المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415848
يتصفح الموقع حاليا : 157

البحث

البحث

عرض المادة

الاستعداد للجهاد

تغيير في السياسة :

لن يظل يسوع جالسا كبطة قابعة إزاء الاعتقال في الخفاء الذي كان يعد له اليهود. وهاهو ذا يعد تلاميذه لتصفية الحساب التي لا مفر منها. وها هو ذا يثير بحذر غير مثير لمخاوفهم موضوع الدفاع. فيقول لهم : "حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء فقالوا لا. فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا !" (لوقا 22 : 35 – 36).
هذا استعداد للجهاد أو الحرب المقدسة يهود ضد يهود. لماذا؟ ! لماذا هذا التحول في اتجاه الفكر؟ أليس هو الذي كان قد نصح لهم من قبل أن "يديروا الخد الآخر" وأن يسامحوا سبعين سبعا (7 x 70 = 490) ؟ ألم يكن هو الذي أوصي اثني عشر حواريا بقوله لهم : "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" كما ورد بإنجيل متي (متي 10 : 16).
هيا إلي السلاح ! .. إلي السلاح ! :
إن الموقف والظرف قد تغيرا وكما هو الحال بالنسبة لأي قائد مقتدر وحكيم، فإن "الإستراتيجية" أيضا يجب أن تتغير، لم يكونوا قد غادروا الجليل صفر اليدين من السلاح. "فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان. فقال لهم يكفي" (لوقا 22 : 38).
ولكي يستنقذ المبشرون صورة يسوع الوديعة المسالمة، فإنهم يصرخون بأن السيوف كانت سيوفا روحية !
ولو كانت السيوف سيوفا روحية، فإن الملابس أيضا كان ينبغي أن تكون ملابس روحية.
ولو كان الحواريون سيبيعون ملابسهم الروحية لكي يشتروا بثمنها سيوفا روحية، فإنهم في هذه الحالة يكونون غزاة روحيين !. وأكثر من هذا فإن الإنسان لا يستطيع أن يقطع آذان الناس الجسمية بسيوف روحية. فلقد جاء بإنجيل متي ما يلي : "وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه (1) " (إنجيل متي 26 : 51).
إن الغرض الوحيد للسيوف والبنادق هو أن تصمى وتقتل. ولم يكن الناس يحملون السيوف لنزع قشر التفاح والموز في أيام المسيح عليه السلام.
لماذا (وكيف) يكفي سيفان ؟
لو كان هذا استعدادا للحرب فلماذا إذن يكون سيفان :كافيين"؟ السبب في ذلك أن يسوع لم يكن يتوقع معركة مع جنود الحامية الرومانية. وحيث أن صديقه يهوذا كان وثيق الصلة بسلطات المعبد، فإنه كان يتوقع عملية اعتقال في السر (بعيدا عن علم الحاكم الروماني) يقوم بها اليهود ليمسكوا به. وتكون المسألة بذلك مسألة يهود ضد يهود. وفي مثل هذه المعركة مع خدم المعبد من اليهود ومع حثالة المدينة فإن يسوع يمكن أن يسود المعركة منتصرا فيها. وكان علي يقين من ذلك. لقد كان معه بطرس المعروف بالصخرة، ويوحنا وجيمس المعروفان بأبناء الرعد، مع ثمانية آخرين، كل منهم مستعد أن يضحي بحريته أو بحياته من أجله. وكانوا جميعا من بلدة الجليل وكانوا جميعا معروفين بالبأس والإرهاب، والقدرة علي التمرد ضد الرومان.
وهكذا متسلحين بالعصي والحجارة والسيفين وبروح التضحية والفداء التي كانوا قد أظهروها لسيدهم كان يسوع واثقا من قدرته علي أن يلقي إلي الجحيم أي رعاع من اليهود يعترضون سبيله.
أستاذ التكتيك :
كأن يسوع قد جعل من نفسه بذلك مخططا استراتيجيا بارعا، واثقا من نفسه، لم يكن ذلك وقت يقبع فيه كالبط مع تلاميذه في تلك الحجرة بالطابق العلوي ! وهاهوذا يقود أتباعه إلي البستان بين أشجار الزيتون في منتصف الليل، وهو ساحة واسعة محاطة بأسوار علي مبعــدة خمســـة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)    يريد المؤلف هنا أن يثبت التناقض الداخلي في سرد الأناجيل لقصة ما حدث بخصوص صلب المسيح عليه السلام. (المترجم).



