المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412644
يتصفح الموقع حاليا : 314

البحث

البحث

عرض المادة

حقوق النساء في شريعة السماء-هل هن ناقصات عقل ودين؟

هل هن ناقصات عقل ودين؟


من أكثر الأحاديث الشريفة التى تعرضت للهجوم وإساءة الفهم ذلك الحديث الشريف الذى رواه البخارى ومسلم عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه قال: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - فى عيد أضحى أو فطر ­- إلى المصلى - المسجد - فمرَّ على النساء فقال: "يا معشر النساء، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" قلن: وما نقصان عقلنا وديننا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تُصل ولم تصم؟" قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها". والحديث رواه أيضًا الإمام النسائى والإمام مالك فى الموطأ.


ونلاحظ أولاً: أن كل من يتطاول على الإسلام بسبب هذا الحديث يذكر منه فقط هذه الكلمات "ناقصات عقل ودين" معزولة عما قبلها وعما بعدها من ألفاظ وعبارات الحديث الشريف، على غرار منهج اقتطاع أجزاء من النصوص الذى يتبعونه دائمًا كما ذكرنا فى مواضع كثيرة. كما أنهم يسوقون تلك الكلمات الثلاث بدون ذكر المناسبة التى قيلت فيها رغم أن تلك المناسبة والظروف التى قيل فيها الكلام تلقى الضوء على كثير من معانى الحديث الشريف.


ونقول ثانيًا: أن راوى الحديث رضى الله عنه ذكر صراحة أنه كان فى يوم العيد - الأضحى أو الفطر - ومن يعلم ألف باء الإسلام يدرك بوضوح أن الرسول عليه السلام نفسه علَّمنا الاحتفال بالعيد وإدخال البهجة والسرور على النفس والآخرين والمجتمع بأسره فيه.. فهل يظن عاقل أنه عليه السلام يخالف هذا بنفسه الشريفة فيوجه إلى النساء نقدًا أو إساءة أو ذَمَّاً فى هذا اليوم المبارك يوم العيد؟!! إن من له أدنى إلمام بلغة العرب سوف يكتشف فورًا - من المناسبة وألفاظ الحديث- أنه عليه السلام كان يمازحهن فى يوم العيد. وكان صلى الله عليه وسلم يمزح لكنه لا يقول إلا حقًا حتى فى حالة المزاح. ولا يقولن جاهل أن المزاح - القليل - خطأ لا يليق بالنبى، فإنه عليه السلام كان بشرًا يُشِّرع لبشر وليس لملائكة.. والتشريع الذى يتجاهل طبائع الناس ومشاعرهم المختلفة - من سرور وألم وفرح وضحك ومزاح وجَدِّ - هو تشريع فاشل لن يكون إلا نصوصًا على الورق لا علاقة لها بواقع المجتمع. والرسول عليه السلام الذى بعثه ربه ليتمم مكارم الأخلاق، والذى وصفه المولى سبحانه وتعالى بقوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، لم يقصد بهذا الحديث سوى ملاطفة النساء والتفكه معهن فى يوم العيد ولكن بالحق كل الحق.


ولو كان لدى هؤلاء المعترضين أدنى قدر من الأمانة العلمية فى البحث وقراءة النصوص لانتبهوا إلى صياغة ألفاظ الحديث الشريف وحاولوا قراءته وفهمه على ضوء قواعد اللغة العربية الفصحى. وعلى قدر فهمنا المحدود نلاحظ أن الجملة التى يعترضون عليها: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن" هى أسلوب تعجب واضح لكل ذى عينين. فهو عليه السلام أفصح العرب - لأنه قرشى ورضع فى بادية - صحراء - بنى سعد - كما أنه:"أوتى جوامع الكلم" فيعبِّر عليه السلام عن المعانى الكثيرة بأدق وأقل قدر ممكن من الألفاظ الفصيحة البليغة. وهو هنا يُظهر تعجبه من تلك الظاهرة المدهشة فعلاً، وهى أن المرأة الضعيفة - بحكم التكوين الجسدى - تستطيع أن تغلب أقوى الرجال العقلاء، بل تجعله يفقد صوابه وفكره بحيلتها ودهائها ومكرها!!


