المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414939
يتصفح الموقع حاليا : 258

البحث

البحث

عرض المادة

عبارات يهــودية

الاســتقلال اليهــودي
Jewish Independence
«الاستقلال اليهودي» عبارة تفترض أن لليهود شخصيتهم اليهودية المستقلة وتاريخهم اليهودي المستقل عن تواريخ الأغيار. وتشير الأدبيات الصهيونية إلى مؤسسات الإدارة الذاتية، مثل القهال ومجلس البلاد الأربعة، باعتبارها مؤسسات الحكم الذاتي، كما تشير إلى اللهجات التي يتحدث بها أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارها لغات اليهود. وتستند كل من العقيدة الصهيونية ونزعة معاداة اليهود إلى المفهوم الواحد نفسه، فيتحدث أعداء اليهود عن حب اليهود للعزلة ورفضهم الاندماج وتفضيلهم الجيتو على الحياة مع الأغيار، بل ويتحدثون عن سمات جوهرية داخل الطبيعة البشرية اليهودية تجعلهم مستقلين عن باقي البشر ومختلفين عنهم. ومن المفارقات أن القبَّالاه اللوريانية تذهب إلى درجة من التطرف حيث تطرح تصوراً لليهود باعتبارهم قد خُلقوا من عجينة مغايرة لتلك التي خُلق منها الأغيار، وهذا يتناقض مع قصة الخلق في العهد القديم.

وغني عن القول أنه لا يوجد استقلال يهودي، إذ تدل القرائن التاريخية على أن أعضاء الجماعات اليهودية اندمجوا وانصهروا في مجتمعاتهم، وأن ما يتمتع به أعضاء الجماعات اليهودية من استقلال أو انفصال نسبي عن مجتمع الأغلبية لا يختلف بأية حال عما يتمتع به أعضاء أية أقلية دينية أو إثنية في أي مجتــمع، وخصــوصاً في المجتمعات التقليــدية. ويعود شيــوع مفهــوم مثل مفهــوم اســتقلال اليهــود إلى اضطــلاع أعضــاء الجماعات اليهودية في كثير من المجتمعات، خصوصاً في العالم الغربي، بوظيفة الجماعة الوظيفــية التـي يعيــش أعضـاؤها في عزلــة عن بقــية أعضاء المجتمع.

ونحن نرى أن استخدام مصطلح كمصطلح «اليهود» يؤكد مثل هذا الاستقلال، وقد يشي بدرجة من الوحدة والتجانس لم يتمتع بهما اليهود قط. ولذا، فإننا نؤثر استخدام مصطلح مثل «الجماعات اليهودية» لأنه يؤكد التنوع وعدم التجانس والانفصال ولا ينفي في الوقت نفسه ذلك القدر من الوحدة والتجانس.

الوعــــي اليهــــودي
Jewish Consciousness
«الوعي اليهودي» عبارة تفترض أن ثمة هوية يهودية محدَّدة وشخصية يهودية لها خصوصية يهودية وتاريخاً وتراثاً مستقلين عن تاريخ وتراث الشعوب، بل و تفترض أن ثمة جوهراً يهودياً وطبيعة يهودية. ويرى المعادون لأعضاء الجماعات اليهودية أن اليهود يتمتعون بوعي عميق لخصائصهم اليهودية هذه، وأن هذا الوعي يتبدى في دفاعهم عن مصالحهم اليهودية، وفي انعزالهم داخل الجيتو، وفي نهاية الأمر في المؤامرة اليهودية الكبرى (وهي المؤامرة التي يقول البعض إن اليهود يحيكونها ضد الأغيار في كل زمان ومكان). ومثل هذه النظرة تتجاهل عدم تجانس الجماعات اليهودية، وخاصيتها الأساسية كتركيبة جيولوجية، وانفصالها الواحدة عن الأخرى عبر التاريخ. كما تتجاهل الصراعات الحادة التي نشبت بين هذه الجماعات، لا بسبب اختلاف المصالح وحسب وإنما بسبب اختلاف الهوية والرؤية. وفي الحقيقة، فإن الصراع بين السفارد والإشكناز، ذلك الصراع الممتد منذ القرن السابع عشر حتى الوقت الحاضر، هو تعبير عن هذا الاختلاف الذي يجعل من مقولة الوعي اليهودي الواحد أمراً محالاً.

