المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415837
يتصفح الموقع حاليا : 144

البحث

البحث

عرض المادة

وقائع محاكمة يسوع

انصرفوا ساعة الحاجة إليهم :

لا يوجد في تاريخ العالم مثل هذا الخذلان المتخاذل والخيانة. لقد لقي عيسي عليه السلام استجابة هي أضعف التجاوب من حوارييه.
"كان تلاميذه المباشرون لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله. كانوا يريدونه أن ينصب نفسه ملكا لليهود. كانوا يريدونه أن يستنزل النار من السماء. كانوا يريدون أن يجلسوا عن يمنه وعن يساره في ملكوته. كانوا يريدونه أن يريهم أباه، وأن يجعل الله مرئيا لعيونهم المجسمة، كانوا يريدونه أن يعمل، وكانوا يريدون هم أنفسهم أن يعملوا أي شيء وكل شيء يتعارض مع خطته الكبرى. تلك كانت الطريقة التي عاملوه بها حتى النهاية. وعندما حلت النهاية تركه الجميع وهربوا".
ولو كان محمد صلي الله عليه وسلم أعظم رجل في التاريخ كما قال مايكل م.هارت. ولو كان محمد عليه السلام هو أكثر الشخصيات الدينية نجاحا كما قررت الطبعة 11 من الإنسيكولوبيديا البريطانية. ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم قائد في التاريخ علي مر كل العصور كما يؤكد جولز ماسرمان بمجلة "تايم". ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم إنسان عاش علي وجه الأرض كما أكد لامرتين في كتابه "تاريخ الترك" فإنه يمكن أن يزعم من يشاء أن عيسي عليه السلام كان "أبأس الرسل حظا".
أساء حواريو المسيح عليه السلام فهمه. وحرف اليهود دائما ما ينطق به. وأتباعه الذين يزعمون أنهم أتباعه أساءوا دائما تطبيق تعاليمه حتى اليوم. ولو كان يسوع يابانيا بدل أن يكون يهوديا، لكان من المؤكد أن ينتحر بطريقة "الهاري كاري" بدلا من أن يتحمل زيغ وعدم إخلاص أتباعه.


حكم قضائي قبل نظر القضية :

إن مصير عيسي عليه السلام قد تم حسمه بالفعل. إن "كايفاس" رئيس الكهنة علي رأس السنهدرين (وهي الهيئة الدينية لأحبار اليهود) لا يمكن أن يكون له اعتبار بنظر أي محكمة للعدل متحضرة بسبب رأيه المسبق في المتهم. لقد كان بالفعل قد حكم علي عيسي بالموت دون استماع إليه (وإلي دفاعه). كان قد أوصى مجلسه حتى قبل نظر القضية بقوله ". . . ولا تفكرون (1) أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها" (يوحنا 11 : 50).
وتميعت قضية يسوع ! لا بحث عن الصواب أو الخطأ. أو عن العدل أو الظلم، كان الأمر مبيتا ! وكانت المحاكمة مهزلة. بطريقة أو بأخرى، كانوا يريدون إدانة يسوع وانتهاء أمره .. وفي منتصف الليل، لو جاز لنا أن نعتبر الثانية صباحا في منتصف الليل، كان اليهود قد جهزوا شهود زور ليشهدوا ضد يسوع. وانعقاد المحكمة بعد منتصف الليل كان ضد معتقدات اليهود. لكن هذا الخروج عن الإجراءات لا يهم ورغم تشجيع وتعاطف المحققين والمحلفين للشهود فإن شهود الزور لم يستطيعوا أن يتفقوا في القرائن والوقائع التي يشهدون بها.
كان الموضوع فوق احتمال يسوع. لم يستطع أن يحتفظ بسلامه. كان عليه أن يعترض ويحتج. قال في دفاعه عن نفسه : "... أنا كلمت العالم علانية. أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما. وفي الخفاء لم أتحدث بشيء" (يوحنا 18 : 20).
وفي جوهر أقواله أوضح أنه لم ينشر تعاليم سرية ولا عقائد خفية. لم يعلم شيئا في الخفاء لم يكن ليعلنه للجميع وهي القضية التي كان يمكن لليهود أن يجمعوا جيشا من الشهود ليشهدوا ضده. ولكن يا لها من مهزلة !
إن اليهود لم يستطيعوا أن يجدوا اثنين من الشهود تتطابق شهادتهما. كما ورد في إنجيل مرقس (14 : 59) وكانت حجته قوية، لدرجة أن ضابطا متعصبا بلغت به القحة إلي حد أن يضربه في صمت. هل أوهن من عزيمة يسوع؟ كلا. بدلا من أن تفل عزيمته توجه إلي متحديه قائل : ". . . إن كنت قد تكلمت رديا فاشهد علي الردى وإن حسنا فلماذا تضربني" (يوحنا 18 : 23).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)    هكذا وردت بإنجيل يوحنا، في الموضوع المشار إليه، والصحيح لغويا أن يقال :  "ولا تفكروا" (المترجم).