ويرى كاتب هذه السطور أن هذا الحديث يمكن فهمه أكثر على ضوء الآية الكريمة الواردة فى سورة يوسف عليه السلام: ﴿ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 28]. وقد جاء هذا القول على لسان حاكم مصر أو وزيرها الأول - العزيز - حين دخل فجأة وكانت زوجته زليخا تحاول إجبار فتاها يوسف عليه السلام على فعل الفاحشة معها كما حكى القرآن الكريم. فلمَّا رفض يوسف، وحاول الهرب منها جذبته من قميصه - من خلفه - فقطعته، وعندما فوجئت بحضور زوجها ذرفت دموع التماسيح، وحاولت إلصاق التهمة بيوسف البرىء زاعمة أنه هو الذى حاول اغتصابها!! وسخَّر الله تعالى لنبيه شاهدًا من أهلها حكم بالاستدلال بقميص يوسف الممزق. فإن كان القطع من الأمام فهذا يعنى أنه هو الذى حاول اغتصابها وأنها قاومته وقطعت قميصه من الأمام. وإن كان القطع من الخلف، فهذا دليل قاطع على براءة يوسف، وأنه امتنع وحاول الهرب منها فجذبته من الخلف وقطعت قميصه من على ظهره. وعندما رأى عزيز مصر قميص يوسف مقطوعًا من الخلف تأكد من براءته وأن زوجته الماكرة هى التى حاولت تدبير هذه التهمة الملفّقة ليوسف رغم أنها هى التى كانت تريده وتحاول إغراءه أو إجباره على الزنى بها. ولهذا قال وزير مصر الأول هذه المقولة: ﴿ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴾ [يوسف: 28]. والمعنى إن هذا من مكر النساء ودهائهن، وهو مكر عظيم ودهاء فائق البراعة لا ينجو منه إلا من عصم الله، ولولا أن نصر الله نبيه يوسف بوجود حكم من أهلها هى، وألهمه الله أن يقضى بالاستدلال من واقع الحال والقميص المُمَزَّق لنجحت مكيدة ومكر المرأة فى إلصاق التهمة بالبرىء يوسف. ثم مكرت زليخا بنساء المدينة اللاتى تحدثن عنها بالسوء، واستدرجتهن إلى مأدبة ليقطّعن أيديهن، ثم تسبب مكرها فى سجن يوسف البرىء بضع سنين!!


ويفسر الإمام النسفى رضى الله عنه كلام العزيز بقوله: إن هذا الأمر وهو الاحتيال لنيل الرجال "من كيدكن" الخطاب لها ولأمتها - بنات جنسها - لأنهن ألطف كيدًا وأعظم حيلة، وبذلك يغلبن الرجال، ومعهن ما ليس مع غيرهن من البوائق - المهلكات -". وينقل الإمام النسفى عن بعض العلماء مقولة طريفة بهذا الشأن: إنى أخاف من النساء أكثر مما أخاف من الشيطان، لأن الله تعالى قال: ﴿ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ﴾ [النساء: 76] وذكر مقولة العزيز عنهن: "إن كيدكن عظيم"[1] انتهى. وهناك مثل شائع فى الريف المصرى يقول: "كيد النسا غلب كيد الرجال".


ونعتقد أنه يمكن فهم الكلام النبوى الشريف بوضوح على ضوء هذه الآية الكريمة من سورة يوسف، وأقوال العلماء بشأنها. وهكذا فإن النبي عليه السلام يقرر فقط حقيقة طريفة هى أن النساء يغلبن بمكرهن وحيلتهن أعقل الرجال وأقواهم. ألا ترى مصداقًا لهذا أنه حتى حاكم مصر - العزيز - كاد أن ينخدع وتنطلى عليه حيلة امرأة؟!! بل خضع بعد ذلك لإرادة امرأته المذنبة، ورغم ثبوت براءة يوسف، قرر الزوج الحاكم سجنه لاحتواء آثار الفضيحة التى سببتها زوجته بمراودة يوسف عن نفسه!! وكم من عروش سقطت، وكم من جيوش أُبيدت، وكم من حضارات زالت بمكرهن!!.