لكن الصهيونية تؤمن بأن اليهود شعب واحد، ومن ثم فلابد أن يُقوَّى الوعي اليهودي للمحافظة على وحدة هذا الشعب وعلى هويته. ومن المفارقات أنه، بعد إنشاء الدولة الصهيونية، اتضح تهافت ما يُسمَّى «الهوية اليهودية» وانقسامها إلى عشرات الهويات، كما اتضح أن أبناء المستوطنين الصهاينة من جيل الصابرا لهم هوية جديدة مختلفة عن هوية أعضاء الجماعات الموجودين في العالم، بل ويُكِّن الكثير منهم الاحتقار ليهود المنفى، أي معظم يهود العالم. ومن ثم، فقد أُدخلت مادة الوعي اليهودي في مقررات الدراسة في المدارس الإسرائيلية.

ويؤكد المقرر الجوانب الإيجابية لوجود اليهود على هيئة جماعات منتشرة في العالم، ويمجِّد إنجازاتهم الحضارية، وهو ما يعطي صورة إيجابية لحياتهم في المنفى، أي في أنحاء العالم خارج فلسطين. ولكن هذا التمجيد يتنافى مع العقيدة الصهيونية التي تصدر عن الإيمان بأن حياة اليهود خارج فلسطين إن هي إلا انحراف عما يُسمَّى «التاريخ اليهودي». ومن ثم، فإن مثل هذه الرؤية لا تزيد ألبتة من الوعي اليهودي الأحادي. ولكن، إن تم التركيز على الجوانب السلبية وحدها، وُصوِّر تاريخ الجماعات على أنه تاريخ هجمات ومذابح، كما تفعل بعض كتب التاريخ الصهيونية (وهو ما سميناه «التأريخ من خلال الكوارث»)، فإن هذا سيقلل من احترام الأجيال الصاعدة ليهود العالم، وبالتالي سيقوض دعائم الوعي اليهودي. ولذا، فإن هناك اتجاهاً الآن للتأكيـد على عنصر المقاومة بين يهـود المنفى. واليهود، حسـب هذه الرؤية، كانوا دائماً معرضين للاندماج، ولكنهم تصدوا له فأبدعوا وأبقوا على جوهرهم اليهودي. وعندما تعرضوا للمذابح، ثاروا ضد من قاموا بذبحهم، ومن هنا التأكيد على أهمية التمرد الحشموني والأحداث المماثلة في التاريخ اليهودي مثل: التمرد اليهودي الأول، والتمرد اليهودي الثاني ضد الرومان، وتمرد جيتو وارسو. بل ويصبح تاريخ الصهيونية هو تاريخ هذا الوعي اليهودي وتاريخ تلك المقاومة المستمرة. ويشكو اليهود السفارد والشرقيون من أن مادة الوعي اليهودي تركز على إسهامات اليهود الإشكناز وحدهم ولا تؤكد على إسهاماتهم الحضارية.

عـدم الانتماء اليهـودي
Jewish Rootlessness
«عدم الانتماء اليهودي» عبارة تفترض وجود انتماء يهودي مستقل للجماعة اليهودية يتبدَّى في شكل ولاء كامل للشعب اليهودي وعدم انتماء للشعوب أو الأوطان الأخرى. ونحن نرى أنه إن كان ثمة انتماء يهودي فهو انتماء إلى العقيدة أو العقائد اليهودية، إذ لا يوجد تراث أو ماضٍ يهودي مشترك، فماضي أو تاريخ كل جماعة يهودية هو ماض أو تاريخ المجتمع الذي توجد فيه.

ومن الإشكاليات الأساسية التي تُثار في الأدبيات الغربية (اليهودية وغير اليهودية) إشكالية الانتماء اليهودي. وقد طُرح السؤال منذ البداية كما يلي: هل ينتمي اليهودي إلى الجنس البشري ككل أم إلى الشعب اليهودي المختار أو (المقدَّس)؟ وهل الخالق هو إله اليهود وحدهم (كما يتصور بعض اليهود) أم إله العالمين؟ والإجابة القاطعة عن هذا السؤال داخل النسق الديني اليهودي غير ممكنة؛ فهناك من القرائن ما يؤيد النزعة العالمية والانتماء إلى الجنس البشري، وهناك من القرائن ما يساند الرأي المناقض. ففي تراث القبَّالاه، أصبح التمييز بين الشعب اليهودي والأغيار حاداً إلى أقصى درجة، حتى أن القبَّاليين ذهبوا إلى أن اليهود قد خُلقوا من طينة مختلفة عن تلك التي خُلق منها بقية البشر وإلى أن الأغيار خُلقوا على شكل الإنسان حتى يمكنهم القيام بخدمة اليهود. وفي فكر الاستنارة، وفي اليهودية الإصلاحية، بل وفي التلمود ذاته، ما يناقض هذا الموقف، وذلك بالتأكيد على الانتماء الإنساني العالمي لليهود.

