المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413500
يتصفح الموقع حاليا : 273

البحث

البحث

عرض المادة

حقيقة القول بالمنزلة بين المنزلتين عند الإباضية

 

يقف الإباضية من هذه المسألة بين أمرين، بين النفي من جهة، والإثبات من جهة أخرى. وذلك باعتبارين مختلفين:
فإثباتهم للمنزلة بين المنزلتين يقصدون به النفاق الذي يحكمون به على مرتكب الكبيرة - كما قدمنا - حيث يثبتونه منزلة بين منزلة الإيمان والشرك، ويبدو كذلك أن النفاق عندهم معنى مرادفاً لمعنى كفر النعمة، بل هذا هو ما يؤكده كلام أبي إسحاق الإباضي مثبتاً رأيهم في أنهم يطلقون النفاق على الكبائر المرادفة لكفر النعمة حيث يقول: "ولهذا أطلق أصحابنا النفاق عليها - يعني بها الكبائر - كما أطلقوا الكفر، فصار النفاق فيها مرادفاً لكفر النعمة"  (1) 
وكذلك يعتبر تبغورين الإباضي أن الحكم بالنفاق على مرتكبي الكبائر يتساوى مع الحكم عليهم بكفر النعمة، فهو يقسم الناس إلى ثلاث فرق: مؤمنون ومشركون ومنافقون، وهذا القسم الأخير يعتبرهم موحدين وليسوا بمشركين ولا بمؤمنين، وهو يقول في ذلك: "الفريق الثالث - ويعني بهم المنافقين - هم قوم أعلنوا كلمة التوحيد وأقروا بالإسلام ولكنهم لم يلتزموا به سلوكاً وعبادة فهم ليسوا مشركين لأنهم يقرون بالتوحيد، وهم ليسوا بمؤمنين لأنهم لا يلتزمون ما يقتضيه الإيمان"  (2) ... إلى أن يقول: "وقد أطلق الإباضية على هذا القسم الثالث اسم المنافقين وكفار النعمة"  (3) 
فالنفاق كما هو واضح مرادف لكفر النعمة وهو المراد بالمنزلة بين المنزلتين عندهم، وقد قال أيضاً في تأكيد هذا: "الأصل الخامس في المنزلة بين المنزلتين وهو النفاق بين الشرك والإيمان"  (4) 
ويقول الجناوني أيضاً في هذا المعنى - بالإضافة إلى بيان تبغورين السابق: "وأما المنزلة بين المنزلتين فهي منزلة النفاق بين منزلة الإيمان ومنزلة الشرك"  (5) . ثم استدل بقوله تعالى: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [الأحزاب:73].
فالإباضية يعتبرون المنافق في منزلة بين المنزلتين هما منزلة الشرك والإيمان كما قدمنا، ثم يجعلون المنافق موحداً، فمنزلة التوحيد هذه تقع إذاً بين منزلتي الشرك والإيمان، كما قال أبو محمد عبدالله بن سعيد السدويكشي في حاشيته على متن الديانات لأبي ساكن عامر بن علي الشماخي؛ شارحاً ما قاله أبو ساكن في هذا الموضوع: "قوله: ندين بأن منزلة النفاق بين منزلة الإيمان ومنزلة الشرك: يعني أن المنافق ليس بمشرك ولا بؤمن بل هو موحد".
ثم يمضي في شرحه إلى أن يقول: "الحاصل أنا نقول بمنزلة النفاق بين منزلة الإيمان والشرك، ونقول بأن لا منزلة بين الإيمان والكفر"  (6) 
ثم إن الإباضية يرون بعد هذا أن النفاق لا يكون إلا في الأفعال لا في الاعتقاد كما يقول السدويكشي أيضاً: "والذي عليه أصحابنا ومن وافقهم أن النفاق في الأفعال لا في الاعتقاد"  (7) .
والمعروف أن المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان نفاقهم في الاعتقاد، وأما الأفعال فكانت أفعالهم كأفعال المؤمنين ظاهراً وإنما كان النفاق فيهم في اعتقادهم أن طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صحيحة وأنهم على الهدى والحق مع إتيانهم بأفعال الإسلام، ولعل هذا هو الذي جعل السدويكشي يربط النفاق بالأفعال حيث جاءت منهم على غير تصديق وإذعان.
وغاية القول في هذا المقام أن الإباضية حينما يحكمون على مرتكب الكبيرة بالنفاق؛ فإنهم يجعلونه في منزلة بين منزلتي الشرك والإيمان ويساوون بينه وبين ما يحكمون به على مرتكب الكبيرة من كفر الملة.
أما نفي الإباضية للمنزلة بين المنزلتين في بعض أقوالهم فمرادهم به في أن يكون بين الإيمان والكفر منزلة، فهما ضدان لا يتقابلان تضاد الحياة والموت والحب والبغض بإجماع الأئمة عندهم، وفي ذلك يقول تبغورين الإباضي فيما ينقله عنه علي بن يحيى في كتابه (الإباضية بين الفرق): "الأصل السادس: لا منزلة بين المنزلتين، وذلك أن معناه لا منزلة بين المنزلتين أي بين الإيمان والكفر، وهما ضدان كالأضداد كلها شبه الحركة والسكون والحياة والموت، وقد أجمعت الأمة في أصلهم على أن من ليس بمؤمن فهو كافر"  (8) .
ولقائل أن يقول: إن هذا هو رأي الخوارج الذين تتبرأ منهم الإباضية، أي القول بأن الشخص إما أن يكون مؤمناً بفعل الطاعات أو كافرا بارتكاب المعاصي، وقد استدل تبغورين بالآيات والأحاديث الآتية التي هي أدلة الخوارج أنفسهم الذين يكفرون أهل الذنوب كفر ملة، ومن الآيات التي استدل بها قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ[التغابن:2]، وقوله:  إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3]، وقوله: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [آل عمران: 106 – 107] وقوله تعالى: وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُّسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [عبس: 38 - 42].
واستدل من السنة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((ليس بين العبد والكفر إلا ترك الصلاة))  (9) ، ((ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))  (10) ، ((الرشا في الحكم كفر))  (11) ... إلخ.
وبما قدمناه عن الإباضية من إثباتهم للنفاق أنه منزلة بين منزلتي الشرك والإيمان وأنه لا منزلة بين منزلتي الكفر والإيمان - يظهر لنا خطأ الجناوني عندما فسر نفيهم للمنزلة بين المنزلتين بأنهم ينفون وقوعها بين الشرك والإيمان وهو خلاف ما ذكره غيره من الإباضية؛ حيث يقول: "وأما قولهم: لا منزلة بين المنزلتين - أي لا منزلة بين منزلة الإيمان ومنزلة الشرك - بدليل قوله تعالى:إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان: 3], أي إما مقر بالوحدانية وإما جاحد لها"  (12) .
وقد قدمنا أن إثبات المنزلة بين المنزلتين يريدون به إثبات النفاق منزلة بين منزلتي الإيمان والشرك - وقد نقلناه عن الجناوني سابقا - وأن نفي تلك المنزلة إنما يقصدون به نفي وجود منزلة بين الكفر والإيمان، وبهذا يظهر تناقض الجناوني مع نفسه بالإضافة إلى خطئه في التفسير.

 

  • الخميس PM 04:48
    2015-07-16
  • 4104
Powered by: GateGold