وكان الأقرب إلى المنطق العقلى البحت أن يقولوا: إن فى هذا الحديث ذَمَّاً للرجال وليس النساء.. فهو يعجب من تغلبهن - على ضعفهن ورقتهن - على الرجال المفترض أنهم عقلاء وأقوياء. وعادة فإن الناس يلومون المغلوب وليس الغالب فى مثل هذه الأحوال. وهو إعجاب منه بذكائهن وحيلتهن الفطرية التى تتفوق على تفكير الرجل مهما كان عاقلاً، وتكون النتيجة لصالحها هى. إنك حين ترى طفلاً صغيرًا ضعيفًا يستخدم الحيلة ليهزم عملاقًا ضخمًا قويًا ويطرحه أرضًا، سوف تتعجب، وإذا سألته: كيف تتغلب وأنت طفل صغير ضعيف على هذا العملاق الضخم، فإنك بذلك لم تنتقص من قدره بل أنت وصفت حقيقته فى الواقع، وهى أنه طفل صغير ضعيف، وتعجبت بل وأعجبت بذكائه ودهائه الذى مَكَّنه من الانتصار على هذا العملاق القوى. وهذا بالضبط ما فعله عليه السلام، فإنه لم يزد على أن أبدى دهشته وتعجبه وإعجابه بالنساء - الضعيفات بحكم التكوين- اللاتى يهزمن أعقل وأقوى الرجال بالحيلة والرقة والنعومة.


وقد فسَّر عليه الصلاة والسلام فى نص الحديث معنى نقصان العقل بأن شهادة المرأة تساوى نصف شهادة الرجل. ويقصد عليه السلام ما سنذكره عند الحديث عن الشهادة، وما قاله الفقهاء من أن هذا فقط فى حالة الإشهاد على البيوع والصفقات التجارية لضمان الحقوق. وكان هذا فى عهد لا دراية فيه ولا خبرة لأكثر النساء بالأسواق وأنواع التجارة، وهناك حالات أخرى تُقبل فيها شهادة المرأة الواحدة ولايؤخذ فيها بكلام الرجال. كما أن هناك حالة ثالثة تتعادل فيها شهادتها مع شهادته.


وأما نقصان الدين فقد شرح الحديث ذاته معناه، وأوضح عليه السلام مقصوده منه بأنه عدم صلاتها وعدم صيامها فى فترات الحيض وكذلك الولادة والنفاس. فقد أعفاها الإسلام من الصلاة والصيام فى تلك الأوقات حتى يذهب عنها الدم وتتطهر فتصوم وتصلى من جديد، كما أعفاها الإسلام - رحمة بها وتيسيرًا عليها - من قضاء الصلوات التى فاتتها بسبب الحيض أو النفاس. وهنا أيضًا نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يتجاوز الواقع المشهود، فهو فقط يقرر حقيقة "وواقعًا" وليس فى هذا عيبًا لها وانتقاصًا من دينها. وكثير من الناس يغفلون عن حقيقة أن الإسلام يعطى أجرًا وثوابًا عظيمًا للمرأة عن فترات الحيض والولادة والنفاس ولا يحصل الرجل على شىء من ذلك. إنها لا تصلى ولا تصوم فى تلك الأوقات، لكنها تحصل على ثواب الصبر على آلام وأذى الحيض والحمل والولادة والنفاس ثم أخيرًا إرضاع الأطفال والسهر عليهم، وذلك كله لا يحصل الرجل على شىء منه. فإن فاتها ثواب الصلاة والصيام فى تلك الأوقات - لطبيعة خَلْقها التى لا ذنب لها فيها - فإن أجر صبرها على آلام كل ما ذكرنا لا يقل إن لم يزد على أجر صلاة وصيام الرجل الذى لا فضل له فى أن الله خلقه بلا حيض ولا نفاس ولا ولادة ولا رضاع. فلتهنأ أمهاتنا وأخواتنا وبناتنا وزوجاتنا بالأجر والثواب من الله تعالى على صبرهن وجهادهن فى الحمل والولادة والإرضاع وتنشئة أطفال المسلمين على منهج الله وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فوالله إنها لمن أعظم العبادات والقربات، وإن كثيرًا من الرجال ليعجزون عن الظفر بثواب أعمال وقربات جليلة مثل تلك التى أعطاها الله لبنات حواء، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء.