ولكن الانتماء اليهودي قضية ترتبط بالدور الذي لعبته الجماعات اليهودية في كثير من المجتمعات، خصوصاً المجتمعات الغربية، كجماعة وظيفية وسيطة. بيد أن أية جماعة وظيفية وسيطة داخل أي مجتمع لا تنتمي إليه، وإنما تنتمي عـاطفياً إلى الوطـن الأصلي (الوهمي أو الفعلـي)، كما تنتمي فعلياً إلى الطبقة الحاكمة فهي أداتها وسوط العذاب في يدها. وقد نَجَم عن ذلك الوضع ابتعاد الجماعة اليهودية عن الجماهير الشعبية وهامشيتها بالنسبة إلى الحركات الجماهيرية الكبرى. ويرى ماكس فيبر، على سبيل المثال، أن الرأسمالية اليهودية رأسمالية منبوذة لم تساهم في نمو الرأسمالية الرشيدة، كما أن الفكر الاشتراكي الغربي كان يرى أن انتماء اليهودي هو انتماء إلى رأسماله وحسب. وقد عبَّرنا عن هذه الإشكالية بمصطلح «الشعب العضوي المنبوذ».

والواقع أن قضية الانتماء طُرحت بحدة مع ظهور الدولة القومية المركزية التي حاولت توحيد السوق وتوحيد الأمة حسب نموذج ثقافي أحادي موحَّد يستبعد الجيوب القومية الإثنية الأخرى، ويتطلب انتماءً كاملاً من المواطن. وقد نجح كثير من أعضاء الجماعات اليهودية في تحديد انتمائهم القومي بالاندماج في محيطهم الثقافي. ويرى الدارسون أن تَصاعُد معدلات العلمنة في العالم الغربي سيؤدي إلى ضعف الانتماء الديني للجماعات اليهودية، وهو أمر تساهم الصهيونية في خلقه طارحةً نفسها كعقيدة علمانية تحل محل العقيدة الدينية.
وقد أكد الصهاينة والنازيون عدم انتماء أعضاء الجماعات اليهودية إلى التشكيلات الحضارية أو القومية التي يتواجدون فيها مفترضين أن ثمة انتماءً يهودياً خالصاً. وأكد البرنامج السياسي الصهيوني وجود مثل هذا الانتماء. ولكن السلوك الفعلي ليهود أمريكـا، على سـبـيل المثال، يبين أنهـم ينتمون إلى وطـنهم الأمريكـي، ومن ثم لا يهـاجر منهم إلى إسـرائيل إلا نسـبة ضئيلة جداً. وكذلك، فإن انتماء يهود الاتحاد السوفيتي (سابقاً) كان انتماءً إلى مصالحهم الاقتصادية أو السياسية. ولذلك، فإنهم يحاولون الهجرة إلى الولايات المتحدة ولا يتوجهون إلى إسرائيل إلا عند الاضطرار. كما أن تَفجُّر قضية الهوية داخل إسرائيل يبين أن لليهود انتماءات مختلفة وليس انتماءً يهودياً واحداً. وترتبط قضية ازدواج الولاء بقضية الانتماء اليهودي، إذ أن من يؤمن بأن اليهود لا انتماء لهم لابد أن ينظر إلى اليهود بعين الشك ويرى أن ولاءهم لأوطانهم أمر مستحيل، أو يرى على الأقل حتمية ازدواج هذا الولاء، باعتبار أن ولاءهم اليهودي شيء راسخ متأصل.