كانت الضحية تتفلت من بين أصابعهم. فرصتهم الآن أو لا فرصة لهم علي الإطلاق. من الناحية القانونية لم يستطيعوا أن يجرموه. الاختلاق المباشر كان ضروريا. يتدخل الكاهن الأكبر في المحاكمة قائلا "خبرنا إذن أأنت المسيح ابن المبارك فقال يسوع أنا هو .." (مرقس 14 : 61 - 62) (تقول إنك) "ابن الله" كفي تجديفا (1)
لم يكن ثمة كفر ولا خطيئة في إفادة عيسي عليه السلام البسيطة. إن كلمة "كرايست" هي الترجمة اليونانية للكلمة العبرية "مسيح" التي تعني الشخص الممسوح بالزيت. وها هنا ها هي ذي كلمة "كرايست" يتم خلطها بالله ومزجها معه. ويجب أن تفصل هذا المعني (الذي أنساق إليه اليهود أثناء محاكمة يسوع) عن الإشراك في العقيدة المسيحية فيما يتعلق بالتجسيد، حيث يتجسد الله في صورة إنسان. إن انتظار اليهود قدوم المسيح، لم يكن يوحد بين المسيح والله. حقا إن طبيعة التوحيد اليهودي كانت تتسع لكثير من أسباب الشرك. فتعتبر "ابن الله" تعبير كان جائزا في الديانة اليهودية. ويبدو أن الله كان عنده أطنان من الأبناء في كتاب اليهود المقدس ولكن لو كان المراد هو البحث عن مأزق فلا حاجة إلي الذهاب بعيدا. ستجده عند أقرب حنية. كان رئيس الكهنة فرحان تغمره النشوة. شعر أن سؤاله المباغت قد فتح الثغرات في دفاع يسوع. ولكي يضفي طابعا مسرحيا علي نصره الذي انتزعه من براثن الهزيمة أخذ يشق ثوبه وهو يقول حسب رواية مرقس : ". . . وما حاجتنا بعد إلي شهود . . . فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت" (مرقس 14 : 63 – 64).
مذنبا أو غير مذنب – "يجب أن يموت يسوع !"
حكم اليهود بغير حق، أن يسوع قد جدف علي الله وهو ما يشبه الخيانة العظمي فيما يتعلق بالناحية الروحية .. وموقف المسيحيين يتحد مع موقف اليهود في هذا الصدد معتبرين أنه لأنه إله فمن حقه أن يجدف علي الله ولا يكون ثمة تجديف. كلا الفريقين يهودا ومسيحيين يريدون يسوع المسكين أن يموت. يريده الفريق الأول (اليهود) أن يموت للتخلص منه (باعتبار أنه يدعي أنه المسيح كذبا) ويريده الفريق الثاني (المسيحيون) أن يموت ليتحقق لهم "أحلي خلاص" من الخطايا والآثام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)    التجديف هو قول ما لا يليق بالنسبة لله سبحانه وتعالي. (المترجم).
كان الحكم سريعا وبالإجماع. وكان معدا وجاهزا. ولكن دونما مساندة من الرومان، لم يكن اليهود ليستطيعوا أن يشنقوه. أخذوا ضحيتهم في الصباح إلي يونتيوس بيلاطس لأنهم حسب قولهم : "لا يحق لنا قانونا أن نقتل أحدا" (يوحنا 18 : 31).