أميال من المدينة.  وفي الطريق يبين لهم خطورة الموقف الذي تكتنفه أحقاد واندفاعات تلك الطغمة من يهود المعبد الذين سقطوا. وعليه الآن أن يتحمل نتيجة تضعضع القوي، وأن يدفع ثمن الإخفاق !
ولست بحاجة إلي عبقرية عسكرية، لكي تدرك أن عيسي يوزع قواته كأستاذ في فن التكتيك بطريقة تذكرنا بأي ضابط متخرج في كلية "ساند هيرست" الحربية البريطانية. إنه يعين لثمانية من الأحد عشر حواريا مكانهم في مدخل البستان وهو يقول لهم : "اجلسوا أنتم هنا بينما أذهب أنا لأصلي هناك".
والسؤال الذي يفرض نفسه علي أي مفكر هو : لماذا ذهبوا جميعا إلي ذلك البستان؟ ألكي يصلوا؟ ألم يكونوا يستطيعون الصلاة في تلك الحجرة العلوية ؟ الم يكونوا يستطيعون الذهاب إلي هيكل سليمان ولقد كان علي مرمي حجر منهم، وذلك لو كانت الصلاة هي هدفهم ؟ كلا ! لقد ذهبوا إلي البستان ليكونوا في موقف أفضل بالنسبة لموضوع الدفاع عن أنفسهم !
ولاحظ أيضا أن عيسي لم يأخذ الثمانية لكي يصلوا معه. انه يضعهم بطريقة إستراتيجية في مدخل البستان، مدججين  بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح. يقول إنجيل القديس متي : "ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي .. فقال لهم ... امكثوا ههنا واسهروا معي" . (إنجيل متي 26 : 37 – 38) إلي أين يأخذ بطرس ويوحنا وجيمس ؟ ليتوغل بهم في الحديقة ! لكي يصلي ؟ كلا لقد وزع ثمانية لدي مداخل البستان، والآن علي أولئك الشجعان الأشاوس الثلاثة مسلحين بالسيفين أن يتربصوا ويراقبوا وليقوموا بالحراسة ! الصورة هكذا مفعمة بالحيوية. إن يسوع لا يدع شيئا نعمل فيه خيالنا. وهاهوذا وحده بمفرده يصلي !
يسوع يصلي طلبا للنجدة :
يقول إنجيل متي : "وابتدأ يحزن ويكتئب. وقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت ..." ثم تقدم قليلا وخر علي وجهه (بالضبط كما يفعل المسلم عند الصلاة) وكان يصلي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر معي عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت". (إنجيل متي 26 : 37 – 39) ويقول إنجيل لوقا : "وإذا كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة علي الأرض" (لوقا 22 : 44).


المسيح يبكي من اجل شعبه :

لماذا كل هذا العويل والتباكي ؟ أيبكي لينجو بنفسه؟ لو صح ذلك (وهو بالطبع غير صحيح) لما كان لائقا به أن يتباكى ! ألم ينصح للآخرين بقوله : "فإن كانت عينك اليمني تعثرك فاقلعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقي جسدك كله في جهنم". (إنجيل متي 5 : 29 – 30).
إننا نغمط عيسي عليه السلام حقه لو صدقناه أنه كان يبكي كامرأة لينقذ جسده من عذاب بدني.
سيقولون : كان يبكي من أجل شعبه وليس من أجل نفسه.
نقول لهم : اليهود ؟ (كان يبكي من أجلهم ؟) إنه لمنطق غريب. ذلك أنهم لو نجحوا في قتل أي مسيح لكان هذا (إمكان قتله) دليلا علي أنه دعي دجال. لأن الله العلي القدير لم يكن ليسمح أبدا بقتل المسيح الحق كما ورد بسفر (التثنية 18 : 20) ومن هنا (أي لو صح قتل اليهود للمسيح فعلا) لصح إدعاء اليهود بأن عيسي بن مريم ليس هو المسيح الذي وعدوا به وهو الرفض الخالد الدائم الذي لا يكفون عنه.