ويحاول الصهاينة في الوقت الحاضر أن يُعرِّفوا انتماء اليهود تعريفاً جديداً يتفق مع واقعهم كجماعات تعيش خارج فلسطين وترفض الهجرة. ومن ثم، أصبح الانتماء السياسي والاقتصادي لليهودي إلى وطنه الفعلي، أما انتماؤه الديني والثقافي فلوطنه المثالي أو الوهمي، أي الدولة الصهيونية. وبهذا، لا تصبح الترجمة العملية للبرنامج الصهيوني الهجرة إلى فلسطين المحتلة وإنما تعميق الأبعاد اليهودية الإثنية للهوية، وهو ما يُسمَّى «صهيونية الدياسبورا» أو «الصهيونية الإثنية».

الـولاء اليهـودي المـزدوج
Jewish Double Loyality
«الولاء اليهودي المزدوج» مصطلح يستخدمه المعادون لليهود والصهاينة الذين ينطلقون من الإيمان بأن اليهود لا يدينون بالولاء إلا لوطنهم القومي ومصالحهم اليهودية، لأنهم لا جذور لهم في مجتمعاتهم ولا ينتمون إليها انتماءً حقيقياً، فاليهود شعب عضوي مرتبط بأرضه. لذلك فهم دائماً موزعو الولاء، يمارسون إحساساً عميقاً بازدواج الولاء.

وقد أكد الزعماء والمفكرون النازيون أثناء محاكمات نورمبرج، الواحد تلو الآخر، أنهم تَعرَّفوا إلى اليهود واليهودية والمسألة اليهودية من خلال الكتابات الصهيونية التي تتحدث عن عدم انتماء اليهود إلى أوطانهم الواقعية وعدم ولائهم لها. وتنطلق التشريعات النازية من هذا الفهم، ومن تَصوُّر أن اليهود لا ينتمون إلى الوطن القومي الألماني، إذ أن لكل شعب عضوي وطنه! وفي الوقت الحاضر، يشير أعداء اليهود إلى قرائن عدة تدل على عدم انتماء اليهود مثل كمية الأموال التي تُرسل إلى إسرائيل من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم وتحديد هذه الجماعات اليهودية لمواقفها السياسية بطريقة تتفق ومصالح إسرائيل، ووقوف كثير من المفكرين اليهود الليبراليين والثوريين ضد حرب فرنسا في الجزائر وحرب الولايات المتحدة في فيتنام في الوقت الذي يؤيدون فيه إسرائيل في حروبها العدوانية ضد العرب.

ولا يمكن الحديث عن ولاء يهودي محدد ومطلق، فولاء أعضاء الجماعات اليهودية يتحدد بحسـب مركب تاريخي طبقي إنسـاني أخلاقي، كما لا يمكن تحديد كيفية تصرف أعضاء الجماعات اليهودية مسبقاً، وكأنهم كائنات بسيطة تعيش بمعزل عن التاريخ الإنساني. وتدل تواريخ أعضاء الجماعات اليهودية على أن ازدواج الولاء ليس سمة أساسية أو لصيقة بهم،وعلى أنهم في كثير من الأحيان أخلصوا لأوطانهم (التي يعيشون في كنفها) وانتموا إليها انتماءً كاملاً واندمجوا فيها، وتمثلوا قيمها واستبطنوها تماماً. ومنذ أيام التهجير البابلي،حيث ظهرت أول جماعة يهودية خارج فلسطين، طوَّرت الشريعة اليهودية مفهوم «شريعة الدولة هي الشريعة»، الأمر الذي يحدد ولاء أعضاء الجماعة بشكل صارم باعتبارهم جماعة بشرية لا تدين بالولاء إلا لقوانين الدولة التي يعيشون في كنفها. وقد التزم معظم أعضاء الجماعات اليهودية بهذا المفهوم عبر التاريخ الإنساني، شأنهم في هذا شأن كثير من البشر من أعضاء الأقليات والأغلبية. وعلى كل حال، لم يكن هناك احتمال لازدواج الولاء لعدم وجود حكومة أو دولة يهودية يدين لها اليهودي بالولاء. وبتحول أعضاء الجماعات اليهودية إلى جماعة وظيفية وسيطة داخل التشكيل الحضاري الغربي، منذ العصور الوسطى وحتى الثورة الفرنسية، توجه ولاء اليهودي إلى جماعته أساساً، ثم إلى الطبقة الحاكمة التي تحمي هذه الجماعة وتضمن بقاءها. وهذه سمة أساسية تسم مثل هذه الجماعات وليست مقصورة على الجماعات الوظيفية اليهودية، فنجد أن الصينيين في الفلبين، والعرب في بعض البلاد الأفريقية وإندونيسيا، يندرجون تحت هذا النمط. وعلى كلٍّ، لم تكن مفاهيم الوطن (والولاء القومي له) واضحة أو متبلورة حتى نهايات القرن الثامن عشر وظهور الفكر القومي.