وبيلاطس يجيز اللعبة :

وعندما اكتشف بيلاطس أن يسوع من أهل الجليل، وهم أكثر طوائف الشعب شغبا، شعر بيلاطس أنه من الحكمة أن يجيز اللعبة فأحال قضية اليهود مع يسوع إلي مساعده هيرود. وأنتم تعرفون اللعبة الأزلية التي بدأت في الجنة، كما تقول كتابات المسيحية. لكن اللعبة لم تفلح. وبعد محاولة عقيم من هيرود للحصول علي تعاون يسوع (مع الحكم الروماني) أعاد هيرود القضية إلي بيلاطيس.
كان اليهود قد أدانوا "يسوع" بالتجديف علي ادعوا أنه رجل يزعم أنه إله. لكن هذا لم يكن يهم كان لديه في بلاده الأصلية (روما) الكثير من الرجال المتألهين عنده : جوبيتر وبلوتو وفلكان وإيروس ومارس ونبتون وأبولو وزيوس كأسماء قليلة لبعض آلهة البنثيون (1). وزيادة أو نقصان واحد لا يشكل أهمية لديه. وكان اليهود يعرفون هذا جيدا. ولذلك غيروا اتهامهم من التجديف إلي الخيانة. بدأوا اتهامهم بقولهم :
"إننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلا إنه مسيح ملك" (لوقا 23 : 2).
وتهمة زائفة أخري :
كانت التهمة زائفة تمام الزيف. وفي مواجهة اتهامهم المزعوم قال فيما يتعلق بموضوع الضرائب : "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله". (متي 22 : 21). أي ضير في هذا؟ كان اليهود مثلهم في ذلك مثل المسيحيين اخترعوا معني جديدا لكلمة "المسيح" إذ جعلوها تعني "الملك" لكي يبدو بسهولة كمعارض لسلطان ملك الرومان. وابتلع بيلاطس الطعم. لكن هذا الرجل المسكين البائس اليائسن، كان يبدو غير مسبب لأي خطر. إنه لم يكن يبدو مثل زيلوت المشاغب السياسي والإرهابي المعادي للنظام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معبد يتجمع فيه آلهة الرومان في عصرهم الوثني. (المترجم)



دفاع محكم وحكم عادل :

يسأل بيلاطس "يسوع" غير مصدق فيقول حسب رواية القديس يوحنا : "أنت ملك اليهود. أجابه يسوع . . مملكتي ليست من هذا العالم. ولو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامي يجاهدون لكيلا أسلم إلي اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يوحنا 18 : 33 – 36).
دفاع مقنع لا يستطيع مستشار الملك القانوني في بريطانيا العظمي أن يقدم أبرع منه. لم ينكر موقفه الديني. لكن مملكته كانت مملكة روحية وكانت رياسته لها كي ينقذ أمته من الرذيلة والانحلال. ولم يكن هذا الاعتبار يهم الحاكم الروماني. فيمضي بيلاطس إلي اليهود المنتظرين بالخارج ليرد لهم المتهم الذي لم يثبت عليه الاتهام وهو يقول "أنا لم أجد له علة واحدة" (يوحنا 18 : 38).
ورغم أنه من المفروض أن متي ومرقس ولوقا ويوحنا قد دونوا سجلات مستقلة، كل منهم عن الآخر – في موضوع حياة السيد المسيح عليه السلام فإنه لأمر مدهش أن نجد تلك الرؤية لأنصاف وأجزاء من الأمور، دون رؤية النصف الآخر أو الأجزاء الأخرى. إن الثلاثة الأول (متي ومرقس ولوقا) لم يكونوا قد سمعوا كلمات (المسيح عليه السلام التي تقول ) "مملكتي ليست من هذا العالم" علي الإطلاق. لو كان الله (سبحانه) قد أملي هذه الكلمات علي يوحنا وحده علي وجه القصر والإفراد، أو لو كان أحد الشهود قد أخبره بها، فمن اللازم أن هذه الكلمات قد تحركت بها شفتا "يسوع". إنها وجه دفع وبراءة هام جدا في دفاعه البارع ضد اتهام اليهود الزائف له. كيف وصلت هذه الكلمات إلي أي أذن، دون أن يكون يسوع قد فتح فمه؟.
. . . أم تكلم مغلق الفم ؟
لقد بح صوت المتحمسين للإنجيل يتغنون ويصيحون بأن يسوع اقتيد إلي الصليب "ولم يفتح فاه كشاة تساق إلي الذبح وكنعجة صامتة أمام جازريها فلم يفتح فاه". (أشعياء 53 : 7) فيا للأرواح المسكينة المضللة. والآن ها هو ذا واحد من الذين ولدوا من جديد (المبشرين) ينضم إلي الجوقة بتكرار نفس الهراء. ولنقتبس شيئا مما يقول حرفيا بكتابه لنجده يقول : إن أشعياء يخبرنا عن يسوع المسيح :