نسج الخيال :

هذه القصة المبكية، وهذا النواح علي الدم المسفوح سيحرك العطف والشجن في أقسي القلوب وأشدها غلظة. والمتعصبون للإنجيل ليسوا غافلين عن إمكان استغلالها. وهاهم أولاء يقولون كان مقدرا علي يسوع أن يموت من اجل الخلاص من خطايا البشر (ليمكن للمنتصرين أن يعيشوا في الآخرة وقد طهرتهم سلفا دماء المسيح من خطاياهم) ولقد كان يسوع في نظرهم مهيأ لهذه التضحية المقدسة قبل بدء الخليقة. وحتى قبل البدء الفعل المادي للخليقة كان ثمة اتفاق بين الأب والابن، وأنه في عام 4000 بعد خلق آدم، فإن الله نفسه في شخص يسوع كأقنوم كان من أقانيم التثليث المسيحي قدر لنفسه أن يشنق ليخلص الجنس البشري مــن خطيئتــه الأولــي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يورد المترجم النص المشار إليه لأهميته وهو يقول : "وأما النبي الذي يطغي باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسمه آلهة أخري فيموت ذلك النبي". (المترجم).



(قبل نزول البشر إلي الأرض) وكذا من خطايا الجنس البشري التي يقترفها أبناؤه بعد نزولهم إلي الأرض.
هل كان يسوع غير واع بذلك الاتفاق السماوي ؟
من الدعوة إلي "امتشاق السلاح" بتلك الحجرة العلوية، إلي الحنكة في توزيع القوات عند البستان، والصلاة الدامية لله الرحيم طلبا للنجاة، يبدو أن يسوع لم يكن يعلم شيئا عن ذلك الاتفاق السماوي الذي كان يقضي بصلبه. إن هذا التصور (الذي لا يمكن قبوله) يذكرنا بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقد زعم الإنجيل أنه يأخذ ابنه إسماعيل عليه السلام لكي يذبحه، وهو يعلم أن الله سيفديه بذبح عظيم.
مضح علي الرغم منه :
لو كانت تلك (بزعمهم) هي خطة الله في التكفير عن خطايا البشر فإن الله – وحاشا لله- يكون (وفق زعمهم) قد تنكب الصواب. إن الممثل الشخصي (لله) قد كان حريصا ألا يموت. يتسلح ! يتباكى ! يعرق ! يجأر بالشكوى. علي النقيض من أشخاص مثل القائد الانجليزي لورد نلسون ، بطل الحرب الذي قال لشبح الموت (فيما يروي) : "شكرا لله، لقد أديت واجبي". وهنالك في بريطانيا من يهنئون أـنفسهم اليوم (نتيجة شجاعة قائدهم نلسون) ويقولون : "حمدا لله. لقد نصر الله الملكة !" لقد كان يسوع – كما يصورونه هم أنفسهم ضحية راغبة عن التضحية. ولو كانت تلك هي خطة الله أو مشيئته من أجل الخلاص، فإنها إذن خطة أو مشيئة لا قلب لها، كانت عملية اغتيال بالدرجة الأولي ولم تكن خلاصا قائما علي أساس من تضحية تطوعية.
ويصور الميجور (رتبة عسكرية : رائد) ييتس براون في كتابه "حياة قناص في البنغال" عقيدة الكفارة هذه في جملة واحدة عندما يقول في كتابه ذاك : "ولم تكن قبيلة من تلك القبائل الوثنية لتتفهم مثل هذه الفكرة الهائلة وفيها ما فيها من افتراض أن الإنسان كان قد جاء إلي الوجود ملطخا بالخطيئة، وأن هذه اللطخة (التي لم يكن مسئولا عنها) كانت بحاجة إلي من يكفر عنها : وأن خالق كل الأشياء كان عليه أن يضحي بابنه المولود من صلبه لكي يلاشى أثر هذه اللعنة الغامضة".