وقد طُرحت قضية الولاء في عصر التنوير في أوربا، حينما وُصف اليهود بأنهم « دولة داخل دولة » بسبب خصوصيتهم وانعزاليتهم الحقيقية أو الوهمية، وقد طُلب إلى أعضاء الجماعات اليهودية، وكذلك إلى الأقليات الإثنية والدينية كافة، أن يدينوا بالولاء للدولة القومية وحدها وأن يرفضوا أية ولاءات أخرى. وبالفعل، كان اليهود من أكثر العناصر ترحيباً بهذه الدعوة، فاندمجوا في مجتمعاتهم بنسبة عالية كلما سنحت لهم الفرصة. ولم يُعرْقل هذه العملية سوى تَعثُّر التحديث سواء في روسيا أو في ألمانيا، وهي المجتمعات التي طرحت تصوراً عضوياً لفكرة الولاء.

وفي العصر الحديث، يشعر يهود الولايات المتحدة بالولاء العميق لبلدهم أمريكا، فهم ينتمون إليه انتماءً كاملاً ويحاربون ويموتون دفاعاً عنه، ومصيرهم مرتبط بمصيره. وحينما يشكك الدعاة الصهاينة في هذا الولاء، فإن أعضاء الجماعات اليهودية يثورون. ويتضح ولاؤهم أيضاً في رفضهم الهجرة إلى إسرائيل وفي اندماجهم في مجتمعاتهم. أما يهود جنوب أفريقيا، فهم لا يشعرون بالولاء تجاه وطنهم لأن وضعهم في بلادهم مقلقل، وبالتالي فقد يكون ولاؤهم غير راسخ، ولذا فهم يفكرون في الهجرة منها. ولكن عدم ولائهم لا ينبع من مصالحهم اليهودية أو من جوهرهم أو طبيعتهم أو شخصيتهم، وإنما ينبع من أن المستوطن الأبيض في جنوب أفريقيا قد بدأ يتعرض لضغوط حقيقية من السكان الأصليين تهدد وجوده. وحينما يهاجر اليهود الروس من روسيا، فهم لا يفعلون ذلك من باب الولاء اليهودي، وإنما من باب الولاء الدنيوي للمستوى المعيشي المرتفع، ومن ثم يتجهون إلى الولايات المتحدة بدلاً من إسرائيل. وقد اتخذت الولايات المتحدة من التشريعات ما يكفل إغلاق باب الهجرة لتحويلهم عنوة إلى الدولة الصهيونية. وفي هذا، لا يختلف المهاجرون اليهود المرتزقة من روسيا أو أوكرانيا كثيراً عن معظم أعضاء المجتمعات العلمانية في الغرب. فماركس يتحدث عن ولاء الرأسمالي، وهو ولاء يتجاوز الولاء القومي، كما يتحدث بنتام (فيلسوف النفعية) عن المنفعة الشخصية، وهي منفعة تتجاوز الصالح القومي.

ويَصدُر الصهاينة عن فكرة ازدواج الولاء، شأنهم في هذا شأن النازيين والمعادين لليهود، وينطلق برنامجهم السياسي منها. فيتحدث المفكرون الصهاينة، كلاتزكين وجولدمان وبن جوريون، عما يسمُّونه «الولاء القومي اليهودي». وبالتالي، فإن اليهودي الذي يعيش في بلد غير الدولة اليهودية لن يشعر تجاهه بأي ولاء، أو سيكون ولاؤه له ضعيفاً إذ سيكون موزعاً بين وطنه الفعلي الذي يقيم فيه ووطنه القومي الصهيوني، وهو ما يُطلق عليه «ازدواج الولاء». وقد كان هرتزل يتفاوض مع السلطات الإمبريالية المختلفة في إطار تصور أنه قادر، حسب قوله، على تحويل كل يهود العالم إلى عملاء يدينون بالولاء لا لأوطانهم وإنما لأية دولة تساند الفكرة الصهيونية. والعميل إما شخص عديم الولاء أو شخص ذو ولاء مزدوج.