1-    إن يسوع لم يشأ أن يدافع عن نفسه أثناء محاكمته "لم يفتح فمه".
وعندما تصادف شخصا واحدا من هؤلاء المغالطين سله : "هل تكلم عيسي مغلق الفم؟" وهو يقول :
أ‌-    أمام بونتياس بلاتوس "مملكتي ليست من هذا العالم". (يوحنا : 18 : 36).

ب‌-    أمام السنهدرين (عندما قال للحارس الذي بادره بالضرب : "إن كنت قد تكلمت رديا فاشهد علي الردى وإن حسنا فلماذا تضربني". (يوحنا 18 : 23).

جـ- أمام الله عندما كان في البستان إذ قال : "يا أبتاه إن أمكن فلتعبر معي عني هذه الكأس". (متي 26 : 39).
ونحن – المسلمين – نؤمن بالكثير الكثير من معجزات عيسي عليه السلام، ولكننا نحاذر أن نصدق أنه عليه السلام قد انغمس في لعبة "الكلام مع خفاء مصدر الصوت" لقد فتح عيسي عليه السلام فمه مرة إثر مرة أثناء محاكمته وفقا "للوثائق المكتوبة". أما فيما يتعلق بأولئك الذين يرفضون أن يروا أو أن يسمعوا نستطيع أن نقول إن عزاءنا في إنكارهم الحق ينبع من أقوال السيد المسيح عليه السلام إذ يقول : "لأنهم مبصرون لا يبصرون وسامعون لا يسمعون ولا يفهمون" (متي 13 : 13).


الابتزاز :

في القضية موضع الدراسة يجد بيلاطس أن يسوع ليس مذنبا ! لكن أعداء يسوع الحاقدين يلجأون إلي المساومة والابتزاز مع بيلاطس فيقولون : "إن أطلقت هذا فلست بمحبا لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر" (يوحنا 19 : 12).
وأثناء إجراء المحاكمة ترسل زوجة بيلاطس إليه رسالة تقول "إياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله" (متي 27 : 19).
ومع أن بيلاطس كان يحاذر أن يصدق علي حكم الإعدام علي أحد الرعايا الأبرياء غير الضارين، ورغم توسل زوجته العزيزة، فإنه لم يستطع أن يتغلب علي ضغط اليهود. وأجبر علي أن يستسلم لصياح اليهود خارج القصر صارخين :
"ليصلب . ." "أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلا إني بريء من دم هذا البار" (متي 27 : 24) وقال لهم أنتم أبصر بهذا الاتهام الظالم. وأسلم إليهم يسوع لكي يصلب.

  • الجمعة PM 05:46
    2015-08-07
  • 2846
Powered by: GateGold