(فكرة) جيدة للتصدير :
"قبيلة من تلك القبائل الوثنية" علي حد قول ذلك البريطاني. لكن معظم أمم الغرب تعيش وتموت علي هذه "الفرية الوهمية". وهي إن لم تعد صالحة ملائمة لتتقبلها عقولهم فهي جيدة للتصدير ! وهاهم أولاء أكثر من 62000 مبشر، التبشير شاغلهم اليومي الوحيد (تتمثل فيهم الحملات الصليبية الحديثة) يثيرون الغبار في كل أنحاء العالم. مقلقين "للوثنيين" كما يدعونهم. وأكثر من 40% من أولئك الذين ولدوا من جديد (وهي التسمية التي يطلقونها علي المبشرين) إنما هم أمريكيون !
لكن الأمر العجيب في الرواية هو أن يسوع لدي فراغه من أية صلاة، كان يجد حوارييه وقد أخلدوا للنوم في أماكنهم. وكان يصيح بهم مرة تلو أخري : "لماذا لا ترقبون معي لساعة واحدة" (كما جاء بإنجيل متي26 : 40) ثم كان ينصرف مرة ثانية وكان يصلي ويقول نفس الكلمات. وعندما كان يعود كان يجدهم نياما مرة ثانية كما يحدثنا إنجيل القديس مرقس (14 : 39 – 40). لكن القديس مرقس يذهب إلي أن الحواريين لم يستطيعوا أن يقدموا سببا لتراخيهم وتناومهم. وهو يسجل عليهم أنهم حتى "لم يستطيعوا أن يجيبوه". لكن أكثرهم دقة، وهو القديس لوقا يخمن سببا لهذا التناوم فيقول : "ثم قام من الصلاة وجاء إلي تلاميذه فوجدهم نياما من الحزن".
جدل غير طبيعي :
والقديس لوقا علي الرغم من أنه لم يكن من الحواريين الاثنى عشر المختارين، فإنه يتميز بوضوح أكثر لدي المسيحيين. وهو يعد بينهم الأكثر قدرة علي التأريخ، والمفسر لطبيعة البشر فإن نظريته عن نوم الرجال بتأثير الحزن إنما هي نظرية فريدة. إن البكاء والعويل والدموع والحسرات كانت من الكثرة بالنسبة لتلك المسافة الضئيلة فيما بين أورشليم وبستان جيثسمين علي شفتي المسيح عليه السلام بحيث توقظ حواس أي شخص غير مخمور. لماذا كانت الظروف المحزنة تسلم الحواريين إلي النوم؟ هل كان تكوينهم النفسي مختلفا عن التكوين النفسي لإنسان العصر الحديث؟ إن أساتذة علم النفس يؤكدون أنه تحت تأثير الخوف والفزع والحزن، فإن الغدة التي تفرز الأدرينالين وتدفعه إلي مجري الدم علي نحو طبيعي يطارد ويطرد تماما النوم. أم أنه كان من المحتمل أن الحواريين كانوا قد أكلوا كثيرا وشربوا خمورا فأتخمتهم الأطعمة وأسكرتهم الخمر، خصوصا أن الطعام والخمر كانا هما – كما يقول الإنجليز – كل ما في البيت؟ .. ومن ثم تكون واحدة بواحدة.

  • الجمعة PM 04:54
    2015-08-07
  • 2837
Powered by: GateGold