وتنطلق الدولة الصهيونية من الإيمان بازدواج الولاء لدى أعضاء الجماعات اليهودية في العالم. ولذلك، فهي تحاول دائماً تجنيدهم لخدمة مصالحها ومآربها، بل إن بن جوريون قد صرح بأن السفير الإسرائيلي في كل عاصمة هو الممثل الحقيقي للجماعة اليهودية فيها.

وثمة قوانين في الكيان الصهيوني لتكريس هذا الاتجاه، مثل قانون العودة وقانون الجنسية. وقد عُدِّل هذا القانون الأخير بحيث تستطيع الدولة الصهيونية أن تمنح أي مواطن يهودي جنسيتها وهو لا يزال بعد في وطنه الأصلي، دون أن يتنازل عن جنسيته الأصلية، ويكفي أن تكون لديه النية للهجرة. والصهيونية، بوصفها حركة سـياسـية ودولة اسـتيطانية، تحاول ترجمة فكرة الولاء اليهودي، أي ازدواج الولاء، إلى واقع عملي. ومما له دلالته أن بيان إعلان قيام الدولة الصهيونية عام 1948 قد تم عن طريق مجلس قومي يتحدث باسم كل «الشعب اليهودي»، سواء في فلسطين أو خارجها. وقد اكتشفت الدولة الصهيونية (بعد إعلانها) أنها لن تستطيع الوصول بسهولة ويُسر إلى جميع أعضاء الشعب اليهودي، نظراً لضآلة سلطتها خارج حدودها. ولذا، حوَّلت المنظمة الصهيونية نفسها إلى أداة موظفة في يد الدولة الصهيونية، تصل عن طريقها إلى أعضاء الجماعات اليهودية.

وقد كانت حادثة بولارد ترجمة عملية لنظرة الصهاينة لأعضاء الجماعات اليهودية. فقد قامت المخابرات الإسرائيلية بتجنيده باعتبار أنه مزدوج الولاء، ولكن أعضاء الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة رفضوا هذا التعريف وأكدوا أن ولاءهم للولايات المتحدة أولاً وأخيراً، واحتجوا على سلوك إسرائيل. ولكن حادثة بولارد ليست سوى جزء من نمط عام، إذ قامت الحركة الصهيوينة من قبل بتجنيد بعض يهود البلاد العربية للتجسس ضمن قسم خاص أسِّس لهم في الوكالة اليهودية قبل عام 1948، كما أن حادثة لافون تُبيِّن أن المخابرات الإسرائيلية قامت بتجنيد بعض يهود مصر للتجسس لصالح الدولة الصهيونية.

ولا شـك في أن هذا الوضع يخلق كثيراً من المشكلات لليهود في العالم. وقد تنبَّه سير إدوين مونتاجو، العضو اليهودي الوحيد في الوزارة البريطانية التي أصدرت وعد بلفور، إلى هذا البعد حيث احتج على إصدار هذا الوعد لأن الاتهام بازدواج الولاء، بحسب رأيه، اكتسب لأول مرة أساساً موضوعياً. وتحاول الصهيونية التوطينية التغلب على هذا الوضع الذي يسبب الحرج لأعضاء الجماعات اليهودية، بأن تعود إلى الصيغة الصهيونية الإثنية التي ترى أن اليهـود ينتمـون سياسياً إلى الوطن الذي يعيشون فيه، مع أنهم، من ناحية القيم الدينية والثقافيـة والروحيـة، ينتمون إلى مركزهم الروحي (أو الإثني) في إسرائيل. ويحاول الصهاينة في الولايات المتحدة أن يُذيبوا ازدواج الولاء داخل النمط الأمريكي العام بحيث تصبح علاقة الأمريكي اليهودي بإسرائيل مثل علاقة الأمريكي الإيطـالي بإيطـاليا، وبالتالي يصـبح لليهودي وطنان قوميان: الأول هو مسقط الرأس الذي هاجر منه، والثاني هو البلد الذي هاجر إليه.

  • الاحد AM 11:09
    2015-12-06
  • 3278
Powered by: GateGold