إعجاز علمى


ينطوى هذا الحديث على إعجاز علمى غير مسبوق. فقد أثبت علم التشريح الحديث أن حجم مخ المرأة أصغر من حجم مخ الرجال. والكلام لعلماء من غير المسلمين. فقد جاء فى "دائرة المعارف الكبيرة" قول الدكتور "روفارينى": إن المجموع العضلى عند المرأة أقل منه كمالاً عند الرجل، وأضعف بمقدار الثلث، فالقلب عند المرأة أصغر وأخف بمقدار ستين جرامًا فى المتوسط، والرجل أكثر ذكاءً وإدراكًا. أما المرأة فأكثر انفعالاً[2].


وفى دائرة المعارف نفسها يقرر الدكتوران: نيكوليس وبيليه: أن الحواس الخمس عند المرأة أضعف منها عند الرجل، وأن مخ الرجل يزيد عن مخ المرأة بمقدار مائة جرام فى المتوسط، فنسبة مخ الرجل إلى جسمه 40/1 واحد إلى أربعين، ونسبة مخ المرأة إلى جسمها 44/1 واحد إلى أربعة وأربعين، كما يوجد اختلاف فى المخيخ أيضًا، وفى المادة السنجابية فهى عند النساء أقل بدرجة ملحوظة ومحسوسة جدًا. انتهى[3]. وهكذا اخبرنا عليه السلام بصغر حجم مخ المرأة قبل أن يكتشف العلم الحديث ذلك بأربعة عشر قرنًا كاملة. فمن الذى علمه؟!!


وتعليقًا على الحديث الشريف يقول الدكتور عبد الصبور مرزوق: "هذا الوصف بنقصان العقل وصف معنوى لا يعدو أكثر من أنه تعبير عن نقص أو ضعف الذاكرة، ليس بالضرورة أن تتساوى فيه جميع النساء بل هو الوصف الغالب، والحكم الشرعى ينبنى على الغالب. وهو كذلك لا يراد به إنقاص المكانة بدليل أن الرجل أيضًا تَعَّرَضَ لمثل هذا القيد. ولعل المناسبة التى روى فيها الحديث تحتاج إلى بعض إيضاح:

فالمناسبة كانت عند مروره صلى الله عليه وسلم بالنساء عند خروجه إلى الصلاة فى يوم عيد.. ولا يتصور منصف أن الرسول بما عرف عنه من رقة الشمائل والتلطف الرقيق فى الخطاب يمكن أن يوجه إلى النساء فى هذا اليوم ما يكسر خواطرهن أو يشعرهن بالدونية والإهانة!!.


وإذن فهناك سبب آخر يمكن أن يكون مدعاة لهذا الخطاب النبوى للنساء: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن".


فالنساء المُخَاطَبات هن نساء الأنصار اللاتى كن مشتهرات بتملكهن وسيطرتهن على بعولتهن.


وهن اللاتي قال فيهن عمر بن الخطاب - رضى الله عنه-: "فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار" وهو ما يوضح ما نشير إليه من قول الرسول: "ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل العاقل من إحداكن".


فالصيغة النبوية هنا كأنما تحمل معنى التعجب من تغلب النساء وفيهن ضعف على الرجال ذوى الحزم والقوة.. كما تحمل معنى التعجب من حكمة الخالق سبحانه الذى أَوْجَد القوة حيث يُظَن الضعف، وأَوْجَد الضعف حيث تُظَن القوة!! ثم ألا نلمس فى الخطاب النبوى بهذه الصيغة شيئًا من الملاطفة؟! انتهى[4].


