكتفي بهذا القدر الذي عرضنا فيه بعض عناصر قضية الصلب وهي: مسح جسد المسح بالطيب- ثم التحضير للعشاء الأخير- ثم توقيت العشاء الأخير وأثره على قضية الصلب- وأخيرا ما قيل عن العشاء الأخير والتلميذ الخائن.

  • الاربعاء AM 08:05
    2016-01-13
  • 2705
Powered by: GateGold