ومما قاله العلماء المعاصرون تعليقًا على نقصان العقل والدين: "هذا الحديث وصف لحالة بعينها، وخاص بهذه الحالة.. وليس تشريعًا عامًا ودائمًا لجنس النساء.. كما أن مناسبة الحديث ترشح ألفاظه وأوصافه لأن يكون المقصود من ورائها المدح وليس الذم.. فالذين يعرفون خلق من صنعه الله على عينه، حتى جعله صاحب الخلق العظيم ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، والذين يعرفون كيف جعل صلى الله عليه وسلم من "العيد" - الذى قال فيه هذا الحديث - "فرحة" أشرك فى الاستمتاع بها - مع الرجال - كل النساء، حتى الصغيرات، بل وحتى الحُيض والنُفساء!.. الذين يعرفون صاحب هذا الخلق العظيم، ويعرفون رفقه بالقوارير، ووصاياه بهن حتى وهو على فراش المرض يودع هذه الدنيا.. لايمكن أن يتصوروه - صلى الله عليه وسلم - ذلك الذى يختار يوم الزينة والفرحة ليجابه كل النساء ومطلق جنس النساء بالذم والتقريع والحكم المؤبد عليهن بنقصان الأهلية، لنقصانهن فى العقل والدين!.


وإذا كانت المناسبة - يوم العيد والزينة والفرحة - لا ترشح أن يكون الذم والغم والحزن والتبكيت هو المقصود.. فإن ألفاظ الحديث تشهد على أن المقصود إنما كان المديح، الذى يستخدم وصف "الواقع" الذى تشترك فى التحلى بصفاته غالبية النساء.. إن لم يكن كل النساء.


فالحديث يشير إلى غلبة العاطفة والرقة على المرأة، وهى عاطفة ورقة صارت "سلاحًا" تغلب به هذه المرأة أشد الرجال حزمًا وشدة وعقلاً.. وإذا كانت غلبة العاطفة إنما تعنى تفوقها على الحسابات العقلية المجردة والجامدة، فإننا نكون أمام عملة ذات وجهين، تمثلها المرأة.. فعند المرأة تغلب العاطفة على العقلانية - وذلك على عكس الرجل، الذى تغلب عقلانيته وحساباته العقلانية عواطفه.. وفى هذا التمايز فطرة إلهية، وحكمة بالغة، ليكون عطاء المرأة فى ميادين العاطفة بلا حدود وبلا حسابات..وليكون عطاء الرجل فى مجالات العقلانية المجردة والجامدة مُكَمِّلاً لما نقص عند "الشق اللطيف والرقيق".


فنقص العقل - الذى أشارت إليه كلمات الحديث النبوى الشريف - هو وصف لواقع تتزين به المرأة السَوية وتفخر به - لأنه يعنى غلبة عاطفتها على عقلانيتها المجردة.. ولذلك كانت "ملاطفة" صاحب الخلق العظيم - الذى آتاه ربه جوامع الكلم - للنساء، فى يوم الفرحة والزينة، عندما قال لهن: إنهن يغلبن بسلاح العاطفة وسلطان الاستضعاف أهل الحزم والألباب من عقلاء الرجال، ويخترقن بالعواطف الرقيقة أمنع الحصون!.


"ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".


فهو مدح للعاطفة الرقيقة التى تذهب بحزم ذوى العقول والألباب.. ويا بؤس وشقاء المرأة التى حرمت من شرف امتلاك هذا السلاح الذى فطر الله النساء على تقلده والتزين به فى هذه الحياة!.. بل - وأيضًا - يا بؤس أهل الحزم والعقلانية من الرجال الذى حرموا - فى هذه الحياة - من الهزيمة أمام هذا السلاح.. سلاح العاطفة والاستضعاف!.


وإذا كان هذا هو المعنى المناسب واللائق - بالقائل وبالمُخاطب وبالمناسبة - وأيضًا المُحَبَّبَ لكل النساء والرجال معًا - الذى قصدت إليه ألفاظ "نقص العقل" فى الحديث النبوى الشريف.. فإن المراد "بنقص الدين" - هو الآخر - وصف الواقع غير المذموم - بل إنه الواقع المحمود والممدوح!.


فعندما سألت النسوة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المقصود من نقصهن فى الدين، تحدث عن اختصاصهن "بِرُخِص" فى العبادات تزيد على "الرخص" التى يشاركن فيها الرجال.. فالنساء يشاركن الرجال فى كل "الرخص" التى رَخّص فيها الشارع - من إفطار الصائم فى المرض والسفر.. إلى قصر الصلاة وجمعها فى السفر.. إلى إباحة المُحَرَّمات عند الضرورات.. إلخ، ثم يزدن على الرجال فى "رخص" خاصة بالإناث - مثل سقوط فرائض الصلاة والصيام عن الحائض والنفساء.. إلخ.


وإذا كان الله سبحانه وتعالى يُحب أن تُؤتى رخصه كما يُحب أن تُؤتى عزائمه، فإن التزام النساء بهذه "الرُخَصَ" الشرعية هو الواجب المطلوب والمحمود، ولهن فيه الأجر والثواب.. ولا يمكن أن يكون بالأمر المرذول والمذموم.. ووصف واقعة - فى الحديث النبوى - مثله مثل وصف الحديث لغلبة العاطفة الرقيقة الفياضة على العقلانية الجامدة، عند النساء، هو وصف لواقع محمود.. ولا يمكن أن يكون ذمًا للنساء، ينتقص من أهلية المرأة ومساواتها للرجال، بأى حال من الأحوال.


إن العقل ملكة من الملكات التى أنعم الله بها على الإنسان، وليس هناك إنسان - رجلاً كان أو امرأة - يتساوى مع الآخر مساواة كمية ودقيقة فى ملكة العقل ونعمته.. ففى ذلك يتفاوت الناس ويختلفون.. بل إن عقل الإنسان الواحد وضبطه - ذكرًا كان أو أنثى - يتفاوت، زيادة ونقصًا، بمرور الزمن، وبما يكتسب من المعارف والعلوم والخبرات.. وليست هناك جبلة ولا طبيعة تفرق بين الرجال والنساء فى هذا الموضوع.


وإذا كان العقل - فى الإسلام - هو مناط التكليف، فإن المساواة بين النساء والرجال فى التكليف والحساب والجزاء شاهدة على أن التفسيرات المغلوطة لهذا الحديث النبوى، هى تفسيرات ناقضة لمنطق الإسلام فى المساواة بين النساء والرجال فى التكليف.. ولو كان لهذه التفسيرات المغلوطة نصيب من الصحة لنقصت تكاليف الإسلام للنساء عن تكليفاته للرجال، ولكانت تكاليفهن فى الصلاة والصيام والحج والعمرة والزكاة وغيرها على النصف من تكاليف الرجال!.


ولكنها "الرُخَصَ" التى يُؤجر عليها الملتزمون بها والملتزمات، كما يُؤجرون جميعًا عندما ينهضون بعزائم التكاليف.. إن النقص المذموم - فى أى أمر من الأمور - هو الذى يمكن إزالته وجبره وتغييره، وإذا تغير وانجبر كان محمودًا.. ولو كانت "الرخص" التى شرعت للنساء - بسقوط الصلاة والصيام للحائض والنفساء مثلاً - نقصًا مذمومًا، لكان صيامهن وصلاتهن وهن حُيض ونُفساء أمرًا مقبولاً ومحمودًا ومأجورًا.. لكن الحال ليس كذلك، بل إنه على العكس من ذلك.


وأخيرًا، فهل يعقل عاقل.. وهل يجوز فى أى منطق، أن يعهد الإسلام، وتعهد الفطرة الإلهية بأهم الصناعات الإنسانية والاجتماعية - صناعة الإنسان، ورعاية الأسرة وصياغة مستقبل الأمة - إلى ناقصات العقل والدين، بهذا المعنى السلبى؟ انتهى[5].



[1] انظر تفسير النسفى - طبعة دار إحياء الكتب العربية - المجلد الأول - تفسير الآية 28 من سورة يوسف - ص218، وانظر كذلك تفسير "فتح القدير" للشوكانى.

[2] انظر كتاب " السنة المُفترى عليها"-المستشار سالم البهنساوى- ص239 وما بعدها.

[3] المصدر السابق ص 540.

[4] د. عبد الصبور مرزوق - القرآن والرسول ومقولات ظالمة - ص22و23 - طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - مصر - 2005م.

[5] حقائق الإسلام فى مواجهة المشكّكين - إعداد مجموعة من العلماء المعاصرين- طبعة المجلس الأعلى للشئون الإٍٍٍسلامية - مصر - ص 580-583.

  • السبت PM 06:07
    2015-08-08
  • 3486
Powered by: GateGold